السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا فتاة عمري 18 سنة، طالبة في السنة الأولى في الجامعة، ذهبت إلى مرشدة نفسية كي أحلّ بعض مشاكلي، لكني وجدت نفسي أدخل في مشكلة أخرى ألا وهي التعلق الشديد بها، لا تعلمين إلى أي مدى وصل هذا التعلق يا عزيزتي حنان، إني أبكي عليها بكاء الفاقدين! أريد أن أكون 24 ساعة بجانبها، لا بل أريد أن أعيش معها، فعلاً أريد العيش معها! عبرت عن حبي لها فلم تهتم لمشاعري، لا أدري لماذا! لكن عدم اهتمامها لمشاعري أصابني بالصدمة وأصبت بانهيار. كنت لا أتحمل فراقها، فعندما تنتهي الجلسة أحزن حزناً شديداً، لا أريد مفارقتها لو للحظة، وقد تطور إلى رغبتي في أن تضمني وتحضنني لأني لم أكتف بالكلمات التي تقلها لي من قبيل: "حبيبتي" و"أنت مثل ابنتي"... لكني لم أحتمل أكثر من هذا.
ذهبت إلى رئيسة القسم الذي تعمل فيه وشكوت لها حالي ومدى تعلقي بتلك المرشدة النفسية بل بكيت عليها بكاءً شديداً وقلت لها أني أحبها ولا أريد فراقها، وقلت لها أن الصدمة التي وقعت بي عندما أرسلت لها رسالة قصيرة على محمولها ولم تجب أخبرتها فيها أني أريدها أن تضمني وتحضنني! تلك الرئيسة تعاطفت معي وقالت لي: "ما رأيك أن تكملي الجلسات عندي؟" رفضت وقلت لها أني لم آت كي أغيّر الأخصائية بل لأصحح العلاقة، فأصرت على أن أكمل جلساتي عندها لأنني إن استمريت معها سأصاب بانهيار في كل مرة، هكذا قالت لي... وافقت على مضض وأخبرتني أنها ستأتي بالأخصائية كي أشكرها على مساعدتها لي وأخبرها أنني سأكمل عندها-أي الرئيسة-.
أتت الأخصائية وشكرتها فضمتني! استغربت لمَ ضمتني؟ مع أني لم أخبرها أن تضمني ولا رئيسة القسم طلبت منها ذلك، بل رئيسة القسم ليست راضية عن ضمها لي، مع العلم أنه كان لدي رغبة قوية في أن تضمني. هذا حالي كلما ذهبت إلى رئيسة القسم للجلسة؛ أبكي عليها بكاءً شديداً وأحس بتعب نفسي شديد! حتى الأخصائية نفسها لم تعد ترد على رسائلي التي أرسلها لها، وتغيرت معاملتها لي وأصبحت جافة قليلاً وأنا لا أحتمل كل هذا.
أرجوك أريد تفسيراً مدققاً ومفصلاً لحالتي! لا تقولي لي أني أعاني فراغاً عاطفياً أو ما شابه ذلك، أريد أن أعرف لماذا هذا الذي حصل؟ لماذا لدي رغبة جامحة في أن تحضنني؟ لماذا لم أمِل إلى رئيسة القسم مع أنها تعاملني بلطف؟ أنا لا أريد فقدانها فصورتها لصقت في ذهني وكلماتها أصبحت ترن في أذني، وعندما أذهب للنوم أتذكرها وأبكي. أنا الآن لقد انقطع تواصلي معها نوعاً ما، أصبح هناك فتور بالمشاعر لكن في بعض الأحيان أشعر بشوق جديد ولهفة وأريد أن أبكي، أريد أن أراها لو للحظة. طبعاً عندما ذهبت إلى الأخصائية النفسية اكتشفت عدة سلبيات منها: نقص تقدير الذات ونتج عن ذلك نقص بالثقة، ولدي أيضاً خوف من جميع النواحي، وعدة مشاكل أخرى كنت أريد أن أعالجها.
علاقتي مع والدتي متوترة، ومع أبي نوعاً ما جيدة، أنا البكر وعلاقتي مع أخي الأوسط ليست بجيدة، يومياً عراك وجدال وشتائم على أتفه الأسباب، أشعر أنه يريد تعذيبي وقهري وهو أصغر مني بثلاث سنوات تقريباً، لدي أخ صغير علاقتي معه جيدة إلى حدٍّ ما. ليس لدي أصدقاء مقربون، وأنا الآن أعاني من الوحدة القاتلة والخوف الشديد.
أرجوكم، لا تقولوا لي اقرئي المشكلات السابقة عن التعلق فقد قرأتها جميعهاً، أريد رداً خاصاً بي وحدي،
وشكراً لكم.
22/02/2009
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
كان الله في عونك يا فاطمة وسدد خطاك لتجاوز جميع ما تعانين. بما أنك قرأت مشكلات التعلق السابقة أصبح لا بد لديك فكرة عامة عن مصدر وسبب معاناتك وهو عدم إشباع حاجتك كطفلة للأمان نتيجة تذبذب معاملة من قام برعايتك أو عدم مراعاتهم للنواحي النفسية دون تقصير في النواحي المادية.
وتظهر استجابات مختلفة في اضطراب التعلق؛ ففي بعض الأحيان ينتج لدينا شخصيات عدوانية شديدة الاستقلالية يصعب عليها التواصل مع الناس، وأحياناً تنتج شخصيات اعتمادية تأبى الفطام النفسي والاستقلال وتقضي حياتها الراشدة في محاولات لتعويض ما فقدت، والحل الأمثل لهذه الحالة بعد توضيح سبب المعاناة التأكيد على أنه لا يمكن تعويض ما فاتهم كأطفال بنفس طريقة التعامل الطفولي، بل يجب عليهم أن يعملوا لإشباع حاجتهم للأمن في الوقت الحاضر بطريقة تناسب مرحلتهم العمرية وما تتطلبه من نضج، فحاجة الإنسان للاتصال وتبادل الحب والاهتمام ليست مقصورة على الطفولة.
لقد حولت على مرشدتك مشاعرك نحو والدتك فتعلقت بها، وتعلق المريض بالمختص نقطة ضعف تعيق الاستفادة، وحين لم تستجب لتعلقك بها فعلت ما كنت تتمنين فعله منذ زمن وهو شكوى والدتك إلى سلطة أعلى منها لتجبرها على منحك ما تحتاجين، ولكن لأن المرشد رغم ضرورة وأهمية العلاقة معه وتميزها إلا أنها تبقى علاقة مهنية يجب أن يعي طرفاها هذه المهنية والحيادية وإلا فإنها تصبح مهددة لنجاح العلاج، فحين تجاهلتك لم تكن تكرر نبذك ولكنها على الأغلب كانت تحاول وضع بعض من المسافة بينكما كي تحافظ على مهنية العلاقة لتحقق الاستفادة.
لا يسقط الناس نفس المشاعر على الجميع، فلا بد أن هناك ما جعلك ترين المرشدة الأولى في دور والدتك بينما لم تناسب الأخرى الدور حنينك وشوقك للمرشدة الأولى، هو بقايا شوقك لدور الأم وقد كانت لتشرح لك الأمر لو لم تصعدي الموقف مع رئيستها التي رأت أن أفضل وسيلة للتغلب على تعلقك غير المهني بالمرشدة أن تقطع العلاقة وهو حل مقبول.
يجب أن يساعدك الإرشاد على التخلص من الميل للتعلق بالأشخاص وتعليمك كيفية التعويض من خلال التركيز على إنجاح علاقاتك الجديدة وتصحيح القديم منها بعد تدعيم ثقتك بنفسك، والتي يساعدك بالتأكيد عليها باب توكيد الذات على الموقع مع متابعتك مع المرشدة. لا تكثري التفكير في الماضي وركزي على ما هو آت من الحياة، جعله الله أكثر سعادة وجعلك وإيانا أكثر قرباً منه.