السلام عليكم،
بعد أن أعياني التفكير وضاقت بي الحيل لجأت إليكم راجية أن يتسع لي صدركم.
أنا فتاة في منتصف العشرينات من العمر أعمل في وظيفة مرموقة، اشتهرت سريعاً بين زملائي والمديرين بالتزامي العملي والأخلاقي وتقدّمت سريعاً في العمل واكتسبت ثقة كل من حولي، لكن حدث ما لا حسبت له يوماً حساباً ولا خطر لي على بال! عملت مع شاب في النصف الأخير من الثلاثين، احترمته كثيراً وارتحت في التعامل معه وأعجبت بطريقته وحكمته وبادلني الاحترام الشديد والثقة، رأيت فيه الأخلاق والالتزام في العمل والحياة ولم يكن هذا رأيي وحدي بل كان رأي أي شخص قابلته يحبه ويحترمه كل من اقترب منه.
لاحظت في البداية أننا نشبه بعضنا كثيراً في صفاتنا الشخصية فتحفظت معه كثيراً، كل يوم كنت أتأكد من تشابه الشخصية بل وتطابقها كأننا وجهان لعملة واحدة ولكني التزمت الصمت دائماً فلم أكن أريده أن يدرك هذا التشابه الذي تعجبت منه ولكن من كلامه فهمت أنه يدركه ويعجب له أيضاً، التزمت الصمت والتحفظ واحتفظت بكل خواطري لنفسي.
في البداية رفضت تماماً خاطر تعلقي به ولكن تأكدت أني عندما أختار شريك حياتي سوف ابحث فيه عن شيء من هذا الرجل، كل تصرف وكل كلمة وكل موقف أرى فيه وجهاً جديداً يزيد من انجذابي إليه وإعجابي به وتقديري له، ورغماً عني وجدته لا يغيب عن بالي لحظة واحدة! لا يخلو حديثي منه كلما تحدثت، أشعر بسعادة بوجودي هناك بجانبه وأفتقده بشدة، لم أتمنَ شيئاً سوى أن أظلّ قربه.
يكفيني من الحياة أن أبقى قريبة منه أتابعه في حديثه وتصرفاته واستقصي أخباره... تمنيت أن أتعرف بأسرته وأقترب منهم ولكن كل هذا في داخل نفسي، حاولت إقناع نفسي كل يوم أن هذا الحب ليس إلا حباً وانبهارا برئيسي في العمل كما يحبه الناس جميعاً ولا يجوز لي أن أزيد عن هذا الحب شيئاً، وقررت إن حمل قلبي له شيئاً رغماً عني أن أحتفظ به داخل نفسي لا أبوح أبداً به ولا أحلم به حتى بيني وبين نفسي حتى لا يظهر في تصرف من تصرفاتي وأدعو الله أن يعينني وتهدأ هذه المشاعر في قلبي.
في يوم صرّح لي عن رهبته من تطابق شخصياتنا وأنه لم يقابل في حياته شيئاً كهذا، فقلت له أن لا داعي لهذه الرهبة وكل منا يعرف مكانه واحترامه للآخر وأنه كل منا يحمل للآخر قدراً كافياً من الثقة بحيث لا يقلق وأن هذا التشابه نستطيع أن نستثمره في العمل ونحقق تقدماً.. اعتقدت أن صمتي أخفى عنه مدى التشابه بيننا ولكن لم نكن نحن فقط من لاحظنا بل لاحظه زملاؤنا وكل من عرفه وتعامل معي، لاحظت توتره لكن لم يخطر على بالي أبداً أنه تعلّق بي ويفكر فيّ..
بعد فترة... صرّح لي بحبه ورغبته في الزواج مني وأنه حاول كثيراً أن يطرد هذا التفكير من رأسه ولكن حياته تغيّرت وفقدانه لي قد يفقده اتزانه وهو الرجل المتزن الذي يشهد الجميع برجاحة عقله لا يدري كيف أفلت زمام الأمور هكذا من بين يديه.
رفضت ما يقوله ونبهته أن له زوجة وأبناء وليس له أن يفسد حياتهم وأني أرفض هذا المبدأ ولن أحتمل أن أكون السبب في تعاسة أسرته وأنه لابد أن نوقف هذه العاطفة ونوجهها توجيهاً صحيحاً لأن العواقب ستكون وخيمة وفي نفسي تفكير أني لابد من ترك العمل بعد هذه المصارحة وبعد أن أزيحت الحواجز بيننا ولكني لم أقدر على اتخاذ هذا القرار. أكد لي صدقه في رغبته وأنه ليس شاباً مراهقاً ويدرك تماماً عواقب زواج ثانٍ ويتحملها جميعاً وسوف يقنع أهلي ويقدم لهم كل الضمانات المادية والمعنوية التي يستطيع أن يقدمها حتى يتأكدوا أنها ليست نزوة عابرة وأنه يستطيع الحفاظ عليّ وحمايتي وحفظ حقوقي حتى آخر نبض في حياته، وأنه يريدني زوجة وأماً لأبنائه وأراعي أبناءه معه وأن القدر هو الذي جمعنا ولم يكن بأيدينا أن تملأ قلوبنا هذه العاطفة.
وجدت نفسي أقتنع أن بإمكاني إقناع أهلي وحلمت الحلم الذي طالما خفت أن يسيطر عليّ فتنقلب حياتي، وكان بالفعل أن تملك مني الحلم أن بإمكاننا أن نجتمع ونتزوج ونسترضي أسرته وأهلي ونصبر عليهم حتى ننال رضاهم. ومن يومها وأنا أتمزق بين حبي له وعدم تحملي لفكرة الابتعاد عنه وبين شعوري بالذنب تجاه أسرته وأهلي.
لا أستطيع أن أعيش حياتي معذبة الضمير ورحت أحاول إقناعه بما سيحل من دمار على أسرته ومعارضة من أهلي ومواجهة المجتمع، كان هو الآخر يشعر بذنب قاتل تجاهها وتجاه أبنائه ووالله لم يذكرها أبدا بسوء وكان يعدد فضلها ووقوفها بجانبه وأنه أبداً لم يرد ظلمها ولكن لا يدري كيف يتصرف.
شعوري بالذنب يقتلني، لا أنام! وتمكن مني حبه ورحت أفكر في طريقة لتحقيقه. انهارت كل قواي أمامه ووعدته أن أفكر معه في حل لما حلّ بنا. سألني إن كنت أرضى أن أكون زوجة ثانية ولا أطلب منه الانفصال عن الأخرى فوجدت نفسي أرفض مبدأ أن ينفصل عن زوجته نهائياً، كيف أحمل همها وأشعر بالذنب تجاهها وأنت تهتم بأمرها وأطلب منك الانفصال عنها لن أكون من تفرق أسرة أبداً. لم ينتظر، اعترف لزوجته بكل شيء كما حدث تماماً وأبلغها برغبته في الزواج فانهارت ورفضت رفضاً تامّاً، أشفقنا عليها وقررنا بعدها أن نغلق هذا الموضوع نهائياً ولا نفتحه مرة أخرى،
وكان بالفعل، حبست أنفاسي وتجهمت وجوهنا وأغلق كل منا على نفسه وأصابنا الإعياء.. تماسكت كثيراً أمامه ولكن بيني وبين نفسي كنت أنهار حتى سقطت مريضة وأخذت إجازة من العمل. لم أسترد صحتي قليلاً إلا عندما وصلتني منه باقة زهور يدعو لي فيها بالشفاء، التقطت أنفاسي وتأكدت أنه يحبني وما نحن فيه هو رغم عنا. حاولت أن أبتعد وأن أقبل بمن يتقدم لي فلم أستطع قبول الفكرة. مرت فترة يحاول كل منا تجنب الآخر ونحاول الرضا بما كتب لنا ولكن لم يستمر هذا طويلاً وضعفت قوانا ولم نستطع، ففكرت جدّياً في ترك العمل لكني كلما نويت وقررت أصابتني حالة إعياء شديدة وأتراجع عن قراري. نصحته بمحاولة العودة لأبنائه لأن لا ذنب لهم وأن ليس هناك أمل معي وأنا سأواصل طريقي وأجد من أرتبط به، ولكن بعد فترة انقطاع تهاوت قواه وقواي وتجدد داخلي الأمل مرة أخرى خاصة أني لم أستطع قبول فكرة الارتباط بأي شخص آخر ورفضت كل من يحاول الاقتراب مني أو التقدم إليّ أو محاولات فتح هذا الموضوع معي من أساسه.
قال لي أن حياته كلها ستنهار إذا بعدت عنه، لا ينام ولا يمكنه أن يستمر في حياته، وعلمت أن زوجته رفضت وطلبت الانفصال وأنها لا تريد الحياة معه بهذه الطريقة واتفقا على أن يعطيا نفسيهما فترة إن نجحت فسيكملان بهذا النمط من الحياة وإن فشلت فسينفصلان في هدوء، وحاول إقناعي بأن ليس لي يد في هذا. فكرت ولم أستطع التخلص من ذنب هذا الانفصال فلملمت كل شجاعتي ورضيت بأقداري وأبلغته برفضي وتركته يعتقد أني قد تبدل رأيي وأدركت أني لن أستطيع الزواج منه، فصمت وعذرني وقال أن ما أقوله من حقي وأن حبي سيظل في قلبه أبد الدهر إن اخترته أو رفضته، وأن هذا لن يغيّر شيئاً بينه وبين زوجته وسيظل على اتفاقه معها.
تماسكت و تركته يعتقد أني أريد أن أبحث عن فرصة أخرى وأن هذا الوضع لا يناسبني مادياً ولا اجتماعياً، تركته يعتقد ما يريد من أسباب رفضي واحتفظت لنفسي بالسبب الحقيقي حتى لا يرق قلبه لأجلي وحتى لا يحمل لزوجته شيئاً في نفسه ويقرر في حياته وأنا خارجها. والسبب الحقيقي أني لا أستطيع احتمال الشعور بأني سبب في انهيار بيت ولا مجرد اتهام نفسي بذلك، حتى إن لم أكن أنا السبب المباشر فأنا لم أتمنَ الأذى لمخلوق في يوم فكيف يكون لي يد في الأذى لأبناء وأسرة من أحببت! ويعلم الله أني صدقاً أحبهم وأحرص عليهم وتمنيت أن أكون بجانبهم يوماً دون أي غرض أو غصة في قلبي وأتمنى لهم جميعاً السعادة.
أردته أن يشعر أنه خسرني حتى يحاول صادقاً استعادة بيته وأن يتحمل الحياة لأجل أبنائه.
لا أدري كيف تماسكت أمامه ولم يلحظ الدوار والغثيان اللذين أصاباني، ولحسن حظي انه غادر المكتب باقي اليوم. حاولت التمسك بالقيم والمبادئ ولم أكن أدرك مدى الألم والعذاب الذي أنا قادمة عليه!!.
من يومها وهو صامت لا نتحدث إلا في العمل، نحاول تقليل الاحتكاك في العمل، أصابه وأصابني الإعياء والألم، يحاول الهروب طوال اليوم في الاجتماعات والسفريات، ويعلم الله أني استعنت بالصلاة والدعاء واستخرت الله كثيراً لعل ربي يجعل لي مخرجاً وحتى أستطيع التماسك أمامه وعدم إشعاره بأني أتألم وأنهار وأقلل تماماً من الاحتكاك به، لكن من داخلي محطمة تماماً؛ ألم ومرارة في قلبي، لا أستطيع التركيز في أي شيء، اختناق دائم، نوبات بكاء وانهيار كلما فكرت أن تكون هذه هي النهاية، أفقد أي معنى أو رغبة في الحياة، فقدت شهيتي ورغبتي في أي شيء، لا أكاد أن أنفرد بنفسي حتى أشعر أني أنهار.
أعود للمنزل بعد العمل منهكة وكأن صراعي طوال اليوم مع نفسي و تماسكي يهلكني تماماً، أحاول أن أكثر من العمل والمسؤوليات وأحاول أن أركز أكثر في العمل وأنسى ولكن يزداد حالي سوءاً يوماًُ بعد يوم وأفقد تركيزي.
أشعر بانقباض وضغط هائلين وفقدان للنوم والراحة وأتمنى لو تنتهي حياتي إذا جاء في مخيلتي أنه قد ينسى ويفقد الأمل ويستمر في حياته. حاولت الصلاة والاستخارة وسماع القرآن، وحاولت الخروج مع الأصدقاء والترويح أو الاهتمام بأي نشاط، وحاولت الانهماك في العمل... لكن بلا جدوى.
تقدم لي شاب وحاولت إقناع نفسي به ولكن لم أستطع قبوله أبداً. ولم أتحمل الفكرة، ألجأ للصلاة والدعاء وأدعو الله أن يجعل لي مخرجاً، قولوا لي بالله عليكم ماذا أفعل؟ رجاءً لا تقسوا عليّ لأن ما بي من عذاب الضمير والقلب يكفيني، لم أرد ذلك لنفسي يوماً ولم أتمنَ أبداً ما ليس من حقي.
لا تظلموني فلم أكن يوما فتاة طائشة، وليس لي أي تطلعات مادية؟؟ ولست أتعجل الزواج ولا الارتباط؟؟ ويتقدم لي الكثيرون ولم أستطع قبول أي منهم. ولا تظلموه فلم أعرف عنه سوى الخير، ولم أسمع من الناس عنه سوى المدح والحب الكثير، ليس هو من يكون ظالماً أبداً وليس هو من أخاف على مصيري معه ولا مصير أي أحد آخر.
فكرت في ترك العمل قبل أن تنهار قواي، لكن إذا فكرت في خاطر ترك العمل أشعر باختناق وأصاب بحالة إعياء ولن أتحمل إجراءات ترك العمل... لن أتحمل أبداً.... لا أتصور أن أترك العمل ولا أن أبتعد عنه ولا أن أعود لمعاناة البقاء في المنزل والبحث عن عمل آخر، لا أستطيع اتخاذ هذه الخطوة، وفكرة أن أرتبط بشخص آخر أشد إيلاماً...
أريد أن أخفف هذا الألم في قلبي، أريد أن يهدأ الشوق في قلبي، أريد أن أرتاح من هذا الاختناق والإرهاق الدائم، ماذا حلّ بي؟ ماذا أفعل كي أرتاح؟! لا أستطيع تخيّل حياتي بدونه ولا أتحمل قبول شخص آخر.. لا أتحمل أن أفقد الأمل، سأجنّ!!.
مر الآن شهر ونصف على الفراق والصمت ومازال لا يغيب عني لحظة ومازلت يائسة وفاقدة الأمل في الحياة.. لا أستطيع فعل أي شيء، لم أستطع لملمة شتات نفسي ولا أعرف هل أنا على صواب أم خطأ؟، هل سأخرج من هذا السجن أم سأظل حبيسة حبه؟.. ت
عبت جداً ولا أدري ماذا أفعل.
عذراً فقد أطلت عليكم لكن لتعرفوا أبعاد الموقف.
29/06/2008
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لست ضد الزواج الثاني ولا التعدد -فلا نحرم أو نجرم ما أحل الله- بدأت سطوري بالنفي لأن النفي في سطورك أرهقني.
لنرى كم نفيا لديك من البداية لم تكوني واعية لتزايد الاقتراب والتعلق بينكم ولا تطور المشاعر!! لا تريدين أن تكوني زوجة ثانية!! ولا سببا في تشتيت أسرة!! ولا تطيقين البعد عنه!! ولا ترك العمل!! ولا تستطيعين البقاء في المنزل ولا عناء البحث عن عمل آخر!! ويغضبون عندما أقول أن ما نعتقده حبا هو في كثير من الأحيان أنانية ومكتسبات شخصية.
لا يستطيع إنسان أن يطوع الدنيا على هواه ووفق قدراته وما تعاش الحياة إلا ما بين ترتيب الأولويات والتنازل عن بعض الرغبات.
أشعر بألمك والذي يزيده تشوشك الواضح وهو ما يجعل من الصعب عليك اتخاذ القرار المناسب والواقعي الحكيم لحياتك، ولن تخلو حياة من لحظات ألم وشقاء ولذلك بشرنا رب العالمين بأن الصابرين يوفون أجورهم بغير حساب تقديرا منه الرحمن الرحيم لصعوبة الصبر ولكنه ممكن بل ومن الرحمة أيضا أننا يمكننا اختيار نوع الشقاء الذي نطيق أي نتحمله بمشقة.
انفصال زوجته عنه ليس ما يقلقني ولن يكون ذنبك فالسعيد والمستقر في علاقة لن يخسرها لتغير شكلها وزوجه حرة في قراراتها وفي اختيار ما تطيق، ولكن نصيحة لجميع الزوجات لا تتركي زوجك لزواجه من أخرى أبدا.
أتحفظ في قبول الصغيرات لمرتبة الزوجة الثانية لعدم نضجهن الكافي عادة في تقييم أمور الحياة والتي لا تقوم على المشاعر فقط فنهايات القصص والأفلام تسبب تشويه معرفي للناس عندما تصور أن الزواج هو النهاية السعيدة للأحداث بينما يقول الواقع أن الزواج بداية المسئوليات والمواجهات مع الحياة، فهل تعرفين معنى الشراكة ألا تحضرك الآية الكريمة رجل سلما لرجل ورجل فيه شركاء متشاكسون؟ وبأي حال لن يكون أي زوج خالصا لك ولكن هناك زيادة واضحة في الالتزامات عما هو معتاد فهل تطيقين هذا؟ تحبين بنيتي أولاده ولكن هل أنت مستعدة لتحمل مسئولية رعايتهم إن رفضت أمهم القيام على أمرهم؟ قضايا كثيرة شائكة وعالقة في الزواج الثاني لا أظنك غافلة عنها أصعب وأعقد من رأي أهلك وتوقعاتهم لك.
تحتاجين لمساحة تقررين فيها ما تطيقين وما لا تطيقين ولن يكون تفكيرك سويا ولا حرا في وجودك أمامه وتحت ضغط مشاعرك ولهذا أخبرك بأن تبدئي بالفعل البحث عن عمل آخر وبهذا نحل مشكلة الاحتكاك التي تؤثر على سواء التفكير ونتجنب معضلة التواجد في البيت فأولويتك كما أراها الآن هي الخروج من دائرة النار.
لا تتعجلي الارتباط بغيره وأعط نفسك فرصة للتأكد من نضج مشاعرك وانسجامها مع التفكير المنطقي والعقلاني وليس من صدقها، تروي قليلا وضعي في اعتبارك أن كل ما يبدأ ينتهي وكل ما يولد يموت وما المشاعر بأقوى من البشر.