السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
يعاني والدي الذي تجاوز نصف الخمسين سنة تقريباً من أعراض كثيرة أرى أنها أعراض نفسية وليست أعراض سحر وشعوذة كما يقول، وأريد منكم تشخيصاً أفهم به الحالة، وسامحوني مقدماً على الإطالة.
بدأت الحالة قبل فترة طويلة من الزمن، ربما ما يقارب سنة 98.. حين بدأ قبلها بالتدين والاهتمام بالجانب الديني كثيراً، هو يفكر كثيراً ويحلل كثيراً ويعطي تفسيراً لكل شيء أمامه، فبدأ تفسيراته للأحداث اليومية العادية التي جعلته يظن بأنه شخص مميز اصطفاه الله وميّزه عن الآخرين وعلّمه أموراً لا يعلمها آخرون!
وكلما سمع حديثاً أو خبراً إن كان خيراً ظن أنه هو المقصود، وإن كانت شراً ظن جميع الآخرين، وكلما حدث سوء لشخص فسرها بأن ربنا يأخذ له الحق من فلان لأمور مهمة أو تافهة.
في ما يقارب سنة 98 بدأ بقوله بأن الملائكة تظهر له ويستطيع أن يراها أحياناً، لا تكلمه ولكنها تعمل له حركاته وتوضح له تفسيراً لشيء في ذهنه، مثل أن تعلمه أين اتجاه القبلة! وظل يراها حوالي الثلاث سنوات. وفي خلال السنوات الثلاث هذه بدأ يرى الجن أيضاً، ويراها مزعجة جداً تأتيه في كل مكان وفي أوقات كثيرة، تزعجه ولا تجعله ينام، تظهر له صوت صفير طوال اليوم لتصيبه بالصداع، وتؤذيه بأن تجعله يضرب يده بالجدار بالخطأ أو يسقط منه شيء.
وبنفس الوقت كثرت له الأحلام التي يعبرها رؤيا حق، وكل حلم له تفسير لديه، واستعان ببعض كتب التفسير الذي يفسر تفسيرها أيضاً لصالحه ويربطها صدفة مع وقائع كثيرة، وتزيد علاقاته بالناس وتتدهور حسب أحلامه، ويشك بالآخرين حسب أحلامه، ويعمل كل شيء نتيجة ما يحلم به، ويعتبرها حتى الآن أحلام حقيقية من الله!.
للعلم أيضاً، أن خلال الثلاث سنوات التي أتكلم عنها ما بين 98 و2001.. أول سنة كنا جميعاً معه، ولكن السنتين التاليتين سافرنا إلى بلدنا وعاش وحده فترة تقارب سنتين، ولكن زياراته وسفره لنا كان تقريباً كل شهر أو شهرين.. في أواسط سنة 2001، كانت أحلامه سبباً في الشكوك بوالدتي وبنا جميعاً، حتى خرج عن طوره مرتين وضرب فيها والدتي ضرباً شديداً (وهو لا يتذكر موقف الضرب)، وفي نفس الفترة كان الطلاق الثالث والأخير (عاد بعضنا حينها من بلدنا)..
في تلك الأيام كان يقع في مشاحنات كثيرة مع الجميع، يقول أنا لست مجنوناً، كل كلمة نقولها عن تعب أو مرض أو حتى إرهاق نفسي يرفضها ويثور لها، خسر حينها علاقاته بأحب الناس إليه وقرّب أبعد الناس منه، خسر علاقته بزوجته وأحب أخوانه وأعز أصدقائه..
تزوج بعد أمي (حتى الآن) حوالي إثني عشرة مرة، كل مرة يتزوج بها فتاة في العشرينات بقرابة أعمار أكبر بناته، وكل زواجه لا تصل إلى شهرين أو ثلاثة ويكون قد أتم بها الطلاق ثلاث مرات وخسر مبالغ كبيرة. منذ سنة من بعد الطلاق حتى الآن توقف عن رؤية الملائكة والجن، وبعدها بفترة ذهبت عنه الأصوات وغيرها، ولكنه دخل بقناعة جديدة بأن كل ما يحدث له هو بسبب السحر والناس الذين يكرهونه، وبدأ يفسر كل شيء يحدث له من أيام شبابه حتى الآن بالسحر، ويرقي نفسه دائماً ويرفض العلاج بعذر بأن الساحر قد فعل السحر وأن الله قبل هذا السحر فهو ينتظر الفرج من الله ويحتسب.. ولكنه ما يزال يرى الأحلام، وما زال يفسرها كالسابق ويتخذ قراره على إثرها.
والدي غير متعلم لم يتم الثانوية، ولكنه يعلم نفسه بنفسه بتفسيراته، يقرأ القرآن ويفسره وينظر إلى الأجهزة والأدوات إما أن يفسر عملها أو ينكر أنها تعمل بذكاء، يقول أن صانعها لا يعرف كيف تعمل وهو فقط صنعها وربنا هو الذي جعلها تعمل.
هو مختلف عن كثيرين من الذين أقرأ عنهم، فهو بالرغم من انطوائه فترات إلا أنه اجتماعي ومقنع جداً ومنطقي جداً بكل كلامه، متحدث قوي يقنع جميع الناس والمتعلمين وغيرهم بأنه على صواب وأن الجميع على خطأ، وعنيد جداً في قراراته ومبادئه.
يناقش كثيراً، ويتكلم كثيراً وينتقل من موضوع لآخر، يتحدث بعض المرات إلى ما يصل إلى ثمان أو تسع ساعات متواصلة دون أن نجد فرصة نقاطعه فيها.. يقرأ القرآن كثيراً ولا يسمع للعلماء، وواثق من نفسه جداً جداً، يعظم نفسه ويمدحها ويحب المدح والتعظيم.
حالياً حالته أفضل من السابق، لكن لا يهتم بصحته وهو مريض بالسكري، يعيش أسبوعاً في كل شهرين يخسر علاقته بالجميع ويرسل لهم رسائل تهديد وأنه اكتشف سحرهم، ويهدأ بقية الأيام، أو أنه أحيانا يعتذر من بعضهم ويندم أمامنا على شتمهم!.
بحثت كثيراً عن الحل, من المستحيل أن يقبل أن يخرج من البيت بإرادتنا نحن, ولا يقتنع ولا يجعل فرصة للنقاش, فمن المستحيل والصعب أن نأخذه إلى طبيب.. ومن الصعب جداً أيضاً أن نأخذ الطبيب إليه, ونخشى أن يضر نفسه وأن يضر الآخرين.
أنا محتار كيف أعالجه! بل كيف أشخصه لكي أقرأ عن مرضه وأعرف كيف أتعامل معه! عندما رأى والدي شخصاً يعاني نفس الأعراض نصح أقرباءه بألا يصدوه وألا يكذبوه وأن يشعروه بكذا وكذا لكي تتحسن حالته، وكأنه أصبح خبيراً بالمرض بالرغم من عدم اعترافه به!.
1. أطلب من سيادتكم أن تشخصوه لي قدر الإمكان.
2. أطلب منكم أن تعلموني كيفية التعامل معه وكيف أعالجه ولو على المدى الطويل.
3. سؤال: هل هذه الحالة سيئة جداً بحيث أن القضاء يقبل بالحجر عليه وإدخاله المستشفى قسراً؟ وهل هذا معقول؟ وكيف ستكون علاقتنا معه بعد ذلك؟!.
4. هل يعتبر إنساناً يعقل كل شيء بحيث أن الطلاق القديم يؤخذ عليه، أم تعتبر حالة خارجة عن الطور؟
5. هناك طبيب قال لي أن هناك علاجاً دوائياً يمكن إذابته بالماء وتشريبه للمريض بغير علمه، وأنه بعدها سيهدأ وستذهب عنه الأفكار وسيكون من السهل إقناعه بالعلاج، ولكن رفض الطبيب صرف الدواء دون رؤية المريض ولم يوضح لي التشخيص، هل مثل هذا الدواء جيد وليست له أضرار جانبية (ينفع ولا يضر)؟ هل هو جيد ولا يضر بحيث أقوم بهذه الخطوة على مسؤوليتي؟ أم أن هناك مخاوف لأعراض جانبية؟.
نسأل الله الستر والعافية وحلول مشاكلنا.
كان الله في عونكم وأعانكم على الإجابة.
10/5/2009
رد المستشار
الابن العزيز،
أهلاً وسهلاً بك على مجانين وتحية لك لاهتمامك بحالة والدك ورغبتك في مساعدته على أن يسلك طريق العلاج. إجابة على أسئلتك فإن التشخيص الأكيد غير ممكن عبر الإنترنت في رأيي الشخصي، وما أقوله هو مجرد انطباعات عن الحالة، والتي تعكس مزيداً من الأعراض الذهانية والوجدانية بشكل لا يجعلنا نستطيع -دون تدقيق وتمحيص- أن نقول اضطراب فصام زوراني؟ مع أعراض وجدانية أو اضطراب ثنائيقطبي مع أعراض ذهانية أو مزيج بين هذا وذاك؟؟؟...
رداً على سؤالك الثاني اقرأ:
كيف يمكن التعامل مع الزوراني
أبي المسن وأعراضه الزورانية
والحالة سيئة جداً بلا كثير شك لأن احتمالات نجاحكم في تطويعه للعلاج ومساعدة الواقع الاجتماعي العربي لكم في ذلك متواضعة أو منعدمة، إلا أنه إن استطعتم إقناعه أو تطويعه للعلاج فإن الاستجابة للعقاقير المضادة للذهان من المجموعة الجديدة م.س.د مضادات السيروتونين والدوبامين Serotonin Dopamine antagonists هي استجابة أكثر من رائعة، فمعظم المرضى يتحسنون تماماً، ولكنه علاج يدوم طويلاً وغالباً مدى الحياة، وبالتالي فلا يمكن ولا يجوز طبياً وصفه دون إجراء فحوص طبية كاملة للوالد بل والاتفاق على فحوص دورية تجرى له بينما يستمر هو على العلاج. لكن من المهم التنبيه هنا إلى أن إخضاعه للعلاج هو البديل عن إخضاعه للحجر، بمعنى أن استجابته للعلاج الذي يصفه له الطبيب النفساني واستمراره عليه هي ما يدفع شبح الحجر عنه... باعتباره من الحالات المستجيبة للعقاقير.
كثيراً ما تكون آلية اتخاذ القرار مختلة عند أمثال هؤلاء المرضى خللاً ربما يعلق الأهلية للطلاق، لكن ذلك يحدث بصورة متقطعة ولا بد من معرفة تفاصيل كل تلفظ باليمين ومن توجيه الأسئلة للمطلق نفسه وتعاونه بالرد صادقاً... كل هذا لازم في رأيي للحكم بكون طلاقه يقع أو لا يقع... وكذلك الحكم بكون واقعة ما خارجة عن الطور..
ولاحظ أن كل ما أقوله يفترض تقلباً في حالته الوجدانية والمعرفية، وهو ما أتخيله وهو المتوقع في مثل هذه الحالة، لكن الفصل النهائي غير ممكن دون معرفة تفاصيل كثيرة.
هناك فعلاً عقار من المجموعة التي أشرت إليها موجود في صورة سائلة وصالح للاستخدام في مثل تلك الحالات، حيث يضاف إلى عصير فاكهة أو إلى طعام بارد قدر الإمكان، ولكن يمكن أن يتسبب في زيادة الوزن وربما النعاس وأحياناً مخاطر صحية أخرى تحدد بناء على الفحص الطبي للحالة، وبالتالي لن نتمكن من ذكره هنا.
عليك إذن أن تسأل الطبيب النفساني الذي نصحك عن أفضل السبل لإيصال والدك إلى حيث يمكنه تلقي العلاج فهذا أمر لا بديل له ولا غنى عنه.
وفي النهاية أعتذر لك بدلاً عن أخي أ.د. مصطفى السعدني الذي تأخر في الرد عليك لظروف سفره لقضاء إجازته السنوية... وأهلاً وسهلاً بك دائماً على مجانين، فتابعنا بأخبارك.