الخروج من سجن المثلية: ما ظهر وما بطن!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أود بداية أن أحيي الأخ الذي استجمع شجاعته وكتب عن مشكلته بكل هذا القدر من الوضوح والصراحة والوعي. كما أود أن أحيي القائمين على الموقع وأشكرهم على الدور الهام الذي يقومون به. أما بعد؛
مشكلة الشذوذ الجنسي- في رأيي- مشكلة العصر الذي نعيشه، والذي يجعل منها مشكلة كبيرة هو إصرارنا كمجتمع محافظ على دفن رؤوسنا في الرمال وادعاء أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، وأن مثل هذه المشكلات ليست موجودة في مجتمعاتنا، وأن المجتمعات الغربية فقط هي من يعاني من مثل هذه القاذورات.. إلخ.
لكن الحقيقة للأسف الشديد أن المشكلة موجودة لدينا منذ زمن بعيد وإن لم تشكل ظاهرة يمكن رصدها ومحاولة التصدي لها، والدليل على ذلك وجود الشاعر أبو نواس الذي عرف اشتهاؤه الذكران حتى أنه كتب الشعر فيهم، وكل هذا على سمع خلفاء الدولة العباسية. وأذكر أنني قد قرأت دراسة للكاتب الكبير عباس محمود العقاد في تحليل شعر وشخصية هذا الشاعر الشهير يمكنها أن تفيد إلى حد ما في فهم تركيبته.
كذلك أذكر أنني قد قرأت شعراً يوماً كتبته إحدى الشاعرات في الشاعرة الشهيرة ولادة بنت المستكفي تتغزل فيها تغزل الرجال في الإناث.
الخلاصة هنا أن الداء موجود منذ زمن بعيد، لكن المشكلة الحقيقية أننا سمحنا للداء بأن يتسرب إلى بيوتنا ويستشري دون أن نتصدى له. أذكر أنني قلت يوماً لصديق مقرب لي أن تربيتي كان من الممكن أن تفرز عن امرأة سحاقية ومدخنة، لكني والحمد لله لست هذا ولا ذاك.
أما سبب قولي هذا عن نفسي أنني نشأت في بيت محافظ جداً جداً بين أسرة جميعها من الذكور (أخوال دون خالة- أشقاء صغار دون شقيقة) هذا بخلاف أنني كنت أكبر الأحفاد على الإطلاق، وظللت هكذا وسط عالم يحكمه الذكور دون منافسة تذكر من والدتي التي تتميز بضعف الشخصية وخنوعها أمام أبي بشخصيته القاهرة. إضافة إلى هذا أني بالطبع لم يكن لي أصدقاء أو زملاء من الجنس الآخر أو حتى جيران ألعب معهم، حيث توفي صديق طفولتي الوحيد المسيحي الديانة وأنا في عمر العامين.
وهكذا كانت كل الاحتمالات الممكنة لمثلي الأعلى تتمثل في كل الذكور الذين أحيا معهم في حين كان العالم الخارجي كله من الإناث سواء في المدرسة أو الدروس الخصوصية، وصولاَ إلى انتقالي في مرحلة الثانوية العامة إلى المملكة العربية السعودية ثم عودتي مرة أخرى إلى مصر في مرحلة الجامعة لكي أقيم ولأعوام طويلة في المدن الجامعية وبيوت الطالبات.
كما ترى المحصلة النهائية كان من الممكن أن تفرز نوعاً من الشذوذ، لكن ما حماني وما يمكن أن يحمي أمثالي في رأيي كان الوعي الديني أولاً وأخيراً. لقد فسر صديقي الذي قلت له ذلك أن الأنا الأعلى لدي سطوته كبيرة وهو ما حماني من تلك الأمور. لكني أقول أنه الوعي الديني أولاً، وثانياً إدراكي، لأن طريقة تربيتي كانت تحمل الكثير من الأخطاء التي يمكن أن تدفعني إلى مثل هذه الشرور، هذا الإدراك جعلني أستفيد من تلك التربية الذكورية بأن أكون فتاة بمائة رجل- كما يقولون- يعتمد عليّ في الأمور الكبيرة كأي ذكر، لكني في نفس الوقت حريصة على أنوثتي، لكن في الموقع الذي يمكن لهذه الأنوثة أن تظهر وتتبدى.
أخيراً، أقول للأخ صاحب الرسالة: طفولتك وتربيتك تحمل أسرار ما حدث لك، وفي رأيي أنت تحجب بشكل لا واعٍ شيئاً حدث أو طريقة معينة في التربية أفرزت ما أنت فيه، لذلك لو استطعت الوصول إلى ذلك الشيء أو هذه التفاصيل ستبرأ مما أنت فيه، وسيفك السحر الشرير الذي تعانيه. جرّب محاولة سبر أغوار لاوعيك وصدقني ستجد ما تبحث عنه.
21/2/2009
رد المستشار
الزميلة العزيزة "مسلمة"،
أهلاً وسهلاً بك على مجانين وشكراً على مشاركتك في مشكلة من أغلى وأغنى المشكلات الأرشيفية على موقعنا. قصة وتساؤلات عبد الله الرائع، ولعلك تطالعين أيضاً متابعتيه معنا تحت عنوان الخروج من سجن المثلية: د. وائل يتعب نفسيا (متابعة) وأيضاً: يا عزيزي ... كلنا مجانين!!!!
صحيح أن هناك مشكلة تكاد تصل حجماً دالاً في مجتمعاتنا فيما يتعلق بالشذوذ الجنسي المثلي، لكنها بالتأكيد ليست مشكلة العصر الحديث الأولى ولا مشكلة مجتمعاتنا الأولى، ولا حتى هي مُشكلة تلقى اهتماماً في الطب النفسي السائد، لكنها بالتأكيد واحدة من اهتماماتنا هنا في مجانين وإن بقيت الجهود مبعثرة في حاجة لمن يجمعها ويصوغها، اسألي الله لنا التوفيق....
لا نتفق إلا قليلاً مع أطروحات من قبيل أن بيئة أسرية بعينها يعزز السلوك الجنسي الشاذ، وإن أكدنا أن البيئة الاجتماعية يمكن أن تعززه، وبالتالي نصحنا أهلنا في الخليج بشيء من التهيئة لتغيير الوضع الذي لا يسمح للناس من الجنسين بالالتقاء في مناحي وميادين المجتمع المختلفة بحيث تكون بينهم علاقات طبيعية. لا نقول دون توعيتهم وتبصيرهم بل والإشراف عليهم وتوجيههم بشرط أن يتم ذلك عبر الحوار المتساوي الطرفين وضمن إطار من علاقة صحيحة مع الأولاد والبنات في فترة الطفولة والمراهقة، أي فترة التنشئة الاجتماعية. المهم أن مسألة أن تكون ذكرى معينة أو حدثاً معيناً منسياً أو في اللاوعي سبباً في مشكلة الشذوذ على مستوى الفرد، ومسألة أن تذكر الذكرى أو الحدث هو الحل، هذا لا نتفق معه. الموضوع أوسع وأعمق من غياب المثل الأنثوي أو القدوة الأنثوية في حياتك أيتها الزميلة، وهو أيضاً أوسع من أن يكون مجرد إفراز لعائلة محافظة أو لمجتمع ذكوري، كل هذه أسباب لا تكفي لشرح ما نشاهد من حالات.
أنا أتفق معك تماماً في أهمية النشأة الدينية والتدين الداخلي، خاصة في الحماية من تأثيرات البيئة السيئة، وأرى أن البيئة التي نشأت فيها لا تؤدي بالضرورة إلى سلوك جنسي شاذ، وإن أدّت فغالباً قليلاً ما يتحول إلى توجه وسلوك مستمر جنسي شاذ.