السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بدايةً، جزاكم الله خيراً على هذا الموقع الرائع، وأدعو الله أن يجعله في ميزان حسناتكم بإذن الله تعالى. واسمحوا لي؛ فبعد أدائي لاختبار توكيد الذات كانت هذه هي النتيجة:
"لديك توكيد ذات عالي، وأنك تستخدم كل التعبيرات المقبولة اجتماعياً لتفصح عن حقوقك ومشاعرك، الشخصية، ولكن احترس فقد تكون أو قد يصل الأمر بك –في بعض الأحيان- إلى التعبير عن المعارضة بالغضب والاستياء تجاه شخص آخر أو موقف ما من مواقف العلاقات الاجتماعية".
فبدر سؤال إلى ذهني يؤرقني كثيراً: "أنا أعيش مؤقتاً -من أربع سنين من بداية الزواج- وأمامي سنة أو ما يزيد بإذن الله في منطقة شعبية بفيصل، وبالتأكيد يكفي ذكر المنطقة لتعلم ماهيتها وماهية السؤال أيضاً؟، ولكن بالطبع لله الحمد حمداً كثيراً، فهناك الكثير من الناس لا يجدون مأوىً "ولا شعبي ولا عامّي حتى".
وكي لا أطيل، سؤالي محوره أني مقتنعة بالعديد من المبادئ بشكل راسخ، والتي اكتسبتها من خبراتي البسيطة في الحياة (28 عاماً)، ولكن هذه المبادئ أجدها تتصادم بشدة مع كل من حولي من الكائنات الحية، خاصة في دولة فيصل العظمى في هذه المنطقة الشعبية، وأهم هذه المبادئ عندي أني من أبسط حقوقي مثلاً أن أركب ميكروباص، وإذا وجدت السائق يدخن أستأذنه أن يطفئها ويا حبذا لو "لحقته" قبل أن يشعلها! وأيضاً إن كان يرفع صوت جهاز الكاسيت لأعلى درجة بأغنيات عجيبة ليس لها أي صلة بالفن أو الذوق أو الطرب أو أي شيء- مثال "أغنية شهيرة جداً في هذه المنطقة: أنا أنا أنا أنا أنا مش أنا"!!!
"ببص لروحي فجأة
تعبت من المفاجأة"
بصوت أجارك الله طبيبنا الكريم، المهم أنا أستأذنه أن يخفض الصوت بالطبع. من الممكن أن يبدو المثاليون تافهين لكثير من الناس، ولكنه حقاً سبب لي الكثير من المشاكل لأني شديدة الاقتناع أن هذا أبسط حقوقي، ألا يجبرني أحد ما مهما كان على ما لا أرضى، خاصة إن كان يؤذيني، وهذا ما يدفعني في كثير من المواقف للتصادم مع 90% من سائقي المواصلات الذين يرون أن هذه المواصلة ملكية خاصة لهم يفعلون ما يحلو لهم بها في أي وقت "واللي مش عاجبه...!".
أما زوجي، فكان يرى أنه لا داعيَ للتصادم وما دام لا يعجبني فالنزول دون أن اكلم احداً سيكون حلاً يعفي من الصدام، وهذا ما أعتبره -للأسف- تصرفاً سلبياً، فهو وكل واحد يسكت ويغض الطرف سلبيون، أحياناً أشعر بالقرف من الناس فقد أصبحنا 80 مليون قُفّةً وليس مواطناً!.
بعد مناقشات -قليلاً ما تكون هادئة- مع زوجي أقتنع أنه من حقنا كل ما أقول، ولكن لا يصح أن يتصادم مع أحد بوجودي، ومن الأفضل إذا وجدت ما يضايقني أن أنسحب بهدوء. اقتنعت وصمتّ ولكني معترضة على "الانسحاب بهدوء" لأني أعتقد أن السائق يجب أن يعرف أنه يسبب للعديدين -ولي على الأقل- الكثير من الأذى وأنه بسبب هذا الأذى لن أكمل معه الطريق للنهاية أو لن أركب معه من الأساس، وأنا وحدي أفعل هذا بنسبة كبيرة جداً. ولكن معه أشعر أني مكبلة ولست مقتنعة أني بحاجة لتغيير نفسي حتى أغيّرها، لأني أشعر ببساطة أن من يسكت على دخان سجائر يضايقه مع الوقت ممكن أن يصيبه بالمرض، أو على صوت من أنكر الأصوات في أعلى ما يكون سيسكت على أي شيء! وهذا ليس ببعيد عن حالنا كأمة أو كشعب.
أعتذر بشدة على الإطالة، ولكني أعشق التحدث معكم.
جزاكم الله خيراً.
17/5/2009
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أتفق معك في أهمية الشخصية التوكيدية، لكن أخالفك في مساحات ومجالات وكيفية تطبيق هذه التوكيدية. لنتحدث بهدوء ونفكر بأن دفع الضرر أولى من جلب المنفعة، ولن تظني سوءاً بهذه القاعدة الفقهية ولن تعتقدي أنها تدعو للسلبية، فإن كانت طريقتك في التعبير عن شخصيتك أو توكيدك لذاتك سيؤدي للشجار مع زوجك وغيره من الناس فالأولى تجنبها، ذلك أن الشجار آثاره أسوأ بكثير من الظواهر التي تشكين منها.
التوكيدية تعني التعبير عن نفسك دون الشجار مع الآخرين، يمكنك مثلاً أن تطلبي من السائق أن يخفض الصوت أو يطفئ السيجارة على أن تتقبلي أي استجابة تصدر عنه: إما القبول أو الرفض، فإصرارك فقط على إنفاذ قناعتك هو ما يؤدي للشجار لا التعبير التوكيدي، ولا تنسي أن طريقتك في التعبير إن كانت بفوقية ستثير عدائية الآخرين قبل أن يفكروا بالتعاون معك أو مراعاة غيرهم كما تشائين، فتذكري في كل مرة تعبيرن عن نفسك قوله تعالى "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم".
من الحكمة أن تتناسب توقعاتك مع قدرات وظروف الآخرين بعيداً عن تفضيلك الشخصي، فمن قال بأن المواصلات مكان هادئ ومريح؟ إن عملية الانتقال مزعجة ومرهقة ليس في عصرنا الحالي بل من القديم، حيث كان حادي الإبل يسلّي نفسه بأهازيج تنسجم مع مستواه اللغوي والمعرفي، فما رأيك بمستوى سائقي الميكروباصات؟ أي ضغط وظروف صعبة يعيشونها؟ وأي معاملة يتحملونها في القيادة الطويلة ومن التراخيص ومن أصحاب الباصات، بالإضافة لما نتحمله جميعاً من ضغوط. حبذا لو وجدنا في تعاملنا العام مساحة من التراحم والتسامح، فإن لم يكونوا هم أهل لهذا فكوني أنت كذلك ليس انسحاباً ولا سلبية.
في داخلك غضب مكتوم يستهلك قدرتك على تحمل أمور -وإن كانت مزعجة لكنها بسيطة- لا تستحق الغضب والشجار، ليست القضية مرتبطة بفيصل فمن عامين أمضيت في أحد فنادق النيل أربعة أيام أنام وأصحو على أغنية "حاتحنطر" إلى درجة أنني كنت على وشك أن أتحتنطر "أنا الأخرى فتقبلتها مزحة سخيفة -وأنا الهاربة من ضغط حياتي إلى هدوء النيل-، وبدأت أسال من معي كم حنطور عدّ قبل ما ينام؟ وفي النهار كنت أجدها تتردد في ذهني كالفكرة الوسواسية!.
أوافقك بالتأكيد على التأثير السالب للتلوث السمعي والضوضاء الذي نعيشه وتأثيره علينا نفسياً وفسيولوجياً، فوظفي طاقتك ووقتك في الدعوة لإصلاح الحال دون شجار، فالكثيرون لا يعرفون أن الأصوات العالية تصيبنا بالصمم تدريجياً، وأن دراسات عديدة أثبتت أن موسيقى الراب تزيد درجة التوتر.