السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بداية، أشكر لكم إيجاد مثل هذا المتنفس الذي نستطيع أن نبوح به بما يهمنا ونستدل به إلى الطريق السليم.
المشكلة لا تتعلق بي بل بأخي الأصغر، وللأمانة لا أعلم من أين أبدأ مشكلته، ولكن يشفع لي في ذلك سعة صدركم وتفهمكم لقضيتي.
بدأت مشكلة أخي من انفصال والداي وهو في أحشاء أمي، خرج إلى هذه الدنيا ليحتضن كل أنواع الحب والدلال، كيف لا وهو الولد الوحيد لوالدتي والذي طال انتظاره، والذي زاد من كم الرعاية هو وجوده في مرحلة حرجة بالنسبة لوالدتي من وفاة والدها وطلاقها وتغيّر حياتها كلياً.
عاش أخي الصغير مع والدتي 6 سنوات تمتع فيها بحضنها الدافئ، وكان والدي يحرص على زيارته بين الفينة والأخرى، وما أن حان وقت التحاقه بالمدرسة حتى سارعت والدتي بعرض فكرة أن يتعلم عند والدي في المدينة بعيداً عن القرية لإيمانها أن الأب هو المعلم الأول للولد. انفصل أخي عن أمي بحالة مزرية، كان ودوداً مرحاً فطناً ذا حضور عند الكل، فتقوقع على ذاته شيئاً فشيئاً حتى أصبح لا وجود له، أصبح منزوياً خجولاً، لا ينظر في عين محدثه أبداً.
عند التحاقه بالمدرسة لم أكن موجودة هناك فلقد تزوجت وانتقلت لمدينة أخرى، كانت أختي الصغيرة هي من يعتني به، كان يزور أمي في المناسبات فقط والعطل الرسمية، ولحظات وداعه لها تقطع القلب، تارة يصرخ ويهرب من أهلي، وتارة يحملونه وهو نائم وما أن يفيق إلا وينهار كلياً. بعد مرور السنوات الأولى وتأقلمه على الوضع عاد وانتكس تقريباً في مرحلة ثالث ابتدائي وأصبح يتكلم ويهذي ويمشي وهو نائم.
بالنسبة لحياته عند أبي تكاد تكون سجناً بالنسبة له؛ فأبي بطبعه جاف قاسٍ، لا يمر عليه سلوك دون انتقاد وتوجيه. تزوجت أختي الصغرى منذ أربع سنوات، وأصبح بلا ملجأ كلياً، لم يبق سوى أصغر أخواتي من والدي ولم تتدخر أي مجهود لتواصل معه ولكنها فشلت، أصبح متقوقعاً على ذاته عاجزاً عن التواصل مع من حوله، ليس له هوايات ولا اهتمامات، ودارسته مستواها متدنٍ.
في آخر إجازة لنا رأيته يتحدث بسلاطة لسان وكلمات نابية، لا يمكنك الاعتماد عليه كلياً. حاولت التفاهم معه لكني فشلت، أحس أن عقليته كلها لعب وتسلية فقط، أتمنى أن يفكر بمستقبله. أمي تعلق كل الآمال عليه؛ هو من سيتولى أمورها فليس لها أحد بعد الله سواه. أعلم أني مقصرة معه، ولكني لم أحس هذا الإحساس إلا بعد أن أدركت الهوة النفسية بيني وبينه آخر مرة. أتمنى أن أتقرّب منه ولكني لا أعلم كيف! أخشى أن يجد صدراً آخر يحتضنه وينزلق في سبل منحرفة من مخدارت وسلوكيات خاطئة، أخشى أن يصاب بأمراض نفسية مستقبلاً، أخشى ألا يكون الرجل الذي تحملت أمي ألم فراقه من أجل بناء شخصيته كما اعتقدت، أخشى أن يخذلها... هناك أشياء كثيرة كنت أود التحدث عنها في شخصيته،
أتمنى أني استطعت إيصال الفكرة لكم.
جزيتم خير.
4/5/2009
رد المستشار
الأخت الفاضلة،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يتبين من خلال قراءة قصة أخيك أنه ضحية مشاكل أسرية تراكمت وتفاقمت لتؤثر على سلوكه طفلاً وحدثاً.
فأولاً كان الولد الوحيد الأصغر لأم فجعت مرتين: بطلاق وموت الوالد، فدللت. ثم انفصل هذا الطفل فجأة عنها عند أب قاس -كما تقولين- إلى مدرسة وربما زوجة أب، لتتغير موازين الحياة ويصبح فتى خجولاً منطوياً لا ينظر إلى الناس حين يكلمهم. ومعاناة الانفصال التي عاناها حين كان يؤخذ نائماً، وزواج أختك الصغرى، أدى إلى أثر نفسي بليغ ظهر أولاً في السير أثناء النوم، ثم الهروب إلى اللعب وعدم الاكتراث بالحياة والمستقبل، وكذلك استعماله الألفاظ النابية والكلمات الجارحة.
خوفك على مستقبل أخيك مشروع ومبرر، فهو محتاج إلى من يمكن أن يكون قدوة حسنة له، وإلى أصحاب جيدين ليساعدوك في الحفاظ على عليه. كما أنك تحتاجين إلى الكلام مع والدك لتغيير أسلوبه معه، ولكي يكون الآن صاحباً له (على مبدأ لو كبر ابنك خاويه)، كما يفضل عرضه على أخصائي نفسي ليساعدك في علاجه إن كان هناك شيء يحتاج العلاج، خصوصاً وأن لديه مرض التجوال الليلي (السير أثناء النوم).
مع تمنياتي لأخيك بالتوفيق والسداد.