الدمية الشقية والانحياز للذكور
السلام عليكم ورحمة الله،
بداية لا أقصد ب "الشقية" خفة الظل، وإنما أقصد الشقاء والبؤس. وقد يظن من بدأ بقراءة رسالتي أنه سيطالع معاناة مريرة سببها مرض عضال أو فقد حبيب... لكن في الحقيقة فإن مأساتي لا تتعدى كوني خلقت.
كنت على صلة قوية بالله ملتزمة إلى حد بعيد، كان باطني لله أثق به وأحبه وأتوكل عليه، لا ينقطع دعائي، راضية بقضائه وقدره، ولا همّ لي إلا مرضاته.
وأصبحت نفساً خاوية وقلباً جافاً، تمتلئ نفسي بالحقد كنفس إبليس، تركت الصلاة دون أدنى إحساس بالذنب، فما عادت لدي القدرة حتى على إسقاط الفرض بأداء حركات الصلاة، فقدت كل إيماني بالله ولم أعد أرى عدلاً أو حكمة في أي شيء. ما أنا إلا دمية مجبرة على أداء سخافات في سخافات، ولا أرى هدفاً من وراء شيء، وأرى أنّا خلقنا عبثاً.
أرى شبهاً كبيراً بيني وبين إبليس؛ فأنا أرفض الطاعة والإذعان، أرفض كوني دمية في يد الأقدار، وأكثر ما أرفضه على الإطلاق هو كوني امرأة، فإن كنت أرى أن الإنسان خلق عبثاً لا أثر في حياته لحكمة أو عدلٍ، فإن الأمر يتضاعف لكوني امرأة.
في أحد كتبه سُئل الدكتور مصطفى محمود "ما ذنب الخنزير أن يخلق حقيراً"؟
وأجاب "لأن روحه روح خنزير والله وضعها في الصورة المناسبة لها"، قد يكون في هذه الإجابة عزاء أن كانت روحي روح امرأة، لكني لست امرأة ولست رجلاً أيضاً! لست برجل ولا تمنيت أن أكون رجلاً، وإن كانت حياتي لتكون أسهل وأمتع وأعباؤها أقل، ولكانت نفسي أكثر رضىً وقناعة، ولبقي بها جزء من إيمانها بالله وحكمته. لست امرأة، وإن نفسي لتنفر أشد النفور مما لحق بالمرأة من دورة شهرية وغشاء بكارة وحمل وإرضاع ونفاس، ومكوث في المنزل ثم القضاء على ما تبقى من كرامتها بتعدد الزوجات.
دعوني أسأل أين عدل الله؟ إن خلق المرأة مؤامرة محبوكة؛ دور الرجل في الإنجاب لا يتعدى إلقاء النطفة تماماً كمن يلقي بعقب سيجارة استمتع بها. قولوا لي بالله عليكم كيف أقول أن الله عادل وهو متحيّز للذكور؟
هل الله رجل؟ ألم يكن أولى بالله وهو صاحب الأسماء الحسنى أن ينأى بنفسه عن هذا التحيّز؟ لقد تعبت ولم أخلص إلا لشيء واحد: هو أني لن أعبد الله بعد الآن! فإن كنت مخطئة فسأدخل الجحيم بما جنت يداي. لكن جزءاً مني ما زال يبكيني حزناً عليّ أن أكفر بالله بعد أن كنت أراه في كل شيء.
أسال كل من صبر على قراءة رسالتي حتى النهاية هل عندك ما يعيدني إلى الله؟ وإلا أسألكم دعوة مخلصة بظهر الغيب أن يردّني الله إليه ولكن للحظة يقبض روحي بعدها فلم تعد بي إلى الدنيا حاجة.
السلام عليكم ورحمة الله.
07/06/2009
رد المستشار
السلام عليكم، الأخت الغالية العاقلة السعيدة بإذن الله تعالى،
أقلقتني يا أخيتي من هذا الانقلاب في حياتك وجعلتني أحتار في السبب الذي غيّر تفكيرك على هذا النحو، لكن الذي يطمئنني شعورك بخطأ ما أنت فيه وخطورته، وإيمانك بوجود الله عزّ وجلّ واليوم الآخر.
إن الذي أوقعك في هذا الأمر أنك افترضت افتراضاً مستحيلاً ثم صدقته! افترضت أن الله ليس عادلاً ولا حكيماً وصدّقت ذلك، مع أنه يستحيل أن يكون الإله بهذه الصفة تماماً كما أنه يستحيل كون (1+1=4)!!
إذا كنت تؤمنين بوجود إله حقاً فلا بد أن يكون هذا الإله متصفاً بجميع صفات الكمال ومنزهاً عن كل نقص، ولو كان الله عزّ وجلّ ظالماً –تعالى عن ذلك علواً كبيراً- لما كان إلهاً أصلاً... فطالما أنك قلت: الله موجود فلا بد أن تقولي: إنه عالم، قدير، عادل، حكيم،... وأن تنسبي له صفات الكمال جميعها.
والعقل السليم بفطرته لا يقنع أن يكون الإله المعبود ناقصاً، ولو رجعت إلى الذين عبدوا آلهة من دون الله كالأصنام والكواكب والنار تجدين أنهم جميعاً ما عبدوها إلا بعد أن نسبوا إليها صفة كمال وجعلوا لها تحكماً في حياتهم، وقدرة على تسييرهم، وعلى إعطائهم ومنعهم. ومصداق ذلك -أيضاً- أنك لما سلبت عن الله تعالى -في اعتقادك- صفة العدل والحكمة، أعرضت عن عبادته، فلولا لزوم كون الإله المعبود منزهاً عن النقائص ومتصفاً بالكمالات، لما أعرضت عن عبادته عندما خلعت عنه هذه الصفات.
وبعد أن ثبت هذا: أعود لأذكرك بأوضح وأبسط دليل عندك على وجود الله تعالى:
أنت تؤمنين بوجود الله تعالى: لأنه يستحيل وجود شيء- لم يكن موجوداً- بمحض المصادفة ودون أن يكون هناك من أوجده، فرسالتك هذه التي كتبتها لم تكن لتوجد وحدها، وإنما هناك من ألّف كلماتها وسطّر حروفها وهو أنت، ولو جلست مئات السنين تنتظرين أن تظهر هذه الكلمات دون أن يكتبها أحد لما ظهرت، ولو ظهرت سألت نفسك فوراً: من الذي كتبها؟ هذا الأمر يدركه الطفل الصغير؛ إذ ترينه إذا ذهب إلى صندوق ألعابه ووجد لعبة جديدة يقول: من أحضر هذه؟ وإذا وجده فارغاً يسأل فيقول: من أخذ لعبي؟
وكذلك الأمر بالنسبة لهذا الكون، فبعد أن ثبت علمياً أن هذا الكون وهذه الأرض والكواكب كانت في زمن سحيق شيئاً معدوماً ثم وجدت، لا بد للعقل السليم أن يسأل: من أوجدها؟ إن الذي أوجدها هو الله تعالى الذي أمرنا بعبادته.
فإذا ثبت أن الله موجود، وثبت أن الإله لا بد أن يكون منزّهاً عن النقائص ومتصفاً بالكمالات، ثبت أن الله تعالى منزّه عن الظلم ومتصف بالعدل والحكمة، وغيرها من صفات الكمال.
لهذا: إذا لم نعرف الحكمة في أمر من الأمور التي قدّرها الله عزّ وجلّ فلا يمكننا أن ننسب الظلم والعبث وقلة التدبير إليه لاستحالة هذه النسبة. ولكن علينا أن نرجع إلى أنفسنا لنعرف السبب في عدم رؤيتنا للحكمة والعدل. ويمكن رد الأسباب كلها إلى عدم معرفتنا لهذا الأمر المعرفة الكاملة الصحيحة، ورؤيتنا له بصورة ناقصة أو مشوّهة، مما يجعل العقل يعجز عن فهم الحكمة منه، وينسب إلى الله تعالى الظلم والعبث -تقدّس عن ذلك وتعالى-.
وسأجيبك بعد هذا الرد الإجمالي عن ما ذكرته من اعتراضات في رسالتك:
1_ هل خلقنا الله عبثاً؟
لقد علم الله القدير أن هناك من سيعتقد هذا الاعتقاد، ومن ستغيب عنه الحكمة في الخلق، فأجابه قبل أن يسأل فقال: ((أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)) [المؤمنون:115]. أي: أتعتقدون أننا لما خلقناكم بدون إرادة منكم لم يكن لنا حكمة في هذا الخلق؟ أتظنون أنكم كالبهائم مهملون؟! إنما خلقناكم ليكون وجودكم على هذه الأرض امتحاناً نختبركم فيه، وضعنا لكم حرية الاختيار، ثم أنزلنا الأوامر والنواهي، فأنتم أناس أحرار مختارون، لا بهائم ولا دمًى مسيّرون، ثم بعد هذا لا بد أن ترجعوا إلينا لنسألكم ونحاسبكم، فمن أعمل منكم عقله، وتجرّد عن شهوات نفسه، فأقرّ بأنه لا بد من وجود إله في هذا الكون، وأن الإله لا بد أن يعبد ويطاع إذا أمر، فأذعن لأوامر الله عزّ وجلّ واتبعها بمحض اختياره، كان جزاؤه جنة عرضها السماوات والأرض خالداً فيها أبداً. وأما من أعرض وأوقف عقله، وأغمض عينيه عن الحقائق الواضحة، واختار بمحض إرادته الكفر والعصيان، فقد اختار بمحض إرادته العذاب والخذلان. فالحكمة من خلقنا بكل بساطة: اختبار عبوديتنا للذي خلقنا، واغتنام هذه الدنيا لتحصيل النعيم المقيم.
قال تعالى عن سبب خلقه لنا كذلك: ((وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ)) [هود:7]، وقال أيضاً: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ)) [الذاريات:56].
وقد تقولين: ولكن لماذا يريد أن يعذبنا ويختبرنا في الدنيا؟ لماذا لم يخلقنا في الجنة فوراً؟ لماذا أجبر على الطاعة إذا أردت دخول الجنة؟ لماذا أصبح كالدمية أقوم بسخافات لا معنى لها من أجل أن أدخل الجنة؟ لماذا يتحكم الله فيّ بأقداره ويجعلني محصورة بين هذين الخيارين: إما أن أطيع فأدخل الجنة، وإما أن أعصي فأدخل النار؟!!
وأجيبك: إن من مظاهر عظمة الله تعالى أيضاً وسلطانه وكماله أنه خلقنا دون إذن، وسيميتنا دون إذن، وأمرنا دون إذن، وسيحاسبنا ويسألنا دون إذن، ولو كان استئذاننا في ذلك واجباً عليه لكان نقصاً فيه وضعفاً، فمن مظاهر عظمة الإله أن يفعل ما يشاء دون أن يسأله أحد لم فعلت ولِمَ لَمْ تفعل؟ قال تعالى: ((لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)) [الأنبياء:23]، فخلقه لنا على هذا النحو ما ينبغي أن يبعثك على الاعتراض عليه وظنّ السوء به تعالى بل ينبغي أن يزيدك إيماناً به -وبأنه إله حقاً-، ومن ثَمّ تعظيماً وخضوعاً له، وأن يزيدك معرفة بحقيقة عبوديتك وضعفك ويدفعك إلى الاستسلام له والاستكانة بين يديه.
فمهمة الخالق في الخلق والتدبير دعيها للخالق، واشتغلي بمهمتك في العبادة والطاعة قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه الندم، فمهما حاولت الإعراض عن حقيقة عبوديتك وخضوعك لله تعالى فستصطدمين بها –شئت أم أبيت- في نهاية المطاف. فنحن جزء من هذا الكون المخلوق والذي يتجه بالعبودية نحو خالقه عزّ وجلّ بكل ذرة منه، فمن أراد أن يسير بعكس هذا الاتجاه ويتمرد ويرفض الإذعان فسيكون شأنه كراكب سفينة تتجه نحو الشمال وهو يأبى إلا أن يسير نحو الجنوب والذي سيحصل: أنه سيصطدم بجدارها أخيراً، ثم تصل به إلى الشمال شاء أم أبى.
2_ الحكمة من تنوع الخلائق:
إن الخالق الحكيم قد نظم الكون على أدق صورة من الكمال، وبثّ فيه أنواعاً لا تعدّ ولا تحصى من المخلوقات، وجعلها أزواجاً وأشكالاً شتّى يكمّل بعضها بعضاً، قال تعالى: ((وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)) [الذاريات:49]، ثم بعد هذا هدى كل مخلوق إلى وظيفته التي تنسجم مع شكله وطبيعة خلقه، ليؤدي وظيفته بيسر وسهولة دون مشقة... قال تعالى: ((قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)) [طه:50]...
فقد خلق السماء التي ترتفع الجبهات لتحملق في عظمتها، وخلق الأرض التي تدوسها الأقدام، وتأكل الأحياء من خيراتها فيكمل بعضهما بعضاً.
خلق الإنسان العاقل المتمتع بالاختيار وبالكثير من الطاقات والقدرات ومنها القدرة على المعرفة وتطوير معارفه، كما خلق الحيوان الذي يتمتع بكثير من القدرات ولكن ليس ذا عقل يميز به، وخلق الحيوان الضعيف الذي يتغذى به القوي!! كما خلق الحشرات التي يتغذى بها الحيوان الضعيف!! وكلٌّ يكمّل الآخر، خلق النبات ومنه ما يعد من أطيب غذاء الإنسان وأنفعه، كما خلق من النبات ما يعد الأفضل للحيوان، وخلق النبات الذي لا ينفع –فيما يبدو– الإنسان ولا الحيوان فهو مظهر آخر من التكامل. خلق الجراثيم الصغيرة التي لا ترى إلا بعد أن تكبّر بالمجهر، وجعلها شيئاً مخيفاًُ ومرعباً على ضعفه وضآلته للإنسان القوي العاقل.
خلق الرجل، لا فضل له في رجولته وإنما في حسن عمله، فكم من امرأة هي خير من رجال.
وخلق المرأة، ولا غضاضة في أنوثتها بل هي سر سعادة الرجل السويّ عندما يكون شريك حياة يقاسمها السعادة والمرارة، وكم من رجل لا قدر له أمام المرأة.
كل هذه المتقابلات يكمّل بعضها بعضاً، ويظهر واحدها فضل الآخر، ويقوم بما يعجز عنه الآخر، ويعجز عما يقوم به الآخر بسهولة ويسر. ن التفكير الفج يجعل الإنسان يعترض لماذا خلق الله المرأة امرأةً والرجل رجلاً؟!! ولماذا لا يسأل: لماذا خلق الله الرأس رأساً والقدم قدماً، ألم يظلم القدم يوم خلقها قدماً؟! لماذا خلق الله البطن بطناً والدماغ دماغاً، ألم يظلم البطن يوم خلقها بطناً؟!
فلتكن الدنيا كلها رؤوس، وكلها أدمغة، وكلها رجال! كيف سيكون حال الحياة؟!
كيف سنسير؟! وكيف سنأكل؟! وكيف سنولد، ومن سيتفرغ لتربيتنا إن ولدنا؟
حينها سنقول: ليت لنا قدماً نسير عليها، فهذا الرأس ليس ينفع في شيء!! وليت لنا بطناً نأكل فيها، فهذا الدماغ لا ينفع في التغذية!! وليت هناك امرأة حانية تعطف علينا، فهذا الرجل قاسٍ لا يحسن إلا جمع المال!! إن الله تعالى لما نوَّع الخلائق كان هذا لمصلحتنا –ولا ريب-، يُكمِّل بعضنا بعضاً، ويساعد كل من الآخر، وننتشي بجمال تنوع المخلوقات من حولنا، ويزيد إيماننا بالله الواحد الذي ليس له زوج يكمّله ولا يعينه، فهو مستغنٍ عن المعين منزّه عن النظير والشريك.
فالله لمّا نوّع الخلائق كان ذلك لنتفكر في بديع خلقه لا لنشير عليه أن افعل ولا تفعل، ولمَ فعلت ولمَ لم تفعل؟! فلنبق ضمن الحدود المسموحة لنا.
3_ المرأة: طبيعتها، ووظيفتها، والأحكام الخاصة بها:
المرأة خَلْقٌ من خَلْقِ الله، وهي إنسان، والإنسان كرّمه الله تعالى سواء كان نوعه ذكرأً أم أنثى، قال تعالى: ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)) [الإسراء:70]. والله تعالى لا يكذب فإذا قال أنه كرّم الإنسان -بغض النظر عن نوعه- فقد كرّمه فعلاً، ومن المخجل أن نقابل هذا التكريم بقولنا: (إن خلق المرأة مؤامرة محبوكة)!!
كيف يكون متآمراً على المرأة من سمَّى سورة كاملة من طوال السور في كتابه بـ (سورة النساء) ولم يمنح مثل هذا الشرف للرجال؟! كيف يكون متآمراً على المرأة من كان نبيه –صلّى الله عليه وسلّم- يوصي الولد بالأم ثلاثاً وبالأب مرة؟! كيف يكون متآمراً على المرأة من نبيه -صلّى الله عليه وسلّم- أوصى الجموع المحتشدة في حجة الوداع فقال: ((فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّه))؟!! كيف يكون متآمراً على المرأة من سوّى بينها وبين الرجل في المجازاة على العمل الصالح ودخول الجنة فقال: ((إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)) [الأحزاب:35]؟!
إنه لشيء مخجل حقاً أن نقابل تكريم الله تعالى لنا على هذا النحو.
كل ما في الأمر أن الله تعالى كوّن المرأة تكويناً مختلفاً عن تكوين الرجل يتناسب مع وظيفتها فلا تشعر بمشقة حال تأديتها لها، فربنا الذي أعطى كل شيء خلْقَه وتكوينه الخاص به، ثم هداه إلى وظيفته المتناسبة مع هذا الخلق والتكوين.
فترين الصبيان أثناء لعبهم تستهويهم المصارعة، والأسلحة، والمطرقة والمسمار وسائر الآليات الضخمة...، فالله عندما أمرهم بعد ذلك بالجهاد كان ذلك منسجماً مع طبيعتهم ومع ما يهوونه، ولما أمرهم بالخروج وخصّهم بممارسة الأعمال الثقيلة الضرورية لعمار الكون، كان ذلك منسجماً مع طبيعتهم ومع ما يهوونه فلا يرون فيه مشقة ولا كبير إزعاج، ولكنهم عندما يجلسون في المنزل يقلبونه رأساً على عقب! وترين المرأة تدعو في سرها وتقول: (سلمهم الله! لكن لا أجلس الله تعالى رجلاً في البيت)!!
إذن: من يقوم بإشاعة السكينة في المنزل؟ من يقوم بتربية الصغار وتحمل طلباتهم وطريقة تفكيرهم؟
إنها المرأة التي تقوم بما لا يحسنه الرجل، بتكوينها، وعاطفتها، وميلها نحو الأمومة ونزوعها وحبها لمكان تأوي إليه وتسكن فيه وهو المنزل! وكثيراً ما كنت أمزح مع صديقاتي فأقول لهن: يجب أن يعلقوا على ظهورنا: [صممت خصيصاً لتجلس في المنزل]!!
وأزيدك إيضاحاً:
- اعترضت على ما لحق بالمرأة من شؤون الحيض والنفاس ونحو ذلك: لأول وهلة أنا معك، هي شيء مقزز يبعث على الاشمئزاز!! ولكن تأملي معي: ألم يكن الله تعالى قادراً على خلق الإنسان بطريقة أبسط من هذا وأيسر؟ فيجعله مثلاً حبة تنتفخ في يد المرأة في الصباح فيخرج منها طفل كامل في المساء دون ألم أو تعب؟! أو يجعلها كالسلاحف البحرية، تدفن بيضها في مكان فيفقس وحده وتذهب الصغار في حال سبيلها؟!
أو يجعلها تتكاثر بالبرعمة!! فتقولين بلى! فلماذا التعب؟ أقول: ليكون ذلك أدعى للتفكر في عجائب صنع الله وإظهار بديع صنعه في أحوال خلق الإنسان، وفي ضعفه، وضعف أمه، وتعلمين أن الكلام في هذا لا يتسع له هذا الجواب، ولكنّ كل هذا ليقول الإنسان: سبحانك يا ربي! كل هذا الإبداع وهذا التنظيم وهذه المعجزات الباهرات، من أجلي أنا؟! من أجل أن أوجد؟! أنا الإنسان الضعيف الحقير؟! كم أنت عظيم يا ربي!!
ثم إن هذا كله من فطرة المرأة التي تستمتع به! كثيراً ما تسمعين الفتيات الصغيرات يقلن: أتمنى أن أتزوج حتى أنجب ويخرج طفل من بطني! أو: أتمنى أن أرضع طفلاً! ثم هي تمسك لعبتها لتروي تلك الفطرة! وكذلك المكوث في المنزل: أمر يستهوي المرأة ذات الفطرة السليمة.، فهو قانون إعفاء لها من الخوض في مشاق العمل والسير في الشوارع والطرقات في شدة الحر وشدة البرد إلا أن تتبرع، أو تحتاج للعمل لصون كرامتها!
وتعدد الزوجات! لن أجيبك إلا بأن اسألي من لم يتزوجن، هل تقبلن بالتعدد؟ غالبهن ستجيب: طبعاً!! لأنه من مصلحتهن! واسألي المتزوجات، فسيجبن: أبداً!! لأنه ليس من مصلحتهن! والله عزّ وجلّ ينظم الكون حسب مصلحة البشرية كلها -تفضلاً منه- لا بحسب رأي المتزوجات وغيرهن، ولا بحسب رأيي ورأيك، ولهذا الموضوع ذيول كثيرة، قد يمنّ الله تعالى ببيانها فيما بعد.
إذن: فالله غير متحيّز للذكور، وإنما أعفاهم مما تعاني منه المرأة ليتسنى لهم القيام بمهام أكبر وأشق خارج البيت، ما كانت المرأة لتعيش مستقرة لولا قيامهم بها، وما أظن أن مهمة الجهاد والتهديد بالموت والتشوه أيسر من الحمل! وما أظن أن الضرب في الأرض لجلب المال أيسر من المكوث في المنزل -كالأميرات- للاعتناء بشؤونه! وما أظن أن معاشرة الناس باختلاف طباعهم أيسر من الاعتناء بالأطفال ببراءتهم!
قد طال الجواب ولكنه حقك علينا، فإن أفادك فطمئنينا، وإن بقي لديك شبهة، أو كان هناك استفسار فلا تترددي أبداً بإرساله.
أسأل الله تعالى أن يهدي قلبك ويثبتك وجميع المسلمين على ما فيه رضاه، وأن يطيل عمرك في طاعته، ويذيقك لذة معرفته، وأن يجمعنا سوياً في جنته، إنه سميع مجيب لا يقنط أحداً من رحمته.ويتبع>>>>>>>>>>>>>>>>>> الدمية الشقية والانحياز للذكور مشاركة 1