لفاقدة للأبوة, والحنان ..!؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا فتاة عمري 21 عاماً من أسرة ميسورة الحال، أبي كان يعمل بالخارج وكانت أمي هي التي ترعانا. علمتنا أمي -أنا وإخوتني- الحب والاحترام والخوف من الله، والحمد لله نشأنا على الحب والتقدير بيننا، نحب بعضنا كثيراً ونحترم بعضنا كثيراً. نحن خمس بنات وولد واحد فقط أنا أصغرهم، والولد هو الأكبر.
عندما كنت في الخامسة عشر من عمري سافرت أمي لتزور أخي الذي يعمل في الخارج، لكن حدث أن اكتشفت هناك أنها مصابة بمرض السرطان وقامت بإجراء عمليه استئصال للورم وبدأت في علاج دام سنوات، كانت أمي تعيش هناك مع أخي ولا تأتي لنا إلا زيارات بسبب مرضها وعلاجها، وكان أبي يعيش معنا في بلدنا هنا معي أنا واثنتين من أخواتي فقد تزوجت الأخريات، وبعد فتره تزوجت أخت لي ممن كن يعشن معنا، وبقيت أنا ووالدي وواحدة من أخواتي وأتت أمي من الغربة بعد رحله علاج دامت سنوات لتعيش معنا، لكن القدر كان أقوى منا ولم نستمتع بوجودها معنا إلا شهوراً قليلة وكانت هذه الشهور أيضاً كلها رحلة علاج أخرى وصراع مع المرض المميت إلى أن نفذت مشيئة الله وتوفيت... وذلك منذ عام ونصف تقريباً. ساد الحزن جميع أفراد العائلة وعشنا سوية لفترة طويلة في حالة من الاكتئاب الشديد، كنا نشعر أننا كالأموات لا نحس ولا نشعر بأي شيء يحدث في الدنيا، وكنا نشعر بأننا لن نعيش ثانية بعد وفاة أمي، ولكن دوام الحال من المحال.
بعد عام تقريباً من وفاتها بدأنا نعود لحياتنا الطبيعية ولكن لم ننسها، فهي التي ربتنا وعلمتنا وأحسنت تأديبنا، وبفضل الله ثم فضلها علينا ولله الحمد الجميع يشهد لنا بأننا على خلق واحترام وأن هذا بفضل تربيتها لنا. لكن أبي... لا أعلم إن كان يحب أمي أم أنها عشرة العمر التي دامت بينهما 40 عاماً تقريباً، لا أعلم لكن أبي رجل طيب جداً وحنون جداً ويحبنا كثيراً ويخاف علينا، ونحن نحبه ونخاف عليه ونشعر تجاهه بمشاعر الحب والاحترام والتقدير، كان أبي الذي يبلغ من العمر الآن 68 عاماً يعطينا حناناً فياضاً لا أجده في أحد مثله، حتى أمي رغم شعورها الحنون علينا إلا أن أبي كان أكثر منها في مشاعر الحنية، ولكن فجأة تغيّر الحال وتغيّرت المشاعر وبدأ يهملنا من بعد وفاة أمي بفترة.
بدأنا نشعر أنه يبتعد عنا وينساق لجو بعيد عنا وبعيد عن منزلنا، وبدأ في تكوين صداقات حميمة مع أصحابه والخروج معهم، كنا نفرح بذلك لأنه كان يخرج ويغيّر حياته ويجد من يحدثه من أصدقائه، وكل هذا رغم أن بعده عنا كان يؤلمنا لكنا سعدنا عندما رأيناه يقترب من أصدقائه ويشعر بالسعادة معهم، وبعد فترة تزوجت أختي التي تعيش معنا أيضاً وبقيت وحيدة مع أبي.
فوجئت بأن تصرفات أبي تغيّرت تماماً فبدأ يحدث بيننا وبينه جفاء، ولا يحن علينا مثلما كان، ولا يهتم بنا، وبدأت أشعر أننا حمل ثقيل عليه ويريد التخلص منه، وبدأت ألاحظ تأخره بالخارج كثيراً، وصرت أشك في أشياء كثيرة وأخبرت أخواتي الأكبر مني، لكن لم يحدث شيء! مع مرور الأيام أحسست أن أبي على علاقة بامرأة، وتأكدت من ذلك، لكني لا أعرف نوع العلاقة، وأخبرت أخواتي وعشنا في نفسية محطمة وأحسست بالظلم الكبير من أبي تجاهي، فأنا الآن أعيش معه بمفردي وكان يجب أن يرعاني ويقدم لي الاهتمام والرعاية، أكثر من ذلك أه صبر على أخواتى وأحسن تربيتهن وزوجهن جميعاً وأنا لم يعرني أي اهتمام، وبدأت أشعر أني حرمت من أمي وحرمت من أبي أيضاً رغم وجوده معي...
أنا لم أشعر في حياتي بأن أحداً يعيرني اهتماماً؛ أمي سافرت للعلاج في سن كنت أحتاج فيه لها جداً، وكنت أشعر دائماً بالوحدة دونها، ولكني كنت لا أريد التصريح بذلك لأن ما حدث لم يكن بيدها أو إرادتها، فالله هو الذي شاء أن تمرض وتصارع المرض وتبتعد عني في هذا الوقت، وعندما جاءت لتمنحني الأمان توفاها الله، وبعد ذلك لم أجد أمامي غير أبي الذي تركني هو الآخر واكتشفت أنه متزوج من أخرى ولكن لم يخبر أحداً منا ويعيش معي في البيت ويخرج ويتركني طوال اليوم ويأتي وقت النوم ويمشي بالنهار، وعندما أتكلم معه يقول لي اذهبي لأحد من أخواتك اجلسي معها حتى عودتي من الخارج، ولكني وجدت ورقة زواجه وشاهدتها بعيني وعندما رأيتها وقعت عليّ كالصدمة والمصيبة وشعرت أن بيتنا انهار فعلاً وأني لم يعد لي أحد ولن أجد أحداً يهتم بي للأبد. عندما علمت أخواتي قلن لي نتركه يفعل ما يريد ويذهب يعيش معها ولم يفكرن بي إلا عندما ذكرتهن أني موجودة وكيف سأعيش؟
قال لي أخي انه سيأخذني لأعيش معه وزوجته في الخارج، لكن حتى الآن لم نخبر أبي أننا علمنا بشيء وهو أيضاً لم يخبرنا بشيء.
أنا الآن أكتب إليك هذه الرسالة بدموع قلبي، أستحلفكم بالله أن تهتموا بهذه الرسالة وترسلوا لي حلاً، أنا أشعر بالإحباط والاكتئاب وأشعر أن الحياة سوداء وأتمنى الموت حتى أرتاح من هذه الدنيا التي لم أر فيها يوماً سعيداً ولم أر فيها شخصاً يهتم بي ولا يرعاني، ولم أجد الحب أبداً من أحد ولم أعش فيها حياتي مثل الآخرين، لا أعرف ماذا أفعل؟ وماذا أقول؟ وكيف أعيش بعد الآن بعد أن تحولت حياتي لدمار؟ إني أعيش الآن الحياة وأنا لا أشعر بأي شيء، أشعر أني مخدرة لا أحس، ولا أستطيع التفكير ولا اتخاذ قرار ولا فعل شيء في حياتي، حياتي مدمرة.
أرجوكم، بالله عليكم ساعدوني وأريحوا قلبي الذي يتمزق من هذه الدنيا التي صدمت فيها وكنت أتمنى أن أعيشها بحال غير هذا الحال، كنت أحلم بحياة أخرى ولم أجدها...
لم أجد حياة أصلاً، لا أجد سوى سراباً، وأفيق على وهم بشع كنت أحلم به.
08/03/2009
رد المستشار
لقد جاء وقت نضوجك يا صغيرتي وأنت لا تدرين، فلم تعودي تلك الطفلة الصغيرة التي تحتاج لمن يهدهدها طوال الوقت ويمسح عنها دموعها، فلقد كبرت! وتعالي معا نقرأ ما تقرئينه في حياتك بروح الطفلة لنقرأه معاً بروح الفتاة التي تبدأ مشوار نضوجها، فوالدك هو أكبر مسكين بينكم؛ هو رجل مسن اقترب من السبعين وقد عانى معاناة كبيرة لفترة طويلة فحرم من وجود أنثى في حياته لسنوات حين ظلت والدتك عند أخيك للعلاج، ألم تفكري كيف كان حاله هو؟ لقد كان نعم الأب والأم، أم نسيت؟
لقد فقد سند الزوجة ودفء وجودها وحنانها فجأة بلا مقدمات وصار أمام اختيارين شاقين: إما أن يتنصل من الحمل الزائد عنه بالزواج وأمك حية ترزق، أو بأن يتحمل ويصبر ويقوم بدور الأب والأم من أجلكم وينسى نفسه، وقد اختار الأصعب -وأنت تقولين أنه كان حنوناً أكثر من والدتك-، ولقد كنت أصغر من ذلك وتحتاجين لرعاية أكبر ولقد قام بما يقوم به الأب الناضج المضحي بكل معنى الكلمة. والآن هو في حالة "ضعف" ولا أقصد به ضعف أمام المرأة، ولكنه في السبعين من عمره وهي حالة ضعف جسماني ونفسي كبير فلم يعد قادراً على القيام بكل شيء ولم يعد قادراً على العطاء السابق بغير إرادته، ويحتاج هو من يحنو عليه ويرعاه نفسياً وجسمانياً حنو ورعاية الزوجة وليست الابنة، فالرجل لا يحتاج المرأة للجنس فقط ولا للقيام بأعمال المنزل، ولكنه يحتاج إليها ونيساً ورفيق درب وتطمين، ولقد حرم من ذلك لفترة طويلة كان يقدمكم فيها على نفسه واحتياجاته؛
وكذلك ليس معنى وجود زوجة في حياته أنه لم يحب والدتك بل العكس تماماً، فحبه لها جعله يتحمل فراقها وسنوات علاجها حين عادت دون أن يقول كلمة واحدة من سلسلة احتياجاته (فهل هناك دليل حب أكثر من هذا؟)، ولقد ظل محروماً ممن ترعاه حتى اطمئن عليكم ووجب الآن أن تتخلوا عن أنانيتكم ولا تظلموه وتظلوا في حالة "رضاعة" لا تنتهي.
أكمل أخوك حياته وتزوج وسافر، وكذلك أخواتك أخت تلو الأخرى، وأنت هل تطلبين منه وهو في السبعين من عمره أن يظل يرعاك ويكتفي بحنان الابنة ليزوجك كما فعل مع أخوتك؟! هل هذا منطقي؟ هل هذا في استطاعته ولكنه يبخل؟ فلماذا لا تحمدين الله سبحانه أنك اكتشفت أنه "متزوج" وليس على علاقة سيئة مثلاً؟ لماذا لا تحمدي الله أن أعطاك من العمر حتى تري والدك مرتاحاً في أواخر عمره الذي أفناه عليكم؟ لماذا لا ترين معي أنه في إخفاء زواجه عنكم هو يكمل طريق الحفاظ على مشاعركم حتى الرمق الأخير؟
أكرر مرة أخرى يا حبيبتي أنه قد "وجب" أن تفكري بطريقة أخرى حتى لا تعذبي نفسك بنفسك وتتصوري أموراً على غير حقيقتها، فلماذا لا تفكري أن تعيشا معاً جميعاً؟ أو على الأقل أن تتقبلي فكرة أنه سعيد؟ وهناك درس آخر "لزوم" النضوج وهو أن العطاء سر من أسرار السعادة؛ فعطاؤك لأبيك الأمان فلا يخاف من رد فعلك أو فعل أخواتك من زواجه، وعطائك له بالقرب والمبادرة سيعطيك سعادة وسيعطيه سعادة أكبر، وسيجعلك تشعري بمشاعر أخرى غير مشاعر الضياع والفقد والوحدة فبيدك أن تكونوا ثلاثة معاً أو على الأقل في يدك أن تقولي لأبيك أنك سعيدة بسعادته، ولكنك تحتاجين فقط شعورك باهتمامه، وحين يجد منك هذه المشاعر النبيلة (التي يستحقها بجدارة) سيكون في حالة أفضل وسيعود لرعايتك بشكل أفضل لأنه أب حنون في الأصل، فهل فهمت ما قلته؟ وتُرى هل ستقومين بما أشرت عليك؟ أم ستختارين أن تعيشي حياة العذاب والوحدة؟ فلا تنسي أن والدك يستحق كل ما يمكنك أن تقدميه له من تضحية.
ويتبع>>>>: أبي يخونني مشاركة