ما العيب في أن أفكر فيه ..!؟
الإخوة الأفاضل، سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته، وجزاكم الله خيراً على ما تبذلونه، وجعله في ميزان حسناتكم. أما بعد،
ليست لدي مشكلة لأبعث بها إليكم، غير أنه بوح النفس للنفس، فها أنا أقع بين ما تمليه عليّ قناعاتي من جهة، وبين ما تميله عليّ عادات مجتمع من جهة أخرى، حتى صرت ما بين كفتين. ولن أخفيكم سراً أن كفة المجتمع هي من رجحت في آخر الأمر، ليس من جهة أني قد عدلت عن قناعاتي وبت أعتنق عادات هذا المجتمع، ولكن يا سيدي أني صرت متهماً في سلوكي وصار مشكوكاً في أمري.
لست أدري من أين أبدأ حديثي وإلى أين أنتهي، ولكني سأقص عليكم ما حدث:
حدثت مناقشة بيني وبين أصدقائي حول مفهوم الحب وأنواعه وحدوده حتى امتدت المناقشة ست ساعات أو يزيد وخلصنا في نهاية الأمر إلى الأمور الآتية:
1- لا يمكن الاتفاق على مفهوم الحب، فكل منا يراه من وجهة نظره حسب ما تمليه عليه رغباته؛ فمن قائل أن الحب تواصل، وآخر يقول أن الحب هو الحياة، ومنهم من يقول أن الحب أن تأنس بمن تحب، أما أنا شخصياً فأراه كل ما ذكروه بل وأكثر من ذلك، فالحب يفسره حرفيه فهو حياة بلا حدود براءة بلا قيود.
2- للحب أنواع منها المقبول ومنها المرفوض، منها الجيد الذي يسمو بالنفس ومنها السيئ الذي يهوي بصاحبه إلى مهاوي الردى.
3- اتفقوا أيضاً أن للحب حدوداً كل بحسب نوعه، لكني اختلفت معهم، ومن هنا بدأت المناقشة التي أدت في نهاية الأمر أن قال أحدهم "ما أراك إلا لوطياً" وأقره الجميع في ذلك -سامحه وسامحهم الله- فلا أراهم إلا ضحايا عقم فكري لمجتمع عقيم فكرياً، ولا أعرف من أين جاء لهم هذا وأنا لم أقل ما يوحي بذلك؟! بل على العكس تماماً كنت حريصاً في حديثي ألا يفهم هذا وأوضحته أكثر من مرة فلم أشأ أن تطول المناقشة بيننا مخافة أن أفقد احترامهم لي وأن أفقدهم نتيجة لذلك، فو الله إني أحبهم.
وإليك يا سيدي ما قلته وخلصوا منه جميعاً أني لوطي:
"لا أرى أن للحب حدوداً إلا ما حرمه الله في كتبه وأنكره المجتمع، وضربت مثلاً لذلك حب الصديق لصديقه، فقلت -على الإجمال- ما الضير في أن أشتاق له وأن يشتاق لي، ما الضير في أن أحنّ إليه وأن يحنّ إلي، ما يضيرني أن أنتظر لقياه وأسعد به وأن أكره وداعه وأضيق به ذرعاً، ما يضيرني إن هاتفته وهاتفني وظللنا نتحدث بالساعات، ما يضيرني إن كتبت فيه الشعر وأن أتغزل به دون خدش لحياء... أم أنه يضير الرجل أن يكون له من جمال الخلقة ما يتغنى به، ما الخطب إن تمنيت أن يضمني إلى حضنه، وأن يمسح على شعري، أو أن أمسك بيده، ألم يطلب الصحابي الجليل من الرسول الكريم أن يكشف له عن بطنه رغبة منه أن يلامس جسده -جسد الرسول- حباً منه لرسول الله، ولم ينكر عليه الرسول ذلك بل ولبى له طلبه، أليس لنا في هؤلاء قدوة.
ما الخطب أن أوظف حياتي من أجله دون أن يعيقني عن حياتي، ما الخطأ في أن أذكره دوماً لمن يجالسني، ما الخطأ في أن أقدمه على نفسي دون أن أضر بها، ما الخطب أن أكاشفه ويكاشفني حتى يكون كل منا كتاباً مفتوحاً للآخر، ما العيب في أن أفكر فيه في حِلّه وترحاله، ما يعيبني إن نظرت إليه وأمعنت فيه النظر ووجدت حلاوة في نفسي حين أنظر إليه، ما يعيبني إن كانت بيننا لغة العيون، أليس كل هذا يحدث بين العاشقين غير أن ما يزيدون عليه أن بينهم لغة الجسد، وهذا ما أرفضه جملة وتفصيلاً، فقد حرمه الله بين الرجال".
بالله عليك يا سيدي أين مما قلته يعيبني أو يضرني أو يجعلني لوطياً؟ ألم أقل لك يا سيدي منذ البداية أنه لا مشكلة لدي أن أبعث بها إليك غير أنه بوح النفس للنفس، ما بعثت لك كي تقول لي أين الخطأ فيما قلته، فأنا أعي تماماً أنه لا خطأ لدي، بل بعثت إليك لأجدك صدراً يتسع لبوحي.
سامحني يا سيدي إن أطلت عليك، وأرجو أن يسامحني أصدقائي أن فهموا مني ما يجعلهم يخجلون مني يوماً، وعذراً للجميع.
وتقبلوني محباً لكم دون غاية أو غرض.
22/03/2009
رد المستشار
الحب.... ما أجمله، فكم أسعد بشر وكم أشقى آخرين! لقد صدقتم جميعاً في "محاولات" تعريفكم له، ولا أتصور أن هناك تعريفاً واضحاً وواحداً له؛ هو شعور يمس القلب ولكل منا قلبه "الخاص" وطريقته للتذوق وطريقته في التعبير، ومن يزعم أنه يعرفه ويستطيع توصيفه فلا تصدقه، ولكن هناك حقائق تتعلق به يتفق عليها كل من دق قلبه أو لم يدق"كفاية"، وكل من ذاق قلبه الحب فعرفه أو لم يذقه فجهله، منها:
أنه أغلى المشاعر التي يحملها الإنسان، فهي أغلى من الحنان وأقوى من قدرة العطاء وأهم من تحقيق المكاسب، وبدونها نكون آلات يسري فيها "الشحم"، فالحب بصدق هو محور رئيسي في الكون ولو نظر أي متخصص نفسي لمعظم مشكلات البشر التي يتعرض لها لوجد أنها تخص الحب! فبشر يحبون آخرين ولا يستطيعون أن يجعلوهم محبين لهم، وآخرون يحبهم بشر ولا يستطيعون حبهم! ومنهم من يحب نفسه أكثر من اللازم فتحدث له مشكلة، ومنهم من عجز عن حب نفسه فوقع في مشكلة، ومنهم من كانت مشكلة حياته والتي مات دون أن يجد لها حلاً وهي أنه لم يجد أحداً يحبه! أو مات وهو عاجز عن حب آخر!، وكأن الحب طاقة دافعة للاستمرار "الجيد" في الحياة، ومشاعر تجعلنا نحتمل الكثير من المشاق والتحديات، وضع الله لها سحر في القلوب، ووضع الله لها قوة وجاذبية لنتقارب ونلتقي ونتحمل أعباء سخيفة، ولنتكاثر.
من الحقائق التي لا تقبل الشك أن تلك المشاعر بكل ما تحمل من معانٍ راقية ونبضات قلب وسمو في التفكير لا بد لها أن تصل آخر المطاف!، وآخر المطاف شئنا أم أبينا، اعترفنا أم لم نعترف لا بد لها من ترجمة جسدية بأي درجة (وهنا نختلف)، وكلما كانت المشاعر صادقة وصافية وقوية ازدادت الرغبة في التعبير الجسدي عنها، فتقابلنا أول عقبة وهو كيف يمكن "التعبير" عنها؟ فليس هناك سوى الطريق الشرعي (لفئة من الناس)، وكلما كان هذا الطريق صعباً زاد الاختبار وتبدلت المشاعر اللذيذة الجميلة لتعب وألم ومقاومة، ومنا من ينجح ومنا من لا ينجح، فيحدث الفرز بينهما (الفريقين) بحسب القدرة على المقاومة واستحضار القدرة على الضبط، لذلك وضع الله سبحانه وتعالى- الذي هو أعلم بمن خلق (ولا يجوز أن نتجرأ على معرفته اليقينية بمن خلق) ضوابط تقينا قيظ تلك المشاعر حتى ترسو في مكانها الصحيح مع الشخص الصحيح، ولأن لها قوة اندفاع وتضاد مع حديث العقل، كان لا بد من أن يكون ضبطها من بداياتها لأنها إذا بدأت لن نتمكن من كبحها ولا نعلم أين ستوصلنا فنشقى من حيث أردنا السعادة.
كل ما حدثتك به ينطبق على المشاعر بين الرجل والمرأة، وهي مشاعر سوية تماماً تحتاج فقط للضبط حتى تصل لبر الأمان لكنها في حد ذاتها سوية تماماً. أما ما تتحدث عنه ليس إلا عادات مجتمع متخلف كما تتصور، ولكنها الخبرة الحقيقية من تجارب كثيرة سبقتك وستحدث من بعدك لكنك لا تعي، و"الحكيم" هو من يتعلم من خبرات الآخرين، و"الناصح" هو من يتفادى فخاً شديد الخطورة حين يتصور أنه منفرد عن البشر وأن ما سيحدث معه لم ولن يحدث مع آخرين لأنه مختلف!
وكما أوضحت أنه مفروغ منه أن المشاعر حتماً ستتحول للغة جسدية (بدرجاتها)- وانظر لكلامك وتطوره فأنت قلت بداية ما المانع أن تشتاق إليه وتفكر فيه وتحيا من أجله ثم بعد ذلك تتمنى أن تحتضنه! وغداً تتمنى قبلة منه، وبعدها تزداد المشاعر فتتمنى أن تصل لأعمق جزء في جسده! من المفروغ منه كذلك أن الشذوذ الجنسي يبدأ بالشذوذ العاطفي! والشذوذ العاطفي لا يأتي فجأة وبلا أسباب تؤدي له، لكنه يأتي بترك فكرة الضبط وإغماض العين عن طاعة الله سبحانه والرضوخ لما فيه الخير لنا، وتشويش في الإدراك عائد لطريقة التربية التي أدت لسوء فهم أو جهل أو فقد لاحتياج ضروري لم يتم توفيره، ولو تابعت قصة أي شاذ وتعرفت على بداية وقوعه في الشذوذ الفعلي ستجده بدأ من عندك! أي من عند طريقة تفكيرك، وشعر كما كنت تشعر ولم يكن يجد غرابة في تلك المشاعر والأحاسيس (خلل في الإدراك)، والفرق بينكما أنك لم تجرب وأنه جرب فوقع في المحظور.
قد تتصور أنني لا أختلف كثيراً عن المجتمع المتخلف ولكنها الحقيقة التي لم أجد مخلوقاً مغبوناً ضائع حقه سواها! فالكل -إلا من رحم ربي- يتعامى عن عمد أو غير عمد عن الحقائق حتى يفرض الواقع نفسه -وهذا في أي مجال من مجالات الحياة- ويكون "الشاطر" "الوحيد" هو من يرى سريعاً وينظر للأمام ويعرف أين يضع قدمه.
ويتبع>>>> : الحب وبلاويه مشاركة