بين الوسواس في العقيدة والشك فرق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أنا أريد أن أعرف منكم ما هو الفرق بين الوسواس في العقيدة -الشك في الدين-، وبين الشك المقصود به في الحديث الشريف من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله غير شاك بهما دخل الجنة، والمقصود به في بعض الآيات التي تتكلم عن الريبة أيضا.
وما مدى صحة عقد الزواج للمريض بهذا المرض (الشك في العقيدة) أريد الدليل على ذلك وما مدى صحة الزواج أيضا للمريض بمرض الأفكار الكفرية والتي فيها من شدة الكفر الشديد بالأفعال والأقوال وأريد الدليل على أن هذا الزواج صحيح وشكرا.
19/04/2009
رد المستشار
السلام عليكم:
الأخ الكريم فارس، تستطيع أن تميز بين الشاك والموسوس بما يلي:
1- أن الموسوس غير مقتنع بما يأتيه من أفكار فهو يعلم أن الله موجود وأن الدين صحيح، لكن يأتيه خاطر عابر من غير إرادته فيستقر في ذهنه فيفزعه، فيزداد وروده عليه وفزعه، ويحكم على نفسه أنه كافر وأنه من أهل النار ويفزع من ذلك أيما فزع فيزداد ورود الخواطر دون إرادة، وهكذا... ولا يستطيع إيقافها، ولو لم يكن مؤمناً بالله وبوجود النار لما فزع منها....،
أما الشاك: فهو يقلب فكره في بعض الشبهات بإرادته فيميل إليها ويحكم عليها بإرادته أنها شبهات منطقية، ومن الممكن جداً أن تكون صحيحة، ويتوقف في شأن الإيمان فلا هو مقتنع ولا هو غير مقتنع، ولا يحكم على نفسه بأنه كافر لأنه غير متأكد من وجود ما يؤمن به حتى يحكم على نفسه أنه كافر أو أنه سيدخل النار، غاية ما في الأمر أنه لا يرتاح لحالة الشك فيظل يفكر حتى يستقر رأيه على شيء إما الكفر أو الإيمان، وإذا كفر إما أن يظهر ذلك فنحكم بكفره، وإما أن يخفيه فيكون منافقاً لا يعلم بأمره إلا الله تعالى وهو الذي سيحاسبه على اعتقاده.
لهذا لو تكلم أحد بكلمة كفر أو ألقى شبهة أمام موسوس لاشمأز منها، ولصرخ في وجه القائل: أستغفر الله!!، أما الشاك إذا سمع مثل ذلك أخذ يتأمل فيما سمع مرة أخرى لعله يكون صحيحاً! لكن أحياناً في بعض حالات الوسوسة يصاب الموسوس بخدر في مشاعره بعد معاناته المريرة فتظل الأفكار تدور في ذهنه فيستقبلها بيأس ولا يتحرك لها لشدة يأسه، ولكنه مع هذا يظل عالماً بأنها وساوس وأنه لا يريدها...
2- أن الموسوس قد يكون جاهلاً بجواب الشبهة التي أدخلها عليه الوسواس، فيسأل عنها، فيقتنع عقله أول الأمر لكن الأفكار لا تفارقه وتظل تدور في رأسه رغم معرفته بأنها غير صحيحة، ورغم محاولاته في طردها، وتظل تأتيه بصيغ جديدة وتقول له: (لكن ماذا لو...). أما الشاك فبمجرد معرفته لجواب الشبهة واقتناعه بها يزول تردده وينشرح صدره، وتفارقه الأفكار.
مما سبق يتلخص الفرق بين الشاك والموسوس: أن الموسوس تأتيه الأفكار من غير إرادة ولا يقدر على دفعها ولا يقتنع بها، وينزعج منها كثيراً. أما الشاك فهو يتردد في الشك بإرادته، وهو مقتنع به ولا ينزعج منه إلا انزعاج الوقوع في الحيرة، ويمكنه إزالته بالنقاش ومعرفة الأدلة.
وبما أن الشك داخل تحت الإرادة والقدرة فالشاك محاسب على ما في قلبه، وشكه يحول بينه وبين دخول الجنة كما يفهم من الحديث الذي ذكرته في سؤالك وعليه تنطبق الآيات التي جاءت في الريبة. وبما أن الوسوسة خارجة عن القدرة والإرادة، فالموسوس غير مؤاخذ على أفكاره ووساوسه، لأن الله تعالى قال: ((لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)) وهذا خارج عن الوسع، فيبقى الموسوس مؤمناً لا تضره وسوسته ولا تمنعه من دخول الجنة مهما بلغت من الشدة والبشاعة وسواء كانت شكاً أم أفكار وسواسية محتواها أفعال وأقوال كفرية، وفي حقه ورد قوله صلى الله عليه وسلم: لما سئل عن الوسوسة: ((تلك محض الإيمان)) [رواه مسلم]، وعلى مثله ينطبق حديث الرجل الذي سأل ابن عباس رضي الله عنه فقال: (مَا شَيء أَجِدُهُ فِي صَدْرِي؟ قَالَ: مَا هُوَ؟ قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا أَتَكَلَّمُ بِهِ. قَالَ: فَقَالَ لِي: أَشَيءٌ مِنْ شَكٍّ؟ قَالَ: وَضَحِكَ. قَالَ: مَا نَجَا مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ! ....) [رواه أبو داود]. وجاء في مغني المحتاج في ذكر ما تقع به الردة: (...(أو عزم على الكفر غداً) مثلاً، أو علقه على شيء (أو تردد فيه) حالاً بطريان شك يناقض جزم النية بالإسلام،.....(كفر).... فإن لم يناقض جزم النية به، كالذي يجري في الكن [النفس] فهو مما يبتلى به الموسوس ولا اعتبار به).
وعليه: فمن شروط صحة زواج المسلمة أن يكون زوجها مسلماً، ولما كان الموسوس مسلماً لم يخرج عن دائرة الإيمان بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم له، فإن عقد زواجه على المسلمة صحيح ولا غبار عليه.
واقرأ:
منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري: (9)