الحالة النفسية ومرض البهاق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا فتاة أبلغ من العمر 29سنة، أصبت بمرض البرص (البهاق) عند بلوغ السنة 12 مع بداية المراهقة، وذلك في شتى أنحاء جسمي ولكن بدرجة متوسطة أي أنها بقع صغيرة في الغالب حول المفاصل باستثناء وجود بقع كبيرة في اليدين والقدمين.
حاولت قدر الإمكان ألا يكون للمرض أي تأثير على نفسيتي وعلى حياتي ككل، وحاول والداي أن يقنعاني بأن أترك دراستي وأتفرّغ للعلاج من المرض لكني رفضت ذلك وبشدة وبفضل الله أنهيت تعليمي الجامعي.
كانت محاولاتي بألا يترك المرض أثاراً سلبية على نفسي تولد بدورها تأثيراًُ عليّ بحيث أنّه كان يتوجب عليّ أثناء احتكاكي بالناس أن أتصرف بشكل عادي، لكن الأكيد أن نظرات الناس إلي وخصوصاً الأطفال الذين يسألونني أحياناً بكل براءة ما هذا ويشرون إلى مكان المرض، إضافة إلى تعليقات المارّة في الشارع، ناهيك عن تعليقات النساء بقولهن: سبحان الله الذي ابتلى هذه الفتاة الجميلة بهذا المرض اللعين وغير هذا من الأقوال.
حاولت أثناء فترة تمدرسي أن أحتفظ دائماً بمسافة محددة بيني وبين زميلاتي وزملائي حتى لا أتعرض للإحساس بأنهم ينفرون مني وكان الحاصل هو العكس، بحيث أنني كنت محبوبة لديهم بسبب أخلاقي العالية واهتمامي الكبير بالدراسة، فكل من ربطتني بهم علاقة الصداقة كانت بمحاولة منهم للتقرب مني لا العكس.
سافرت إلى مدينة أخرى غير التي أقطنها لإنهاء تعليمي الجامعي وأنا مثقلة بهموم الاحتكاك بالناس هناك، فهم غير أبناء بلدتي الذين يعرفونني معرفة حقّة.. واتخذت بذلك نفس سياسة ترك مبادرة محاولة التعرف تأتي من الآخرين وليس مني فنجحت تلك السياسة للمرة الثانية وقد كان انفرادي في الجامعة يثير فضول الطالبات ويدفعهن إلى التعرف عليّ.
تجدر الإشارة إلى أنني فتاة مرحة وفكاهية جداً لكن هذا ما لا يعرفه إلا القريبون مني لأن ملامحي تنبئ بجدية بالغة. وأشير أيضاً إلى أن علاقتي بوالداي وإخوتي جيدة ودائماً أحاول أن أدخل البهجة إلى قلوبهم وأن أواسيهم في أحزانهم، علماً بأن شكواي من المرض لا يسمعها إلا خالق المرض عز وجل، فأنا لا أشكو مرضي لأي أحد من أفراد عائلتي ولا لأي شخص آخر بل إنني على قدر كبير من الإيمان بالله الواحد الأحد وجد متفائلة بقدرة الله على شفائي فلم أدع أي دواء وصف لي إلا تعاطيته بأمل كبير وإن كان هذا الأمل يخدش أحياناً وخصوصاً إذا طالت فترة العلاج دون أي نتيجة تذكر، لكن يبقى إيماني بالله كبيراً والله أعلم بذلك.
جرّبت في بداية ظهور المرض دواء الطب الحديث لكنه لم ينجح البتة في علاجي، وفي تلك الفترة كان المرض ينتشر بسرعة.. وبعد أن يئست من نتائج الدواء الحديث التجأت إلى طب الأعشاب وبدأت مؤشرات الشفاء وكان لهذا تأثير جيد على نفسيتي لكنها سعادة مشوبة بالخوف، وكان إحساسي في محله حيث أن الشفاء بدأ يضعف وعاود المرض الانتشار من جديد في كل فترة أمكثها دون أخذ الدواء.. يعني أخذي للدواء لا يشفيني وتركي له يزيد من الانتشار، كان ذلك الدواء عبارة عن مرهم من الأعشاب، فكنت أضع الدواء وأتعرض لأشعة الشمس.. توقفت عن استعمال هذا الدواء بعد أن استعملته لمدة ثلاث سنوات تقريباً.
بعد ذلك وصف لي دواء آخر وهو عبارة عن أعشاب لا أعلم عنها أي شيء ولا كيف تصنع سوى أنها تشفي من مرض البرص.. المهم وصف لي العشاب بدقة مشوبة بالتخويف والتحذير من وجوب إتمام تعاطي الدواء على أكمل وجه، فطبقت قوله جيداً (عفاكم الله) كان الدواء مرّاً.
وكان لهذا الدواء نتائج جيدة ولله الحمد والمنة بحيث شفي جل المرض ولم يبقَ منه إلا القليل.. انتهى فصل الصيف، وعشت الفصول الأخرى بترقب بالغ لفصل الصيف الذي يليها لأتم علاجي بنفس الدواء لكن صدمتي كانت قوية فالشفاء في التالي لم يكن بنفس النتيجة وكان بطيئاً جداً وكذلك الصيف الذي بعده والذي بعده والذي بعده.. لكن على الأقل استعمالي لهذا الدواء كان يمنع من انتشار المرض.. إلى أن خفت تعبت وازداد خوفي من إمكانية تعرض جسمي للضرر من جراء مرارة الدواء، فتوقفت عن تعاطيه.. وطبعاً بدأ المرض بالانتشار من جديد، فعدت لاستعمال الدواء من جديد لكن بفترات متباعدة أي ليس سنوياً بل أمكث أحياناً سنة أو سنتين من غير علاج.
حالياً أتعالج بمرهم بإيمان بالغ بالشفاء، وألاحظ بعض مؤشرات الشفاء وإن كان بشكل طفيف جداً.
بعد حصولي على الشهادة الجامعية نصحني الكل بالبحث عن العمل لكني لم أرغب بذلك والحقيقة أن الدافع هو خوفي من عدم نجاحي أو بالأحرى خوفي من عدم قبول المسئولين (عند التوظيف في أي مجال كان) لي وأنا في هذه الحالة، فمرضي يسبب لي حاجزاً كبيراً في بحثي عن العمل، والتواجد في الأماكن الاجتماعية وإن كنت أجاهد نفسي على عدم الانطواء. لكن مشكلتي الحالية التي تؤرقني هي الزواج فأنا أفكر كثيراً في عدم قدرتي على الزواج، فمن يقبل بي هكذا أولاً؟ إضافة إلى أنني أنا أيضاً لا أستطيع الزواج بهذي الحال خصوصاً وأن مرضي يتواجد في مواضع الأنوثة..
غير أن لدي رغبة شديدة في الزواج خصوصاً وأنا ألاحظ أن سن الزواج يكاد ينفلت مني فإيماني الشديد يشعرني بقوة قدرتي على إدارة بيت الزوجية وتمتيع الزوج بكامل حقوقه إضافة إلى عاطفتي الجياشة، وأشير إلى أنني لم أقم قط بأية علاقة عاطفية مع أي شاب. وأحياناً أفكر في أنني حتى لو شفيت فمن يقبل بالزواج من مريضة سابقة بالبرص.
أريد تفريغ عاطفتي في بيت الزوجية وفي الحلال، أصبح هذا هاجسي وأصبحت أفكر في العلاقة الزوجية كثيراً لكني أصطدم بواقعي.. فما الحل.
أرجو أن تدعوا لي بالشفاء.
29/06/2008
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
شفاك الله وعفاك وآجرك على ما تعانين من مرارة الدواء ومن الثقل النفسي للمرض. من أسباب الاضطرابات النفسية الاختلافات الجسدية ولكن إن نظرت حولك وجدت أن المعاقين -الذين يمثلون أقصى درجات الاختلاف- نجحوا بأن يجعلوا لأنفسهم مكانا بين الناس متجاوزين الصعوبات التي تفرضها عليهم إعاقاتهم بالإضافة للآثار النفسية للاختلاف، فالاختلاف قد يساعد على الاضطراب ولكنه لا يفرضه.
أنت رغم مرضك ما زلت صاحبة القرار في الانسحاب من الحياة والاستسلام بينما لديك تجربة ناجحة أثناء دراستك بأن استغراب الناس لاختلافك لم يدم بل تعودوه وكنت كذلك مصيبة في تمسك بحقك في التعلم عكس رأي والدك فلماذا تتقاعسين الآن والمفروض أنك أكثر قوة ونضجا متسلحة بعلمك وخبرات الحياة عن ممارسة حياة طبيعية مثل باقي البشر رغم مرضك؟
لا تنسي تأثر مرضك بالعوامل النفسية وربما لو عملت على تقبله مع معالجته وتخلصت من قلقك من تأثيره على تفاعل الناس معك وواجهت الناس باختلافك لتراجعت نسبته في جسدك.
الخوف ألد أعداء الإنسان بادري عزيزتي بالبحث عن عمل ولا تسيئي الظن بالله فمن ابتلاك يخبئ لك أجر صبرك ولكن حتى يسمح الله بنعمه يجب أن تعيشي حياتك بشكل طبيعي وتعملي وتتواصلي مع الحياة والناس فجلوسك في البيت لا يساعد إلا على حرمانك من فرص تعرف الناس عليك ويعطل قدرتك وحاجتك للعطاء فإن لم يكن للعمل من قيمة سوى أنه يعطيك دافعا للحياة يستثمر وقتك وطاقتك ويحول دون وقوعك فريسة للأمراض النفسية فهو هدف كافي.
ماذا سيفعل الناس؟ سينظرون إليك عزيزتي أنهم يفعلون ذلك طوال الوقت مع الجميع فالفضول أحد الدوافع البشرية الأساسية نتعرض له جميعا بل ونمارسه كذلك فلا تجعلي الناس محرك لحياتك بل تولي زمام أمرك وواجهي الحياة والناس، وكما رأيت بنفسك أن طغيان شخصيتك وطيبتك كان ينسي الناس مرضك والحمد لله أنه مرض غير مؤلم ماديا كما أنه لا يعوق استمتاعك بحياتك.
أما عن تأخر زواجك فمرضك ليس السبب الوحيد فانظري لكم الإحصائيات عن العزاب في الوطن العربي من الذكور والإناث أنه الرزق يأتي به الله تعالى متى شاء، استعيني بالدعاء وأحسني الظن بالله وعيشي حياتك دون انتظار للزوج فهو أمر لا نملك قراره فقد يكون غدا وقد يكون بعد سنين وأرجو أن يكون قريبا.
الخطوة الأولى في التواصل مع الحياة هي البحث عن عمل ثم زيادة ثقتك بنفسك وتطوير مهاراتك الاجتماعية في التعامل مع الناس والاستمرار عن بحث لعلاج جديد لمرضك عيشي حياتك بكل مساراتها ولا توقفي أحدها لحساب الآخر فالحياة ليست عمل فقط ولا زواج ولا اكتمال حسن المظهر فما نجده في الحياة يعوضنا ما نفقده فلا تفرضي على نفسك الخسارة من جميع الجوانب.
بارك الله فيك وأعانك وتابعينا بأخبارك.