عمي وزوجي وخيالي
عمري ثلاثون عاماً، مشكلتي الخاصة أنني عشت في بيئة لا تعرف حلالا ولا حراما فقد توفي والدي -رحمه الله- وأنا طفلة صغيرة، وكفلني عمي الذي كان يشاهد أفلام الجنس وأنا معه في الغرفة، فقد كان يظن أنني صغيرة لكنني كنت أفهم ما يحدث، وتعرضت للتحرش الجنسي والذي تحرش بي يحاول ابتزازي بأنه يطلب مني مالا وإلا فضحني.
لم ألتزم بالدين إلا بعد هزة عنيفة أصابتني بعد وفاة والدتي، ورغم إلتزامي فإنني أخون زوجي بخيالي مع شخص ملتزم أحببته من طرف واحد، وهو ما جعلني أقبل على ممارسة الحب مع زوجي بشراهة، ولذلك أشعر أنني حقيرة.
وهناك مشكلةٌ أخرى تشترك بها صديقتي معي، فنحن نكره علماء بلدنا الذين لا يعرفون من الدين إلا العباءة السوداء، وأن المرأة كلها عورة، وأن الله شديد العقاب، كذلك لا نعجب بالعلماء الأقل تشددا، لأننا نراهم يسهلون الأمور كثيرا إلى درجة التسيب.
زوجي وزوج صديقتي أيضا غير ملتزمين، لكننا لا نستغني عنهم في كل جزيئات حياتنا إلا الحب فهو بالنسبة لنا إفراغ شهوة لا أكثر، نحاول أن نعطي أزواجنا الحب، لأنه واجب شرعي ولا دخل لعيوبهم وسلبياتهم في هذا الأمر ونشعر بالأسى نحوهم.
كما نختلف معهم في تربية الأبناء، فهم يفضلون السفر واللهو معهم على تعليمهم الدين، ونحن لا ندري كيف نعبد الله تعالى، لكننا نتمتع بحساسية عالية، فنحن نبكي لتذكر مأساة فلسطين وحين نشاهد الجرائم التي تحدثُ يوميا في العراق، كما أننا ندعم المشروعات الخيرية بالمال، ونعشق أسامة بن لادن، ونتمنى لو أن أزواجنا كانوا مثله.
13/8/2003
رد المستشار
الأخت السائلة، وصفت البيئةَ التي نشأت فيها في إفادتك بأنها بيئة لا تعرف حلالا ولا حراما، ثم ضربت المثلَ على ذلك بأن عمك كانَ يشاهدُ أفلام الجنس أمامكِ وأنت صغيرة (أو وهو يظنُّ أنك كنتِ صغيرةً) مع أنكِ كنتِ تعرفين وتفهمين، ثم تعرضت بعد ذلك للتحرش الجنسي (ليسَ من هذا العم وإنما من شخصٍ آخرَ وهوَ الآن يهددك ويبتزك) وأنا هنا أسألُ سؤالين:
الأول: أليسَ وصفكِ للبيئةِ التي عشت فيها بأنها لا تعرفُ حلالاً ولا حرامًا وصفًا جائرًا بعضَ الشيء أو مبالغًا فيه على الأقل، أنا لا أعفي عمك من المسؤولية ولا أغضُّ النظر عن فعله المشين، ولكنني أقولُ أن هذا الرجلَ كفلكَ وأنت يتيمة الأب، ورغمَ أنهُ شاهدَ أفلام الجنس وأنت معه إلا أنه لم يتحرش بك، مع أن هذا كانَ هوَ المسار العاديُّ الذي يوجههُ نحوهُ الشيطان، إذن لماذا وصفت في إفادتك البيئةَ التي عشت أنت فيها بهذا الوصف؟ لا أرى تفسيرًا لذلك إلا أن يكونَ تبريرًا لما سيجيء بعد ذلك، أو تبريرًا لعدم إلتزامك فيما سبقَ من حياتك، أي أنك تريدينَ أن يجدَ الآخرونَ لك العذر أو أن تجديه أنت لنفسك!
والثاني: لم تقولي لنا من الذي تحرشَ بك؟ ولم تقولي أيضًا كم كانَ عمرك في ذلك الوقت، كما لم تقولي لنا ماذا كان موقفك أنت من الفعل الجنسي الموجه نحوك ساعةَ حدوثه، فليسَ كل فعل جنسي مع أنثى من غير زوجها تحرشًا جنسيا فالتحرشُ الجنسي معناه أنك رافضةٌ للفعل ساعةَ حدوثه ومعنى أنك رافضةٌ هو أنك في موقف القوية التي لا يمكنُ أن تصبحَ ضحيةً للابتزاز وهيَ في الثلاثين من عمرها.
هل كنت طفلةً إذن ساعةَ وقوع الفعل الجنسي الذي تسمينه بالتحرش، إن جانبًا مُهمًّا من الضرار الجنسي للطفلة هو أنها تكونُ غير مدركةٍ للأمر بكامل أبعاده، وأنا أراك كما بينت في إفادتك كنت على علمٍ بالجنس لأنك فهمت ما يتفرجُ عليه عمك (وهذا هوَ الضرار الجنسي الذي حدثَ في حياتك حيثُ أطلعك عمك على ما أنت صغيرةٌ على معرفته دونَ قصدٍ منه بالطبع)لكنك عندما حدثَ ما تسمينه بالتحرش الجنسي لم تكوني حسبما أخمن لا صغيرةً ولا جاهلةً ولا غير مدركةٍ لأبعاد الأمر، وإنما أخطأت وكلنا يخطئُ في حياته ويسترهُ اللهُ ويغفر له إذا أراد التوبة والإقلاع عن أفعاله، فما حدثَ لك إذن لم يكن تحرشًا بالمعنى المعروف وإنما هوَ فعلٌ جنسي تمَّ ولو بموافقةٍ جزئيةٍ منك، فهذا فقط هو الحالُ الذي يجعلُ من فعلهُ معك في موقف القوي الذي يهدد ويبتز، ألست معي في ذلك؟
أما إلتزامك فأنا أحييك عليه، ولكنني أسألُ سؤالاً عن معنى الإلتزام في رأيك؟ لأن من الواضح أنك تقصدينَ شيئًا غير الذي يفهمُ من الكلمة، إنك تضعينَ إخبارنا بإلتزامك في نفس السطر الذي تقولينَ فيه (ورغم إلتزامي فأنا أخون زوجي بخيالي مع شخص ملتزم أحببته من طرف واحد، وهو ما جعلني أقبل على ممارسة الحب مع زوجي بشراهة، ولذلك أشعر أنني حقيرة)،وهنا أجد نفسي مضطرًا لمناقشة نقطتين:
الأولى: تتعلقُ بمعنى الإلتزام، لأن ما فعلتيه أنت حتى الآن هوَ بدايةُ طريق الإلتزام أي أنك بدأت في التعرف على الطريق إلى الله وعلى الالتزام بأوامره وإجتناب نواهيه كمسلمة، ليسَ الإلتزامُ هو أرتداءُ زيٍّ معينٍ ولا الدخول على مواقع على الإنترنت دونَ غيرها، الإلتزامُ أكبرُ من ذلك وأتمنى أن تدركيه.
وأما الثانيةُ: فتتعلقُ بالخيانة الزوجية في الخيال، كيفَ يكونُ ذلك، إن معنى أن تصفي نفسك بالخيانةِ هوَ أنك تفعلينها مختارةً ولكنك تعرفينَ أنها خيانة وترفضينها بقلبك، والخيالُ الذي يحدثُ لي رغماً عنا مختلفٌ عن الخيال الذي نستدعيه ونستمتع به، فالأول هوَ من طبيعة بني آدم التي أرشدنا ديننا إلى مقاومتها إن أشتملت على الحرام قدرَ أستطاعتنا ويمكنني أعتبارها جزءًا من حديث النفس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "عُفي عن أمتي ما حدّثت به نفوسها ما لم تتكلم به أو تعمل به" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله تعالى يقول للحفظة إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها فإن عملها فاكتبوها" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وأما أن أستسلمَ لهذا الخيالِ وأن أستعذبه فهذا هو المحرم، ثم أنك تقولينَ أن حبك لذلك الشاب الملتزم قد دفعك إلى ممارسة الحب مع زوجك بشراهةٍ مما دفعك إلى أحتقار نفسك، فهل تحتقرينَ نفسك لأنك تمارسين حقك الشرعي مع زوجك؟ وما هيَ الشراهةُ التي تقصدين أصلا؟ إن الواضحَ من الكلام أنك تحتقرينَ نفسك لأنك تفعلين الجنس مع زوجك بينما أنت تتخيلين شخصًا آخر وهذا حرامٌ إذا كنت تفعلينهُ برغبتك،
ثم تعالى إلى هذا الزوج الذي يهتمُّ كما قلت في إفادتك باللهو والسفر مع أولاده أكثرَ من إهتمامه بتعليمهم الدين، معنى ذلك أنه زوجٌ متاحٌ أو متوفرٌ لبيته وزوجته ويسعدُ بالسفر واللهو معهم، لكنهُ مقصرٌ في رأيك لأنه لا يعلمهم الدين، ولا أجدُ لديَّ ردًّا إلا أن أقولَ لك وماذا تفعلين أنت وصاحبتك تلك؟ لماذا لا تعلمين أنت وهيَ الدينَ لأولادكما؟؟؟ هذا الزوجُ إذن مظلومٌ لأنهُ رغم التزامه بواجبات بيته ومتطلبات أولاده لا يجدُ من زوجته الرضا والسعادةَ بما يفعل! وهذه هيَ النقطةُ التي تجعلني أنا (لا أنت) أشعرُ نحوه بالأسى!!
أما النقطةُ الأخيرةُ التي أودُّ الإشارةَ إليها فهيَ أنك تخلطينَ الأمورَ بشكل غريب، وتلقينَ اللومَ على كل شيءٍ إلا نفسك، حتى الشيوخُ وعلماء الدين لا يعجبونك إن هم تشددوا ولا يعجبونك إن هم يَسَّروا على الناس، ولا تقدمين أنت الحل إلا في أن نفعلَ ما يفعلهُ المؤيدونَ لتهمة كتهمة الشيخ ابن لادن، فهل هذا هوَ المثالُ الذي يجبُ أن يحتذى؟ بالتأكيد لا وأنا بالطبع أتكلم لا عن الشيخ أسامه بن لادن الذي لا يعلمُ حقيقته إلا الله ولكنني أتكلمُ عن صورة ابن لادن التي نشرتها أمريكا بين الناس فهذه الصورةُ ليست هيَ الإسلام وأتمنى أن تراجعي نفسك في ذلك.
أن الالتزامَ الصحيح يبدأُ من أن تحاولي فهمَ نفسك وأن تعملي على تربيتها وعلى تنقيتها من كل ما يغضبُ الله عز وجل، وأن تؤدي حقوقَ كل صاحب حقٍّ عليك قبل أن تطالبي الآخرينَ بذلك، وأما أولادكِ فأنا أرى أن تعليمك الدينَ لهم يجبُ أن يكونَ بعد فهم الدين الإسلامي نفسه لأنهُ أكبرُ وأعمقُ وأشدُّ مما يبدو لي أنك تتخيلين.