بعد فراق الأحباب....
أنا فتاة من أسرة متوسطة الحال، توفي والدي منذ عامين، والدتي ربة بيت، لي أخوين الأكبر متزوج والآخر سيتزوج خلال هذا العام.
علاقتي بأسرتي؛ كان أبي صديقاً لي يشاركني كل شيء، وكم أشتاق له، ولكنه قضاء الله، أمي قلبها طيب جداً تحبني وتخاف عليّ، وأخواي كلٌّ في حياته لا يعرفون عني إلا القليل. بعد وفاة والدي أصبحت لا أهتم بأحد، نعم أسمعهم إنما لا أستطيع البوح بكل ما في قلبي، فقد رحل قلبي مع أبي، منذ وفاته أهملت كل شيء: دراستي وحياتي، أسير بها بصعوبة، أحس أحياناً أني أعلق نجاحي بموت أبي، بسبب أنه مات بعد شهر واحد من ظهور نتيجة قبولي في الجامعة.
أصبح النسيان مشكلة حياتي، وما يؤلمني أكثر أني أنسى بعض ذكرياتي مع أبي. كنت نائمة معه ليلة موته وأكلمه وإذا به يقول: "لا أخاف إلا عليكِ" فأجبته أن من معه الله لا يخاف، بكى وصباحاً وجدته يموت وأنا واقفة لا حيلة لي ونفذ قضاء الله، بعدها بدأ الصراع على التركة ولم ينظروا لما أخذه معه، أحس أن ابي كان يردع الكثير، والآن أصبحت وحدي في جبهة الدفاع عنه وعن أمي وعن إخوتي.
مشكلتي الآن أني أصبحت فاقدة الاهتمام بكل شيء: دراستي وحياتي، وأنام كثيراً أملاً في أن أرى أبي، أحس أن نومي هروباً من واقع أرفضه إلى عالم أشكله بخيالي، لا أعرف ما مشكلتي؟!، هل أنا لست راضية عن موت أبي حتى الآن، أم هو الهروب من المسؤولية أم ماذا؟ والنسيان، هل لأني طلبت من نفسي بعد موت أبي أن أنسى لتستمر حياتي فأصبح النسيان هو واقعي؟
أفيدوني أرجوكم، وشكراً لسعة صدركم، وشكراً لهذا الموقع الجميل المليء بهذا الكم من المعلومات عن العالم النفسي.
شكراً.
سارة عبد الحميد- مصر القديمة
2009/3/8
رد المستشار
السلام عليكم،
أهلاً بك أختي الغالية سارة،
لقد أعادتني مشكلتك إلى الأيام التي عشتها عندما توفي أبي –رحمه الله هو وأباك-، كنت حينها في الثانية عشر من عمري لم أفارق عهد الطفولة بعد، وكنت متعلقة به كثيراً، وكان أهم ما يميزه أخلاقه العالية، وحبه البالغ للعلم وكثرة تشجيعنا عليه، واهتمامه بمتابعتنا في كل ما يختص بتحصيلنا العلمي... المهم يا عزيزتي أن رسالتك ذكرتني بيوم عدت إلى المنزل وأنا أحمل بيان درجاتي في نهاية أول فصل دراسي بعد وفاته، كنت أحدث نفسي بحزن: من سيرى الآن هذه الدرجات ويفرح بها؟ وفتحت ورقة الدرجات ووجهتها إلى السماء، ثم رفعت بصري وقلت: أتراها يا أبي؟ كنت حزينة مثلك، نعم! ولكن حزني دفعني لأن أسعى في تحصيل ما يحب، وإن كان لي نجاح علمي فهو ببركة حبه للعلم، فقد كان هذا دائماً في مخيلتي يدفعني لأن أفعل ما يسره ويرضيه...
أذكر لك هذا لا لأتكلم عن نفسي، بل لأقول لك: لم لا تبحثي عن الأمور التي كان والدك يحبها ويفعلها، وتقومين بالاقتداء به فيها؟ لم لا تجعلي علاقتك به قائمة على العمل والبذل والعطاء، وعلى إدخال السرور على قلبه؟ لا أظن أن والدك مسرور لما يجري معك الآن، فلا تدخلي الحزن عليه بحالك هذا. إن كنت تحبين أباك فعلاً فأدخلي السرور على قلبه باهتمامك بدراستك، وتفاؤلك، والدعاء له بالرحمة، كوني صادقة وحازمة مع نفسك واعلمي أن أمامنا أهدافاً كثيرة وكبيرة علينا أن نحققها في هذه الحياة لنقطف ثمارها –بفضل الله- في الآخرة، فلا وقت لدينا لنضيعه في الحزن والبكاء. جففي دموعك وانهضي وعاهدي ربك وأباك على أن تكوني كما يحب ويرضى، فهذا أفضل من أن تصابي بالاكتئاب وتضطرب شؤون حياتك.
اذكري إخواننا في غزة الذين فقدوا ليس آباءهم، بل عوائلهم كلها وهم مصممون على متابعة حياتهم -على خطى ذويهم- في جهاد اليهود.
استعيني بالله، وقومي فور قراءتك لهذا الرد لتبدئي حياة جديدة ملؤها الأمل والتفاؤل والعمل الصالح، وإن وجدت نفسك غير قادرة على الخروج من هذا الحال فلا بأس من الذهاب إلى معالج نفسي لمساعدتك.
رحم الله والدك وأسكنه فسيح جناته، وجعلك نقطة مضيئة في صحيفته، وجمعكما سوياً في جنات النعيم... وتابعينا بأخبارك.