السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أعاني من دوخة تستمر معي لأيام عدة، وأحياناً لشهر أو أكثر وتستمر طيلة اليوم بلا انقطاع، لا أستطيع معها القيام بأي عمل ولا حتى المذاكرة، خصوصاً وأنها تأتي معظم الوقت أيام الامتحانات وبعدها تزول تلقائياً دون أي دواء، لدرجة أني عملت تخطيطاً للقلب وتحليلاً للدم وذهبت للطبيب وقال لي أني سليمة ولا أشكو شيئاً! هي حالة نفسية. أنا أعاني من مشكلة كبيرة أني غير قادرة على التعامل مع بابا في البيت ولا حتى ماما.
في الماضي كنت أحب بابا جداً لكن فجأة ابتعدت عنه دون أن أشعر بذلك؛ لا أكلمه ولا أريد أن أكلمه، ولا أجلس في غرفة الجلوس طالما كان هو موجوداً وأنتظر أن يخرج أو ينام لأدخلها، أشعر بذلك رغم إرادتي. حديث والدي يضايقني، وهو وأمي يضايقاني دائماً، أسمع منهم كلمة "قليلة الأدب" ونقد دائم لي، لا يقولون في حقي كلمة حسنة أبداً رغم أني في كلية من كليات القمة.
حتى عندما حصلت على تقدير قالا لي: "وايه يعني؟ ما في ناس كتير ولاده فاشلين عايشين يعني وكويسين" ليسا طيبين معي البتة، غير أيام الدراسة وفي الإجازة يضايقانني، وأسأل نفسي: ما الذي أفعله ليصفاني بقليلة الأدب؟ أغار من أصحابي عندما أراهم مع آبائهم.
أنا فعلاً لا أعرف كيف يمكنني التكلّم مع أبي، ولو تكلمت معه حتى بشكل بسيط أحس بتأنيب الضمير وكأني أخطأت، لدرجة لم يعد بيننا لغة حوار. والمشكلة حتى حين أغضب من بابا وماما في البيت وأشتكي لجدتي فإنه يمنعني من الذهاب عندها ويصرخ في وجهي ويقول لي:"لا تشتكي لأحد". حين أبكي في البيت لا يسألني أحد عن السبب بل يقولون عني كئيبة.
أنا فعلاً أريد حلاً لمشكلتي، أنا في غرفتي طيلة الوقت حتى يخرج أبي أو ينام، حتى أني لا آكل معهم. حين يخرج بابا أحس بحرية وسعادة، حتى أني لم اعد قادرة على التعامل مع الناس وخصوصاً في حضور بابا وماما، لا أعرف كيف أتكلم وماذا أقول.
أرجو حلاً لهذه المشكلة ولمشكلة الدوخة.
24/08/2008
رد المستشار
أختي الكريمة،
لقد أدخلت مشكلتين في بعضهما بعضاً ولا أعلم إن كنت تقصدين وجود ارتباط ما بين الدوخة وشعورك ناحية والدك؟. لذا سأتعامل معهما كمشكلتين منفصلتين.
أولاً، مشكلة الدوخة لابد وأن لها سبباً، وأنصحك بإجراء المزيد من الفحوصات، ولا يكفي أن يقال أنها نفسية فقط إذا كانت تصل إلى حد أن تعيقك عن حياتك.
سؤالي إليك أختي الكريمة: هل يحرص والدك على مستواك الدراسي بشكل مبالغ؟ هل تشعرين بالخوف من أن تفشلي ويغضب منك، أو أنّه يهددك بالحرمان من شيء ما إذا لم تحققي ما يريد؟.
إذا كانت إجاباتك كلّها- أو أغلبها- بنعم، فهذا قد يعطيك سبباً للدوخة وإحساسك كذلك بالنفور من أبيك. في أحيان كثيرة قد يضغط الوالدان من باب الحرص على الأبناء فيحولون الدراسة والمجموع والنتيجة إلى بعبع يلاحقهم دون تقدير لقدرات الإبن/الإبنة التحصيلية.
بالنسبة لعلاقتك بوالدك ونفورك منه، لم تذكري بطبيعة الحال أي أسباب أو مواقف جعلتك تنفرين منه، فلا أعلم هل هو قاسٍ وقسوته كانت سبب نفورك؟ أم هو انتقاده الدائم حسب أقوالك؟.
في جميع الأحوال، مهما كانت إجابتك فالحل ليس ما قمت بفعله، فأنت- هداك الله- قد خلقت فجوة بينك وبين والديك وقطعت سبل الاتصال والتواصل بينكم، وهذا ما زاد الأمور تعقيداً. الحل ليس في الابتعاد والانعزال في غرفتك والعيش وحيدة مع أفكارك وهواجسك، ولكن بأن تعيدي أواصر علاقتك بهما من جديد.
ربما يكون تذمرهما منك بسبب إحساسهما بابتعادك عنهما فهذا الشيء يحزّ في قلبهما كثيراً وخصوصاً في أوقات الإجازات، وأنه ليس لديك ما يشغلك ومع ذلك لا تتواصلين معهم.أختي الكريمة، ابدئي منذ اليوم بمحاولات للعودة، أعلم أن الطريق قد يكون صعباً من ناحيتك في البداية ولذا ابدئي مع أمك، فاجئيها مثلاً بإعداد طبق تحبه أو بترتيب المنزل أو شراء هدية صغيرة لها... ببساطة قولي لها أنك تحبينهما! قوليها حتى ولو لم تعودي تشعري بها في البداية.
اجلسي مع والدك وشاهدي معه برنامجه المفضل أو مباراة لكرة القدم وافتحي معه موضوعاً يحبه ويشدّه. مثل هذه اللفتات الصغيرة قد تشعرين بها ثقيلة في البداية ولكن ستؤتي ثمارها وبوقت قريب، وسوف تكتشفين مقدار حب والديك لك بعد أن تردمي الفجوة التي حفرتها بينك وبينهم.
عزيزتي، استغلي الشهر الفضيل لتبدأي ولك الأجر، وتذكري قول الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}.