تشاؤم، وإحباط، شكوى: حديث السلبيات
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
بداية، اسمحوا لي أن أتقدم بالشكر الجزيل لكل قائم على هذا الموقع الرائع الذي يقدم النصح لكل سائل، والمعونة لكل محتاج، وهذا لعمري من صريح الإيمان، فأنتم لا تدخرون ما تجود به قرائحكم من علم نافع وخبرات مفيدة، فشكراً لكم أنتم المجانين.
مشكلتي أساتذتي الأفاضل هي مع هذا المجتمع الذي لم أعد أطيق العيش فيه بسلبياته الكثيرة، التي لم تنحصر في جانب دون الآخر، فأينما ذهبت وأينما حللت من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب تجد نمطاً واحداً من الناس وكأنما جمعهم قالب واحد. ولعلكم تتساءلون أساتذتي الأفاضل عن هذه السلبييات التي أراها كبيرة، وعن هذه النظرة السوداء القاتمة التي رسمتها لكم، وسأجيبكم بما يلي: والله ثم تا الله ما هي بالمبالغة في الطرح أو سوداوية الرؤية، بل هو واقع أعايشه دائماً، فالأخلاق انعدمت تماماً فلا الكبير يحترم الصغير، ولا الصغير يوقر الكبير، ولا الطوابير تحترم... وويل لك إن أبديت استياء أو قلت لا يجوز فعل ذلك فإنه سينالك من الشتائم والكلام القبيح الذي لم تسمعه في حياتك الكثير.
أما إذا ركبت الحافلة فذلك العناء بعينه، فالزحام نعايشه دائماً والمشاجرات هي الأفلام السينمائية التي لا بد لك من مشاهدتها طوعاً أو كراهية. والأمر سيان في الدوائر والمديريات؛ فالمرء لا يستطيع الحصول على وثائقه إلا بشق الأنفس، ناهيك عن الاستقبال المتجهم الذي لا يبد لك الابتسامة التي هي من المفروض صدقة، وويل لك كل الويل إن أبديت استحياء أو أدباً، فأنت حينئذ لقمة سهلة المضغ، أو كما يقولون لا عليك منه إنه إنسان مؤدب لا يغضب، افعل فيه ما شئت.
أما الأمر الذي فيه العجب كل العجب والذي طفا مؤخراً على السطح ألا وهو القتل لأتفه الأسباب، أوَ تصدقون أن شخصاً قتل آخر من أجل ولاعة! وثانٍ قتل صديقه من أجل دنانير معدودة! والله إنها الحقيقة، وإن لم تصدقوها فأنتم معذورون. وهنا استسمحكم عذرا لافتح قوساً لأقول (عذراً إن لم أذكر اسم هذا البلد فهو على كل وطني ولا أريد أن أن أشوه سمعته. ولولا ذلك لأطلعتكم على الجرائد التي تسرد يومياً العشرات من أمثال هذه القصص والتي على نعيشها دائماً). لا وجود لشيء هنا اسمه المعاملة، أما الطامة الكبرى فهي أن هذه السلبيات تورث للأجيال الصاعدة والتي تمثل البراءة، فوالله إنك لتجد الطفل يقول من الكلام القبيح ما تهتز له الأبدان، وحتى الأفعال المشينة التي تتجاوز أعمارهم. بكل بساطة انعدمت التربية في الفئات العمرية الصغيرة.
أنا اليوم إخواني الأفاضل أحلم بالهجرة إلى بلد أراه مثالاً لتجسيد الأخلاق والتربية الصالحة، إنها كندا. بخلاف الدول الأوروبية التي لا أحبذها هي الأخرى بسبب العنصرية والعراقيل الموضوعة أمام الأجانب، لقد سمعت أن كندا تسعى إلى تعمير البلد بالأشخاص ذوي الأخلاق الحميدة حتى يصبح الجيل الجديد مِؤهلاً لرفع لواء هذا البلد. لكن المشكلة تكمن في الجانب المادي الكبير علاوة على طول المدة التي قد تصل إلى 6 سنوات، فهم يدرسون الملفات بتمعن شديد لأنه كما قلت لا يدخل أراضيهم إلا ذو خلق، ولا يهمهم في ذلك كثيراً التحصيل العلمي أو المستوى الدراسي بقدر القيم التي يحملها في جنباته. وأنا أعرف أشخاصاً دخلوا الأراضي الكندية ومستواهم لا يتجاوز الابتدائية.
أساتذتي الأفاضل، عذراً على الإطالة ولكني فقط أردت أن أنقل لكم الضيق الذي أجده في صدري وأنا أقارن بين البلدين؛ فلا الشوارع نظيفة مثل شوارعهم، ولا العمران متناسق مثل عمرانهم، ولا هي جميلة مثل جمال بلدهم، بكل بساطة إني أحلم دائماً بأني أجوب شوارعها وأسكن مبانيها. وما زاد الطين بلة وضيقاً في صدري هو أن أحد أصدقائي تمكن من المرور إلى هذا البلد وهو كما قال لي أنها جنة على الأرض، ومنذ ذلك الوقت وأنا أرى الشوارع التي أمرّ بها وكأنها ظلام دامس، فهل من حل لهذا الضيق وهذه الحرقة؟ أوَ لم يكن من المفروض أن نكون نحن أحسن منهم باعتبارنا مسلمين؟ أوَ لا يحق لنا أن نعيش في بلد أسسه تعاليم رسولنا الكريم ومبادءه التشريع الإسلامي؟ وأسفاه على بلد لم تجن من الإسلام إلا الاسم، لقد تحققت مقولتك يا محمد عبده لقد وجدت المسلمين ولكن للأسف لم تجد...؟.
أجيبوني حفظكم الله ورعاكم.
22/02/2009
رد المستشار
أهلاً وسهلاً بك، وشكراً على ثقتك.
ما زلت أكتب وأقول كلما سنحت الفرصة أن دهشتي كبيرة من أولئك المندهشين المتسائلين المنزعجين من تدهور الأخلاق والأحوال في مجتمعنا، وفي مجتمعات أخرى حولنا!! ومبعث دهشتي أن كل المقدمات الواقعية والتاريخية لا تؤدي إلا إلى ما نراه وأفدح، ولا أضيف جديدًا إذا قلت أن إشاعة القيم والأخلاق الإيجابية لا يكون إلا عبر التعليم والتربية والإعلام وغيرها من أساليب وأدوات التوجيه والإرشاد، وبجانب التوجيه ينبغي توافر البيئة المواتية والمناسبة للتدريب على هذه المعاني والقيم وتطويرها ومتابعة تنفيذها، وفي ظل غياب هذا عن أجهزة الدولة ومؤسساتها، وعن هياكل المجتمع وفعالياته، إلا ما رحم ربك، في غياب هذه المعاني والقيم والهياكل والأنظمة التشغيلية، والبرامج والخطط والمتابعة... إلخ، في غياب هذا أو تآكله، ماذا نتوقع؟! وماذا يتوقع، أو ماذا كان يتوقع هؤلاء المندهشون؟!!.
دعك من مقولات تشويه السمعة هذه، وانتبه إلى أن ما نراه حولنا هو نتائج طبيعية لتقصير عام يشارك كل واحد فينا بنصيبه على قدر حجم المسؤوليات والصلاحيات والقدرات والسلطات التي بين يديه، وبالتالي منا من يقتصر إفساده على نفسه، ومنا من يفسد حياة أسرة، ومنا من يفسد حياة مؤسسة يقودها، أو وزارة يديرها، ومنا من يفسد على مستويات أكبر أو أصغر بحسب مكانه ومكانته، ثم نشتكي جميعاً، ونعيب زماننا وأهلنا واليوم الذي جئنا فيه إلى الحياة، والوطن الذي ينوء بحملنا، ونحن نسير على أرضه ساخطين نلعنه، ونود الرحيل، ولو نطقت أرضنا لقالت كثيراً عما يفعله كل واحد منا، وعما ينبغي أن نفعله ولا يحصل!.
حديث الشكوى والسلبيات تسمعه في كل مجلس، وينطلق به كل لسان، ولا أدري من أفسد حياتنا إذن، طالما الكل أن يشتكي؟!! الحقيقة ببساطة أننا جميعاً مشتركون في منظومة الفساد والإفساد والفوضى والتهريج والتخلف الذي نعيشه بقدر ما نتواطأ ونفعل أو لا نفعل كما حاولت أن أشرح تواً.
ومن حقك أن تبحث لك عن أرض أخرى تلتقط فيها أنفاسك وتكتشف فيها أن الحياة الطيبة أكبر مما تعتقد، وأن مشكلات البشر يمكن أن تكون أكثر من مجرد الشوارع والمباني والنظافة... إلخ.
لا أعتزم الدفاع عن خيار البقاء ولا التحريض على الهجرة، بل أنا أدعو الناس جميعاً أن يتحركوا بوعي ويتعلموا عن الحياة والعالم لأن معلوماتنا عنهما في الحضيض!.
تحرك واغتربْ تجدْ عوضاً عمن تفارقه، وتعرف الفارق بين هنا وهناك، وتتعلم بنفسك أنه لا يوجد على الأرض نعيم، وأن لكل مكان عيوبه، وأن الفوضى العارمة التي نعيشها في أوطاننا لها أسبابها، ولكنها ليست كل واقعنا، ولترى أن اختصار أوطاننا في مشاكلها مثل اختصار إنسان ليوصف بعيوبه وحدها، ولا أجد عندي أية رغبة في أن أصرخ بمغادر ألا يغادر، أو أن أهتف بمن اختار البقاء أن يذهب، فهذه اختيارات الناس يديرونها كما يريدون، ولعلهم يكتشفون يوماً أن الحياة تختلف أكثر بحسب النمط الذي نعيشها به عما تختلف بحسب المكان الذي نعيش فيه، ولو كنت لا تفهم ما أقصده هنا فسوف تدرك معناه حين تسافر.
يا أخي أنت غاضب وحانق ومحبط مثل الجميع، ولا قيمة لمخاطبة العقل بينما المشاعر ملتهبة، جعل الله لك فرجاً قريباً، ولنا جميعاً مخرجاً من كل ضيق، وفتح علينا بما يصلحنا وبما نصلح به أنفسنا ومن وما حولنا حيثما حللنا، وتابعنا بأخبارك.