مشكلتي أبي..!؟
أبدأ بمشكلتي من نهايتها.. فإني لا أستطيع الآن التواصل مع أبي لا نفسياً ولا شكلياً ولا حتى فعلياً برؤيته. أبي أتقن تدميرنا، ولأني متزوجة وأم لأطفال في هذا الوقت، وحياتي وأنا الآن 25 قضيتها في ضغوطات نفسية وتناقضات وحرمان، فمصائب أبي تخلق لي زوبعات نفسية تنعكس على زوجي "ثقتي بالرجال" وأطفالي بتفريغ همومي فيهم.
بداية القصة:
تزوج أبي أمي وهي من بنات عمومته، ولم أذكر أبي كثيراً في طفولتي إلا لزجرنا ومنعنا وحرماننا من أهل أمي، ولم أذكر له مرة حضنني فيها أو قرأ لي قصة أو فعل أي فعل يذكرني به وأنا طفلة، حتى عرفت الفرق بيني وبين صديقاتي في المدرسة، فكل منهن تذكر والدها بشيء إلا أنا!.
عندما بلغت ال 7 سنوات.. بدأ أبي بالظهور في حياتي لأنه تزوج أخرى من بلد عربية واستخدمنا أنا وأخواي الصغيرين في ابتزاز أهله وأمي، كان يقول لي: "إن هذه المرأة هي جنتي بعد أن أموت" وأنه يريد أن نعيش معه، كان يغرينا بالهدايا والألعاب وكل ما نتمناه.. وبعد فراق سنتين وهو لا يدري عنا، نتصل به ولا يرد على الهاتف، فهو يسكن في بيت آخر معها، وقد وفّر لها مسكناً فاخراً وسيارة فارهة وخدم، بينما نحن نسكن مع جدتي ونستخدم سيارتها وهي وأمي اللتان تصرفان علينا.
بعد إصرار جدتي عليه طلق زوجته ودخل هو وأمي في "علاج السحر" التي عملته لهما تلك الزوجة، ومررنا بأيام سوداء لا أذكر منها سوى الخوف وكرهي له.
بعد سنتين أصرّ على الزواج بأخرى وأن تخطب له أمي بنفسها: فتزوج إحدى قريباته وقريبات أمي من دولة خليجية أخرى، وأتى بها في منزلنا مع جدتي وأعمامي، وأثمر ذلك الزواج بأخت لي منها، وطلقها على إثر معاكساتها في التلفون، وعاشت البنت عندها في تلك الدولة الخليجية.
وقبل أن أكمل لأعطيكم نبذة عن معاملة والدي لنا: يهجر أمي ب 3 و4 و 6 شهور بلا سبب أو لأسباب تافهة، وإذا هجر أمي يهجرنا نحن أيضاً ولا يرضى أن يسلم علينا عندما نأتيه فكان يقول لي: "لا تسلمي عليّ" ويرمقني بنظرات الحقد والكراهية والغطرسة، ولا يعامل أمي باحترام حتى أمامنا ولا يصرف عليها ولا يحترم أهلها ويحقّرهم- مع أن أهل أمي شيوخ وطيبين وكل الناس تحبهم، وعندما نتحاشى رؤيته حتى لا يجرحنا يقول "أين أنت؟ مسافرة؟" يقول لي لا تسلمي عليّ وبعدها يقول لي أنت مسافرة! فلكم أن تحكموا على مدى التناقض النفسي الذي زرعه أبي فيّ.
بعدها بفترة من الهجر والخسة في التعامل، ذهبت أمي إلى بيت والدها وأصرّ جدي ألا ترجع وأن يبني لها بيتاً ولأولادها بجانبه، وهو لم يخطئ في ذلك لأنه لم يكن في أبي ما يجعله يطمئن على ابنته معه. كان أبي يستخدم كل أسلوب نذل مع أمي ويتصل بها في تلفون العمل ويهددها ويشتمها بأنه سيأخذ أولادها منها. عندما تركت أمي البيت جلست أنا مع جدتي ولم أذهب مع أمي، وهو معي ومع جدتي.. لم أذهب مع أمي وكان مع ذلك يعاملني معاملة سيئة ولا يرضى أن يسلّم عليّ.
سافر جدي وقتها في مهمة عمل، ورجعت أمي لأبي في غياب والدها، فكسرت كلمته وإلى الآن ونحن نلومها على هذه الفعلة.
رجعت أمي بنفسها، لم يراضها أبي ولم يكلف نفسه حتى أن يهديها شيئاً ليرضيها، ومع هذا كله ازداد سوءاً في التعامل معها ومعنا، حرمنا من كل شيء مادي ومن الخروج من المنزل بسبب أو من غير سبب، حرمنا من الذهاب إلى بيت جدي، وتحزب الأهل بسبب أبي.
للعلم أن أبي من عائلة غنية وورث ميراثاً مالياً بالملايين من جدي ولكن عندما يأتي للصرف علينا وعلى أمي وتوفير منزل خاص بها، أو شراء حاجات أو صيانة أو سفر، يظهر شحه وبخله في هذا الوقت، ولكن لو كان هذا الصرف على امرأة جديدة أو حبيبة، يظهر الكرم.
بعدها، سافر أبي إلى إحدى الدول العربية ليأتي بزوجته رقم 3، عروسة في سني، ويسكنها عندنا في البيت، وتنشأ المشاكل، وهو على هجره لأمي شهور وشهور، وهجره لنا بأذية، وليسكن هو معها عند أمي وجدتي.
مرت 10 سنين على زواجه منها وبعد ذلك بدأت بإنجاب الأطفال، وأمي صابرة متحمّلة لأذاه وأذاها وأذى الناس من تعييرها لذل نفسها وصبرها على هذا المتغطرس الذي هو للأسف والدي.
وبين هذه السنين يسافر أبي خفية ليتزوج كذا مرة سراً ويطلق قبل أن يرجع. وهو مقصر مادياً معنا، ولا يعدل، ويظلم. وتزوجت أنا، بعد صراع مرير مع أبي، كرهت كل الرجال، ولم أعد أثق بهم، صارت بي عقد من الغطرسة والظلم والإذلال والكره والحقد الذي عاملني به أبي طول حياتي، وسلبي حقوقي وهي إكرام البنت وتربيتها التربية الحسنة، فلولا أمي وأهل أمي وجدتي لوالدي لما برزنا بهذه الصورة أو عشنا حياة كريمة بعيدة عن بيئة الانحراف ولله الحمد.
تزوجت وعانيت في بداية زواجي من تقبل الرجال، ولكن الحمد لله مع الاستشارات والبحث والقراءة طورت من نفسي ومن سلوكي واستطعت أن أدفن جزءاً من سوء ظني بالرجال، وحاولت أن أعدل من علاقتي بأبي فهو هجرني قبل زواجي لأني لم أرضَ أن تكون لي علاقة مع إحدى الموظفات عنده، وعرفنا فيما بعد أنه كان متزوجاً بها وطلقها بعد ذلك.
كان أبي يستغلني مثل ما قلت في البداية في علاقاته مع النساء بما يوائم مصلحته الشخصية متناسياً كياننا كأطفال أو كأولاد له، فلم يحافظ على مشاعرنا ولا على كرامتنا ولا حتى على مصلحتنا.
للعلم أن أمي ترأف وتحن على أولاد أبي كثيراً وقد يحبونها أكثر من أمهم، وأتى أبي بأختي بعد أن كبرت وزج بها في حضن أمي من غير رغبة منها، ولكنها ربتها، وحسنت من أخلاقها.. وأبي لا يدري عنا ولا عنها ولا عن إخوتي من أبي.. يحسن علاقته بأبنائه فقط عندما يريد شيئاً لنفسه، فهي مرحلة وتزول بزوال حاجته.
بعد زواجي وإنجابي، بدأت علاقة أبي مع إحدى موظفاته وهي متزوجة، وفوجئنا بعد ذلك زواجه منها وإنجابه، وإكرامه لها في المال والتعامل وغير ذلك. هو الآن هاجر لأمي لعدم تقبلها الموضوع، وأمي لم تعد أيضاً لها رغبة في رؤيته أو الرجوع له، فهو له أصلاً زوجتان في بيت واحد وأبناء لا يدري عنهم وصرفه عليهم لا يكفي، وسيء المعاملة مع الزوجات والأبناء ولا يعدل ويضرب زوجة أبي باستمرار لأن ليس لها أهل يحمونها ويدافعون عنها، وجرها من شعرها عند بيت زوجته الموظفة لكي يجبرها على أن تقبلها وذلها.
الآن...
أبي غاضب لأننا لم نرضى بزوجته ولم نتقبل ابنته، وحتى عندما ندوس على مشاعرنا وكل الترسبات التي سببها فينا ونذهب إليه فلا يسلم علينا ويصمت ولا يعاملنا إلا كمعاملة" الكلاب"، وقد يعامل الحيوانات بأحسن من ذلك.
الآن من هو العاق؟ هل هو الأب، أم نحن الأبناء؟ كيف لنا الاستمرار معه في بيئة الظلم والقهر والاجحاف والخيانة والتقصير؟ لست أذكر منه خيراً؟ ماذا أفعل؟ أنا طبعاً غير محتاجة أن أصف أمي لأن المرأة التي استحملت كل هذا.. أكيد وبلا شك.. إنسانه طيبة، صابرة، مضحية لأجلنا، شهمة.
لم أعد أحتمل أبي، فما هو الحل، صبرت عليه كثيراً ولم أجرحه بفعل، أو كلام إلى الآن، فماذا لي أن أفعل؟ فأنا لن أغيره، ولكن لن أرضى بأفعاله أيضاً، فهذا التعدد غير مستوفٍ للشروط، وهو كأب ظالم ويفرق بين أبناءه في التعامل المادي على حسب إيفاء مصلحته..
أتمنى أن أجد لديكم جواباً يشفي غليلي وناري التي أقضت مضجعي، وحزني الدائم على حالنا وحال أمي. لا أريد أمي أن تعود إليه لأنها وإن عادت ستكسرنا وتكسر نفسها وتضيّعنا وتضيّع نفسها.
كرهي له تخطى أي حدود ودائماً أتذكر الآية (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم) لكن أليس هو السبب في كرهنا له وعدم القدرة على التواصل معه؟ فحتى الناس لا يستطيعون التواصل معه، وما يقصم ظهري هو أنه والدي، وله حق عليّ، فسؤالي للمستشارين: كيف لي ألا أعقّه
على الأقل وقد انعدم كل التواصل؟ لم يكن التواصل في السابق ولن يكون الآن وبعد كل هذه التراكمات، فأخاف من ناحية الله،
بالله عليكم اشفوا غليلي وأجيبوني جواب الحكماء.
26/10/2008
رد المستشار
أختي الكريمة،
نحن نتفهم موقفك ومشاعرك تجاه والدك، وما سردك بهذه الطريقة التفصيلية إلا تعبيراً على معاناة طويلة تركت أثرها البالغ عليك، كذلك تصويراً لحجم الآلام التي عايشتها منذ صغرك، والتي ولّدت عندك شخصية حساسة للغاية لكونك حسب ظني أكبر الأولاد. أحسست منذ الصغر بالمسؤولية تجاه هذا الوضع غير العادي (بين أب متسلط ومتجرد من معاني الأبوة، وبين أم خاضعة لا حول لها ولا قوة همّها المحافظة على بيتها ولو على حساب كرامتها، وبين طفلة وأطفال آخرين همهم أن يكون لهم أباً يباهون به أقرانهم).
فأنت ثرت داخلياً على الوضع منذ الصغر مع كونك لا تملكين القدرة على التغيير، وكلما توسعت مداركك زاد حنقك وأنت ترين تلك المظالم تصدر من شخص من المفترض أن يكون مصدراً للأمان، والسند النفسي الحصين الذي يحتاجه أي طفل ليكبر سوياً. كل ذلك (إمهال وعدم مساواة) فجر عندك مشاعر سلبية جعلتك تعيشين تناقضات (تجاذب بين ما يجب أن أشعر به نحو أبي والمشاعر فرضتها سلوكياته عليّ)، فرحت تعددين تلك السلوكيات حتى تسامحين نفسك على كراهيته والحقد عليه، والدليل هو تكرار سؤالك (كيف أسامحه؟.. كيف لا أعقّه؟..)، فنحمد الله الذي جعل لك هذا الوازع الديني الذي يذكرك دائماً أنه أب مهما عمل، وما دام ضميرك حي فأنا متأكدة أنك تستطيعين معالجة الوضع كما فعلت حيال زوجك حتى تحمي بيتك من الانهيار، ولم تستسلمي لعقدة كراهية الرجال، وبفضل الله اجتهدت لمعالجة نفسك، وهذا دليل على رجاحة عقلك وقوة شخصيتك.
ثم ألم تحاولي رؤية الأمور من زاوية أخرى؟ إن اعتبار والدك مريضاً وأنك وأبناءه أولى الناس بالصبر عليه والسعي لمعالجته، تصوري لو كان أبوك مصاباً بمرض عضوي خطير، ألا تبذلين ما في وسعك لعلاجه والتخفيف عنه؟ فاسمحي لي أن أقول لك أن الحال أسوء منه لو كانت الإصابة بدنية.
أكرر دعوتك لرؤية الأمور من زاوية غير الزاوية التي اعتدت النظر من خلالها، فهذا يوقظ فيك عنصر الشفقة ومن ثمة المبادرة رغم صعوبة الموقف للتقرب منه. دعيني أسرد عليك قصة شاب طالب في كلية الطب قصدنا للاستشارة، وكانت معاناته مثل معاناتك بل أكثر لأن الأمر بلغ بالأب ليس فقط السب والإهانة بل حتى الضرب، وهو ذلك الشاب الوسيم الذي يوشك أن يتخرج طبيباً، فما كان من الشاب إلا التفكير في الانتقام ثم الانتحار. بعد جلسات تفتحت فيها مدارك الشاب على نوافذ كانت مغلقة، منها (لماذا لا أكلم أبي وأناقشه لأعرف سبب هذه المعاملة المشينة؟ لا أظن أن أبي يفعل هذا لأنه يكرهني وهو الذي بكى بحرارة يوم سمع أني نجحت في الثانوية!). وبالفعل قرر أخذ المبادرة بالتقرب من الأب ومفاتحته، فكانت النتيجة أن تصالحاً وانطلاقاً في علاقة جديدة حلم الشاب طويلاً أن يحياها.
ما رأيك! جربي، لن تخسري شيئاً، بل بالعكس تكونين مأجورة إن شاء الله. فالخطوة الأولى تبدو لك صعبة، لكن بمجرد إقدامك عليها ستجر وراءها خطوات أخرى.. خذي المبادرة وضعي نصب عينيك النهاية التي تتمنين الوصول لها.
وأحب التأكيد على أنه لم يرد في شرعنا الحنيف ما يخول لنا معاملة الآباء بالسوء مهما بلغ تقصيرهم وظلمهم لأبنائهم، فإذا كنا مأمورين بكظم الغيظ والعفو عن الناس، ألا يجدر بنا أن نحقق هذا مع آبائنا؟
(والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: كم نعفو عن الخادم؟ فصمت، ثم أعاد عليه الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال: ''اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة'' صححه الألباني. ضعي نفسك مكانه مع كونه المتسبب في شقائكم، وهو يرى نظراتكم تلاحقه وتذكره بظلمه وإهماله، ألا يشعره هذا أن الأمر قد أفلت من بين يديه وأنه لا مجال لإصلاح ما أفسده طوال حياته، فتغمره مشاعر اليأس والإحباط من تقويم ما أفسد ممزوجة بتأنيب الضمير، مما يزيده ابتعاداً عنكم وهروباً من مواجهتكم.
أختي الكريمة،
ضعي خطة عمل الهدف منها إصلاح الوضع و يكون على رأسها:
1- دعاء الله عسى أن يهدي أباك ويبصّره ليتدارك ما فاته، وتنالين جزاء البنت البارة، وتكونين قدوة لإخوتك عوضاً من أن تكوني وإياهم عوناً للشيطان على أبيكم.
2- اجتهدي في التعايش مع الواقع مما يساعدك على إيجاد حلول عملية.
3- استثمري كل طاقتك في لمّ شمل إخوتك الأشقاء والإخوة للأب على التعاطف والمودة بينكم لكي لا تطبع سلوكيات الأب حياتهم المستقبلية، وأظنك قادرة على ذلك.
4- خذي العبرة من سلوك الأم (المتضرر رقم واحد من إهمال الزوج وزواجه المتكرر) التي تحدت حتى والدها وآثرت بيت زوجها وأكثر من ذلك حنوها على أبنائه من ضرائرها.
5- إلتفتي للعناية أكثر بزوجك وأبنائك ولا تتركي ترسبات الماضي تلهيك عن الاهتمام بأسرتك الصغيرة.
واقرئي على مجانين:
يا آباء العالم اتقوا الله في أبنائكم
الأب.. عندما يضرب ويشتم ويبصق
العلاقة مع الوالد مشاركة
الابنةُ المضطهدةُ ودبلوماسية العائلة! مشاركة
ختاماًَ، أدعو الله أن يسدد خطاك لتنالي جزاء إصلاح ذات البين وبر الوالدين.