أود أن أشكرك كثيراً على اهتمامك بي وبسؤالي. سأل خطيبي في بداية الأمر عند عمله في البنك فقالوا له أنه موظف حكومة ولا يملك أن يغيّر نظام دولته فماله يأخذه من نفس المصدر الذي يأخذ منه كل موظف مرتبه، وبناء عليه عمل في البنك. وعند خطبتي سألت دار الإفتاء المصرية عن مرتب موظف البنك وقالوا لي أن مرتبه حلال، وقد أحلّ شيخ الأزهر هذه المعاملات البنكية وقال أنها لصالح الجميع، وقال أن تحديد الفائدة هو نوع من ضمان حقوق الطرفين في زمن خراب الذمم.
وقد سألنا في كل هذا ثم بعد ذلك جلست لأبحث عن أصل وفصل هذا الموضوع ووجدت آراء علماء كثيرة تحرّم هذا النوع من المعاملات، وتحدثت مع خطيبي وكان يسمعني بكل سعة وهو ليس مصّراً على أن شغل البنك حلال أبداً، بل هو أيضاً يريد أن يعلم الحقيقة. وبحثنا سوياً- فهو لا يعلم شيئاً-، هو يشتغل في قسم الائتمان الذي هو عليه الكلام، وقال لي أننا ليس من حقنا اختيار القسم الذي نشتغل به فهو تابع لرئيسنا على حسب كفاءة الموظف، والذين يشتغلون بهذا القسم هم أكفء موظفي البنك، فهو ليس له ذنب في ذلك، كما أن مرتبه يأخذه من نفس المكان الذي يأخذ منه موظف البنك زميله الذي يعمل في قسم آخر يعني لو بدلنا الأماكن سيأخذون نفس المرتب من نفس المكان، صحيح تختلف في نوعية العمل ولكن هم في الآخر موظفو بنك، وأقول هل اختلافهم في هذا يجوز أن آخذ بأي رأي أم أصر على أنه حرام ولا أقبل العيش من ماله؟
هو خلوق ومؤدب ومتدين ويعرف الله، ولكننا في زمن تاهت فيه عقولنا ما بين الحلال والحرام. عرضت عليه أن يشتغل في بنك إسلامي ولكنها أيضاً يصيبها غبار الربا، هل آخذ في اعتباري أنه موظف وليس له دخل في نظام دولته وأنه إن لم يشتغل في هذا المكان أتوا بآخرين أفظع وأبشع ليعملوا، هل خروجه منه سيحل المشكلة؟
إنها مشكلة عامة ولا بد أن تحارب تدريجياً حتى تنتهي تماماً، فبدلاً من أن نقول لموظفي البنك اتركوا أعمالكم واجلسوا في الشارع فهيا ننادي بتحول كل المصارف إلى مصارف إسلامية حتى يرضى عنا الله ورسوله، ولكن خطيبي أو غيره ما ذنبهم في أن كليتهم تؤهلهم للعمل في البنوك! إنه حلم كل شاب، أترين لو ذهبوا لهذه البنوك ووجدوها غير ربوية سيقولون لا لن نعمل لأنها غير ربوية؟! أطلب من الشيوخ الرأفة بحال الشباب فأنتم تعلمون جيداً ما نعانيه من ضيق العيش وقلة فرص العمل.
إن العمل في البنك من وجهة نظري من يشتغل في قسم الفوائد كمن لا يشتغل بها فكلهم تحت اسم موظفي البنك، ولو يملك واحد فيهم أن ينتقل من قسم الفوائد إلى غيره فمن يشتغل فيه لو كل واحد ترك العمل في هذا القسم سيأتي يوم على رئيس العمل ويشغلهم بالإكراه لأنهم موظفون تابعون لنظام دولة لا نملك تغييره، ألم يقل الله عزّ وجلّ "إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان"؟ ألم يقل الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه؟ إني أحاول ولكن أأترك نفسي ثانية لعذابي وأفكاري؟ أأتركه بعد حبه الكبير لي؟ أأتركه بعد عائلته الكريمة وأمه الجميلة وأخته التي تحبني مثل أختها؟ أأتركه على شيء ليس له ذنب فيه؟ هو لم يعترض ولم يصر على الذنب فضميره دائماً يقظ، ولكن دائماً يقول: "ده غصب عنا" فهو يسمعني ويخاف الله.
لا تقلقي فإن أخلاقه كريمة وعقله أكبر، ولكني أخاف من حب المال وراحة النفس والتكاسل عن البحث فيما هو أكثر حلالاً وأفضل، وأقول ياربي لماذا تاتيني بأشياء لا بد أن يكون فيها كلام وحيرة؟ لم تأتيني أبداً شيئاً بالساهل؟!.
3/12/2008
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله، الأخت الغالية؛
أكرر مرة أخرى؛ أنا لا أقول لك اتركيه، وخاصة أنه لا يحلل المعاملات الربوية، بل أعينيه على الحلال، وحاولا البحث عن أقرب حل ضمن الاقتراحات التي ذكرتها لك في الجواب السابق ريثما يكرمه الله بعمل آخر يليق به وبك، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والمهم أن يسعى للخروج من هذا المكان لا أن يرضى ويقعد مطمئن القلب، ومن يدري؟ لعل الله أكرمه بك لتعينيه على طاعة الله.
وأحب أن أعلق على أمرين وردا في رسالتك: أولهما قولك: إن الموظفين جميعاً يأخذون مرتبهم من نفس المكان، مهما اختلفت أعمالهم: هذا صحيح، ولكن كل واحد منهم إنما يأخذ مرتبه كأجر لقاء الأعمال التي يقوم بها، فإذا كانت الأعمال التي يقوم بها غير مشروعة، لم يستحق عليها أجراً في الشرع، لهذا فالمال الذي يأخذه حرام لأنه لا يحق له، إضافة إلى إثم المعاملة المحرمة نفسها. وأما إذا كانت الأعمال التي يقوم بها جائزة فأخذ الأجرة عليها جائز وهذا من حق الموظف. ولا يفهم من كلامي أني أدعو للعمل في البنوك إذا كان العمل لا علاقة له بالمعاملات المحرمة، فمن أغناه الله لا داعي لأن يدخل في الشبهات، ولكني أحضرت لك فتوى لحالتك حتى لا تقعي في الحرام أو تستمري فيه.
الأمر الثاني: قولك: إن البنوك الإسلامية يصيبها غبار الربا: لا أنكر وجود بعض التجاوزات الشرعية في البنوك الإسلامية، ولكن يظل حالها أرحم من البنوك الربوية، وفرص العمل الحلال داخل أقسامها تبقى أكبر، فإذا كان انتقاله إليها ممكناً فلا يقصر في هذا.
وأخيراً: ليس للشيوخ حق التحليل أو التحريم، وإنما هم ينقلون الحكم الشرعي لا أكثر، وإن جاز للشباب المضطرين أن يعملوا في البنوك ويباشروا المعاملات المحرمة فيها، فهذا تماماً مثلما يجوز لمن لا يجد طعاماً وخشي على نفسه الموت أن يأكل الميتة أو الخنزير، وما رأيك هل نقول لهذا المضطر: لا بأس ابق على أكل الميتة والخنزير بالهناء والشفاء!! أم نقول له: دفعاً للموت عنك، خذ ما تحتاجه من هذه الميتة إلى أن يكرمك الله بالطعام الطيب؟؟
ولا تكثري من همك، فلا شيء في هذه الدنيا يأت بسهولة، وهكذا حالنا كلنا، ولكن أكثري من الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا علي رضي الله عنه: ((اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلاَلِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاك)).ويتبع>>>>>>>>>>>>>>>>> تبحثين عن الحب أم الزواج م4