السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا صاحبة مشكلة (هند والوسواس)... طلبتم أن أوافيكم بأخباري.
الحمد لله أنهيت العلاج الدوائي منذ 5 شهور وكان التحسن تدريجياً، والآن بفضل الله أشعر أني عدت للوضع الطبيعي رغم أني قرأت سابقاً أن الشفاء 100% قد يكون صعباً.
الحمد لله هذا العام رزقني الله بأحداث سعيدة لا داعي لذكرها الآن حتى لا أكشف شخصيتي، ولكن كان لها أثراً كبيراً في تحسين حالتي وخروجي من الاكتئاب.
قرأت المقال الذي أوردتموه في الرد على الاستشارة والخاص بالعلاج السلوكي واستفدت كثيراً والحمد لله...
تغيّرت شخصيتي وبدأت أنظر لبعض الأمور نظرة أخرى؛ فسعيي للكمال كاد أن يهلكني، وبما أني كنت أشعر بالوحدة بسبب اختلاف شخصيتي تماماً عمن حولي وأنظر لهم على أنهم خطأ وأنهم يعيقونني عن تنفيذ الصواب، إلا أني أدركت أننا يجب أن نكون منصفين في نظرتنا للآخرين وقد أكون أنا على خطأ وقد يكون الطرفان على خطأ ولكن المهم أن نحترم من نختلف معه ونسعى لمعرفة الحقيقة ونتوكل على الله في الالتزام بالحق.
ما تعلمته في العلاج أن ما يزعج في الأفكار الوسواسية هو الخوف منها والخوف من إمكانية حدوثها، ولكن إذا فصلنا بينها وبين المشاعر المصاحبة لها فقدت قوتها وانهارت، أو بمعنىً آخر تعامل معها ببساطة ولا تعطها أي قدر من الأهمية.
طبعاً بعد التحسن الأولي:
(1) كنت خائفة من العودة إليه إلا أني أعجبت بكلمة- أعتقد د. وائل كان قالها- في أحد الاستشارات (وإن عدتم عدنا).
(2) كان عليّ أن أهيئ نفسي لأن أكون غير موسوسة! بمعنى أني لاحظت أن الأطباء يركّزون على هدم الأفكار الخاطئة لكن يجب على الجانب الآخر بناء فكرة بديلة، أي قد يركز الطبيب على تعليم المريض كيف يتخلص من الأفكار الوسواسية، ولكن المريض يجب أن يتعلم في نفس الوقت أن يغيّر من طريقة تفكيره وشخصيته الوسواسية بكل ما فيها من عيوب ومزايا وهمية، وإذا فشل في رؤية نفسه في وضع طبيعي وسليم، وإذا فشل في شغل عقله بأمور أخرى وبناء أفكار جديدة فأعتقد أن شفاءه غير كامل.
بالنسبة للعلاقة مع الوالد... كنت محقاً يا د. مصطفي عندما طلبت مني الاهتمام بنفسي أولاً؛ فحالياً تغيّرت نظرتي لكل المشاكل مع الوالد وفهمت أن لكل فرد شخصيته المختلفة عن الآخر والتي على أثرها يتصرف ويتعامل مع الآخرين، ويبدو أن المشكلة كانت في نظرتي أنا، والآن الوضع أفضل من ذي قبل ولله الحمد.
ما يزعجني أحياناً الآن هو بعض الضيق من أنني اضطررت للذهاب لمعالج نفسي وأنني أخبرت بعض أفراد الأسرة.. أعلم أن هذا التفكير خطأ إلا أنني أحاول التأقلم.
شكراً لكم
جميعاً وجزاكم الله خيراً.
13/07/2008
رد المستشار
الابنة العزيزة هند،
أهلاً وسهلاً بك، وشكرا على متابعتك،
تأخرت رسالتك هذه عند مجيبك لفترة طويلة ويبدو أن انشغاله بالمنتدى أثر على جاهزيته للإجابة بسرعة على الاستشارات والمتابعات والمشاركات بعدما كان عودنا على ذلك... وأرجو أن تقبلي المتابعة معي.
كانت رسالتك الأولى لمجانين بتاريخ 7/9/2007 وظهر الرد عليها بتاريخ 27/9/2007... وترسلين الآن متابعتك بتاريخ 13/7/2008 وتقولين فيها أنك أنهيت علاجك العقَّاري منذ 5 أشهر! معنى هذا أنك لم تتناولي العلاج لا العقاري ولا المعرفي السلوكي للمدة الكافية، وهذا أولاً.
وأمّا ثانياً يا هند، فإن من الواضح أن لجوءك للإنكار متأصلٌ فيك بشكل لا جدال فيه رغم تنبيه مجيبك أخي د.مصطفى السعدني إلى ذلك، فأنت الآن مستمرةٌ في إنكارك ما تزالين، ولعلك تحتاجين لقراءة أكثر حول المسار المرضي لحالة الوسواس القهري. فما حدث الآن هو انحسار مؤقت للأعراض ربما، والمسار النموذجي للاضطراب هو مسار مزمن يتميز بفترات هدوء للأعراض تعقبها فترات انتكاس، وسأشرح لك أكثر فيما يلي:
رغم أن دراسات متابعة مرضى الوسواس القهري لفتراتٍ طويلةٍ وبصورةٍ منهجيةٍ قليلٌ ما تزال على مستوى العالم لكنَّ دراسةٍ حديثةٍ إلى حدٍّ ما تمت فيها متابعةُ المرضى بالوسواس القهري لخمس سنوات أظهرت نتائجها ما يلي:
1- حدثَ تصاحبٌ (أو تواكب) مرضي Comorbididity بين الوسواس القهري واضطراباتُ قلقٍ أخرى في 76 % وبينهُ وبينَ اضطراب الاكتئاب الجسيم في 33%.
2- وجدت سماتُ شخصيةٍ مضطربةٍ إلى الحد الذي يسمحُ بتشخيص اضطراب شخصية واحدٍ على الأقل وغالبًا من المجموعة القلقة أو الخوّافةِ Cluster C في 33 %.
3- كانت نسبةُ الشفاء التام مع الاستمرار على العلاج 20% بينما تحسنت الأعراضُ إلى حد كبيرٍ في50%.
4- كانَ الزواجُ، وعدمُ شدة الحالة عند بداية الدراسة مؤشراتٌ على المآل الجيد بينما كانَ التصاحبُ المرضي مع الاكتئاب الجسيم مؤشرًا على مآل سيئ.
بينما وجدت مجموعةٌ أخرى من الباحثين، وإن كانت مدةُ متابعة المرضى في دراستهم سنةً واحدةً يتم تقييمهم خلالها مرةً عند بداية الدراسة ومرةً بعد ستة أشهرٍ ومرةً عند نهاية السنة، إن اضطراب الاكتئابِ الجسيم قد يظهرُ مصاحباً لاضطراب الوسواس القهري في بداية المرض أو بعد ستة أشهر ولكنه يتحسن عندما تتحسنُ أعراضُ الوسواس القهري، واستنتجَ الباحثونَ أن هذا النوع من الاكتئاب الجسيم الذي يصاحبُ الوسواس القهري لا يؤثرُ سلبيّاً على مآل اضطراب الوسواس القهري، ووجدت مجموعةٌ ثالثةٌ من الباحثين تابعوا مرضى اضطراب الوسواس القهري لمدةِ سنتين، وكان منهم المتلقين لمحاولةٍ علاجية باستخدام الماس لمدةٍ مناسبةٍ (77 % استخدموا الماس لمدةٍ أكثر من أو 12 أسبوع بجرعةٍ عاديةٍ و 68 % استخدموه بجرعات عالية) وبعضهم 18 % أكملوا محاولةً كاملةً من العلاج السلوكي وكانت نتائج هذه الدراسة غيرُ مشجعةٍ إلى حد كبير:
1- بلغ احتمال زوال الأعراض تمَامًا 12% فقط بينما بلغَت نسبةُ التحسن الجزئي 47%، وذلك على مدى السنتين اللتين تمت فيهما متابعةُ المرضى.
2- كانَ هناكَ احتمالٌ لحدوث انتكاسةٍ Relapse بعد بلوغ التحسن التام في نسبة 48%.
3- لم تستطع الدراسةُ تبينَ وجودِ أي علاقة لمسار أو مآل اضطراب الوسواس القهري مع أي من المتغيرات المشهورة في الأبحاث الطبية.
واستقراءُ نتائج البحث العلمي الحالي في الحقيقة إنما يشيرُ إلى اختلافٍ في المآل في النوعين الكبيرين من اضطراب الوسواس القهري وذلك بعد تقسيمه على أساس سن بداية الأعراض، ففي الحالات التي تبدأ فيها الأعراض قبل أو في سن العاشرة غالبًا ما يكونُ مآلها أسوأَ خاصةً وأن تصاحباً مرضياً يحدثُ مع العديد من الاضطرابات النفسية الخاصة بالأطفال أو غيرها كاضطراب العرات أو اضطراب توريت، بينما ينتظرُ مآلٌ مرضي أفضل نوعًا ما في الحالات التي تبدأُ فيها الأعراض بعد سن السابعة عشر، ويبدو الأمرُ متعلقاً بتغيراتٍ معينةٍ في النسيج العصبي تكونُ أكثرَ وقعًا وتأثيرًا في حالة بداية الأعراض في سن الطفولة، وقد أشارت معظمُ الدراسات إلى هذا الرأي عند مناقشة هذه النقطة.
ومعنى ذلك أن هناكَ اختلافاتٍ بينَ نتائج الدراساتِ وأنهُ كلما طالت مدةُ متابعة المريض كلما كانت الصورةٌ أقلَّ إشراقًا، لأنه يبدو أن الدراسات التي أشارت إلى تحسن أو شفاء ما بين الستينَ والثمانين بالمائة من المرضى كانت دراساتٍ تم فيها الحكمُ بسرعةٍ، بمعنى أنهم تابعوا المريض أصلاً بغرض متابعة تأثير الدواء الذي يتناولهُ وهنا وقع أولئكَ الباحثون في فخِّ تقييم الدواء بدلاً من تقييم المريض والحقيقةُ التي تؤكدها الممارسةُ العمليةُ للطب النفسيِّ.
بصراحة واختصار لست مطمئناً على حالتك يا هند طالما بقيت على عادة الإنكار تلك، وطالما ظللت تشعرين أن ذهابك للمعالج النفسي مشكلة، وهذا ما أتمنى أن يزول يا ابنتي وأهلاً بك.
واقرئي على مجانين:
الانتكاسات المرضية لمرضى الوسواس القهري