السلام عليكم
أود بداية أن أشكركم على هذا الموقع الرائع الذي لا أملك حيال جهودكم عليه إلا الدعاء لكم بالتوفيق والسداد وأود أن أعتذر عن طول الرسالة.
منذ أربعة أعوام أكرمني الله بدخول كلية الطب التي كانت حلماً من أحلام ليلي ونهاري، مررت بالتجربة المعتادة من عدم الألفة السريعة مع واجبات ومهام الكلية والذي تصادف مع عدم اندماجي السريع بالمجتمع المصري الذي قضيت حياتي كلها بعيداً عنه في دولة من دول الخليج. انتهى العام الأول بنجاحي في مادتين من المواد الأساسية -بدرجات الرأفة- ورسوبي في مادتين، ذهلت عندها ولم أصدق أني في يوم ما من الممكن أن أكون مكان أولئك الطلبة الفاشلين الساقطين! تعامل أهلي مع الإشكال بسلاسة ودعموني إلى أقصى حدود، من جهة أخرى لم أستطع المذاكرة وأحسست أن الحياة انتهت، وأن موقفي هذا نقطة سوداء حفرت في سويداء القلب.
انتهى الدور الثاني بروسبي للمرة الثانية، ورفعت المادتين للسنة الثانية، وبدأت سنة جديدة بست مواد رئيسة. حاولت -في بدء العام- الاجتهاد والمذاكرة والاستعانة بالله، ومع اقتراب الامتحانات النهائية أصابني الخوف، تركت كتبي وواجباتي.. ورسبت في ست مواد. عاد أهلي من سفرهم ليكتشفوا أن أملهم يضيع وفاكهتهم يصيبها العطب. حاولت أن ألملم شتات نفسي في شهر ونصف لأدخل امتحان الدور الثاني ولا أنجح في أي مادة. عدت سنة ثانية.. انقطعت عن الكلية.. وحتى عن واجباتي الدينية.. انجرفت في تيار لم أعتده في حياتي كلها:
مواقع فاضحة، لأول مرة أجرب التدخين، انقطاع عن الصلاة... وفي ظل البعد عن طريق الله، لا نجد ملجأ من الحياة إلا إليه، عدت إلى الله وتبت توبة صادقة وذاكرت واجتهدت في آخر أربعة أشهر ودخلت الامتحانات، نجحت في ثلاثة مواد ورسبت في ثلاثة، حمدت الله واستعنت به من جديد وذاكرت في الصيف- ولكني قصرت.. عدت للمواقع الفاضحة وما يتبعها من عادة ذميمة- ودخلت الامتحان نجحت في مادة ورسبت في مادتين. وأنا الآن أعيد السنة الثانية للمرة الثانية مع أن زملائي في العام الرابع من دراسة الطب.
أحاول أن أستعيد عافيتي ولكني لا أستطيع.. أعلم أني لو قررت واجتهدت اجتهاداً حقّاً سيعطيني الله الجزاء الحسن، ولكني حتى لا أريد المحاولة ولا أدري لم! مع العلم أن فشلي في كلية الطب انعكس على كل أنشطة حياتي؛ ضيعت أمل والدايّ وأقاربي، وحتى ذاتي.. لم أكتف بهذا وحسب ولكني للآن مقصر في حق الله الذي طالما أنعم علي بما لا يعد ولا يحصى. في النهاية، ما الحل يا سيدي؟ وهل أنا مريض نفسي؟.
ملحوظة: أنا أحمّل نفسي كامل المسؤولية عما يحدث في حياتي، فلا أقول هناك ظلم في تقدير درجاتي أو أقول أن بعد كل أهلي عني هو سبب فشلي فلا أريد أن أحملهم فوق طاقتهم.
أود أن أضيف: أنني دائم التفكير السلبي، فكما يقول والدي لي أن قطار عمري يجري وأنا ما زلت أرسب (أبلغ الآن 21 عاماً ونصف)، كما أني أحب دراسة الطب -ولا أريد غيرها- والله ليس للوجاهة الاجتماعية ولكني حقاً عندما أجتهد حق الاجتهاد أفهم ما أقرأ وأحفظ ما أفهم.
04/01/2009
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
تعكس كلماتك تماسكاً ووعياً عالياً مما لا يظهر لي أعراضاً نفسية إلا إن كان هناك ما أخفيته عنا. إن أجبت بالنفي على احتمالية إخفاء بعض التفاصيل الهامة يكون عليك مساعدة نفسك إن كنت محباً لذاتك، فأنت تعلم أن عدم الدراسة يترتب عليه بالضرورة الرسوب، حتى إن كنت تدرس الطب رغبة فيها للمهنة من مكانة فلا بأس في ذلك على أن تبذل ما يحققها لك.
تكرر الرسوب مع توفر الظروف المناسبة للدراسة من استقرار أسري وصحي قد يكون سببه غياب الهدف من حياتك وضعف الدافعية للإنجاز، فاجعل لما تبذله من جهد ووقت في الدراسة معنىً أبعد من ذاتك ومن رضا والديك -رغم أهميته-، فنحن هنا نتحدث عنك أنت وعن حياتك، أنظر أين تريد أن تكون بعد عشر سنوات من الآن، أنظر بماذا ستجيب رب العالمين حين يسألك عن عمرك فيما أفنيته، أنظر كيف تشكر لله ما أنعم عليك به من وقت وصحة وفرصة لأن تكون قادراً على تخفيف ألم إنسان.
لملم شتات نفسك وتحدث معها بطريقة عقلانية إيجابية، واجعل لنفسك هدفاً يومياً من التزام العبادة والدراسة، وتخلص من رفقة السوء، واشغل ما لديك من فضل وقت بممارسة الرياضة التي إلى جانب استهلاكها للطاقة غير المستثمرة تجدد فيك النشاط وتشغل وقتك عن السيئات.
أقول لك تحدث مع نفسك لأنك الأقرب لها منا، واجعل من ضعفك عدوك الأول قاومه بالعمل، وابحث داخلك عن الأفكار التي تشغلك عن الإنجاز، ولا تقل رغباتك والمواقع فهذه الرغبة يجب أن تكون وحدها محركاً لك للدراسة والاجتهاد حتى تحظى بفرصة طبيعية وسوية لإشباعها. حدد الهدف وانطلق لتحقيقه وقسّم الأهداف إلى أجزاء، فلا تقل مثلاً هدفي أن أصبح طبيباً، ولكن اجعل هدفك أن تنجح هذا العام فهذا يعينك في شحذ همتك عندما يبدو الهدف قريباً، ونجاحك سيكون معززاً لبذل المزيد من الجهد بدل الاستسلام للتفكير السالب الذي لا يجدي في مساعدتك.
لن تضيرك زيارة لطبيب نفسي ليتأكد من غياب أي درجة من عسر المزاج.
ويتبع>>>>> : اجعل لحياتك معنى م