تبحثين عن الحب أم الزواج م7
أحمد الله كثيراً أن جعلك من تردين على رسالتي من أول الأمر، فلولا حب الله لي ما كان وفقني لك ووفقك إليّ، فأنا أحبك في الله كثيراً وأتمنى أن يجمعنى بك في الآخرة في الجنة إن شاء الله، وأتمنى أيضاً أن يجمعني بك في الدنيا قبل الآخرة، فأنا أحب أن ألقاك شخصياً. لقد قرأت ردك عليّ اليوم وتبت إلى الله، وأريد أن يساعدني ربي على هذه التوبة، وسأبذل قصارى جهدي أن أنفذ ما وصفته في الإقلاع عن المعاصي، ولكن هناك أمر آخر يشغل بالي وهو مشاعري نحو خطيبي؛ أنا لا أنكر أني لا أكرهه ولكني لا أجزم أني أحبه الحب الذي اعتدت عليه، وهذا أفسره أن نفسيتي غير سوية مع كل هذه الذنوب، وأيضاً مع تجربتي المريرة.
أنا أعطي للزمن الفرصة في لينسيني ولكن هل وجوده في حياتي يؤخر نسيانه؟ خاصة أنه أتى في وقت غير مناسب كما قال لي الطبيبن فقد كان من المفترض أن أنتظر جراحي حتى تبرأ وبعد ذلك يكون الحكم صائباً، لكنى سمعت كلام من استشرت -ومنهم أنت- أن طالما العقل موافق عليه فلا داعي لرفضه، ومسألة عدم قبولي له في البداية يبدو أنها نفسية، فليس به العيب الذي يرفض لأجله، ولكن يجوز القول أنه يختلف كثيراً عما كنت أرسم، خاصة أن هناك تجربة سابقة كنت أميل إليه بشدة، فكانت المسألة صعبة عليّ.
يراودني دائماً هذا الإحساس، وهو أن الله حرمني ممن أحب نظراً لذنبي معه، وأنه أعطاني من لا أحب وحرّم على قلبي حبه أيضاً لذنوبي، فهل هذا صحيح أم أنه من وساوس الشيطان؟ والأمران لا يرتبطان ببعضهما صراحة؛ هو شخص خلوق من أسرة طيبة يحبني بشدة، ولكني للحق متعجلة في مشاعري وأقول متى أهيم به كما يهيم بي؟ ولماذا أثرت الذنوب في مشاعري تجاهه ولم تؤثر في مشاعره تجاهي؟
اقترب زفافي ولا يجوز الرجوع للوراء، فأنا مقتنعة به عقلياً لأنه اختبر فيّ أشياء لا يستطيع أحد تحملها غير المحبين، لكن ما الفرق بيني وبينه؟ هل لأني أول تجربة في حياته ولا يوجد عنده رواسب نفسية من هذا النوع، وأنا عكسه؟ أم أنه متأكد من مشاعره تجاهي ولست كذلك؟ أم أني أبحث عن شيء ليس في أوانه وهو الحب قبل الزواج؟ فلما أحبني هو إذن قبل الزواج؟ أعلم أني متعِبة في تفكيري ولا أدري من أين تأتيني هذه الأفكار، ولكن خطيبي سألني سؤالاً أراد إجابته -أعلم ما الإجابة التي يريدها-: لماذا تتزوجينني؟
هو يريدني أن أبادله نفس المشاعر وهو يرى أن وقتاً كافياً قد مر حتى أنسى وأبدأ من جديد، ولكن الأمر يبدو أنه متعلق بشخصيتي، فلست من الشخصيات التي تنسى بسهولة خاصة أنه حدث موقف في الأيام الأخيرة قابلت فيه أخا خطيبي الأول ولم يعبأ بأمري كأنه لم يرني، وكأننا لسنا أقارب أو بيننا "عيش وملح" كما يقولون في مصر! لكني سلّمت على زوجته منعاً للإحراج وعلى أبيها الذي استوقفني في الشارع هو وامرأته، فسلمت عليهم ولكنني حزنت بشدة وتقلبت عليّ الأحزان وكأنها لا تريد أن تتركني وحالي، وطلبت من الله أن يأتي عليّ اليوم الذي أنسى فيه الماضي مهما طاردني، ولا يؤثر بي.
هل إذا تبت أنتظر من الله أن يبدل قلبي وأحب هذا الرجل -خطيبي-، ام أنه سيبدلني بحب زوجي أيّاً كان هو أم غيره؟ أحتار في أمري، فمن أنا؟ وما هي شخصيتي؟ وما هي مشاعري تجاه هذا الشخص إن أردت تحديدها الآن؟. لقد أجبته أني سأتزوجه لأسباب منها أني أحبه، هل كذبت عليه أم على نفسي؟ أم أن هناك مشاعر موجودة له ولكنها لا تظهر؟ وإن كان كذلك فما سبب عدم ظهورها؟.
أحبك في الله كثيراً.
29/4/2009
رد المستشار
السلام عليكم، أختي الغالية؛
أحبك الله الذي أحببتني فيه، وهنيئاً لك التوبة، وأسأل الله تعالى أن يدخل الفرح على قلبك فضلاً منه وكرماً، إذ لما كان الله تعالى يفرح بتوبة عبده فإنه –كما قال ابن القيّم رحمه الله- يدخل الفرح على قلب التائب لأن الجزاء من جنس العمل.
والذي يبدو -يا أخيتي- منذ أول رسالة لك أنك مستعجلة كثيراً وأنك تريدين للحب والهيام أن يعود إليك كما كان في طرفة عين!
من الممكن أن يكون ما تعانيه بسبب صدمتك بالحب الذي ذهب بعد شدة التعلق، ومن الممكن أن يكون الحب موجوداً ولكنك تظنين أنه غير موجود لاختلافه عن طبيعة حبك الأول، فربما كان الحب الأول حباً طائشاً، وتغير الأمر الآن بعد التجربة التي مررت بها فتحول إلى حب ناضج منبعه المودة والرحمة لا العشق والهيام والانسياق وراء المشاعر...
ومن الممكن أيضاً أن يكون حبه لك شديداً وظاهراً لأنك التجربة الأولى في حياته، بينما أنت ما زلت خائفة من تسليم نفسك لمشاعر الحب خشية منك أن تتكرر التجربة وتصدمي مرة أخرى... على كل هذا لا يهم لأنك غداً بعد أن يتم العقد وتطمئني إليه سيزول هذا الخوف بإذن الله تعالى، ثم إنه ليس من المشروع أن تهيمي به قبل إجراء العقد...
وعودة الأحزان عند رؤيتك لأخ الخطيب الأول، شيء طبيعي فجرحك لم يبرد بعد، ثم إن مقابلة من يزدريك ولا يعبأ بك ليس سهلاً على النفس أبداً، وما دام الأمر ضمن الحدود الطبيعية لمثل هذه المواقف فلا تكثري من همك، والحمد لله أن المحنة لم تؤثر عليك بشكل أكبر من هذا.. وأود أن ألفت نظرك إلى شيئين:
أولهما: صحيح أن الله تعالى قد يعاقبنا عندما نقترف الذنوب (وقد يعفو عنا) ولكن ما ينبغي أن نقابل هذا العقاب بيأس أو تشنج، وذلك أن الله تعالى إنما يعاقبنا على الذنوب كي نرجع ونتوب قبل أن يأتي يوم القيامة ونحن غافلون، بمعنى أن الله تعالى محبة منه وإنقاذاً لنا من دخول النار ينبهنا ببعض المحن والعقوبات، حتى نتوب ونرجع فيدخلنا الجنة. فحتى عقوبة الله تعالى تحمل في طياتها رحمة عظيمة بنا، والشقي من لم يفهم رسائل الحب القادمة إليه من الله جل وعلا....
وثانيهما: أمر سمعته أكثر من مرة من أستاذي الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي -أطال الله عمره وقوّاه- وهو أن العبد قد يريد شيئاً ويدعو الله تعالى أن يمنحه إياه، لكن الله يعلم أن هذا الأمر مضر بالعبد ولا يقضي له حاجته، ولا يجلب له الخير، فيبدله شيئاً آخر خيراً له يوصله إلى غايته. ويضرب على ذلك مثالاً –ولله المثل الأعلى- فيقول: لو أن طفلاً طلب من أبيه أن يشتري له لعبة ما، ولكن الأب نظر فوجد أن هذه اللعبة لا تناسب طفله وأنها ستؤذيه وتضره أكثر من أن تنفعه... فرغبة منه في إسعاد طفله دون أن يؤذيه يشتري له لعبة أخرى قد لا يكون الطفل يحلم بها أو يريدها، ولكنها في الحقيقة تسليه وتجلب له السعادة دون أن تؤذيه. فبغض النظر عن الذنوب والعقوبات... إن ما اختاره الله تعالى لك هو ما يضمن لك السعادة التي كنت تريدينها، بينما تظنين أنك حرمت ما يسعدك ويرضيك.
وأريد أن أطمئنك أن قضية الحب بالذات لا يوجد فيها كذب محرم بين الزوجين، بمعنى أنه يحل أن تقولي لزوجك أنك تحبينه وإن لم تشعري بحب كبير تجاهه، فعن أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: ((لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِى خَيْراً أَوْ يَقُولُ خَيْراً. وَقَالَتْ: لَمْ أَسْمَعْهُ يُرَخِّصُ فِي شَيء مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ: فِي الْحَرْبِ، وَالإِصْلاَحِ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَحَدِيثِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا)). وإنما كان الكذب في الحب جائزاً بين الزوجين لأنه ينمي المودة بينهما ويجمع القلوب ويزيد الألفة، على عكس الكذب في غير ذلك إذ يضر بالعلاقات بين الناس ويفرق القلوب، وتأكدي أن الأمر قد يبدأ تمثيلاً ولكنه يتحول إلى حب حقيقي فيما بعد.
أرجو منك أن تكوني قوية وتكفي عن كثرة التفكير والهموم، وأن تثقي بما يخبئه الله تعالى لك من الخير، حتى إن تألمت وحزنت –وهذا من طبع البشر- فليكن السلوان لك تغير حالك وقربك من الله الحبيب الأول لنا.ويتبع>>>>>>>>>>>>>>>>> تبحثين عن الحب أم الزواج م9