السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
قبل كل شيء أشكركم كثيراً على موقعكم هذا، ولا يمكنني أن أصف كم أعجبني وأعجبتني قدرتكم الفائقة ومساعدتكم، أسأل الله أن ينفعكم به في الدنيا والآخرة... آمين.
أنا لا أجيد التحدث عن نفسي، لأن نفسي لا تستحق! كما أني مللت المحاولة وسدت كل أبوابي وانعدمت ثقتي في أمكانية أن أتغير، يستحيل نعم يستحيل.
أنا فتاة في العشرين من عمري، أدرس السنة الثالثة ثانوي، البنت البكر لوالدي ولدي أخ واحد أصغر مني أربع سنوات. لا أدري كيف أبدأ فأنا لم أعد أفهم نفسي، ولم أعد أفهم، فما جدوى تحدثي؟! ولكن سأحاول لأنني أختنق وأحترق. أنا أصنف ضمن الشخصية التجنبية، فأنا لا أجيد الاختلاط بالناس بسهولة، كما أني شديدة الحساسية لدرجة لا توصف. تصفحت كل المشكلات المعروضة في موقعكم، وكلما قرأت مشكلة أجد فيها ما يعنيني مما أصابني بالحيرة، فهل مصابة باكتئاب أم فصام أم قلق أم رهاب اجتماعي، أم...؟ المهم، أنا خليط من الابتلاء، والغريب في الأمر أنه من النادر أن يظهر عليّ كل هذا لأنني لا أظهر الأمر لأسرتي.
في السنتين الأخيرتين أصبحت غريبة الأطوار؛ فتاة دائمة الشرود، دائمة الحزن، دائمة البكاء، سريعة التأثر، إلى أن تضخم الأمر وتحوّل إلى اكتئاب مزمن لا ينفع معه علاج.
علاقتي بوالدتي يتخللها عدم التقارب وعدم التفتهم؛ هي الأخرى مريضة مرض عضوي، من طباعي الغريبة أنني أتألم لمرضها أشد الألم وأحبها حباً جمّاً ولكن أظهر لها القسوة! مما يزيد من آلامها فهي أيضاً حساسة وتعاني من جراء مرضها فهي دائماً متوترة لذلك، وتقول لي دائماً أني لا أهتم بها. أما أبي فهو ميت في قلبي وأحاسيسي لأنني لا أراه إلا ليلاً بحكم عمله، وعند عودته ليلاً لا أستطيع أن أسلّم عليه ولا أعرف لماذا؟! لهذا فعلاقتي به كلها مشاكل. أنا أحبهما كثيراً، لكنهما لا يفهماني لأن كل واحد منهما غارق في أحاسيسه، فنحن نعيش تحت سقف واحد ولكن نعيش في قارات متفرقة ولا يعرف أحد الآخر رغم أنه يراه كل يوم. ولكن أنا لا أظهر لهما مشاكلي ولا أحكي لهما، وحين أختلي بنفسي أبكي بشدة وأخفي الأمر.
مررت بتجربة حب في سن مبكرة ولم أحب أحداً غير هذا الشخص حتى الآن؛ كنت في الحادية عشرة من عمري حين لمحت هذا الشخص أول مرة وهو ابن الجيران ومن العائلة، لكن لم أعرف كيف أفسر إحساسي لصغر سني. انعدمت شهيتي وانعدم نومي ولم أفقه من إحساسي سوى أني أفكر في هذا الشخص صباح مساء وفي كل لحظة وحين، ولست كالطفلات الأخريات فلم أعد أمرح وألهو كالفتيات في مثل سني بعدما كنت نشيطة وبارعة في كرة القدم وألعب مع الأولاد وبمهارة، وكذلك في الدراسة الابتدائية كنت أحصل على المرتبة الأولى ومتفوقة دائماً.
انقلبت حياتي ولم أبح لهذا الشخص بمشاعري أبداً، ولكن كان يحس بي، كان يأتي في الصيف فقط فأنتظر سنة كاملة بين الشرود والترقب. وفي إحدى السنوات تقرّب مني واعترف لي بحبه وقال لي: "سأتزوجك في المستقبل لأنني أحبك" المهم، بعد سنتين اكتشفت أنه مرتبط وتغيّر تصرفه معي، أصبح يكرهني، لم أره أربع سنوات ولكني لم أنساه يوماً. أصبحت اليوم كلما تعلقت بشخص أعشقه بغرابة لا توصف، أريده دائماً أن يكون قريباً مني وأعطيه كل شيء، وأقصد بذلك صديقتي الوحيدة، ولكن لا أريد أن يذهب عقلكم بعيداً، فالأمر نبيل ونيتي أعوذ بالله أن تكون كذلك، فهي أكثر من أختي أو صديقة عادية. أتألم من شيء لا أدري ما هو كأنه عضو بداخلي غير ملموس، والغريب أني لا أقوى على الاقتراب من شخصية أخرى لازمتني طيلة أيام ضيقي وحزني وكانت كأمي وأحببتها كثيراً، لكني أصبحت أتجاهلها لأني أحبها وأخاف أن أخسرها فهي رائعة، لكن أحس دائماً بالذنب حتى وإن لم أفعل ما يؤذيها... أنا هكذا؛ نفسي اللوامة تقتلني، ودائمة الإحساس بالذنب من أتفه الأسباب. أعرف أنها من أعراض الاكتئاب.
أحس الآن أن لا أحد يحبني ولست مرغوباً فيها، لم أعد أستطيع النوم بسهولة، إما أنام بكثرة أو لا أنام بالمرة، ودائمة الكسل والخمول ودراستي على المحك.
لقد زرت طبيباً ولكن لم أتمم لظروف مادية، فأمي وأخي مريضان ويحتاجان لتكلفة باهظة وأنا لا يمكنني العلاج، أعطاني الطبيب مضادات الاكتئاب ولكني انقطعت عن تناولها لأني أحسست أنها لم تغير شيئاً -أعتذر- ولا أذكر أسماءها سوى واحدة "سورمونتيل". لم أقل للطبيب كل هذه التفاصيل سوى أني حزينة ولم أقل له كل هذا.
أنا أتعلق دائماً بالذكريات ولا أنساها بل أعيشها، كما أنني أعاني من أحلام اليقظة، أتخيّل دائماً تفاصيل: أنني أدافع عمن أحب وأموت لأجله خصوصاً أستاذتي وصديقتي، وأتخيل أني أنتحر، والكثير من الأحداث كأنها واقعية. عندي دائماً خوف من المستقبل، ولا أرغب في أي علاقة حب جديدة، لأنني لا أثق في نفسي لأثق في الآخرين. حاولت الانتحار مرة واحدة ولكن هذه الفكرة تراودني، فأنا أخاف من نفسي حقاً أن ترتكب أي حماقة في حقها لأنني أحب ديني وأعرف ما يقول في هذه الأمور وحلمي أن أصبح داعية، أعرف أنكم ستتعجبون ولكن هذه هي الحقيقة، ولكن أحس أنني لا أستحق ولا أستطيع... ليست لدي رغبة جنسية بل أكره هذا الموضوع.
سامحوني على الإطالة، ولكني فصلت لعلكم تفهمونني فأنا سئمت كل المحاولات ولم أعد أريد شيئاً سوى أن أعيش وحيدة لا بشر معي.
سامحوني كثيراً وشكراً لكم على مجهوداتكم الجبارة.
07/12/2008
رد المستشار
الأخت العزيزة،
أشد ما يدهشني في رسالتك ورسائل كثيرة تصلني أن كاتبها يعرف علته ويشخصها جيداً، بل ويقترب كثيراً- أحياناً- من الأسباب السطحية والعميقة (الدينامية)، بل أن بعضهم يذهب للعلاج لكنه يتوقف لأسباب أو مبررات أراها من وجهه نظري غير كافية.
عزيزتي؛
كل ما سبق ينطبق على حالتك، فلقد شرحت أعراض الاكتئاب المزمن بتفاصيل عديدة "أيام ضيقي وحزني، فيها لم أعد أستطيع النوم بسهولة؛ إما أنام بكثرة أو لا أنام بالمرة، ودائمة الكسل والخمول ودراستي على المحك"، "انعدمت شهيتي وانعدم نومي، لم أعد أمرح وألهو كالفتيات". وكذلك بعض أعراض القلق "أعاني من أحلام اليقظة، لدي دائماً خوف من المستقبل"، بل وشخصت نمط الشخصية لديك بأنك تجنبية، وأن هناك ضغوطاً أسرية تتمثل في مرض الأم وغياب التواصل مع الأب والأخ وندرة الأصدقاء وعدم قدرتك على تكوين صداقات، مما جعلك حساسة جداً في تعاملاتك وتميلين إلى السلبية خوفاً من فقد صديقتك الوحيدة، وتجرأت وذهبت إلى طبيب، وتم تشخيص الحالة وللأسف تم الاكتفاء بالعلاج الدوائي فقط! رغم أن معاناتك واضحة بأن غياب التوكيدية والثقة بالنفس وعدم التواصل الأسري والضغوط الشخصية والاجتماعية لها دور كبير في حالتك مما جعلك تتوقفين عن الدواء لأنه لم يفدك -كما أخبرت- أو لعدم قدرتك المادية أو غيرها، كلها مبررات غير سليمة، فكان يمكنك العودة إلى طبيبك ليساعدك في تحديد سبب عدم الاستفادة ويعدل معك خطة العلاج.
عموماً لك أحد الاختيارين: أولهما، هو تنفيذ خطة علاجية مقننة مع طبيب نفسي تحتوي على شق علاج دوائي وآخر نفسي اجتماعي -وهو ما أفضله-.
ثانيهما، أن تدخلي على العديد من الروابط على الموقع والتي تتعلمين منها كيف تسيطرين على أفكارك ومخاوفك وكيف تعودين إلى حياتك وتتعلمين بعض المهارات الاجتماعية والسلوكيات المضادة للاكتئاب، وكيف تتعرفين على أفكارك المشوهة -ليست سُبّة، ولكنها تسمية للأفكار الخاطئة- التي تساعد على ظهور الاكتئاب وكيفية تعديلها.
وفقك الله.
واقرئي على مجانين:
تأكيد الذات
وأهلا وسهلا بك دائما على مجانين.
ويتبع>>>>> : اكتئاب مزمن بتفاصيل عديدة م