كيف تصبحين جميلة؟
كلي أمل وثقة بأني بإذن الله سأجد ما يريحني ويخلصني من حيرتي وحالتي النفسية. أنا فتاة عمري 19 سنة، مشكلتي لم تبدأ قريباً بل هي معي منذ طفولتي كما أذكر، إلا أنني بدأت أشعر بأنها بدأت تؤثر على حياتي بشكل مزعج، بدأت تمنعني عن إكمال وظائفي اليومية؛ تقلب مزاجي وتجعلني تعيسة، أنا متأكدة بأنه تصلكم عشرات الرسائل التي تحمل نفس مضمون رسالتي. مشكلتي هي شكلي؛ أنا لا أحب شكلي، أشعر أني لا أمت للجمال بصلة، لا أملك أدنى قدر من الثقة بالنفس، عندما كنت صغيرة لم أكن أشعر بأني مثل باقي الصغيرات دلوعة أو ظريفة أو محبوبة من الكبار عند رؤيتهم لي، صحيح أنهم يحبونني بعد أن يعرفوا شخصيتي لأني وبشهادة الجميع ظريفة ومحبوبة. هذا الشيء يحصل معي حتى الآن، كل من يراني لا يقول عني جميلة ولا يشعرون بأني أنثى ولا ألفت نظر أحد، إلا أنهم بعد التعرف عليّ يحبون شخصيتي.
أنا أحمد الله على نعمه، والشخصية المحبوبة التي رزقني إياها، لكني أتمنى ولو لمرة أن أشعر بأن أحدهم لاحظ أني جميلة، أَحَبَ شكلي، أو أشعرني بجمالي... الكل يراني عادية وأحياناً أقل من عادية، يشعرونني بأنه ليس لي الحق في أن أشعر بالدلال أو الأنوثة لأنها لا تليق بي.
ساعدوني لم أعد أحتمل العيش مع هذا الشعور، أنا أخاف الله ولا أريد أن أعصيه، لكن فكرة القيام بعمليات تجميل تشغل بالي كثيراً، لكني أخاف الله جداً ولا أريد أن أصبح ملعونة، لكن أريد ولو للحظة أن أعيش شعور تلك الفتاة الجميلة، أحب أن أعيش أحلام اليقظة أتخيل بأني جميلة والكل يرغب بي ولكني أضطر للعودة للواقع ولحقيقة شكلي. أكره التصوير، أكره أن أرى صوري لأنها تذكرني وتؤكد لي بأني لست جميلة، وهذا رأي من حولي أيضاً، منذ صغري لم يمتدحني أي أحد، أغار أمام من الفتيات الجميلات إذا تواجدت إحداهن في صفي فهذا يجعلني جداً متوترة وعصبية وحزينة.
أريد منكم المساعدة، هل هناك طريقة لأصبح فيها جميلة؟ فقط اذكروها لي وأعدكم أن أنفذها بحذافيرها، فأنا في هذا الوضع مستعدة لفعل أي شيء من شأنه أن يغير حالتي النفسية ووضعي في الحياة، هل فعلاً لا يوجد لدي غير عمليات التجميل؟
أرجوكم ساعدوني.
04/01/2009
رد المستشار
السلام عليكم؛
الأخت الغالية غلا، أشعر تماماً بمعاناتك، وأقدر تماماً وضعك النفسي، فليس من السهل أن تشعر الفتاة أنها مرفوضة أو أقل من غيرها من الناحية الجمالية، وخاصة أن هذا الأمر –ومع الأسف- أصبح له قيمة كبيرة في هذه الأيام، حتى طغى على سائر الجوانب الأخرى. ولكن يا غاليتي نحن البشر لا نملك إلا عمراً واحداً، لهذا علينا أن نعمل جاهدين لنعيش معاني السعادة فيه في أحلك الظروف والأحوال، ولو سلمنا لك أنك غير جميلة –كما وصفت نفسك لنا- (وربما لو رأيتك لأعجبني جمالك، من يدري؟!) هل يعني هذا أن تحرمي نفسك من فرص السعادة الأخرى في هذه الحياة، وأن تعيشي تعيسة مكتئبة طوال العمر؟ الموفق من يعرف كيف يستخلص الجمال والسعادة والأمل، مما حوله مهما كانت هذه المعاني فيه خافية...
وإذا كنت راغبة في تغيير وضعك وإسعاد نفسك حقاً، فلأبدأ الحديث معك، أقول لك:
أولاً: إن فكرة عمليات التجميل امسحيها نهائياً من عقلك، والسبب الأول في ذلك، أن عمليات التجميل جائزة لتصحيح التشوهات فقط، يعني أن يكون شكل عضو من أعضاء الإنسان غريباً وبشعاً لدرجة يخرج فيها عن الصورة الإنسانية الطبيعية ويسبب الحرج لصاحبه. وأما مجرد فقدان الجمال، فهو لا يجيز تلك العمليات، وأحييك لحرصك على دينك وخوفك من الله في هذا رغم معاناتك الشديدة، فاثبتي على ذلك.
وسبب آخر: وهو أنه لا يضمن أن تعيشي سعيدة بعد إجراء العمليات، وأنت -كلما رأيت نفسك- تعلمين علم اليقين أن الصورة الجديدة صورة مزورة، وأنك لست كذلك في الحقيقة، ثم إن عمليات التجميل لا تصل إلى المورثات، فإذا تقدم أحد لخطبتك، لا بد أن يعلم أن أولاده لن يأتوا حسب صورتك الجديدة، وإنما سيأخذون ملامحهم من صورتك القديمة!
عمليات التجميل الجائزة، بل الواجبة، هي تلك العمليات التي تقوم بتجميل النفس والفكر، لا الصورة والشكل، وهي التي تعطي للصورة روحها وجمالها الحقيقي، أهم شيء تفعلينه لتصبحي جميلة: أن تقتنعي بنفسك وصورتك كما هي، فأنت إذا رضيت بها لن يخطر في بالك عندما تقابلين الناس أي معنى سلبي يؤثر عليك، بل على العكس الكل سيرى نفسه صغيراً أمامك، وسيقول: ما شاء الله! رغم أن الله لم يعطها قدراً كبيراً من الجمال إلا أنها قوية الشخصية ناجحة في حياتها، نفسها صافية راضية، ليست مثلنا نحن الذين نيأس لأي سبب تافه!... علماً بأن شخصيتك محبوبة أصلاً كما ذكرت... صدقيني كم من جميلة تعاف الأنفس صحبتها بعد التعرف عليها وبعد معاملتها، وكم من عادية الجمال بل من ظاهرة القبح تتمنين أن تقضي نهارك كله معها لجمال روحها، وصفاء قلبها، وحسن صلتها بربها... قلة الجمال قد تؤثر على حياتك في بعض الجوانب، لكنها لا تعدم حياتك كلها فلا تعطيها أكثر من قيمتها.
ثم انظري الآن في التشوهات التي حصلت في الحرب على غزة، ماذا بقي للجميلة؟ إذا لم تكن ذات نفس راضية فقد خسرت كل شيء، بينما انظري إلى اللواتي خسرن ليس فقط جمالهن، بل أعضاءهن، -وخاصة الصغيرات- ثم هن مع ذلك راضيات ضاحكات، كم أجد نفسي صغيرة سخيفة أمامهن!
أيهما أصعب، أن تفقدي الجمال أم أن تفقدي حاسة من حواسك -لا سمح الله-؟ لي زيارات إلى جمعية رعاية الصم، ولا أنسى أول مرة دخلت فيها، ورأيت أمامي حوالي ستين امرأة من مختلف الأعمار يتحاورن بالإشارة، صراحة، لقد تمالكت نفسي بصعوبة لشدة ما تأثرت من هذا المنظر. والذي لفت نظري يا عزيزتي أن غالبهن ممن هنّ بارعات الجمال!! ثم هن مع ذلك لا يتكلمن ولا يسمعن، وكثير منهن يتعرضن للإهانة البالغة من أهاليهن ومن حولهن لأنهم يخجلون بهن، ويعتبرون من العار أن يعلم الآخرون أن لديهم ابنة معاقة!! حكي لي عن اثنتين منهن حاولن الانتحار لهذا السبب، يا ترى كيف تعبر هذه المسكينة عن ألمها النفسي؟ يكفي أنك تستطيعين الشكوى والتعبير.
ومرة طرح سؤال من إحداهن فيما إذا كان يمكنها الظهور بثوب دون أكمام أمام محارمها، وبينما صديقة لي تجيب، قامت فتاة تقريباً في العشرين من العمر، شديدة الجمال، وأخذت تشرح لنا أنها منذ الصغر تلبس الأكمام الطويلة حتى في البيت، وكنت أتعجب إذ لا يبدو عليها علامات التشدد في الالتزام! ولكنها تابعت حديثها (أقصد إشاراتها بيديها) وقالت: وذلك لأني محروقة الصدر واليدين، ولكني راضية وأحب الله تعالى مهما فعل بي!!! لا تسمع! لا تتكلم! مشوهة الجسم! وهي راضية هانئة النفس! وأخرى منهن يا عزيزتي معها تشوه في إحدى عينيها ووسواس قهري أيضاً –هذا عدا عن المشكلات الأسرية التي تفوق الخيال-، وعبثاً حاولت التفاهم معها لأخفف من معاناتها، حقيقة بقيت أسابيع أفكر فيها وبمشكلاتها...، وآخر من الذكور فقد السمع والبصر، وهو يتفاهم مع الناس عن طريق اللمس، ويسير وحده في الشارع ويركب وسائل المواصلات بكل براعة! وقد صوروا فلماً خاصاً عنه، وهو يقول: أنتم لا تعلمون السعادة التي أنا فيها! ولو جلست أكلمك عن هؤلاء لما انتهيت من سرد العجائب! وكلما ذهبت إليهن أرى نفسي أحقر منهن جميعاً، وأدعو الله أن يغفر لي بسبب صبرهن. فأين هذا مما تشتكين منه؟
لقد أطلت عليك، ولكن أردت أن أنبهك إلى نعم الله البالغة عليك، فهل ترمينها كلها ، وتجعلين من قصة الشكل سبباً لتعاستك، ودخول الحسد والغيرة إلى نفسك؟ وتعلمين أن نار الحسد تأكل صاحبها وتأكل حسناته! عندما ترين جميلة: قولي: إذا لم أكن مثلها، فأنا يا رب أتقرب إليك بالرضا بما منحتني، وأحمدك على نعمة شخصيتي، وسمعي، وبصري، وعافيتي،.... وعددي ما شاء الله لك أن تعددي، ولن تحصي نعم الله عليك! لو أنك أهديت صديقة غالية عليك هدية قيمة جداً قيمتها آلاف الدراهم، لكنك لم تغلفيها بورق الهدايا، فغضبت وصارت تقول للناس: ما هذا لماذا لم تغلفها؟ لماذا عندما أعطت غيري قلماً، لفته بورق جميل؟ ليتني كنت صاحبة القلم. أتمنى أن أفرح كما فرحت صاحبة القلم! كل من حولي أعجبوا بالورق الملون الجميل!! أريد ورقاً ملوناً، كم أنا تعيسة! أجيبي بصراحة ماذا ستقولين عنها؟؟ فهل تقابلين الله بمثل فعلها؟!
أعود فألخص لك الدواء: الرضا بما قسم الله لك، والقناعة بنفسك كما هي، فلست مذنبة في هذا وإنما هو اختيار الله الحكيم لك، ولا تتأثري من تصرفات من حولك في استنكارهم لصورتك، فهم المذنبون صغار العقول والنفوس لا أنت! ابحثي عن نعم الله العظيمة التي أنعم بها عليك وفكري فيها ليل نهار، وانظري كم أنت مقصرة في شكرها. اعرفي مواهبك واعملي على تنميتها وتطويرها والإبداع فيها، وسترين أن إنجازاتك ستصبح هي الصفة التي يعرفك الناس بها، ويرونك من خلالها، ولن ينتبهوا أبداً إلى قضية الجمال فيك أو الصورة، هل سمعت أحداً في حياتك يقول: سيادة الطويلة الشقراء صاحبة العيون الزرقاء، والقد الميّاس، والخصر النحيل، والطرف الكحيل، الدكتورة الوزيرة فلانة!!!! إنهم فوراً يعرفونها بإنجازاتها ومركزها وإن كانت عجوزاً شمطاء! فاطردي الحزن عنك وابدئي حياة جديدة سعيدة مليئة بالعطاء والإبداع، وأخبريني ماذا فعلت...ويتبع>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> كيف تصبحين جميلة مشاركة 1