الدمية الشقية والانحياز للذكور مشاركة 1
"إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"(المائدة:118)
سيدتي الفاضلة،
إن ما نحن فيه من معاناة ليس سببها إلا البعد عن الله عزّ وجلّ. يقال أن ذهب ذات مرة رجل لحلاق، حين بدأ الحلاق العمل بدأ معه الكلام عن عدم اقتناعه بوجود الله وكيف يوجد والناس بكل هذه المعاناة؟ فصمت هذا الرجل حتى خرج من المحل وهو لا يعرف كيف يرد حتى تقابل في طريقه برجل شعره قبيح وكثيف فقال للحلاق إنه لا يوجد حلاق في الدنيا، فإن كان يوجد حلاق فكيف يوجد هذا الرجل القبيح؟! فرد عليه الحلاق قائلاً: "هو لم يأتِ لي كي أهذب شعره" فضحك الرجل وقال "هل ذهبت إلى الله حتى تخف من هذا الألم!".
إني أنصحك بالعودة إلى الله والنظر إلى قصة سيدنا موسى حينما طلب الله عزّ وجلّ من أم سيدنا موسى أن تلقي به في اليم كي ينجو، فكري في هذه الحكمة بشدة كيف لينجو من الموت أن ألقي بطفل في اليم -ربما يموت، ربما يأكله تمساح، ربما يغرق- ولكن هناك حكمة الله الذي يعلم بها الغيب ويعلم بها كيف تسير الأمور، فألقي به في اليم لكي ينجو ونحن نعلم بقية القصة.
سيدتي إننا نعاني من شيئين مهمين يجب أن نعترف بهما: وهي حدود عقولنا وقصر نظرنا كما أجاب الإمام أبي حنيفة عن كيف استوى الله على العرش فأجاب: "إذا استطعت أن تضع ماء البحر في هذا الكوب سيفهم الإنسان كيف استوى الله على العرش"، إذن عقولنا ضعيفة ومحدودة الفكر فكيف نقيم الله عزّ وجلّ ونحن لا نرى الحقيقة كاملة ولا نفكر في جميع الأبعاد بل نرى البعد الخاص بنا. أنت ترين معاناة المرأة، هل رأيت معاناة الرجل؟ هل رأيت كيف يعيش حياته؟ هل رأيت حقوقه وواجباته؟ إننا نعاني من خطأ مجتمع تائه في الطريق لم يصبح مجتمعاً غربياً بحرية الغرب أو مجتمعاً إسلامياً بالفكر الإسلامي، بل صار مجتمعاً يجمع جزءاً من الشرق وجزءاً من الغرب.
لا تذهبي عن الحل الوحيد في أسوء أزمان التاريخ وهو الزمن الذي نعيش فيه، وهي فترة الفتن والمعاصي التي بدأت من أكثر من مائة عام، حينما قلنا أن الكون خلق صدفة، وحينما عبدنا الشيطان ونحن نعلم أنه ليس من خلقنا، وحينما غيرنا سلوكنا بحجة أننا أحرار... نعم، إن الحل الوحيد هو الذهاب إلى الله والعودة إليه والرضى بما كتب وما قدم، وكما قيل في الأثر أنه بعد خلق آدم جمع الله عزّ وجلّ كل نسل آدم وخير لهم حياتهم وكل امرء اختار حياته، فهذه حياتك سواء اختارتها كما يقال أو قدرت لك، فهي حياتك لا تغيير لها... إذن كيف الحل؟ هل سنظل نلعن الظلام إن كان هذا ظلاماً؟ أم سنبحث عن النور لنخرج من الظلام؟ بالطبع سنبحث عن النور، ولن تجدي غير الرضى بقضاء الله نوراً تعيشي فيه إن مشكلة هذه الأيام هي الرضى بقضاء الله والاقتناع أن الخير ما نحن فيه لأننا لا نعلم ماذا سنفعل إن عشنا في غيره.
هداك الله إلى ما يحب ويرضى.
25/6/2009
* مصطفى محمد (مسئول مبيعات، 32 سنة، مصر)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
في البداية أشكر الأستاذة رفيف الصباغ على هذا الرد الرائع الذي استفدت منه كثيراً، ولي بعض الخواطر والتعليقات على هذه الرسالة.
هذه الرسالة هزت مشاعري ووجداني بقوة؛ فأنا أتعجب كيف يهتدي بعض النصارى والملحدين في الغرب إلى الله ودينه الحق بسبب نداء ما تبقى لهم من فطرتهم النقية التي فطرهم الله عليها وبالرغم من وجودهم في بيئة مادية تفسد عليهم هذه الفطرة وتبعدهم كل البعد عن التفكير في مثل هذه الأشياء وكذلك صعوبة فهمهم للغة العربية!.
وعلى النقيض من ذلك؛ كيف يصل الحال بالمسلم الذي عرف طريق الحق والنور ساطعاً أن يغمض عينيه عنه بهذه الصورة الفجة التي يصل في نهايتها إلي سبّ الله- تعالى الله عما يقولون علواً عظيماً!.
وأقول لهذه الأخت: هل هذا جزاء الله الذي أنعم عليك وأكرمك بالحياة؟ أريد منك أن تقارني معي هل الأفضل لك أن لم يخلقك الله أبداً أم أن يخلقك وتعيشين في هذه الدنيا فترة قصيرة لا تزيد عن مائة عام على الأكثر وتدخلي من بعدها الجنة إذا صبرت على طاعته، وعلى البعد عن معاصيه، وعلى بعض الابتلاءات، بجانب مغفرته لك الكم الهائل من الذنوب والزلات لعلمه بضعفك؟ إن الحياة في هذه الجنة ليست 100 عام ولا ألف ولا حتى ملايين ولا مليارات السنين بل إنها الخلود الأبدي لا تقارن أبداً بالفترة التي يعيشها الإنسان في الدنيا مهما كان فيها من بؤس وشقاء، بل إن الدنيا لا تساوي لحظة واحدة أو غمسة واحدة في الجنة، وكما في الحديث الشريف: "يؤتى بأشد الناس فقراً وبؤساً في الدنيا من أهل الجنة فيغمس في الجنة غمسة واحدة فيقال له، هل رأيت من بؤس وشقاء قبل ذلك؟ فيقول: والله ما رأيت بؤساً ولا شقاءً قط. ويؤتى بأنعم أهل الأرض من أهل النار فيغمس في النار غمسة واحدة فيقال له: "هل رأيت نعيماً قبل ذلك؟ فيقول: والله ما رأيت نعيماً قط." وأنت تقولين "فإن كنت مخطئة فسأدخل الجحيم بما جنت يداي" وتستسهلين دخول الجحيم كأنه أمر هين، لم ذلك والأمر كله بيديك؟.
أمامك خيارين لا ثالث لهما، إما أن تعيشي كما قلت "لن أعبد الله بعد الآن" وتقضين حياتك كما تريدين بالطول والعرض بلا وازع ولا رادع على أساس أن هذه الدنيا نهاية المطاف، ومع كل ذلك صدقيني لن تشعري بالسعادة ولا الراحة التي تريدينها لا في الدنيا ولا في الآخرة، وستصلين كما حكمت على نفسك في النهاية "فسأدخل الجحيم بما جنت يداي".
أما الخيار الثاني هو أن تعبدي الله وتطيعيه حتى وإن كان ذلك رغماً عن نفسك ووساوسك ومخالفة لإرادتك، حتى يهديك الله إلى الحق عن يقين وتعبديه بعد ذلك نتيجة لحبك له، ولأن حبه يملأ قلبك ففيك نفخة من روحه تتوق أن تتصل به دائماً وتعود إليه، وتصلين بهذا إلى الراحة والسعادة في الدنيا وإلى جنته ومستقر رحمته في الآخرة.
هذان خياران فاختاري لنفسك أي الدربين تسلكين!!! وتذكري دائماً "الدنيا مهما طالت قصيرة والصبر فيها جزاؤه الخلود في الجنة".
أنت تتذمرين وتتمردين لكونك امرأة وأن الله ظلمك بهذه الخلقة، وأقول لك من منا أو من بني البشر يرضى عن حاله؟! فالقصير يقول يارب لم خلقتني قصيراً، والطويل يقول لو كنت أقصر مما أنا عليه! والفقير يقول يا رب لم أفقرتني، والغني يقول يا رب لم جعلت فلاناً أغنى مني! فلو خلق الله الناس كلهم أغنياء لفسدت الأرض، فمن يعمل في النجارة وبناء البيوت وجمع القمامة ومن...؟.
ومن مات ولدها تقول يا رب لم أخذت فلذة كبدي؟، ومن ابتلي بمرض ما يقول ياربي لم بتليتني دون الناس؟ ومن خلق أعمى يقول يا رب لم خلقتني أعمى ولم تعطيني بصري؟ وهكذا كل الناس!.
فهل الله سبحانه وتعالى ظلم كل هؤلاء البشر؟ حاشا لله أن يكون كذلك، فالناس في الابتلاء درجات -وأشدهم ابتلاءً الأنبياء-، وهم في الجنة أيضاً درجات كل على قدر ابتلائه في الدنيا. فهل يرضيك لو كان خلقك الله رجلاً ولكن بيد واحدة أو قدم واحدة؟ أو أخذ بصرك أو سمعك؟ هل هذا أفضل لك أم تكوني امرأة كاملة التكوين أفضل؟.
أرأيت كيف أن الله أنعم عليك، ومن تعودك على النعمة لم تعودي تشعرين بها وأنك لو نظرت لغيرك ممن هم أقل منك في أمور الدنيا لوجدت نفسك أفضل حالاً من كثير منهم بما فيهم الرجال، فلم تنظرين إلى الجزء الفارغ من الكأس؟.
ولنناقش بهدوء ما يجعلك تنفرين من كونك امرأة: مثلاً الدورة الشهرية، هل نزول بعض الدم لمدة يومين أو ثلاثة في الشهر هو ما يجعلك تسخطين أو تنقمين؟ هل يمكن مقارنة هذا بشخص عنده مثلاً مرض السرطان أو الفشل الكلوي ويخضع كل فترة قصيرة لعلاج إشعاعي أو غسيل كلى، وما يصاحب هذه الأمراض من ألم شديد ينسي الإنسان الدنيا وما فيها؟.
أما بالنسبة للحمل والإرضاع والنفاس، فمع أن الحمل متعب والإرضاع مجهد إلا أن جلّ النساء يتمنونه ويستمتعن به ويتلذذن، فبدونه لا تشعر المرأة بالسعادة لأن هذه هي فطرة الله التي جبلهن عليها، فالمرأة هي التي تأتي بالنسل وتربي الرجال قبل الفتيات، ويا له من شرف ومكانة كبيرة كرم الله به المرأة. وأما النفاس فجعله الله لمصلحة المرأة حتى لا يقربها زوجها في هذه الفترة حفاظاً عليها وعلى صحتها ومراعاة لحالتها النفسية بعد تعب الولادة وآلامها.
أما بالنسبة لتعدد الزوجات: ماذا نفعل إذا زاد عدد الإناث على عدد الذكور فأصبحت مثلاً 1:2 أو 1:3؟ ولنفترض أن عدد الإناث أصبح 3 مليون والرجال مليوناً واحداً، هل تتزوج مليون امرأة وتبقى البقية بلا زواج، ونترك المجتمع إما أن تضرب فيه الفاحشة أو يسود فيه الحقد والحسد والكراهية بين نسائه؟ أم يحدث كلاهما؟ ثم ضعي نفسك مكان هؤلاء النسوة اللائي لم يتزوجن واحكمي بنفسك وهذا جانب واحد من جوانب الحكمة في إباحة التعدد.
أما بالنسبة لما تدعينه تفضيل الله الرجل على المرأة فلن أدخل هنا في تفصيل الأعباء الملقاة على كل طرف منهما، وجزى الله أ. رفيف فقد شرحت هذه النقطة ببراعة، ولكن ألاحظ أنك جعلت الرجل والمرأة خصمين أو نقيضين، في حين أن العكس هو الصحيح، فهما متكاملان يكمل أحدهما الآخر ولا يستطيع أحدهما العيش دون صاحبه، وانظري إلى قول رسولنا الكريم "النساء شقائق الرجال". واعلمي أن الله لا يفضل رجلاً على امرأة، كما أنه لا يفضل جنساً على آخر، ولا أبيض على أسود، ولا غنياً على فقير. إن الله عنده مقياس واحد وميزان واحد، قال تعالي "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا......"(الحجرات:13) وفي آخر الآية قال "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" إذن التقوى فقط هي المعيار وليس أي شيء آخر، والتقوى ببساطة هي طاعة الله والبعد عما نهانا.
إني أشعر يا أختي أنك من كثرة النعم التي أنت فيها تفكرين في هذه الأمور التي أحسب أنها ليست مشاكل كبيرة كما تدعين، فلو نظرت مثلاً إلى أحوال من هم أقل منك مثل اللاجئين: أناس يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، لا يجدون ماءً ولا طعاماً ولا دواءً، تفترسهم الأمراض رجالاً ونساءً على السواء، فلو وضعت لا قدر الله في مثل هذه الظروف لما خطر على بالك ما قلت من هذه الأمور، فاحمدي الله على ما أنت فيه ولا تسخطي، فمن رضي فله الرضى ومن سخط فعليه السخط.
إن أشد ما أجد في كلامك هو الإساءة إلى الله والتطاول عليه، ولكن أحسب أن الشيطان هو الذي سوّل لك هذا، والله لو تعلمين كم يحبك الله لما أخطأت هذا الخطأ. وأحسب أيضاً أن بداخلك خيراً كثيراً، وأن فطرتك السليمة هي التي دفعتك للصراع مع نفسك، فقلت مثلاً "لكن جزءاً مني ما زال يبكيني حزناً عليّ أن أكفر بالله بعد أن كنت أراه في كل شيء" وقلت أيضاً "أسألكم دعوة مخلصة بظهر الغيب أن يردّني الله إليه ولكن للحظة يقبض روحي بعدها فلم تعد بي إلى الدنيا حاجة".
إذن أنت الدنيا لا تساوي عندك شيء فلم كل هذا العناء الذي أدخلت نفسك فيه طالما غايتك هي رضى الله عنك؟ إذا كان الله ابتلاك كامرأة كما قلت ببعض الأشياء التي أحسبها ليست عظيمة أفلا تتحملين من أجله هذه الأشياء التافهة في الدنيا إلى أن تلاقيه في الآخرة وتنظري إلى وجهه الكريم وأنت فرحة مسرورة بما أكرمك من نعيمه؟ أليس هو حبيبك؟ والله حبيبك الذي خلقك فأحسن خلقك وخلقك في أحسن تقويم وأكرمك وأنعم عليك بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، وأنعم عليك بالهداية إلى دينه الحق الإسلام وحفظ لك كرامتك؟.
إن الإنسان إذا أحب إنساناً مثله تحمّل من أجله الكثير من الصعاب والمشاكل والآلام، بل إنه يدافع عنه حتى يموت من أجله ويدفع حياته حباً له، فكل ذلك دون مقابل، ألا نتحمل نحن ما نحسبه ابتلاء من أجل حبيبنا وخالقنا وموجدنا في هذه الحياة؟ وفي هذا نتحمل البسيط لأجل مقابل غالٍ جداً هو الخلود في الجنة بلا دورة شهرية ولا غشاء ولا حمل ولا ولادة ولا نفاس ولا أدنى مظهر من مظاهر التعب! بل مع وجود كل أنواع اللذائذ حتى التي كانت محرمة علينا في الدنيا، بل مع لذائذ ومتع جديدة يستحدثها الله من أجلنا.
وأخيراً أيتها الأخت الفاضلة، أريد أن أضرب لك مثلاً أخيراً أوضح لك به كيف أن الله أرحم بنا من أمهاتنا وآبائنا بل من أنفسنا: إذا أخطأت صديقة لك في حقك وسبتك مثلاً أو قالت لك كلاماً جارحاً أو استهزأت بك وسط الناس، فماذا يكون رد فعلك. -هناك أناس يقتلون بسبب كلمة- من المحتمل ألا تغفري لها أبداً ما فعلت معك، حتى إذا اعتذرت لك مراراً قد لا تسامحيها، ولو صفحت عنها فإنك لن تنسي ما فعلت مع مرور الزمن. ولله المثل الأعلى، فالإنسان يسب الله ويشتمه والعياذ بالله وهو الله خالقه بل خالق كل شيء ومع ذلك مهما فعل الإنسان من تلك الذنوب ثم رجع إلى ربه يتوب إليه، فإن الله يغفر له هذا الذنب، بل هناك ما هو أكثر من ذلك أن الله يُنسي الملائكة الكتبة هذا الذنب، بل هناك ما هو أكثر يبدل الله هذه الذنوب التي ارتكبت في حقه حسنات وهو الله الغني عن كل عباده، فهل رأيت من يفعل ذلك إلا الله.
أنصحك أختي أن تشاهدي حلقات الشيخ عمرو خالد التي هي بعنوان "باسمك نحيا" التي يشرح فيها أسماء الله الحسنى كي نعرف من نحب فكيف نحب الله ونحن لا نعرفه. كما أنصحك بقراءة كتاب "لا تحزن" للشيخ عائض القرني فهو كتاب رائع حقاً لا يعرف قيمته إلا من قرأه.
أنا واثق أنك ستعودين إلى طريق الله وحبه ودينه أكثر مما كنت بكثير، فأنت في مرحلة مخاض مع نفسك ومرحلة ميلاد جديد تصلين بعدها إلى يقين لم تصلي إليه من قبل، واسألي الله بصدق أن يدلك عليه فلن يضيعك ما دمت صادقة.
أسأل الله أن يهديك إلى طريق معرفته، وإلى الحق والنور، وإلى راحة البال والطمأنينة والسكينة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله.
27/6/2009
* كريم جابر (طالب، 19 سنة، مصر)
أتعاطف مع صاحبة المشكلة والمأزق الذي وضعت نفسها فيه، وأشكر الرد الوافي للمستشارة.
لقد حوّلت الدمية الشقية العقبات والمشاكل التي تواجها في الحياة سواء كانت امرأة أو رجلاً إلى أشياء لا دخل لنا فيها، وأن القدر يتلاعب بنا مثل عرائس الخشب ونحن غير مشاركين في هذه الأحداث سواء في الخير أو الشر، فهي رفضت أن تلوم نفسها على خطأ فعلته أو مشكلة لا تجد لها حلاً فقررت أن تختار الطريق السهل فتلوم الخالق لأنه خلق! وجدت له الأسباب المقنعة لها بذلك، ورغم استشهداها بمقولة للدكتور مصطفى محمود في كتابه الذي يرد على الوجودية وإنكار وجود الله إلا أنها وجدت الحل السحري هو (لن أعبد الله بعد اليوم) فهو المسؤول عن كل شيء! هي الآن لن تصلي ولن تصوم ولن تقوم بأي سخافات!.
صاحبة المشكلة حولت المشاكل لها مع بعض الرجال -وإحساسها قد يكون صحيحاً، فهناك تحيز في بعض المجتمعات للرجل، خاصة المجتمعات الشرقية- وقررت أن تلوم الخالق وليس المخلوق! أسقطت فعل الإنسان على الله تعالى سبحانه عن ذلك، وليس غريباً أن تصل إلى هذه الحالة ففي أغلب المسلمين -خاصة الرجال ممن يسجلون كمسلمين في البطاقة فقط- لم يعرفوا حقوق المرأة عليهم، وأن الله سبحانه أعطى لهم بعض الحقوق أو التي يظنه البعض امتيازات، ولكنهم مارسوا هذه الحقوق دون أن يفعلوا ما عليهم، فخرجت علينا المطالبات بحققوقهن -في الغرب أو الشرق- وتطرفن أكثر من الرجال أنفسهم، أنا أرى أن هذا هو جوهر المأزق الذي تعانيه صاحبة المشكلة وليس أنها تشك في الإيمان بالله ووجوده، فقد تكون مؤمنة به أكثر منّا جميعاً ولكنها أخذت السوء الذي يفعله بعض البشر في هذا العصر العجيب -عصر الجاهلية الثانية- ونسبتها إلى الخالق! أقول لها استغفري الله وأنا متأكد من أنك سترجعين عن كل حرف كتبته، وسأدعو لك بالهداية إلى الطريق الصحيح.
27/6/2009
* روعة (طالبة، 20 سنة، المغرب)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بمجرد قراءتي لهذه المشكلة أحسست بواجب الرد أو المشاركة؛ فالدين النصيحة، وحاولت ما أمكن أن أقوم بعمل يبقى بعد وفاتي أحاول فيه أن أدعو لله الواحد الأحد العادل الحكيم وعلى كل شيء قدير.
أعتقد أن رد الأخت المستشارة شاملاً، لكن كما قلت حاولت المشاركة بما أمكن.
تساءلت الأخت الكريمة عن أن الله خلقنا عبثاً، وهو القائل عزّ وجلّ في سورة الملك: ((تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ))(الملك:1،2)، وهذا يعني أن الله لم يخلقنا عبثاً ولكن لنعبده من أجل دخول الجنة ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ))(الذاريات:56).
فعندما نقول أن الله خلق الشمس فلغاية هامة لم يخلقها عبثاً، وعندما خلق الماء لم يخلقه عبثاً، وكذلك عندما خلق الإنسان لم يخلقه عبثاً، فقد أكرمه وميّزه عن الحيوان بالعقل.
أما عن قولها أن الله منحاز إلى الذكور أو أنه ظالم؛ فإن الله جعل جزاء العمل الصالح والطالح واحداً بالنسبة للرجل والمرأة على السواء، ولم يأمر بأن تجلد الزانية 200 جلدة وأن يجلد الزاني 100 جلدة... ولم يقل أن جزاء الرجل في الجنة ضعف جزاءها فيها... وها هو الرسول عليه السلام يقول ''أول من يمسك بحلق الجنة أنا فإذا امرأةٌ تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي قلـت: مـن هذه يا جبريل؟ قـال: هـي امرأةٌ مات زوجها وترك لها أولاداً فأبت الزواج من أجلهم''....وها هو عليه السلام يوصي بالرحمة بالنساء، وكانت أخر وصيته في الدنيا ''الصلاة وما ملكت أيمانكم''.
إن الله سبحانه وتعالى كرّم المرأة بعدما كانت توأد في التراب من دون ذنب، وأي تصرف أحسست به يا أختي بالظلم فمصدره ليس الخالق وإنما المخلوق الذي تجبر وعتا.
أما عن قولك بأنك لعبة في يد الأقدار، فإن الله هو من قضى قدرك وقدر كل مخلوق متى يولد ومتى يموت، رزقه وكل شيء عنه، فإن الله العادل هو من اختار لك قدرك وهذا يعني أنك لست لعبة بيد الأقدار ولكنك مخلوق لن يحصل لك إلا ما كتب الله، وها هو الصادق الأمين يقول ''واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطئك لم كان ليصيبك''، وكلام الله ((قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا....))(التوبة:51).
أما عن تساؤلها عن الحكمة، فإن هناك أحداثاً تحصل لا نعرف حكمتها أو لم كانت، ولكن نكتشف هذه الحكمة بعد مرور سنين طويلة وربما نكون نسينا الحدث،..((فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا))(الشرح5،6) فقد يكون هذا العسر الذي ترينه الآن متمثلاً في الحدث الذي كنت لا تريدينه في حياتك، مجلبة لخير كثير أو دفعاً لشر كبير كنت عاجزة عن اكتشافه فنجاك الله منه. وها هو عالم الغيب والشهادة، الحكيم القادر يقول في كتابه الكريم ((.... وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ))(البقرة:216).
أما عمّا لحق بالمرأة من حيض ونفاس وولادة... فإنها أشياء لا تكتمل أنوثة المرأة إلا بها، وأعتقد أن أنثى تشعر أنها أنثى أكثر في أوقات الحيض والحمل، لأنها أمور تتميز بها عن الرجل! فالحيض خلق ليكون غداءً!!! للجنين قبل بروز المشمية، والحمل كان لصيقاً بالمرأة لأنها طاقة من الحنان ولها قدرة كبيرة على الصبر على صراخ الرضيع أو حتى هجرها للنوم من أجل أن ترى فلذة كبدها يرضع ليكبر أمامها، وترى بذرتها تنمو وتكبر في الحياة.
وهذه الطبيعة جاءت مناسبة مع أعمال المرأة، فنادراً ما نرى المرأة تعمل في الجزارة أو الحدادة، هذه الأعمال تتطلب قوة جسدية وقلباً أكثر صلابة، وغالباً ما نراها كممرضة أو مربية لأنها مهن تحتاج إلى لطف وحنان.
أما عن هجرك للصلاة؛ فإنما هو إبليس اللعين الذي يحاول إغواءك أكثر، وهو عدونا الوحيد في هذه الحياة الدنيا، وهو من تحدى ربنا جلّ وعلا ((قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ))(صـ:82،83). تذكري أن إبليس نفسه قد حلف بعزة الله ويحاول أن يغوي أكثر فأكثر، لأنه يعلم أن عزة الله أعظم وأكبر... وفي حلفه به دليل على اعترافه بأن لله عزة وأنه القادر على كل شيء وأنه إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون، فإبليس كان يعلم أن الله إذا أراد أن يميته فعل، لذلك طلب منه أن يؤخره إلى يوم القيامة من أجل أن يغوي أكبر قدر ممكن من ذرية آدم عليه السلام، ليشفي غليله في أن خلق آدم كان سبباً في تكبره على الله ورفض السجود له، وبالتالي إخراجه من جنة الخلد.
أختي العزيزة، إن الله الأكرم المعطي العادل النافع الضار، وهو على كل شيء قدير، قد يبتليك ولكن ليختبر قوة إيمانك وصبرك، لجزيك عنه بالجنة وليحط عنك من سيئاتك بقدر ما صبرت، قال الله عزّ وجلّ: ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ))(البقرة:155).
الدنيا دار البلاء، لن تستقيم لأحد على وجه واحد من الفرح أو الترح، ولكن بعد الشتاء يقبل الربيع، وبعد البكاء يقبل الضحك.
أتمنى أن تقوي إيمانك بالله، فإنه الودود الذي يتودد إلى عبده مهما عتووا وتجبروا وملؤوا صفائحهم بالأعمال السيئة، يبقى هو الرحيم التواب يترك باب التوبة مفتوحاً مهما وصلت الذنوب عنان السماء، ويبقى باب الاستغفار مفتوحاً فهو التواب الغفار الرّحيم.
أختي،
حاولي الجلوس لوقت ما وحدك وتدبري في ملكوت الله، فقد خلق الله الزوجين الذكر والأنثى ليكمل كل واحد منهما الآخر، فلا تستقيم حياة على الأرض لامرأة دون رجل يدافع عنها وتسكن إليه، ولا تستقيم لرجل دون امرأة تقوم على سعادته والتخفيف من متاعبه بحنانها الكبير.
كانت تلك مساهمتي البسيطة في مشكلتك، وأنت تعلمين أنها مشكلة وأنت لا تقبلينها لذلك طرقت باب مجانين لتبحث لك عن حل وهذا نصف الطريق.... إذا كنت ما زلت بحاجة لردود تقنعك أكثر فلا تترددي أبداً في الكتابة فإنما الحياة الآخرة هي الباقية والدنيا دار زوال وبلاء.
في الختام أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن ينير قلبك ويهديك إلى الصراط السوي، وأستغفر الله لي ولكم، فما كان من خطأ فهو مني ومن الشيطان، وأعوذ بالله أو أكون جسراً تعبرون به إلى الخير ويرمى به في النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
29/6/2009
رد المستشار
السلام عليكم،
أشكر الأخوة جميعاً على مشاركاتهم الجميلة وشفقتهم على الأخت السائلة، ورغبتهم في زوال معاناتها.
وأحب أن أعلق على أمور:
بالنسبة للأخ حسام أقول: إن السائلة ابتعدت عن الله تعالى لشبهات دخلت عليها لا استكباراً وجحوداً، وهي حزينة على ما أصابها، فإذا سألتنا: كيف أرجع إلى الله تعالى، فلا يمكن أن نجيبها: ارجعي إلى الله تعالى!! أنت إنسان مؤمن مسلّم لأمر الله، لهذا ترى أمر الرضى بسيطاً جداً، لكن هناك من اختل الإيمان واليقين عندهم، فمن الصعب أن يسلموا لشيء لا يؤمنون به، أو يرضون بما يفعل.
كذلك بالنسبة لمشاركة الأخت روعة، نحن لا نستطيع أن نقول للسائلة إنك لست لعبة بيد الأقدار، ولكن الله تعالى قدر عليك! لأنها تعترض أصلاً على قدر الله تعالى، ولا يبدو لها الحكمة منه، فعلينا أولاً أن نعود لأصل الخلل عندها في الإيمان بالله، وفي صفاته عزّ وجلّ.
ثم بالنسبة لما تم الاستشهاد به مما له مساس بالشريعة عند الأخوة، فلدي بعض التصويب عليه، إذ قد يترتب عليه أمور شرعية من أحكام أو اعتقادات، لهذا أرجو من الأخوة الأكارم أن يراعوا الدقة والصحة في نقل النصوص عند المشاركة، وفي حياتهم اليومية، فنحن مسؤولون أمام الله تعالى عما نقول ونكتب ونعلّم...
1- بالنسبة لقصة الإمام أبي حنيفة وسؤاله عن استواء الله تعالى على العرش: المعروف أن الذي سئل عن الاستواء هو الإمام مالك بن أنس حيث جاءه رجل فقال: [يا أبا عبد الله ((الرّحمن على العرش استوى))، كيف استوى؟ فما وجد مالك من شيء [غضب] ما وجد من مسألته، فنظر إلى الأرض، وجعل ينكت بعود في يده، حتى علاه الرحضاء [عرق] ثم رفع رأسه، ورمى بالعود، وقال: الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنك صاحب بدعة]. وأمر به فأخرج]. والإنسان غير منهي عن التفكر في حكمة الله ولكنه منهي عن التفكر في ذاته لأن ذلك مما تعجز عنه العقول. وإذا لم يدرك الحكمة في شيء فعليه اتهام نفسه بالجهل وعقله بالقصور، وليس اتهام الله عزّ وجلّ بالعبث تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. وإن كان عند الأخ المشارك نص عن سؤال كهذا لأبي حنيفة فليخبرنا به.
2- أما بالنسبة لأمر تخيير الناس بعد خلق آدم: فالله عزّ وجلّ بعد أن خلق آدم أخرج ذريته من صلبه وخاطبهم وأخذ منهم الميثاق وأشهدهم بأنه ربهم فأقروا بذلك، قال تعالى: ((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)) [الأعراف:172]. فهم أقروا بالواحدانية، ولم يختاروا حياتهم كما ذكر الأخ في مشاركته.
3- أما الحديث الشريف في المشاركة الثانية، فأحببت ذكر نصه كما في صحيح مسلم: وهو عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ. وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِى الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطّ)).
4- حديث المرأة التي تسابق النبي صلى الله عليه وسلم في دخول الجنة: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم ونصه: ((أنا أول من يفتح باب الجنة إلا أن امرأة تبادرني فأقول لها: ما لك؟ ومن أنت؟ فتقول: أنا امرأة قعدت على أيتام لي)). وهناك حديث آخر بمعناه يرويه غير أبي هريرة.
5- قوله صلى الله عليه وسلم: ((الصلاة وما ملكت أيمانكم))، ليس المراد به الوصية بالنساء، لأن ملك اليمين هم العبيد وليس النساء.
6- لا يتضح وجه استشهاد الأخت روعة بقوله تعالى: ((فإن مع العسر يسراً)) من أجل اكتشاف الحكمة بعد سنين طويلة..!
جزاكم الله جميعاً كل خير...ويتبع>>>>>>>>>>>>>>>>>> الدمية الشقية والانحياز للذكور مشاركة 3