السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
،
بداية أود أن أشكركم على جهودكم الرائعة والعظيمة في مناقشة مشاكل الناس وحلّها وتعاطفكم مع جميع الحالات الموجودة، وثوابكم عند الله عظيم وأجركم محفوظ.. ولكني شخصياً أشعر أن مشكلتي نفسية ومعقدة ليس لها حل. أنا دائماً أشعر عندما أدخل إلى سوق بمفردي دون اصطحاب احد من أفراد عائلتي أن الناس تنظر لي كأني دخلت لأسرق أحد هذه البضائع! مع أني ولله الحمد أمينة جداً لا آخذ أي شيء يخص أي أحد، ولكن هذا الشعور ينتابني باستمرار في مثل هذه المواقف ولا أعرف ما هو سببه؟!.
والمشكلة الأخرى أني عندما أجلس مع كثير من البنات في مثل سني أشعر إني أقل منهن مع أني أيضاً ولله الحمد حالتي المادية جيدة والبس أفضل الملابس وأهتم بمظهري، ولكن أيضاً لا أعرف لماذا؟! وهذا الشعور يضايقني حتى أني أشعر بهذا الشعور مع بعض أفراد أقاربي حتى الفتيات أو الشباب أو أقاربي نفسهم. أرجوكم ساعدوني، أكاد أجنّ.
كذلك لدي رغبة شديدة وملحة جداً في جمع الأشياء والارتباط العاطفي الشديد بها، فاشترى الكثير من الملابس رغم أني أمتلك ما يكفيني، وأحتفظ بالكثير من الأوراق والمذكرات والصور، ولا أعلم في ماذا سأحتاجها! وإن ضاع أي شيء أرتبك وأتعصب وأكره كل من حولي...أرجوكم ساعدوني.
كما أني أشعر أني أعيش بلا هدف، وكثيراً ما أجلس وحدي وأبكي دون أي سبب، فقط أبكي لمجرد البكاء ولا أعرف ما سبب كل هذا! أرجو منكم مساعدتي والرد على رسالتي في أقرب وقت ممكن وعدم تجاهل رسالتي.
وشكراً لكم.
05/07/2009
رد المستشار
الأخت العزيزة،
أهلاً ومرحباً بك على موقعنا، ونرجو أن نكون عند حسن ظنك دائماً.
عزيزتي، تعانين من فكرتين أساسيتين تؤرقانك وتسببا لك التوتر الشديد، حيث ينتابك شك أن من حولك يظنون أنك تسرقين، أو أنك أقل من صاحباتك، كما تعانين من طقس مرتبط بتخزين الأشياء حتى وإن كنت لا تريدينها، وهذا اضطراب من اضطرابات القلق يسمى الوسواس القهري، ويتكون الاضطراب من جزئين رئيسيين:
1. الوساوس المسيطرة Obsessions: وتتميز بأربعة أشياء:
- فكرة معينة تسيطر على التفكير.
- هذه الأفكار لا تكون لها صلة بالمشاكل التي يتعرض لها المريض.
- محاولة مجاهدة النفس لتجاهل هذه الأفكار ونسيانها وعدم تكرار الفعل مما يشكل ضغط نفسي عليه (حيث يدرك مريض الوسواس أن هذه الأفكار لا أساس لها من الصحة بعكس مريض الفصام الذي يعتقد بصحة أفكاره).
- يعي المريض تماماً بأن هذه الأفكار نابعة منه هو وليس لأي شخص آخر دخل بها. (وهو ما يتوفر في الفكرتين الأولتين لديك).
2. الفعل الإجباري (القهري) Compulsions:
- تكرار هذا الفعل لعدة مرات على الرغم من رغبة المريض بإيقافه، إلا أن الرغبة لتكرار الفعل أقوى منه مثل تخزين أو شراء الأشياء دون ضرورة لذلك.
- يحاول المريض أن يتخلص من هذه الأفكار بصفة مستمرة وكلما أجبر نفسه على إيقاف هذا الفعل يتعرض لضغط نفسي عنيف مما يؤدي به إلى معاودة الفعل مرة أخرى.
وبالتالي فأنت تعانين من وسواس الأفكار: سيطرة فكرة معينة على ذهن المريض، وغالباً ما تكون فكرة غير مقبولة وهي الفكرة التي تسيطر عليك عند دخولك للسوق أو مقابلة أصدقائك.
وأود أن أطمئنك حيث تميل أعراض الوسواس القهري إلى التراجع والضعف مع مرور الوقت (يحدث لحوالي 10% إلى 20% من المرضى)، وبعضها لا يعدو كونه بعض الخواطر الخفيفة التي لا تعيق التفكير والعمل. كما تتحسن حالة 80% من المصابين بمرض الوسواس القهري بشكل كبير مع تناولهم العلاج المناسب من العلاج الطبي والعلاج السلوكي. وقد تحدث حالات انتكاس أو عودة إلى السلوكيات والأفكار غير المرغوبة أحياناً.
أسباب الوسواس القهري:
لا توجد أسباب معروفة للإصابة بالوسواس القهري، وإن وجد العلماء علاقة بين الإصابة بالمرض والأسباب الآتية في بعض المرضى ومنها:
1) الوراثة:
لم يتم التعرف على جينات معينة يؤدي وجودها إلى مرض الوسواس القهري، ولكن الأبحاث تشير أن الجينات تلعب دوراً في تطور هذا المرض في حالات كثيرة. فمرض الوسواس القهري الذي يظهر في السن المبكرة (مرحلة الطفولة) يمتد في عائلات بأكملها (وفي بعض الأحيان يكون مرتبطًا بأعراض مرضية نفسية أخرى). وعندما يكون الوالدان مصابين بمرض الوسواس القهري، تزيد بنسبة طفيفة أخطار أن يصاب الأبناء بهذا المرض في المستقبل، على الرغم من أن الخطر يبقى كامناً. وقد يمتد مرض الوسواس القهري في عائلات بأكملها.
10% من أقارب المرضى المصابين بهذا المرض يعانون من نفس المرض، ويصاب حوالي 5- 10% من الأقارب بأعراض خفيفة ترتبط بهذا المرض. و إذا كان كل من الأبوين يعاني من المرض، فإن الخطر يتضاعف، وتكون النسبة حوالي20% في المتوسط. (فهل من أقاربك من يعاني من أفكار مثلك أم لا؟).
2) العدوى Infections: ورد في بعض الحالات الإصابة بالوسواس القهري عقب الإصابة بالعدوى البكتيرية المعروفة بستربتوكوكاي من المجموعة الأولى Group A streptococcal infection حيث يرى بعض العلماء أن الإصابة بالستربتوكوكاي يؤثر على الجهاز العصبي في الأطفال فيما يعرف ب PANDAS pediatric autoimmune neuropsychiatric disorders associated with streptococcal infection، وكذلك في بعض الحالات المصابة بفيروس الهربس Herpes simplex .
3) عوامل بيولوجية:
وجود خلل في وظائف الأنوية القاعدية والدليل وجود الأعراض القهرية عند المرضى المصابين بالعرات الحركية ومرض توريت. كذلك اتضح أن التداخل الجراحي الذي يفصل الأنوية القاعدية للدماغ عن الفص الجبهي للدماغ له تأثير شفائي على حالة الوسواس القهري.
تشير الأبحاث إلى أن مرض الوسواس القهري يتضمن مشكلات في الاتصال بين الجزء الأمامي من المخ (المسؤول عن الإحساس بالخوف والخطر) والتركيبات الأكثر عمقًا للدماغ (العقد العصبية القاعدية التي تتحكم في قدرة المرء علي البدء والتوقف عن الأفكار).
4) عوامل فسيولوجية:
- الخلل في وظائف السيروتونين:
وجاء ذلك من الدلائل على فعالية دواء clomipramine وهو مضاد للاكتئاب يعمل بشكل رئيسي على السيروتونين وتحسن مرضى الوسواس القهري عليه، ولكن لا تزال هناك شكوك حول كون السيروتونين هو العامل الوحيد.
أن التركيبات الدماغية السابق ذكرها تستخدم الناقل العصبي الكيميائي "سيروتونين" ويُعتقد أن مرض الوسواس القهري يرتبط بنقص في مستوي السيروتونين بشكل أساسي.
- الخلل في وظائف الدوبامين:
ويستدل على ذلك من كون متلازمة توريت يرافقها الوسواس القهري في 30% من الحالات وكذلك فان إعطاء المنبهات العصبية مثل الامفيتامين يزيد من أعراض الوسواس القهري.
- أثر الغدد الصماء:
أظهرت دراسات متعددة زيادة الأعراض عند سن البلوغ وقبل الطمث الشهري عند الفتيات.
5) وهناك العديد من النظريات النفسية التي حاولت تفسير الأعراض والطقوس.
العلاج:
ويشمل العلاج 3 أشياء هي: العلاج الدوائي Pharmacotherapy ، العلاج السلوكي Behavioral therapy ، العلاج الجماعي Group therapy .
أولاً: العلاج الدوائي Pharmacotherapy :
وذلك عن طريق استخدام مضادات الاكتئاب، ويحتاج المريض إلى استخدام نوع واحد من مضادات الاكتئاب، وفي الحالات الشديدة يستخدم أكثر من نوع مع بعضها، ويبدأ أثر العلاج في الظهور بعد حوالي من 6-10 أسابيع من العلاج المنتظم.
ثانياً: العلاج السلوكي Behavioral therapy :
يتم العلاج السلوكي بمساعدة الأخصائي النفسي فيما يعرف بالعلاج الإدراكي (Cognitive behavioral therapy (CBT وذلك عن طريق تعريض المريض للمؤثر الذي يدفعه لتكرار الفعل مع محاولة تقليل تكرار الفعل تدريجياً، مثال ذلك إذا كان المريض معتاد على غسل يده 40 مرة فيغسلها 20 ثم 10 ثم 5 مع ترك المكان عقب هذا العدد ومحاولة الاسترخاء بعدها وعدم العودة مرة أخرى، حتى يتخلص المريض من هذا السلوك تدريجياً، مع عمل تمارين للاسترخاء Relaxation techniques ، وبالتالي أنصحك أن تتوجهي للعلاج حتى يمنّ الله عليك بالشفاء.