ضياع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جزاكم الله خيرا على موقعكم المفيد وبعد فلدي مشكلة ولكني لست صاحبها فصاحبها أحد أقاربي ولكنه لا يستطيع فعل أي شيء يقربه من الشفاء والاستقرار عمره 25عاما مدرس بالأزهر ومحفظ قرآن، خاطب من عدة أشهر وحسب تقديره أنه سيتزوج بعد شهر أي في شهر يوليو 2009
عرف من صغره بأنه موسوس وتعب كثيرا ولكن تعبه لم يكن بهذه الصورة المستمرة وتتمثل مشكلته في القلق الدائم والمستمر وعدم النوم ليلا أو نهارا إلا إذا قهره النعاس لعدة دقائق يقول إنه لا يشعر خلالها براحة يقول إنه يشعر كأن جسمه يغلي من الداخل يرفض اللجوء لمن يدعون العلاج بالرقى غير الشرعية وأعمال السحر والشعوذة ويقبل العلاج النفسي ولكنه يرفض أخذ الدواء يقبل الرقية الشرعية ولكنه لا يستمر في برنامج العلاج.
أصيب مؤخرا بسلس البول والرشح من الدبر وهذا سبب له ألما نفسيا أليما بمعنى الكلمة لأنه صلاته غير مقبولة كما يقول رغم علمه بأنه من أصحاب الأعذار وعلمه بحكم وكيفية صلاة من يصاب بهذا المرض إلا أن فكرة عدم صحة صلاته هي المسيطرة عليه وأنه إذا حوسب عليها في قبره كان من المعذبين.
علاقته بخطيبة تدهورت فهو يرفض الزيارة ويرفض الرد على الهاتف يقضي معظم وغالب الليل والنهار متجولا في حجرات المنزل ويؤلمه جدا تألم أسرته من أجله يردد كثيرا: عاوز أروح عند ربنا وخايف أموت نفسي فأروح النار.. يبكي كثيرا، أسرته عجزت عن فعل شيء أكثر مما فعلوا وكأنهم استسلموا وجلسوا ينتظرون قضاء الله فيه.
يؤلمه أنه لم يعد يستطيع العمل ولا تحفيظ القرآن للصغار كما كان قبل ذلك ترك صلاة الجماعة يصلي في البيت صلاة سريعة ثم يعود يتجول في البيت مختنقا دامع العينين ينظر إليّ وأنا جالس معه قائلا عارف إنك ستقوم وتتركني الآن كلكم تخليتم عني ثم يبكي، يأخذ الأقراص المنومة ولكنه لا ينام، لقد سببت لي حالته ألما نفسيا شديدا فأصبحت أفكر فيه كثيرا وأدعو له بالشفاء.
وقد أرسلت إلى حضراتكم راجيا أن أجد لديكم بعض الإرشادات والنصائح التي يمكن أن تخفف من حالته أسأل الله أن يثبت خطاكم ويزيد بكم بني آدم نفعا وشكرا.
9/6/2009
رد المستشار
السلام عليكم؛
الذي يظهر من كلامك أن ما يعاني قريبك منه خليط من الوسواس والاكتئاب، ولكن المشكلة ليست في مرضه ولكن في رفضه للدواء وعدم استمراره على البرامج العلاجية، فأي نوع من أنواع العلاج لا بد فيها من الاستمرار والصبر إلى أن يتم الشفاء حتى في العلاج الروحاني بالرقى الشرعية ونحوها...
وأفضل شيء بالنسبة له الآن أن تقنعه بالذهاب إلى الطبيب لتناول الدواء لأن النظرة السوداوية والاكتئاب سيقفان في وجه علاجه من الوسواس، فكما ترى هو يعرف الحكم الشرعي المتعلق بدوام الحدث ومع هذا لا يستطيع دفع الأفكار الوسواسية، ولا أظنه سيستطيع ذلك وهو في هذه الحال فما لم يكن هناك مساعدة دوائية أولاً فإنه من الصعب إقناعه بواسطة العلاج المعرفي السلوكي حالياً...
وسأذكر لك بعض النقاط التي يمكن لك أن تقنعه من خلالها:
- أقنعه أن مرضه لا يختلف عن الأمراض الجسدية، وأن علماء المسلمين كانوا يعدون الأمراض النفسية من أمراض الجسد، وسأنقل لك ما كتبه الإمام الرازي في تفسيره عندما كان يبرهن على أن النفس شيء آخر سوى البدن [في الآية 85 من سورة الإسراء]، ففي أحد الأدلة قال: (..إن المواظبة على الأفكار الدقيقة لها أثر في النفس وأثر في البدن، أما أثرها في النفس: فهو تأثيرها في إخراج النفس من القوة إلى الفعل في التعقلات والإدراكات وكلما كانت الأفكار أكثر كان حصول هذه الأحوال أكمل وذلك غاية كمالها ونهاية شرفها وجلالتها، وأما أثرها في البدن فهو أنها توجب استيلاء اليبس على البدن واستيلاء الذبول عليه، وهذه الحالة لو استمرت لانتقلت إلى الماليخوليا وسوق الموت فثبت بما ذكرنا أن هذه الأفكار توجب حياة النفس وشرفها وتوجب نقصان البدن وموته فلو كانت النفس هي البدن لصار الشيء الواحد سبباً لكماله ونقصانه معاً ولحياته وموته معاً، وأنه محال). فقد ذكر الرازي رحمه الله أن الماليخوليا من الأمراض التي تلحق البدن، والماليخوليا هي نوع من الاكتئاب! وإذا كانت الأمراض النفسية من أمراض البدن فلا ضير في علاجها بالأدوية الكيميائة مثلما تعالج سائر أمراض البدن بها.
غير أنه لعلاقة الدماغ بالعقل وتأثرهما ببعضهما كان لا بد للحصول على نتيجة حسنة من استخدام العلاج المعرفي والسلوكي إضافة للدوائي.
- قل له: إنك إن كنت تريد العلاج المعرفي فإن هذا لن يتيسر لك حالياً ما لم تحسن من وضعك بتناول الدواء، وأن الدواء ما هو إلا خطوة مساعدة لك للعلاج المعرفي.
- أخبره أيضاً أن تناوله للدواء لا يعني أنه مجنون، فليست كل الأمراض النفسية جنوناً، وحتى لو كانت كذلك فالحفاظ على العقل من المقاصد الشرعية، فلا يجوز له التفريط بعقله والإعراض عن الدواء إذا ثبتت ضرورته للحفاظ على صحته النفسية والعقلية..
- وإذا كان يخاف من الأعراض الجانبية فكل الأدوية لها أعراض ولكن نتناولها لغلبة فائدتها على مضارها، وتناول الأدوية النفسية إنما يتم تحت إشراف الطبيب ومتابعته وحينها يمكنه تفادي الأعراض الجانبية غير المحتملة.
- كذلك قل له: أيهما أفضل أن تعيش في هذه الحالة من الشلل في أعمالك أم تتناول الدواء الذي يساعدك –بقدرة من الله- أن تقوم لممارسة أعمالك؟ لا شك أن العمر أغلى بكثير من أن يضيع في المرض والمعاناة، فترجيحاً لهذه المصلحة لا بد من العلاج الدوائي.
- ثم أكثر على مسامعه من عبارات الطمأنة والتشجيع، والآيات والأحاديث التي تذكر رحمة الله وعفوه وحبه لعباده، وأخبره أن الإمام مالك رحمه الله تعالى كان مصاباً بسلس البول أيضاً، وأن الله تعالى عادل حكيم لا يحاسب العبد على بلاء أنزله به، بل إذا صبر وعمل بالأحكام الخاصة بهذا البلاء فإن الله تعالى يقبله ويضاعف له الثواب، فإن عمل بأحكام دائم الحدث فقد قام بما عليه تجاه الله تعالى، ولا يطالب بأكثر من هذا. وإذا كان هناك من يثق به من أقاربه أو مشايخه فمن المريح جداً له أن يسمع مثل هذا الكلام منهم.
- كن لطيفاً بشوشاً معه، واضبط نفسك ألا تلومه أو تخاطبه بكلام قاس مهما صدر منه من أفعال أو أقوال غير منطقية. وكرر عليه أنك مازلت تحبه وأنك ستظل واقفاً معه إلى أن يكشف الله عنه هذه المحنة التي هي عرض زائل ولا بد. ولا تيأس من المحاولة معه لإقناعه بالعلاج الدوائي.
- انصحه بقراءة بعض الآيات والأذكار الخفيفة التي لا تثقل عليه ولكن المهم أن يداوم عليها، كالفاتحة وآية الكرسي والمعوذات وآيات الشفاء الست وهي:
- ((وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ * وَيُّذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِم))
- ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ))
- ((فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ))
- ((وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً))
- ((وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ))
- ((قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء))
وكذلك بعض أذكار الشفاء الخفيفة مثل أن يدعو: (أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيني) يكررها سبع مرات.
أسأل الله تعالى له الشفاء، وتابعنا بأخباره..