أحبه ويهرب مني ممنوع القسوة م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بالأستاذة رفيف الصباغ، وأهلاً بالصغيرة سوسو،
أحبك في الله كثيراً أستاذة رفيف وأثق في أرائك جداً، وأحترم ترتيبك في كلامك وفي ردك، حيث أنك لا تتركين ثغرة في الرسالة إلا وأشبعتها بالرد، ولاحظت في كل رسائلك أنك ذكرت أكثر من مرة لمن كان عنده مشاكل شبيهة بمشاكل "سوسو" أنه من السهل جداً نسيان الحب مع الزمن مع أني قابلت أناساً كثر لم ينسوا حبهم مهما طال الزمن، وهذا أمر يؤرقني لأن لدي تجربة فراق وأخشى ألا أنساها! أنت تشجعينها على الارتباط بالشخص المناسب، ألا ترين أن هذا سيكون ظلماً لخاطبها؟ فمن الممكن جداً أن يكون ما زال فكرها مشغولاً بمحبوبها ولا تستطيع حب الثاني طالما الأول في قلبها خاصة أنها تعذره وتحبه ولم يجرحها قط، فكيف تستطيع أن تنسى بسهولة حبها وتتأقلم مع خطيبها إن خطبت؟!
وإن تركت للزمن، فكم من الزمن من وجهة نظرك تكفي لنسيان ذلك؟ أنا مررت بتجربة الفراق منذ أكثر من سنة وما برحت ألامها موجعةً، فمتى أبدأ حياتي؟ وكيف أبدأها؟ إن الموت عذر قهري للفراق ولا بد له من النسيان، أما الفراق بالطرق الأخرى فهو أليم للغاية، خاصة إن كان بجرح كبير من الحبيب، ألم يكن الخاطب الثاني مظلوماً؟ وما أسرع طريق للنسيان غير الزمن الذي لا نضمن متى يحنّ علينا وننسى آلام الفراق؟ ما السبيل للسلوى؟
اعذريني في سؤالي هذا: هل جربت آلام الفراق قبل ذلك؟ إني مقتنعة تماماً أن من يده في الماء ليس كمن تكتوي يده بلهيب النار، وربما تنصحيننا من جانب العقل فقط وأنت ما جربت هذا الأمر، وكان ممكن أن تختلف وجهة نظرك لهذا الأمر لو جربته. أدعو الله ألا يرى أحد هذا الألم الفظيع. وشكراً.
27/4/2009
رد المستشار
السلام عليكم، أختي الغالية "نور"،
أحبك الله الذي أحببتني فيه، هذا الحب الذي بيننا حب إلكتروني من نوع جديد تتشرف به الشبكة، وهو حب لا يفنى، وسيظل معنا إلى يوم القيامة يرفعنا عالياً عند الله تعالى ففي الحديث: ((إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلاَلِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلِّي)) وفي الحديث القدسي قال صلى الله عليه وسلم: ((قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْمُتَحَابُّونَ فِي جلاَلِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ)) فأسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم.
سأبدأ إجابتك من الأخير: صحيح أني لم أجرب –والحمد لله- أن أحب أحداً من الجنس الآخر وأن أشعر بآلام فراقه بعد ذلك، ولكن عندي الكثييير (بمئة ياء إذا أردت) من الصدمات وتجارب الجرح والفراق من صديقات أو قدوات كن لي أغلى من عمري ثم فجأة تنقلب الأمور مئة وثمانين درجة لأسباب غبية وتافهة جداً، أو غير معروفة!! وبما أني بشر بل أنثى وتتميز –للأسف- بحساسية بالغة وعواطف جياشة بشهادة الجميع، فكنت أعاني أضعاف ما يعانيه غيري لو وقع في نفس الموقف، رغم أن المواقف التي مررت بها بشهادة الجميع –أيضاً- شيء لا يحتمل!!! وهل تظنين أن ابتلاءات الله في هذه الدنيا تترك أحداً؟؟!
ولا أخفيك! هناك مواقف رغم مضي أكثر من خمس عشرة عام عليها، ما زالت تقفز إلى ذهني بآلامها كلما رأيت شيئاً يتعلق بها!!
لكن ماذا أفعل؟ هل أحكم على نفسي بالإعدام لأجل قلة عقل من حولي؟ وهل أمضي عمري في البكاء؟ لقد تعرضت لمواقف جعلتني أشعر أني لن أضحك بعدها أبداً، وسأدخل قبري وأنا أبكي! وها أنا والحمد لله خاب ظني ونسيت البكاء بل ومن الله علي بالسعادة والضحك...
ولكن الذي كان يعينني على الوقوف على قدمي بعد السقوط المميت:
أولاً: الالتجاء إلى الله تعالى أن يمسح جرحي.
وثانياً: أني أعتبر كل محنة تمر بي رسالة غالية من الله تعالى لي فأحاول أن أقرأ تفاصيلها وأعرف ما الذي يريد الله أن يوصله إلي في هذه المحنة، لهذا أنشغل بالتفكير في حكمة الله تعالى عن الآلام والأحزان.
والذي تعلمته من تجارب التعلق والفراق: أن الله لا يريدنا أن نسكن في قلبنا غيره! فهو خلق هذا القلب ليكون له لا لأحد سواه! ولأن الله يحبنا يصيبنا بجرح من قبل من أحببناه حتى نترك هذا الحب ويبقى في قلبنا متسع لنذوق حلاوة حب الله عز وجل. وليس معنى هذا ألا نحب أحداً، ولكن معناه ألا نعلق آمالنا وأحلامنا بأحد، وأن يكون أقوى حب في قلبنا لله الباقي الذي حبه لا يزول، وكل حب لغيره يجب أن يكون أقل منه في الدرجة وقد قال الله تعالى: ((وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ)) [البقرة:165] فالمؤمن يحب لكن حبه لله أشد من حبه لغيره...
الذي تعلمته أيضاً ألا أطلق لنفسي العنان عندما تميل لأحد بل أوقفها عند حد معين قبل أن تجرح مرة أخرى، لأني صراحة لم أعد أستطيع تحمل الصدمات! وألا أرى الكمال في أحد فالكمال لله وحده..
الذي تعلمته أن أضع آلامي في صندوق، وأدوس عليه برجلي، لأنني إذا أردت أن أعيش فلا أملك إلا هذا وإلا فأنا أول نزيل في مشفى المجانين... لا بد إذن لمن يُجرح أن ينسى– أو يتناسى- لكي يكمل مسيره في هذه الحياة.
الذي تعلمته أن هذه الآلام محنة تنقلب منحة إذا أحسنا التعامل معها، وبها يؤهلنا الله تعالى لأن ندرك أشياء ونفعل أموراً حسنة ما كنا لنفعلها لولا مرورنا بهذه المحنة...
تعلمت الكثير يا أخية....، ودعيني أعود الآن لأسئلتك: تقولين أن هناك من لا ينسى حبه، ممكن! ولكن لا أعتقد أن الحب سيبقى بنفس الشدة أو أنه سيؤثر على حياة الأسوياء لفترة طويلة، فإذا حصل هذا، فلا مفرّ حينها من الذهاب إلى المختص النفسي!
أما قضية تشجيعي لها على الارتباط، طبعاً سيكون سهلاً عليها بعد مضي فترة، خاصة إذا كان الخاطب الجديد ذا أخلاق حسنة لأنه سيساهم في نسيانها لآلامها.
وأما بقاء الأول في قلبها وظلم الثاني بذلك: فقلت لك إن تجربة الفراق درس نتعلم منه أننا إذا أردنا السعادة وراحة البال فعلينا ألا نعلق آمالنا بشيء لا يدوم، لهذا نحاول نسيان من أحببناه لأننا نحن الذي أخطأنا بحق أنفسنا فلا داعي للتمادي في الخطأ، ولا يوجد مشكلة في ألا نحب الثاني مثل حبنا للأول لأن حبنا الأول لم يكن صحيحاً، بل الصحيح ألا نتمادى في التعلق! لهذا فعدم تعلقنا الزائد الآن هو الصحيح وليس ظلماً للخاطب... وأكرر وأعيد هذا لا يعني ألا نحب ولكن نحب حباً لا يؤذينا...
وأخيراً: إذا عرفت كيف تديرين حياتك بعد آلام الفراق، فلا يضرك بعد هذا متى نسيت الحب...
وفقك الله، ومسح جرحك، وأخذ بيدك إلى طاعته..