السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أريد أن أشكركم على جهودكم الكثيرة، ولن أكثر في الكلام وسأبدأ بالمشكلة.
منذ طفولتي وأخواي الاثنين الأكبر مني يحبساني في الظلام ويظلا يخيفاني بشدة، وكنت أنادي على أمي لتساعدني ولكنها لم تكن لترد عليّ. كبرت ولم يكن هناك من هم في سني لألعب معهم، وكان الكبار لا يريدونني معهم، كبرت حتى أصبحت في الصف الأول الإعدادي فمرضت بالغدة كان عليها درن وذهبت لإجراء بعض التحاليل فكان الدكتور يتصرف معي بطريقة غريبة فكان يضع يدي على عضوه الذكري ويقبلني ويضمني إلى صدره رغم أنه متزوج، وخرجت من المعمل أبكي كيف أفعل هذا وأسمح له بذلك!
بعدها تعرفت على شباب على الموبايل وكان مجرد كلام، ثم عرفتني بنت خالي على العديد من الشباب وأحببتهم وكنت أنا دائماً من ينهي العلاقة بهم. في الصف الثالث الإعدادي تعرضت لحادث أثّر بي كثيراً؛ كان معي جهاز الهاتف الخلوي الخاص بخالتي وكنت ذاهبة عند ابن خالتي الأخرى لأريه إياه فصعدت على الدرج وقبل الوصول إلى باب الشقة كان هناك شاب خلفي يصعد الدرج أيضاً فوقفت وقلت له تفضل بالصعود فصعد درجتين ثم سألني: "ما رقم هذه العمارة؟" فقلت له: "لست أدري": قال لي: "ألست من سكان العمارة؟" قلت له لا فقفز خلفي بسرعة البرق وكتم صوتي ونفسي حتى اختنقت وفقدت الوعي لثوانٍ فظن أني قد مت ولكني كنت على قيد الحياة فصرخت فكتم نفسي مرة أخرى ثم شعر بالجيران فاخذ الهاتف الذي سقط من يدي وظل يجري ولم يمسكه أحد حتى الآن، وقد تغيرت ملامحي لدرجة أن خالتي وخالتي الأخرى وابن خالتي وباقي أقاربي لم يستطيعوا التعرف عليّ، وبعدها بربع ساعة حضرت أمي فدخلت ووجدتني مرمية على الكنبة فصرخت وحكوا لها القصة فظلت تصرخ وتقول: "أضعت هاتف خالتك، أضعت هاتف خالتك"، وقتها شعرت بجرح كبير يعني حياتي لم تكن مهمة لكن الهاتف أهم منها.
المهم ظللت فترة طويلة لا أنزل الشارع خوفاً من حدوث أي شيء وخالتي التي سرق هاتفها بعد يومين من الحادث ظلت تقول لي: "أضعت الهاتف وارتحت"، والله كلامهم هذا يقطع قلبي، ومن وقت الحادث وأنا أخاف إذا نظر إليّ أحد بالشارع وأصعد السلالم أسرع من البرق، وهناك شيء آخر وهو أني إذا شعرت بالضيق والحزن أظل أبكي بكاءً مريراً في غرفتي وأظل أحدث نفسي بصوت عالٍ وكأني أحدث أحداً أمامي وأتناقش معه وأسأل الذي أمامي وأجيب على نفسي وكأنه هو يجيب!.
أنا محتاجة أن تضمني أمي لصدرها وتحضنني، حتى عندما تعود من السفر تسلّم عليّ كالغريب دون أن تحضنني، أنا أبكي كل يوم قبل النوم وأتذكر كل شيء سيء في حياتي وأظل أبكي، ووقتها أكون في أشد الحاجة إلى حضن يضمني ولكني لا أجد أمامي غير السرير والفراغ حولي فيحترق قلبي، وأحياناً أحلم بأشياء لم تحدث ولكن بعد فترة من الزمن قد تكون ساعات أو أيام أو أسابيع أو سنين وأجد هذا الحلم يتحقق أمامي بكل حرف فيه فأشعر وكأني مجنونة، وأحياناً قد أقوم بعمل شيء ثم أنام وأقوم لست أدري إذا كنت حقاً فعلت هذا أم كان حلماً، أو العكس أحياناً أحلم بشيء أقوم وأشعر وكأني حقاً فعلته ولكن لست أستطيع أن أعرف أحقاً فعلت هذا أم كان حلماً؟!.
أنا أحب الرسم كثيراً وأحب جداً الجلوس عند البحر أو النهر أو بحيرة، أحب المطر، أحب الكرتون... وهناك شيء آخر أنه إذا تضايق أحد مني أو تضايقت منه بأقل كلمة أسامحه وأنسى ما فعله بي ولا أتذكره بتاتاً مهما حدث، وهكذا يستغلونني فيجرحوني وبعدها يعتذرون. أحياناً عندما لا أجد مكاناً لأبكي فيه أدخل الحمام وأبكي أو أبكي أمام المرآة وأظل أرى دموعي وهي تنزل على خدي لتحرق مع قلبي، أنا أحب اللون الأسود كثيراً وأحب الورد البلدي الأحمر أحب أن أشاهد السماء ليلاً وهي صافية وأرى القمر والنجوم... أعرف أني قد أطلت كثيراً في الكلام ولكني اختصرت بقدر ما استطعت. أرجو الرد سريعاً إذا سمحتم، أنا خائفة جداً لكني ارتحت جداً حينما تكلمت عمّا بداخلي،
وشكراً لصبركم على كل هذه المشاكل.
جزاكم الله كل خير.
8/3/2009
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
جزاك أنت أيضاً خيراً على حسن الدعاء لنا، وأصلح حالك. اعلمي أنه لم ينج من الألم إنسان ولكن تختلف طريقة تعامل الناس معه، فهناك من يمضي ليجمع كل الأحداث المؤلمة في نفسه، وكلما حاول النسيان أن يطويها سحبها مرة أخرى ليبكي عليها، كأنها قد حدثت للتو مسبباً لنفسه مزيداً من الألم. أما أصحاب الشخصيات القوية والأهداف الواضحة فينظرون لما مرّ بهم من ألم ليتعلموا منه ثم يلقون به في البحر كي لا تتعطل حياتهم تحث ثقل الآلام المتراكمة.
تتميز ثقافتنا الحالية بإعلاء قيمة النواحي المادية على حساب المشاعر، ولهذا ترين أن اهتمام أسرتك انصب على خسارة الموبايل بعد تحقق سريع أنك بخير وعافية، أيضاً من الناحية المادية ولم يلتفتوا لما قد تكون الخبرة تركته على نفسك من أثار، أصلح الله حالنا فلا تلوميهم فلا لومهم ولا استمرارك في البكاء سيؤدي لإشباع حاجتك النفسية للحب والاهتمام والتقدير، ولا كذلك التنقل بين الشباب، فجميعها أمور تضعف قدراتك الاجتماعية وشخصيتك بصفة عامة نتيجة تضييع طاقتك في أمور غير مجدية، كما سيؤدي عيشك تحت مستويات عالية من الشعور بالحزن والضيق لمعاناتك من ضغوط تفصلك عن واقعك كما يحدث عندما تشكين في أفعالك.
لا تستعذبي الألم فكري في هذه الحادثة لمرة أخيرة وقرري أين كان الخطأ الذي أدى لها، هل هو خروجك في وقت لا يصح لمن هي في عمرك أو منطقتك الخروج وحدها، وقد لا تجدي أي سبب منطقي لتعرضك لما حدث غير شيء من سوء الحظ، فلا تركزي على الجانب السلبي بل احمدي الله أن الضرر قد اقتصر على شعورك بالخوف والحزن لموقف أهلك غير المبالي بالأثر النفسي للخبرة عليك، فكل ما يتعرض له الإنسان خبرة لا بد أن يتعلم منها ما ينفعه في القادم من حياته.
يشعر الإنسان بالآمان عبر القرب والتواصل مع الآخرين، وتكون وسيلة إشباع هذه الحاجة في الطفولة الالتصاق الجسدي فقط –الأحضان-، لكن مع النمو وتطور القدرات العقلية واللغوية تتراجع مساحة الدور الجسدي في التأثير النفسي لحساب التواصل اللفظي والعقلي والذي يشكل بديلاً، وإضافة للتواصل كما ذكرت من شعورك بالراحة بعد بوحك لنا عما تعرضت له -ونسميه بالعامية الفضفضة-، فإن كانت أسرتك ترفض التعبير عن المشاعر والتواصل عن طريق التواصل الجسدي بأي درجة يمكنك تعلم الاكتفاء بالكلمات وهو الأمر الذي يناسب عمرك.
تعلمي أن تكون وقفاتك مع الألم قصيرة ومنطقية لاستخلاص الدروس والعبر منها ثم الاستمرار في التركيز على الأكثر أهمية وهو القادم من الحياة والمفرح من حولنا مثل الزهور والنجوم، وقوي علاقتك برب العالمين فالتدين يعطي الإنسان شعوراً بالأمن والثقة.