الدمية الشقية والانحياذ للذكور
أخيرا وجدت من يتحدث بلغه تشابه نوعا ما لغة أفكاري... حينما طرحت موضوعا شبيه بهذا واجهني المناقشون بالانتقاد وكأنني خرجت عن الملة أو كفرت...
قرأت ردك أ. ر فيف لكن للأسف لم يكن جوابا شافيا مدعما بالبراهين...
قرأنا في كتب عن بداية الخليقة وكيف أن الأرواح وعدت الرب بالعبادة لكن لماذا لا نتذكر ذلك ونحاسب على أشياء ليست في ذاكرتنا ولا حتى موجودة في العقل الباطن؟
الأخت الدمية الشقية تتساءل لماذا خلقت امرأة؟
وأنا أتساءل لماذا خلقت أصلا؟
من قال أنني أرغب بالوجود؟ ولماذا أتحمل تبعات ذنب أبينا آدم وهو من سيتخلى عنا يوم الحساب ويقول نفسي نفسي؟
عزيزتي أ. رفيف... أؤمن بالله وأؤمن بالملائكة وبالكتب والرسل ويوم القيامة، لكن لم أصل لدرجة الإيمان بالقضاء والقدر لأن فيه تناقضات كثيرة, أولها أن الأقدار كُتبت قبل أن تخلق السماوات والأرض وقبل أن نخلق نحن, فلماذا كتب فلان شقي ويحاسب على شيء كتب قبل أن يخلق ويدخل النار.... ولماذا مثلا خلقني الله في مجتمع لا أرغبه وجعلني ابنة أشخاص اختارهم هو وسمموا حياتي وتحملت ذنبا هم سببه وسيعاقبني الله على هذا الذنب وربما أدخل النار بسببه.. أليس هو من وضعني بينهم كمن يضع النار بالهشيم وكان يعرف نتيجة ذلك؟
لو استمررت بالكلام فلن أنتهي ولكن يبقى أن هناك تناقضا كبيرا فيما وصل إلينا وانحياز من قبل الذكور في تعظيم شأنهم وتهميش دور المرأة وإن كنت راغبة في مثال على ذلك فإليك كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين, المخاطب فيه الذكر والأحلام ثلاثة أرباعها موجهة للذكور وتفسيرها للذكور وكأنه لا يحلم ولا يطلب التفسير إلا الذكور. وهناك تقصير أكبر في شرح أصول الحقيقة من قبل علماء الدين الذين يسكتوننا دوما بأستغفر الله, ووسوسة شيطان ويكتفون بأمور ثانوية ويعظمون شأنها مثل شرب الخمر والحجاب وغيره بينما يتركون الأصل وهو حقيقة وجودنا ولماذا وجدنا؟
يقولون لعبادته، حسنا, لكن لماذا نعبده؟
أين التفكر والتدبر؟
نريد أن نعرف الله وأن نعبده عن معرفة لا عن شيء متعارف عليه
أؤمن بأن الله لم يخلقنا عبثا ولم يجبرنا على عبادته حبا في إظهار عظمته, فالله منزه عن ذلك, لكن رغم إيماني لا أجد أجوبة مقنعة مما جعل ديني يختل ودين غيري ممن هم مثلي.
وشكرا
25\6\2009
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله؛
أشكرك ثم أشكرك، ثم أشكرك أختي "حطام فتاة" ذلك أنك ممن أعمل عقله ليتعلم في زمن خدر الناس فيه عقولهم جبراً عنها.. وأوافقك القول تماماً بأن الأهم بيان العقائد ومعرفة الله عز وجل، وأصل الوجود، ثم بعد ذلك ما يتفرع عنه من وجوب الطاعة والعبادة، فالإسلام جاء أولاً مطالباً العقل أن ينظر ويتفكر ليصل إلى معرفة خالقه عن دليل وبرهان، ثم بعد ذلك يتجه إلى طاعته عن قناعة بأنه أهل لأن يطاع ويعبد، فمن يصلي وهو يعلم إلى من يتجه في صلاته، ومن هو الذي يقول له: ((الحمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ)) ليس كمن يصلي ولا يعرف لمن يصلي؟ أو من يخاطب في صلاته وقراءته؟ ولكن إن كان هناك تقصير من علماء الدين، فهناك تقصير مقابل أشد من سائر الناس إذ لا يسعون للبحث عن مجالس العلم ليتعلموا شؤون دينهم التي فيها نجاتهم في الدنيا والآخرة، ويريدون أن يحصّلوا العلوم، والدنيا والآخرة بما فيها من نعيم، بضغط زر يشغلون به التلفاز من بعيد! ولو أن أحدهم تكلف من الجهد في البحث عن دينه كالجهد الذي يتكلفه إن أراد شراء حذاء –أجلكم الله- لنال من العلم والخير الشيء الكثير...
وقد نص العلماء –بالنسبة للعقائد- على أنه يجب على المكلف أن يعرف الله عز وجل وما يجب في حقه وما يستحيل وما يجوز، وكذلك عليه أن يعرف مثل ذلك في حق الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهذه المعرفة يجب أن تكون عن دليل (وإن كان الدليل بسيطاً)، فأما من قلد في إيمانه أهلَه ومن حوله على أنه –كما ذكرتِ- أمر متعارف عليه، فإنه إن كان ضعيف العقل جداً ويعجز عن فهم الأدلة فهذا يقبل منه الإيمان عن طريق التقليد بشرط أن يكون جازماً به، بحيث لا يشك ولا واحد بالمئة في وجود الله عز وجل أو في أنه متصف بصفات الكمال ونحو ذلك مما يجب معرفته...
أما من كان مثلك أختي الكريمة –ومثل أغلب الناس- أي قادراً على معرفة الله عز وجل بالدليل، فتقليده في الإيمان عصيان، أي أنه يكون مؤمناً عاصياً إذا قلد...
فالله عز وجل لما خلق الإنسان عاقلاً حراً مختاراً، كرم فيه ذلك العقل والاختيار فأمره أن يعملهما ويبني حياته باختياره على ما يدله عليه عقله لا على تقليد أعمى للآخرين...، وكل من كان عنده عقل ثم لم يعرف الأدلة على وجود الله أو الكون وما إلى ذلك... يظل معرضاً لشبهات تدخل عليه تزعزع إيمانه، وحينئذ يصبح من الواجب عليه أن يبحث عن دليل يدفع به الشبهات عن قلبه... فضلاً عن أنه بالتقليد، قد حرم عقله من أجمل شيء في الحياة وهي معرفة الله عز وجل والتفكر بآلائه وصفاته العلية...
لهذا أشكرك مرة أخرى على سعيك لمعرفة أجوبة ما يدور في عقلك من أسئلة وشبهات...
1- أجيبك عن سؤالك الأول الذي كان دائماً يدور في ذهني إلى أن طلبت العلم وعرفت جوابه!! لماذا لا نتذكر العهد والميثاق الذي أخذه الله تعالى منا عندما خاطب أرواحنا قائلاً: ((ألست بربكم))؟ فقلنا: ((بلى))؟!
والجواب عن هذا: أنت تعلمين أننا ندرك الأشياء من حولنا بواسطة الحواس فنبصر الأشياء ونسمع الأصوات، ونتذوق الطعوم وكذلك نشم الروائح ونشعر بما نلمسه... وهذه الأشياء التي أدركناها بحواسنا تذهب إلى الدماغ فتخزن في الذاكرة، ثم نحن بعد ذلك نستعيدها من الذاكرة إذا أردنا.... والآن أسألك: هل كانت الحواس التي تنقل المدرَكات إلى الدماغ موجودة ومخلوقة يوم أخذ الله تعالى الميثاق منا؟ أم هل كان الدماغ الذي يخزن في ذاكرته موجوداً؟ ستجيبين: طبعاً لا!! فأقول لك: إذن كيف يمكننا أن نستخرج من ذاكرة دماغنا هذا الميثاق وهو لم يكن مخلوقاً ولم يخزن ذلك الحدث في داخله؟؟ ستسألين: إذن لماذا نحاسب على ما لا نتذكره؟؟
والجواب: إن الله تعالى عندما أخذ الميثاق منا، أخذه من أرواحنا، فهذا الميثاق وإن كنا لا نستطيع مطالبة دماغنا بتذكره، إلا أنه موجود في ذاكرة أرواحنا ونستطيع أن نشعر به تماماً... أترين عندما يجلس الإنسان متفكراً في هذا الكون في لحظة صفاء؟ أترين عندما يسمع كلاماً عن الله عز وجل وصفاته وحبه ورحمته؟ أترين عندما يقف خلف الإمام في ليلة من ليالي رمضان المبارك فيسمع التلاوة وينتشي طرباً؟ هذا الطرب وهذه النشوة التي نشعر بها عند تفكرنا، أو صلاتنا، أو سماعنا شيئاً عن الله عز وجل هي الميثاق الذي أخذ الله تعالى منا...! فالروح عندما يصلها شيء يتعلق بالله عز وجل من خلال منافذ الإدراك تعود بذاكرتها إلى ذلك الميثاق الذي أخذه الله تعالى منها، وتتذكر خطاب الله تعالى لها فتنتشي طرباً لذلك الخطاب الذي خاطبها الله عز وجل به، وتحن إلى خالقها ومولاها وإلى الرجوع إليه ومخاطبته...
وهذا الحنين والنشوة يدركهما كل إنسان، مؤمناً كان أم كافراً، إذا حاول إعمال عقله -الذي وهبه الله تعالى إياه وجعله أساس التكليف-، فيستطيع من خلال إعمال العقل والتفكر في ذاته، وفيما حوله، أن يوصل إلى روحه ما يذكره بميثاق الله تعالى ويدفعه إلى الإيمان، فإن كابر ذلك الميثاق الذي يحس به، ودعوة الله تعالى التي جاءته عن طريق الرسل، واستمر على العصيان فإن الله تعالى حينئذ يحاسبه على مكابرته ويعاقبه بما يستحق...
2- ثم تعترضين على خلق الله لك وتقولين: (من قال أنني أرغب بالوجود؟)
وأنا أسألك: أين كنت قبل أن توجدي حتى يسألك الله تعالى هل تريدين أن توجدي أم لا؟! وكيف تريدينه –بعد أن أوجدك- أن يسألك: هل تريدين أن أوجدك أم لا؟! ثم من قال أن لإرادتك في هذا دخل أو رأي؟؟ إنه لما كان لا وجود لنا قبل خلق الله تعالى لنا، فإنه كذلك لا وجود لإرادتنا قبل أن يهبنا الله تعالى إياها فليس لنا أن نستخدم ما وهبنا الله تعالى إياه لنسأله: لم فعلت ولمَ لمْ تفعل؟؟ إن الله تعالى ما وهبنا التفكير والإرادة لنتطاول بهما عليه، بل لنصل بهما إليه!! وعلى كل حال: نحن وجدنا وانتهى الأمر سواء أعجبنا أم لم يعجبنا، وليس أمامنا إلا الامتثال لأمر الله تعالى فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط!
3- ثم تقولين: (ولماذا أتحمل تبعات ذنب أبينا آدم وهو من سيتخلى عنا يوم الحساب ويقول نفسي نفسي؟)
ومن قال أنك تتحملين تبعات ذنب أبيك آدم؟ إن الله تعالى أوجدك على الأرض وسيسألك عما فعلته فقط وليس عما فعله أبوك! وأنبهك إلى أمر: إن وجودنا على الأرض كان مقرراً قبل خلق آدم عليه السلام، فقد قال الله تعالى للملائكة قبل أن يخلقه: ((إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)) [البقرة:30]، إذن نحن مخلوقون لنكون في الأرض، ويبتلينا الله تعالى وينظر ما نحن فاعلون، وإنما كان إسكان آدم في الجنة أول أمره ليكون فيما فعله من مخالفة الأمر وهبوطه إلى الأرض درساً لنا نتعلم منه أن إبليس عدونا فلا نطيعه كي لا يحل بنا ما حل بأبينا، وكذلك لنشعر بمرارة الندم على الذنب الذي يكون سبباً لحرماننا من النعيم، ثم لنتعلم التوبة والإنابة إذا ما أخطأنا، ونعلم أن الله تعالى يغفر لنا إذا ما تبنا، ونحن –ولا ريب- بحاجة لنتعلم من هذا الدرس طيلة حياتنا...
ومما يشير إلى أن الله تعالى لم يخلق آدم ليكون في الجنة قوله عز وجل: ((وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ)) [البقرة:35]. فلو كان سيدنا آدم عليه السلام خلق أساساً ليكون في الجنة ويخلد فيها، لما نهاه الله تعالى عن الأكل من الشجرة؛ إذ الخلود في الجنة يقتضي ألا يكون فيها أمر ولا نهي ولا عقاب عند المخالفة! ويقول المفسرون كذلك: إن إهباط الله تعالى لأبينا آدم لم يكن عقوبة له على ذنبه، لأنه قد تاب عليه قبل ذلك، ولكنه كان لحكمة أرادها وهي وجود أبنائه على هذه الأرض واختبارهم وكانت مخالفته سبباً جعله الله لذلك لا أكثر...
4- وقلت: (لكن لم أصل لدرجة الإيمان بالقضاء والقدر لأن فيه تناقضات كثيرة، أولها: أن الأقدار كُتبت قبل أن تخلق السماوات والأرض وقبل أن نخلق نحن، فلماذا كتب فلان شقي ويحاسب على شيء كتب قبل أن يخلق ويدخل النار؟). وهو سؤال يعترض فكر أكثر الناس، ولعلك تشيرين في كلامك إلى الحديث الصحيح الذي رواه عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا، فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ. ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّة)).
وقبل أن أجيبك أضرب لك هذا المثال: أرأيت لو أن أستاذاً في صف، كان لديه طالب مجد نشيط يدرس ويذاكر، ويشارك في الصف...، وآخر كسول خمول لا يكتب واجباً، ولا يحفظ درساً، ولا يحسن جواباً، وهو مع ذلك كثير الشغب وعلامات الإهمال عليه ظاهرة بادية....، هذا الأستاذ نظر في حال الاثنين فتوقع نهاية كل منهما، وأخذ ورقة، فكتب عليها: فلان النشيط ناجح، وفلان الكسول راسب... وفعلاً، في آخر العام نجح ذلك المجد، ورسب المهمل! فهل تعتقدين أن الأستاذ عندما كتب على الورقة نتيجة كل منهما كان هو السبب في نجاح هذا ورسوب ذاك؟؟ أم أنه علم ما سيؤول إليه حالهما بسبب ما ظهر من أعمالهما، فكتب ما يعلمه عنهما فقط؟ لا شك أن الأستاذ لا دخل له، وأن كلا الطالبين قد وصل إلى نتيجته باختياره وإرادته. ومن خلال هذا المثال أشرح لك الجواب:
تعلمين أن لله تعالى صفات يتصف بها، كالقدرة والإرادة، والحياة...، ومن صفاته أيضاً: العلم: وهي صفة قديمة مثله سبحانه، بمعنى، أن الله تعالى قديم ليس لوجوده بداية، وكذلك صفاته التي يتصف بها قديمة منذ الأزل ليس لها بداية...، وصفة العلم هذه تتعلق بالأشياء -حتى قبل أن توجد تلك الأشياء- فتحيط بها وتكشف أحوالها منذ الأزل دون أن يسبقها جهل، فالإنسان يكون جاهلاً ثم يتعلم فعلمه يسبقه جهل، أما الله عز وجل فعلمه منذ الأزل ولم يسبقه جهل، وهو يعلم كبير العلوم وصغيرها، بل ودقائقها....
والله تعالى كما تعلمين خلق الإنسان مختاراً وبين له الخير والشر وقال له: إن آمنت وأطعت فلك الجنة، وإن كفرت وعصيت فلك النار، ثم أنت حر باختيار أحد الطريقين... وفعلاً، الإنسان حر فهو يختار ما يريد ويقوم بأفعاله بإرادته...، ولكن الله تعالى لما كان عالماً من الأزل بكل شيء مهما دق أو خفي، فإنه يعلم أن فلاناً من الناس سيختار الضلال، وأن فلاناً من الناس سيختار الهدى قبل أن يوجدا، وعندما يأمر الملك بأن يكتب (شقي أو سعيد) فإنه يأمره بكتابة ما يعلمه من اختيار هذا الإنسان أو ذاك، كما فعل الأستاذ عندما كتب نتيجة الطالبين في المثال السابق –ولله المثل الأعلى- وبما أن علم الله تعالى لا يمكن أن يخطئ فلا بد من وقوع الأمر على ما علمه سبحانه من الأزل وإن كان مخالفاً لما يراه الناس من حال الشخص في أول الأمر، ولا يعني هذا أبداً أن ما كتبه الله تعالى كان سبباً في شقاء فلان، أو في سعادة فلان...، بل كل من الشقي والسعيد اختار السعادة أو الشقاء بملء إرادته، وكل منهما سيحاسب على اختياره الذي اختاره لنفسه...
5- وقلت: (ولماذا مثلاً خلقني الله في مجتمع لا أرغبه وجعلني ابنة أشخاص اختارهم هو، وسمموا حياتي وتحملت ذنباً هم سببه، وسيعاقبني الله على هذا الذنب وربما أدخل النار بسببه... أليس هو من وضعني بينهم كمن يضع النار بالهشيم وكان يعرف نتيجة ذلك؟)
إن اعتراضك على قدر الله تعالى سببه فهمك الخاطئ له، لا أحد في هذه الدنيا له يد في اختيار أمه أو أبيه أو مجتمعه، لذلك لن يسأل الله تعالى أحداً يوم القيامة لماذا أنت ابن فلان ولماذا لم تكن ابن فلان، وكذلك لا أحد يسأل عن ذنب أحد ولا يتحمل ذنب أحد، ولا أحد يكون سبباً في دخول أحد آخر في النار دون إرادة من ذلك الآخر، فهذا الصحابي الجليل عكرمة بن أبي جهل، أبوه كان أعدى عدو للنبي صلى الله عليه وسلم، ومن لا يعرف أبا جهل وما فعله؟! لكن كفر أبي جهل وعداوته لم تمنع ابنه من كرامة صحبة النبي صلى الله عليه وسلم ودخول الجنة... اعلمي أن كل قدر لا دخل لك فيه فلا تحاسبين عليه ولكن تحاسبين على عملك الاختياري الذي يترتب عليه...، فلا أحد يحاسب على قبحه ولا جماله، ولكن يحاسب على كيفية تعامله مع هذا القبح أو ذاك الجمال...، ولا أحد يحاسب على وجوده في مجتمعه الذي يعيش فيه ولكن يحاسب على طريقة تعامله مع ذلك المجتمع...، ولو قصر أهلك تجاهك وفعلوا أشياء أدت إلى وقوعك في الذنوب، فهم محاسبون على تقصيرهم، وأنت محاسبة على ما كان باختيار منك من الأفعال، أما ما حصل لك بسببهم دون اختيار أو رضاً فهذا لا تحاسبين عليه... إنك تتعاملين مع الله ولا يخفى عليه ما كان بتقصير منك، وما كان رغماً عنك... وغداً لن ينفعك، أهلك ولن ينفعك تملصك من المسؤولية بإلقاء اللوم عليهم، لكن إن أتيت الله طائعة تائبة فسيقبلك ويغفر لك أياً كان أهلك ومن حولك..
ولا أدري لماذا تصرين على أن تجعلي الآخرين سبباً لكل فشل في حياتك؟ ولا أدري لماذا لا تكونين شجاعة تتحملين نتائج أفعالك وتعترفين بتقصيرك، ثم تحاولين التصحيح بعد الاعتراف؟... لا يوجد أحد على وجه الأرض يعيش حياة مثالية -حتى من يبدو لك كذلك- وكل واحد مطالب بطاعة الله تعالى حسب وضعه الذي هو فيه، والدنيا عبارة عن امتحان كبير ولكل إنسان أسئلته الخاصة به والتي تختلف عن أسئلة من سواه، والناجح الذي يعرف كيف يجيب عن أسئلته الخاصة به على ضوء أحكام الله عز وجل... وسأضرب لك مثالاً وإن كان لغير مسلم، ما رأيك بالرئيس الأمريكي الجديد؟ هل أعاقه أصله الإفريقي أو طلاق أمه، أو سفره إلى إندونيسيا وعيشه في كنف زوج أمه، أو موت أمه وحياته في المجتمع الأمريكي المتفلت، هل أعاقه كل ذلك عن بلوغ أعلى المراتب في مجتمعه؟ إذن: الأمر معلق بذات الشخص وعمله وليس بمن حوله، وفي الإسلام لا يشترط أن تصبحي رئيسة دولة حتى تكوني ناجحة وإنما يكفي أن تبذلي جهدك في طاعة الله تعالى في الوضع الذي أنت فيه حتى تنجحي عند الله عز وجل، فباب النجاح والنجاة مفتوح أمام الجميع كائنين من كانوا!...
6- وقلت: (لو استمررت بالكلام فلن أنتهي ولكن يبقى أن هناك تناقض كبير فيما وصل إلينا وانحياز من قبل الذكور في تعظيم شأنهم وتهميش دور المرأة وان كنت راغبة في مثال على ذلك فإليك كتاب تفسير الأحلام لابن سرين، المخاطب فيه الذكر و الأحلام ثلاثة أرباعها موجهه للذكور وتفسيرها للذكور وكأنه لا يحلم ولا يطلب التفسير إلا الذكور).
وجواب هذا: -إذا كان الذكور يخالفون أمر الله تعالى ولا يعاملون المرأة كما أمرهم الله تعالى، فنحن نحاسب الذكور على عدم طاعتهم، لا نتوجه باللوم على الله تعالى الذي سيحاسبهم أيضاً على ما فعلوا يوم القيامة!!
وبالنسبة لتفسير الأحلام: صحيح أن ابن سيرين كان مفسراً للأحلام ولكن الكتاب الذي في الأسواق باسمه، لا تصح نسبته إليه، فهو لم يؤلف كتاباً في تفسير الأحلام...
وعلى فرض صحة نسبة هذا الكتاب إليه، فإنه من المعروف أن صيغة المذكر يدخل فيها الرجال والنساء، وما رأيك بقوله تعالى: ((وأقيموا الصلاة))، هل يعني هذا أن النساء معفيات من الصلاة لأنه تعالى ما قال: (وأقمن الصلاة)؟؟ فإذن إذا ورد في تفسير الحلم أن من رأى كذا فإنه زوجة صالحة –مثلاً- فرأت الرؤيا امرأة، فيمكنها أن تؤول ذلك بالزوج الصالح، وهكذا... وليس من الضروري أن يفرق في كل حلم بين الرجال والنساء.
وأخيراً: فإن الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فغيري الاسم الذي اخترته لنفسك لأنه سيؤثر عليك فيزيدك إحباطاً وتحطيماً، وغيري نظرتك للحياة إذ تلقين اللوم على كل من حولك إلا نفسك! تلومين العلماء، وسيدنا آدم، وأسرتك، والذكور، ثم تعترضين وتلقين باللوم على الله تعالى وقدره!! متى تتحركين إن لم تعترفي أن العربة التي تقودينها تحتاج إلى وقود وإصلاح؟! متى تتحركين إذا كنت مصرة على أن تلقي باللوم على الطريق الذي لم يُعبّد وفقاً لأرقى مقاييس تعبيد الطرق؟! نحن لا نملك تغيير غيرنا لهذا إن وضعنا اللوم عليهم –في مصائبنا- لن نزدد إلا اكتئاباً لأننا سنشعر بالقهر والعجز، وفقد القدرة على التغيير، حاولي أن تغيري من طريقة تفكيرك، وأن تقتنعي أنك قادرة على فعل الكثير وستعلمين حينها أن الله تعالى قد فتح لك –بقضائه وقدره- كثيراً من أبواب الخير والنجاح في الدنيا والآخرة...ويتبع>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> الدمية الشقية والانحياز للذكور مشاركة 2