الكمالية والإتقان بين السواء والمرض
عزيزي د. وائل أبو هندي:
أنا صاحب استشارة الكمالية والإتقان بين السواء والمرض، لك الشكر على ردك المسهب وفيما يلي بعض الإيضاحات حول وضعي وفيما يخص بعض العبارات التي لم تكن واضحة في رسالتي السابقة.
أولا: ما عنيته في بداية العبارة الأولى هو "أني كمالي" وليست أن أفعالي فلا أفعال كاملة سوى أفعال الله عز وجل وعذراً على سقوط ياء "إني" .
ثانياً: ما قصدته من الإحسان "هو أن يتجاوز المرء مشكلة الكمالية المتمثلة في عدم الثقة بلطف الله وبالقدر وما سيأتي به الغيب وصرف الذهن إلى اتخاذ الكثير من التحضيرات المفصلة والتفكير في مختلف التوقعات لمواجهة المستقبل المجهول وذلك عبر مرتبة الإحسان الروحية، "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك" بمعنى حضور الله في ذهن الإنسان والثقة في أنه يعتني بنا أكثر من أنفسنا وأن كل أمر المؤمن خير (سواء تبدى لنا خيراً أو شراً فنحن لا ندري) كوسيلة لمواجهة القلق حول المستقبل.
هذه الإستراتيجية تورث الطمأنينة والثقة بأن الله عز وجل يحيط بما لا يمكن للإنسان أن يحيط به وإن جهد في ذلك ولذلك فإنه لا داعي للتردد والتوجس والقلق الغير مبرر فينطلق الإنسان يجيد ما يستطيع قدر الإمكان بدون أن يؤجل رصداً للحظة تتجمع فيها قدرته على العمل بناءاً على معطيات مادية لن تكون كافية مهما كثرت بدون الجرأة التي تورثها الثقة بالله.
ثالثاً: أما عادات الإدمان الغير سيئة بحد ذاتها فلا تتناول الحركات أو قضم الأظافر إلخ بل الإتقان الزائد لبعض الإعمال الدراسية أو المهنية والتحضير لها بشكل مبالغ فيه.
رابعاً: تعالجت عند محلل نفسي ثم لدى طبيب نفسي psychiatrist كما حاولت العلاج المعرفي السلوكي ولم تنفعني كلها سوى في بلورة المشكلة لكن ليس حلها.
كما أن الطبيب المتخصص في "الوسواس القهري" والذي أزوره لم يصف لي العلاج الدوائي بناءاً على تشخيصه لمشكلتي والتي هي إلى حد كبير معرفية، الحل يأتي الآن عن طريق العلاج الروحي، لا أقصد هنا أن أكتب موعظة دينية، لكن يبدوا أن مشكلتي تكمن في المادية التي تورث عدم الثقة بالمستقبل وما هو مطوي في الغيب وبالتالي القلق منه ومن ثم اتخاذ نزعة كمالية لضمان الشعور بالأمان تجاه المجهول، هذه النزعة الكمالية شائعة كثيراً هنا في مجتمعنا لنفس الأسباب، والله أعلم.
وددت لو أكتب بتفصيل أكبر ولكن ذلك قد يستهلك الكثير من وقتك.
لك الشكر على نصائحك المفيدة، سأبقيها في خاطري.
14/12/2003
رد المستشار
الأخ السائل؛
أهلا وسهلا بك وشكرًا على متابعتك، فقد وضحت لنا ما لم توفق في توضيحه استشارتك السابقة، الحقيقة أن كلامك عن العقيدة والإيمان كلام جميل، وكذلك إشارتك إلى العلاج الروحي الذي لا أدري من يقوم به، إلا أن ما تقوله عن مرتبة الإحسان الروحية، وكيف أن المقصود بها هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، هذا الكلام يثير كثيرًا من التساؤلات لدي، فأنا أعتقد أن هذا هو الإسلام، وليست مرتبة الإحسان الروحية، هذه هي العقيدة التي أعرفها، ولا أدري ما معنى أنك تحتاج إلى ما سميته بالعلاج الروحي وأن مشكلتك معرفية في الأساس، وما الذي ترمي إليه من تأثرك بالمجتمع المادي الذي تعيش فيه!!!.
إن ذلك المجتمع المادي لا تختلف مظاهر الوسوسة فيه عن أي مجتمع آخر، فالمشكلة ليست في المجتمع بقدر ما هي في تفاعل الشخص نفسه مع ظروف ومعطيات أي مجتمع يعيش فيه، أنا لا أنوي الدخول معك في جدال حول هذه الأمور، وإنما فقط أود أن أنبهك وأذكر من تقول أنه طبيب نفسي متخصص في علاج الوسواس القهري، بأن استخدام أحد عقاقير الم.ا.س SRI أو الم.ا.س.ا SSRI بجرعة كافية ولفترة مناسبة يمكنُ جدا أن ييسر حل المشكلة المعرفية التي تتكلم عنها، ولابد قبل أن نصل إلى قناعة (أسأل الله ألا نصل لها) بأن حالتك مستعصية على العلاج، لابد قبل الوصول إلى مثل هذه القناعة أن نسلك كل سبيل متاح، وهذا ما لم يحدث في حالتك يا أخي الفاضل.
ثم أنني لا أعرف هل المقصود بالمحلل النفسي هو من يعالج حسب نظرية التحليل النفسي الفرويدية أو حتى الاتجاهات الجديدة عند أتباع فرويد، إن من المشهور جدا أن التحليل النفسي Psychoanalysis فاشل بالثلث في علاج حالات الوسواس القهري OCD، وله مجرد نجاح ضئيل في حالات الشخصية القسرية Anancastic Personality أو OCPD، فرغم تقديم تلك النظرية لآراء في الإمراضية النفسية لاضطراب الوسواس أو ما كان يسمى عصاب الوسواس وللشخصية القسرية، إلا أن نتيجة علاج الوسوسة بالتحليل النفسي دائما تكونُ زيادة الوساوس والمعاناة، بل تقديم مادة للوسوسة يجد المريض بعدها أنه أسوأ مما كان، فمن ذلك الذي كان يعالجك بالتحليل النفسي؟
لا أريد أن أطيل أكثر من ذلك وأنا في الأصل لم أتمكن من تشخيص حالتك، ولكنني أنصحك بفتح حوار مع الطبيب النفسي الذي يتابعك حول استخدام العقاقير، فحتى لو كانت حالتك اضطراب شخصية قسرية، فإن من الواضح أن هناك أيضًا أعراض اضطراب الوسواس القهري التي يمكن جدا أن تتغير باستخدام مثل تلك العقاقير.
بقيت نقطة أخيرة تتعلق بالعلاج الروحي، الذي أود أن تعرفني من سيقوم به في الغربة؟ من سيعالجك ليصحح إيمانك بالله في المجتمع المادي الذي تعيش فيه؟، من يستطيع تقديم العلاج الروحي لمسلم يعيش في الغرب؟ أرجو أن توضح لي هذه النقطة، وأهلا وسهلا بك دائما فتابعنا بالتطورات الطيبة إن شاء الله.