السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،
أرجو أن تساعدني على أن أعيش فأنا تعبت من الحياة، واستشارتي كالتالي:
أشعر بعدم الثقة في نفسي وأنني فاشلة ولا أصلح لشيء، وأكثر ما دمر حياتي بسبب عدم الثقة هو أنني لا استطيع مراجعة القرآن الكريم، فأنا حفظت القرآن الكريم كاملاً ولله الحمد لأني درست في مدارس تحفيظ القرآن الكريم، ولم أتخرج من الثانوية إلا وأنا حفظت القرآن كاملاً، كان حفظي له جيداً وقراءتي له جيدة ولله الحمد.. بعد تخرجي من المدرسة وذهابي للكلية لم أستطع أن أراجع القرآن الكريم وأشعر بأني لا أستطيع مراجعته، وأني لا يمكنني أن أحفظ القرآن الكريم! أنا الآن لي سنة منذ تخرجت من الكلية وخاف من أن أبدأ في حفظ القرآن مرة أخرى لأني في قرارة نفسي أقول أنه لا يمكن ن أكون حافظة للقرآن الكريم.
عدم ثقتي بنفسي جعلتني أشعر بأني غبية وفاشلة ولا أصلح لشيء ون الجميع يحتقرني مع أن شخصيتي أمام الناس جميلة والناس يعاملونني معاملة عادية، ولكني لا أحظى باهتمام أحد.. لذلك أنا أشعر بأني غبية وأن جميع من في هذا الكون أفضل مني، ولأنه لا أحد يهتم بي ولا يشعرني بالأهمية أخذت أخلاقي تسوء يوماً بعد يوم، وكل يوم تزيد أخلاقي في الانحطاط ويزيد كرهي لنفسي وللناس وحتى لأهلي وأمي وأبي وإخوتي.
وأنا في الحقيقة أريد أن أرتقي بأخلاقي وبأفكاري وأريد أن أكون شخصاً فعالاً في دينه ووطنه.. أريد أن أكون شخصاً له وجود.. أنا الآن أشعر بأني لا شيء.. أشعر بأني على الهامش، لا دين ولا دنيا.. فأنا أشعر بأني تائهة وأجد صعوبة في اتخاذ القرارات في حياتي.
ونتيجة لقوانين أهلي فهم لا يحبون للفتاه أن تخرج من البيت إلا نادر فنتج عن ذلك قله صلتي بالناس وكثر كرهي لكل شيء وفي بعض الأوقات عندما تتعبني همومي لا ارتاح إلا إذا سمعت الأغاني أو شاهدت المناظر الجنسية لأني عمري 24 ولم أتزوج إلى الآن ولم أشعر بمشاعر حب ولا اهتمام..
والشيء الذي جعلني ضعيفة من الأساس هو أنه أصابني وسواس قهري في الصلاة والوضوء، وبالطبع لم أذهب لطبيب نفسي بسبب طبيعة بلادي والناس.. أتاني وأنا في الصف الثاني الثانوي، كان شديداً جداً حتى أني كنت أدخل للوضوء للصلاة ولا أنتهي إلا وقت الصلاة التي بعدها! ولكن الحمد لله الآن -وبعد7 سنوات- شفيت منه بفضل الله فقط وليس بمساعدة أحد، لأني حتى الشيوخ لم أذهب إليهم ليقرؤوا عليّ من هذا الوسواس، والحمد لله شفيت ولكن ليس تماماً، فأنا إلى الآن أقاوم في النية والبدء في الصلاة والوضوء.. لذلك أخاف من أن أصلي أو أتوضأ أمام الناس أو خارج البيت وذلك جعلني أكره الخروج مع الناس.
وعدم ثقتي بنفسي أيضاً منعني من الاستمرار في وظيفة جيدة؛ فقد أتاني بكاء شديد من اليوم الأول ولم أذهب إليهم مرة أخرى مع أنني كنت أتمنى هذه الوظيفة، ولكني لم أستطع الاستمرار بها، ولم يذهب البكاء والقلق إلا عندما اعتذرت عن الذهاب إلى هذه الوظيفة.
آسفة جداً لأني أطلت عليك بالكلام، ولكن أنا لا أجد أحداً يستمع إليّ في هذه الدنيا واحتجت لشخص أخبره بما في نفسي... ربما ستقول هذه الفتاة ليست هناك علة بالدنيا إلا فيها، ولكني أمام الناس شخص عادي جداً وكل هذا الكلام الذي كتبته هو في نفسي فقط وغير ظاهر للناس، لكني تعبت وتعبت نفسي ولا أدري ماذا أفعل أشعر؟ بأن عقلي بدأ يتراجع وأفكاري مشوشة وأخاف أن يأتي يوم وأرى نفسي مجنونة!.
آسفة مرة أخرى لأني أطلت عليك بالكلام، ولكن أتمنى أن يأتيني منكم رد لأني الآن ليس لي أحد إلا الله ثم أنتم.
أختك: جنون، من السعودية.
13/10/2008
رد المستشار
الابنة العزيزة "جنون"،
أهلاً وسهلاً بك على مجانين، وشكراً على ثقتك.....
لم تفسري لنا سبب البكاء الذي تسبب في قعودك عن الوظيفة التي كنت تتمنين؟ وهل عدم ثقتك بنفسك تكفي سبباً لذلك؟ ماذا تقصدين بعدم الثقة بالنفس؟.
من الواضح أن لدينا مشكلة الوسواس القهري المزمن إضافة إلى الاكتئاب، وهذا يحتاج علاجاً نفسانياً عقارياً ومعرفياً سلوكياً، ولا أستطيع إفادتك دون هذين النوعين من العلاج.
سبب عدم الثقة بالنفس هو الاكتئاب وليس عدم قدرتك على استرجاع ما حفظت من القرآن الكريم، فأنت مجرد مستجيبة لفكرة اكتئابية وربما وسواسية في قرارة نفسك: (أقول أنه لا يمكن أن أكون حافظة للقرآن الكريم)، لماذا يا "جنون" ما هو المبرر المنطقي الذي يجعلك لا يمكن أن تكوني حافظة للقرآن الكريم، هل هو الاكتئاب أو الوسواس القهري أم غيرهما؟.
كيف قعدت عن العمل يا "جنون" وقد كانت فيه فرصة لك لكسر الحواجز الاجتماعية والقيود والقوانين التي يفرضها أهلك؟ ألا ترين معي أن المشكلة التي أصبحت تديم انعزالك الآن ليست فقط قوانين الأهل وإنما الاكتئاب وربما الوسوسة، سواء أخذ ذلك صورة المخاوف أو التردد، والحمد لله أن لم يقعدك ذلك عن الدراسة.
بعد 7 سنوات من الصراع مع الوسوسة لم تبرئي منها يا جنون للأسف، وإن تغير الشكل والمحتوى الذي تتمحور حوله أحداثك العقلية التسلطية (وساوسك) وأفعالك القهرية (قهوراتك) فبعد كثيرٍ من عذاب المجابهة مع وساوس الوضوء والصلاة وصلت إلى وضع تصفينه بقولك (إلى الآن أقاوم في النية والبدء في الصلاة والوضوء.. لذلك أخاف من أن أصلي أو أتوضأ أمام الناس أو خارج البيت وذلك جعلني أكره الخروج مع الناس)، إذن ما يزال الوسواس القهري حاكماً لحياتك وما تزالين تدورين في حلقة إدامة المشكلة بسبب التحاشي والذي يمنع نفي القناعات الخاطئة فأنت تتحاشين المواقف التي قد تضطرك للوضوء أو الصلاة أمام الناس لأنك ستضطرين للتكرار و/أو الإطالة أو الوسوسة أياً كانت أمام الناس، أو ستعتبرين وضوءك وصلاتك غير صالحتين وبالتالي تضطرين لتكرارهما عند رجوعك البيت! ومعنى ذلك أنك ستبقين داخل جدران بيتك إلى ما بعد صلاة العشاء وبعدها ربما تستطيعين الخروج! فإذا أضفنا ذلك إلى قوانين أهلك التي لا بد تمنع الخروج ليلاً أكثر مما تمنعه في النهار تصبح النتيجة البقاء في البيت دائماً، وفي نفس الوقت يبقى الخوف من ضرورة اللجوء إلى القهورات مستمراً معك لأنك لم تختبريه ولم تضطري إلى محاولة التخلص السلوكية من أفعالك القهرية... وتأملي هذا الشكل لحلقة إدامة التحاشي:
غالباً تتفاقم أعراض الوسوسة حين نلجأ للمكافحة الشخصية لها دون مساعدة من متخصص، وهذا واضح في حالتك يا ابنتي لأن اللجوء للتحاشي غالباً ما يعقد المشكلة، ويضاف إلى ذلك الاكتئاب الذي يقعد بالمرصاد للموسوس فإذا استسلم الأخير لقهوراته ووساوسه ظناً منه بأنه سيستريح دخل عليه الاكتئاب وعاودته الوسوسة في ذات الأمر أو غيره من شتى صنوف الوسوسة؛
وأرى لديك افتراضاً معيقاً وإن لم تكملي فكرته "بذكر لماذا؟"... والافتراض هو أنك لا يمكن أن تكوني حافظة للقرآن فمن المؤكد أن خلف هكذا افتراضٍ قناعةً بأنك مذنبة مثلاً أو آثمة بشكل يحول بينك وبين حفظ القرآن، أو أن لديك مجرد فكرة وسواسية تجدين نفسك مضطرة لتصديقها وهي تقول نفس المعنى أنك لا يمكن أن تكوني حافظة للقرآن -لا قدر الله- رغم أنك كنت حافظة له لسنوات.
يجب يا "جنون" أن نصحح تحيزاتنا أو تشوهاتنا المعرفية، أي كثيراً من أفكارنا السلبية وطرق تفكيرنا المشوهة والمخالفة للمنطق والواقع، وذلك من خلال العلاج المعرفي قبل أن نفكر في أن نرتقي بأفكارنا... فالطريقة الصحيحة للارتقاء بالفكر والمشاعر يجب أن تستند إلى تفكير عقلاني واقعي ليست فيه افتراضات وقناعات لا تقبل المناقشة، أو بالأحرى لا ينتبه صاحبها إلى تشوهها ووجوب تأملها وتصحيحها... إذن لا مناص من طلب العلاج المعرفي السلوكي لدى المعالج النفساني المتمكن منه.
نسأل الله أن تجدي على مجانين مواد كثيرة ستساعدك...
أهلاً بك وتابعينا بالتطورات.
ويتبع ..................: جنون: موسوسة ومكتئبة ولا يمكنها العلاج مشاركة