هل يتزوج الطبيب النفسي من مريضته مشاركة
السلام عليكم،
تحية طيبة لكل العاملين بهذا الموقع المتميّز، أ. صفية، لقد ذكرت من قبل أنه يجب علينا أن نسأل فقيهاً أو عالماً وقد فعلت لنحسم هذا الجدل الخاص بموضوع: هل يصح أن يتزوج الطبيب من مريضته؟ سألت دكتور في الأزهر وذكرت له الموضوع ونقلت له وجهة نظري ورأي دكتور السعدني كما ذكره بالموقع تماماً، فقال لو وضع هذا القانون بقصد حماية المريضة من استغلال الطبيب الذي ليس لديه ضمير وأخلاق ويقصد بمهنته الحصول على أموالها أو استغلالها في علاقة غير شرعية فلا مانع، لكن ليس لهذا القانون أكثر من ذلك أي أنه إذا كان الطبيب صادقاً في رغبته في الارتباط من مريضته وهي تميل إليه فلا مانع من الزواج، ولا يصح أن يصل الأمر إلى اتهام الطبيب بالفشل في المهنة ومطالبته بالاستقالة لو تزوج من مريضته، لأن بهذا الكلام نخالف الشريعة، معنى أن الطبيب لا يتزوج المريضة بعد العلاج حتى بمرور سنوات عديدة أننا قد حرمنا زواجهم نهائياً سواء في فترة العلاج أو بعد العلاج، أي أننا وضعناهما في وضع المحرمات في الدين مثل الأب والأخ والعم والخال والأم، وهذا لم يذكره الله.
سيدتي الفاضلة،
عندما تحدثت في هذا الشأن لم أرَ غير بعد واحد وهو أن رأي دكتور السعدني قد يؤثر على طبيب أو طبيبة في شيء قد أحلّه الله، وعندنا في سورة النحل يقول الله سبحانه وتعالى "وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ".... فلا يجوز لنا أن نحلل ونحرم بحسب ما نحب ونرى أو بحسب وجهات نظرنا ما دام الدين وضح الأمر، وأنا أعلم أن دكتور السعدني لم يحرم هذا الزواج لكن هو مثل الذي يحرم تماماً لأنه يطالب بالاستقالة ويصف من يفعل ذلك بالفشل، وأي طبيب أو طبيبة سيخافون وقتها على مكانتهم ويتراجعون لخوفهم، وحضرتك تعلمين أن الله أنزل للرسول عليه الصلاة والسلام عندما خشي من الناس هذه الآية قوله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً}(الأحزاب:37) فقط خشي الرسول الناس فما بال الشخص العادي في زماننا هذا؟.
سيدتي الفاضلة،
لقد ذكرت لي في ردك السابق هذه الجملة "أن من يتحدث في الحكم الشرعي من الابتداع وغيره، هو الفقيه المؤهل، لا العامي غير المتخصص..." ونصحتني أن أنتبه لهذا الأمر لذلك أحببت أن أضع لسيادتك هنا رأي متخصص عن الابتداع، فأنا لم أتكلم عن البدعة دون علم سابق.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز: (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) هل هذا حديث؟ وهل إذا كان حديثاً فهل الرسول صلى الله عليه وسلم ترك شيئاً لأحد حتى يسن به سنة في الإسلام؟ نرجو أن توضحوا لنا هذا المقام بالتفصيل؟ فقال:
هذا الحديث صحيح، وهو يدل على شرعية إحياء السنن والدعوة إليها والتحذير من البدع والشرور، لأنه صلى الله عليه وسلم يقول: (من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص من أوزارهم شيئاً) أخرجه مسلم في صحيحه.
ومثل هذا الحديث ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر من أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئاً ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)، وهكذا حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) خرجهما مسلم في صحيحه.
ومعنى (سنّ في الإسلام) أحيا سنة وأظهرها وأبرزها مما قد يخفى على الناس فيدعو إليها ويظهرها ويبينها، فيكون له من الأجر مثل أجور أتباعه فيها وليس معناها الابتداع في الدين، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن البدع وقال: (كل بدعة ضلالة) وكلامه صلى الله عليه وسلم يصدق بعضه بعضاً، ولا يناقض بعضه بعضاً بإجماع أهل العلم، فعلم بذلك أن المقصود من الحديث إحياء السنة وإظهارها، مثال ذلك: أن يكون العالم في بلاد ما يكون عندهم تعليم للقرآن الكريم أو ما عندهم تعليم للسنة النبوية فيحي هذه السنة بأن يجلس للناس يعلمهم القرآن ويعلمهم السنة أو يأتي بمعلمين، أو في بلاد يحلقون لحاهم أو يقصونها فيأمر هو بإعفاء اللحى وإرخائها، فيكون بذلك قد أحيا هذه السنة العظيمة في هذا البلد التي لم تعرفها، ويكون له من الأجر مثل أجر من هداه الله بأسبابه، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى وخالفوا المشركين) متفق على صحته، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما والناس لما رأوا هذا العالم قد وفر لحيته ودعا إلى ذلك تابعون، فأحيا بهم السنة، وهي سنـة واجبـة لا يجوز تركها، عملاً بالحديث المذكور وما جاء في معناه، فيكون لـه مثـل أجورهم. وقد يكون في بلاد يجهلون صلاة الجمعة ولا يصلونها فيعلمهم ويصلي بهم الجمعة فيكون له مثل أجورهم... وهكذا لو كان في بلاد يجهلون الوتر فيعلمهم إياه ويتابعونه على ذلك، أو ما أشبه ذلك من العبادات والأحكام المعلومة من الدين، فيطرأ على بعض البلاد أو بعض القبائل جهلها، فالذي يحيها بينهم وينشرها ويبينها يقال: سن في الإسلام سنة حسنة، بمعنى أنه أظهر حكم الإسلام، فيكون بذلك ممن سن في الإسلام سنة حسنة.
وليس المراد أن يبتدع في الدين ما لم يأذن به الله، فالبدع كلها ضلالة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)، ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أيضاً: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وفي اللفظ الآخر: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق عليه.
ويقول في خطبة الجمعة عليه الصلاة والسلام: (أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليـه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) خرجه مسلم في صحيحه، فالعبادة التي لــم يشرعها الله لا تجوز الدعوة إليها، ولا يؤجر صاحبها، بل يكون فعله لها ودعوتــه إليها من البدع، وبذلك يكون الداعي إليها من الدعاة إلى الضلالة، وقــد ذم الله من فعل ذلك بقوله سبحانه "أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ...."(الشورى:21).
أ. صفية، بكل الود والاحترام أشكركم على رأيكم ومساعدتكم، وأعتذر إذا صدر في حواري شيء قد يوحي باتهام للدكتور السعدني بأنه مبتدع فأنا لا أقصد على الإطلاق شيئاً غير الوصول للرأي الصواب.
أشكر سيادتك وأعتذر عن الإطالة.
23/11/2008
رد المستشار
هذا السؤال يحمل في طياته لُبساً كبيراَ لما قد يحدث من تداخل وخلط في مفاهيم عدّة تهمّ هذا التساؤل.
وقبل أن نحدد معنى السؤال، دعنا نحدد أولاً ما لا يعنيه هذا التساؤل. إنه لا يعني:
- هل يصح أن يتزوج رجل من امرأة؟.
- أو هل يصح أن يتزوج رجل من مريضة نفسية؟.
- أو هل يصح أن يتزوج الطبيب النفسي من امرأة؟.
- أو هل يصح أن يتزوج الطبيب النفسي من مريضة نفسية تتعالج عند غيره؟.
إذن فالسؤال يعني في الحقيقة: هل يصح أن تنقلب العلاقة العلاجية بين الطبيب النفسي ومريضته إلى علاقة زواجية؟ أو هل يصح أن ينقلب عقد العلاج بين الطبيب النفسي ومريضته إلى عقد نكاح؟ هل من الضروري أن يتم إلغاء العقد الأول حتى يتم إبرام العقد الثاني؟ بمعنى، هل من الضروري إشهار "الطلاق العلاجي" حتى يتم إشهار "الزواج الشرعي"؟.
ولنبدأ بالقول أن"المريضة النفسية" إنسانة لديها اضطراب نفسي، فإذا ما راح هذا الاضطراب بقيت الإنسانة. ولذلك وجبت معاملتها من هذا المنطلق في إطار حقوقها ومسؤولياتها كإنسان، ومن أقلّ حقوقها أن تتزوج ممن اختارته واختارها، وللعلم، فإن من الاضطرابات النفسية ما هو مزمن ومنها ما هو عابر، لذلك تم تسجيل بعض حالات الزواج الناجحة بين الطبيب النفسي ومريضته وهي الحالات التي كان فيها الاضطراب النفسي عابراً وعلاجه الدوائي وأعراضه لم تكن لتؤثر على الجانب العاطفي والجانب الجنسي وجانب الخصوبة، وانتهى بينهما العقد العلاجي مثلما ينتهي "العقد التعليمي" بين أستاذ جامعي وطالبته، فانتقل الطبيب من معالج ناجح إلى زوج ناجح وانتقلت المريضة بعد أن نجحت في علاجها إلى زوجة ناجحة.
وحتى إذا كان هذا الاضطراب النفسي يتطلب متابعة دورية من قبل معالجين نفسيين ولا يعيق مشروع زواج فإنه من الضروري في رأيي تحويل العقد العلاجي إلى زميل آخر في ظل قرارات مسؤولة لا تتنافى مع العرف والقيم وأخلاقيات المهنة.
ورأينا الشخصي في مثل هذه الحالات أن على الطبيب النفسي (الزوج) أن يستقيل من العلاقة العلاجية لا أن "يستقيل من ممارسة الطب النفسي" كمهنة إذ أنه من غير المنطقي أن ينهي المئات بل الآلاف من العقود العلاجية مع المرضى الآخرين. ونحن نحترم أيضاً رؤية د. مصطفى السعدني في الموضوع، وإننا نتفهم حين يرى بعض الناس أنّ في إنهاء العلاقة العلاجية بين الطبيب ومريضته بسبب الزواج خيانة للأمانة والالتزام الذي تعهد به الطبيب أمام ضميره المهني وأمام المريضة وأمام أسرتها وأمام المجتمع ونتفهم كذلك عدم التفات هؤلاء إلى الأسباب الأخرى المتعددة التي تؤدي أحياناً إلى هذا الإنهاء، إلا أن الحقيقة غير ذلك. لكن وكما يشير د. محمد عبد العليم فإنه لا ضير من التأكد من أن الطبيب نفسه لا يحمل علّةً تتوافق مع علّة المريضة من شأنها أن تكون وراء اختياره لها كشريكة في الحياة، ولذلك دأبت بعض البلدان على طلب شهادة طبية تفيد خلو الطبيب من الاضطرابات العقلية قبل الترخيص له بممارسة مهنة الطب النفسي.