لا أعرف ماذا أكتب..!؟
بارككم الله على يد العون التي تمدونها لمساعدة الآخرين دون مقابل أو غاية دنيوية. أمّا بعد، أحب أن أخبركم بأن رسالتي هذه ليست الأولى وإنما الثالثة؛ فقد أرسلت مشكلتي قبل أشهر تحت عنوان "مذكرات فتاة رخيصة" ولم أجد الرد، وأرسلت غيرها لعلها تذكركم لكن أيضاً لم أجد رداً! ربما كان ذلك خيراً، حيث أني لا أحب أن أنشر الغسيل القذر على الملأ، لكن الآن ألجأ إليكم بعد أن وصلت للخطوط الحمراء في مشكلتي.
بدايةً أعرفكم بنفسي؛ فتاة عمري 23 عاما وبعد شهرين سأبلغ ال24، طالبة امتياز، ترتيبي الرابعة في العائلة بين خمسة أخوة ذكور أعمارهم كما يلي (27,25,20,15,10) وأختين (29,16 عاما)، أبي متقاعد بعد أن كان يعمل في الجيش وأمي موظفة في إحدى الكليات.
تاريخي: تحرش جنسي بدأ بعمر الثلاثة أو الأربعة أعوام وانتهى بعمر ال23، كان من عدة أشخاص مختلفين معظمهم من الأقارب ولا أحب أن أذكر صلة القرابة، لكن اثنان منهم من المحارم. هادئة بشهادة الجميع، لكن يتخلل ذلك مواقف غضب وضرب تفاجئهم، محجبة حجاباً شرعياً، انطوائية جداً، أحب الحيوانات بجنون، المقربون إلي هم عائلتي وصديقة طفولتي وإحدى زميلات الجامعة وأستاذي في الجامعة، كنت متفوقة دراسياً وبآخر عامين أصبحت كسولة ومهملة في كل شيء بدءاً من الدراسة وانتهاءً بالأمور اليومية والدينية والشخصية. أتعالج حالياً نفسياً بحجة الرهاب الاجتماعي، وأتناول "بروزاك" كبسولتين و"أنافرانيل" الذي لا أتناوله إلا متى رغبت، و"الأنديرال" 40 جم وأكثر وذلك متى رغبت أيضاً.
ببساطة، بدأت مشكلتي بالتحرش وانتهت بفضل الله ثم أستاذي في الجامعة وإحدى الأخصائيات النفسيات، لكن أثر التحرش ما زال باقٍ ولن يزول، لكنه لم يؤثر على صلة القربى ولا أحمل في قلبي ضغينة تجاه أحد منهم، إلا شخص واحد ليس من أقربائي. بعد سنوات من الصمت نشرت الغسيل أمام صديقاتي ولم أجد الحل، فنشرته أمام أستاذي الذي كنت أحبه سراً واستطاع حل المشكلة، لكن أصبح هو المشكلة!
ربما صراحتي تجعل الكل ينفر مني، فقد أخبرته بكل شيء منذ أول يوم رأيته لهذه الأيام وطلبت منه مساعدتي على نسيانه، أعرف أن هذا جنوناً، لكنه منطق العقل لأن أستاذي متزوج وأب أيضاً- رغم عدم معرفتي بذلك أول ما أحببته-، وقد تصرف هو تصرفاً عاقلاً ومحترماً وأخبرني أن نقطع كل شيء نستطيع من خلاله الاتصال، لكن لم استطع ذلك، فهو ليس أستاذي فقط، بالنسبة لي هو كل شيء لي في حياتي.
حاولت التقرب منه بالرسائل الهاتفية وطلبت ألا يقاطعني وسأعتبره أخاً أو صديقاً أو أي شيء عدا حبيباً أو زوجاً، تجاهل ذلك وكانت ردات فعله قاسية وكأنما يتعمد إبعادي عنه. لكن التناقض بين شخصيته الحنونة بالسابق وشخصيته الآن كاد أن يصيبني بالجنون، طلبت منه تفسيراً لتصرفه فلم يرد، أسمعته كلاماً سمجاً عن كونه ممثل بارع و مخادع ومنافق و... إلخ، فغضب جداً وتجاهلني أكثر، وأنا اكتأبت أكثر وأكثر ولجأت للانتحار أكثر من مرة ولم ينجح ذلك، ربما لأن الأدوية التي أتناولها ليست خطرة لدرجة القتل، لكنها ليست أول محاولة انتحار، فقد بدأت أفعل ذلك منذ أن كنت في ال12 من عمري، والآن أعرف أن ذلك محرم لكن لا يهمني شيء، شعور اللامبالاة يزداد يوماً بعد يوم إلى أن وصلت لمرحلة أهملت فيها ديني ونفسي وصحتي وكل شيء تقريباً. أكره نفسي، وشعوري بمقت الذات في ازدياد لدرجة إيذاء الذات حتى لو أدى ذلك لدخول جنهم،
لا أعرف ماذا أكتب بالضبط! لكن أظن أنها أهم ما في قصتي.
وشكراً.
22/02/2009
رد المستشار
فتاة رخيصة!!
أهكذا تنظرين لنفسك؟! حتى وإن كان لديك تفاصيل تشعرك بأنك كنت رخيصة بإرادتك فالأمر يحتاج لنقاش، ولن أطيل عليك في الحديث حول "لماذا" تري نفسك فتاة رخيصة ولكن سأحدثك عما لا تنتبهين إليه الآن ويحتاج لترميم، فأنت تتوقين لمشاعر الاهتمام ووجود من يؤازرك ويربت على كتفك بعد طول عناء، وتلك الاحتياجات مهمة لنا جميعاً ولكن بالحدود التي لا تجعلنا في حالة "تسول" لها أو حالة شعور بالضعف الشديد حين لا نجد من يؤازرنا كما نتصور ونرجو، أو بالتخبط في اختيار من ومتى وكيف سيؤازرنا هذا الآخر، وتخدعين نفسك حين تتصورين أنك تحتاجين لكل هذا الكم من المؤازرة والشعور بأنك "محتاجة"، فانظري معي كيف تسير الأمور معك وكأنك شخص آخر أحدثك عنه:
فأنت ابنة تائهة وسط عدد كبير من الأخوة لست بأكبرهم فتحظين بالتقدير والاحترام أو حتى تحمّل المسؤولية، ولا أصغرهم فتحظين بالدلال أو تحملين حتى صفة الأنانية، تعرضت لتحرشات من الأقارب والمحارم على مدى عشرين عاماً، لم تذكري والدتك ولا والدك كثيراً وهذا يعني أنك بعيدة عنهما وأنت بينهما، فكان من المنطقي أن تكوني ضائعة يملؤك كل أنواع القلق والتوتر والخوف وتكوني إحدى نموذجين شهيرين لمن يتعرض لهذا الكم من التحرشات، وهو أن تكوني "معقدة" تماماً من أي كائن يطلق عليه "رجل"، أو أن تكوني مثل "فتاة الليل" فلا رادع ولا رابط فقط شهوة، وكان من المفترض ألا تستطيعي أن تدرسي ولا أن تركزي في الحياة، ولكنه لم يحدث! فلقد خضت مع نفسك معارك كثيرة حتى تصلي لقدرة "التسامح"، وعزمت على النجاح في الدراسة حتى التحقت بأصعب دراسة في مصر.
وتتحدثين عن عائلتك دون مرارة شديدة رغم قصورهم الشديد في متابعتك، وحفظك يا صغيرتي الله عز وجل حين التزمت وكذلك قوة شخصيتك ونضوجك واتجاهك النفسي حين تتعرضي لأذى شديد، حيث توجهين طاقتك للاجتهاد مع وجود بعض التقوقع والتي ظهرت في الانطواء كأقل أثر يمكن حدوثه لمن في مثل وضعك. والآن بصدق أرى أنني أمام شخصية قوية ولا تعلم أنها بكل تلك القوة، ولكن يقلق مضجعها -مع بعض آثار التحرش- الرغبة الطبيعية لأي فتاة في عمرك في الحب والزواج، والخطأ الوحيد في هذا الاحتياج هو أنك اخترت أن تحبي الشخص الخطأ، فقد يكون أستاذك قد مد لك يد العون في مساحات أخرى كانت مهمة حينها، ولكن أن تتحول العلاقة لحب لن ينتهي بزواج هو ما جعله يفيق ويوضح لك أن تلك العلاقة لا مصير لها، إلا أنك أبيت فاضطر أن يكون قاسياً وتصور أنك ستتفهمين وضعه، ولكن بعد ما أعطاك من عون اتهمته بالخداع فغضب وازداد قسوة وازددت اكتئاباً وشعوراً بالحرمان!.
والآن أنت تحتاجين للآتي:
* أن تعالجي اكتئابك الذي يسبب لك مشاعر البلادة والكسل واحتقارك لنفسك ورغبتك في الانتحار-رغم عدم جديته الحمد لله- وتأثر قوة إيمانك أولاً وقبل أي شيء، ولا تستهيني بالعلاج حتى لا يزداد فتخسرين "سر" قوتك.
* الصدق مع طبيبتك في حقيقة مشاعرك، لأنك تحتاجين لجلسات تفريغ نفسي ومناقشات لتتخلصي من آثار التحرش يوماً بعد يوم، وأُفضّل أن تكون ممن يُعرف عنهم أنهم يعالجون بطريقة العلاج المعرفي السلوكي الذي يقوي الإرادة ويعدّل المفاهيم ويناقشها ويضع لها حلولاً واقعية من خلال قدراتك وتطور تحسنك.
* أن تحبي نفسك أكثر من هذا فهي تستحق "الحب" لا "الجلد" والمزيد من الجراح والآلام، بداية من نظرتك لها ومروراً بعزلتك ولحظات طيشك وانتهاء بقصة حب "مزعومة" تختاري فيها ألا يكون هناك حباً ولا زواجاً، فهو مجرد شخص يمثل لك الاحتياج الذي أوضحته لك، فإن لم تكوني أنت أحنّ الناس عليها فماذا تنتظرين من البشر؟ فالحنّان المنّان هو فقط سبحانه من سيعطيك بلا حدود ولن يتخلى عنك يوماً ولن يغلق بابه دونك أبداً.
* احذفي من قاموسك كلمة "انتحار" بهزل أو بجد، فلا يوجد شيء في هذا الكون حدث أو يحدث أو سيحدث يجعلك تصلي لهذه الدرجة من الهروب ودفع ثمن باهظ لا يُخفف أبداً عن المنتحر، حفظك الله من كل سوء.