سوء حظ أم سوء اختيار أم إهمال أم نصيب أو
احترت حتى في العنوان! أنا متعبة جداً. أنا مجتهدة في الدراسة منذ صغيري، كنت الأفضل بين زملائي إخوتي، وكالعادة درست في الثانوية وعملت جهدي وحصلت على 96% وضاعت مني الكليات التي كنت أرغب في دخولها وضاع أملي ومعظم أحلامي، وقُبلت في كلية العلوم لكني رفضت الالتحاق بها، فلن أتعب نفسي وأكبتها ثانية ووافقني على ذلك أمي وأبي، وخصوصاً أمي التي كانت دائمة الحديث عني وتفتخر بي بل صنعت لي تمثالاً لوحدي لدرجة أني كنت أكلم كل الناس بحذر، فكيف تدرس ابنتها الذكية النبيهة... في كلية عادية دخلها غيرها كثر؟! لا، يجب أن تدخل كلية لم يدخلها أحد قبلها! فدخلت كلية الآثار التي في قنا.
بعدت عن كل الناس، تعبت في البداية لكن بعدها كوّنت عالماً لنفسي بأصحابي الذين لم أعد قادرة على البعد عنهم، أحس أن ليس في الدنيا أحد غيري أنا وأصحابي! وجاء الحب الذي كنت أتمناه وتقدم لي أشخاص مناسبون جداً لكنهم رُفِضوا، النصيب!.
سوء حظ أم سوء اختيار أم إهمال أم نصيب أممممممم؟
المهم، أحببت أحد زملائي -لا أدري إن ذلك من حسن حظي أم من من سوء حظي- ولأجله رفضت الدنيا كلها، أحبني عديدون وكلهم تتمناهم أي بنت، لكن من أجل واجبي وإخلاصي لمن أحب رفضت أي شخص آخر، لدرجة أني صرت أخاف من الدنيا كلها وأبتعد عن عيون الناس لئلا يراني أحد فيعجب بي ويتقدم لي! أصبحت مشكلة عندي، لدرجة أني بعدما كنت لطيفة مع الجميع ومحبوبة صرت أجرح أي أحد لمجرد شعوري أنه يحاول التقرب إلي، وأصبحت عصبية.
تقدم لي حالياً شاب فيه كل المواصفات التي تتمناها البنات، وأعرف أن الذي أحبه لن يتمكن من التقدم لطلب يدي في الوقت الحاضر -بعد الكلية بسنتين ربما-، أنا رفضته لكن أمي بدأت تضغط عليّ وخاصة أنها تعرف بأمر الذي أحبه، أنا أعذرها وخصوصاً أن كل صديقاتي خطبن مع أن كل الذين يتقدمون لي أحسن من خاطبيهن. أنا أعرف أن الأمور ليست بيده، فماذا أفعل؟ هل أصر على الوقوف إلى جانبه أتحمل؟ أم أبيع القضية وأوافق على واحد ممن يتقدمون لي لأريح أمي وأهلي؟ أنا تعبت جداً جداً من التفكير وكرهت الدنيا وما عدت قادرة على أن أعيش حياتي، هل بات الإخلاص عيباً في هذا الزمن أم ماذا؟.!
29/6/2009
رد المستشار
السلام عليكم، أختي الغالية؛
لا بد وأنك تأبين إلا أن تأخذي نصيباً من اسمك وتعيشي في معانٍ سامية رفيعة، الحب معنًى راقٍ يتميز به الإنسان ويهفو إليه... والإخلاص خلق رفيع نادر تتحلى به كل نفس صافية.
يلفت نظري كثيراً كيف أن الكلمات في زماننا تفرغ من محتواها الأصلي وتستخدم لمعنًى آخر مختلف تماماً، بل يكاد يكون مناقضاً للمعنى الأصلي... عندما أقرأ في إعلان لخط خليوي يقول: (اخترت خطي في الحياة، اخترت المضي قدماً)!!!، أو إعلان لمنتج غذائي أو منظف يقول: (لا يمكن الاستغناء عنه)!! يقفز إلى ذهني فوراً صورة شاب قيل له: (اسعَ إلى النجاح في حياتك وامضِ قدماً) فسارع لشراء خط(...) وظن أنه أصبح من الناجحين الذين يشار إليهم بالبنان!! ويقفز إلى ذهني أيضاً، من يقال له: (قاطع المنتج الفلاني حتى لا تقتل إخوانك في فلسطين) فيتململ وينزعج حيث تعود أنه (لا يمكن الاستغناء عنه) وكأنه حرم من الماء والهواء اللذين بالكاد يجدهما إخوانه غير ملوثين في فلسطين!!.
كذلك يا أخيتي –وأنت المجدة المجتهدة الذكية- عليك أن تنتبهي كيف يلقى إلينا معنى الحب، ومعنى الإخلاص، وهل هو يا ترى نفس المعنى السامي الذي نقرأ عنه في كتب الأخلاق أم هو معنى محوَّر؟
تعلمين أن الحب شعور، والشعور إنما يحمد أو يذم بحسب سببه وما تعلق به، فالذي يغضب بسبب انتهاك حرمات الله تعالى أو بسبب اغتصاب أرضه غضبه محمود، والذي يغضب عندما يأمره أحد بالمعروف، أو ينهاه عن المنكر، غضبه مذموم. مع أن أعراض الغضب واحدة في الأمرين!. كذلك فالذي يحب زوجته حبه مباح مطلوب، والتي تحب أولادها، حبها محمود، والذي يحب أخاه في الله لأنه مطيع تقي، حبه محمود، والذي يحب زوجة صديقه حبه محرم مذموم!! لهذا من المغالطات الشائعة، أن يسأل أحدهم متعجباً عندما يوعظ في علاقته المحرمة: (يعني هو الحب حرام؟) لأن الحب لا حكم له كشعور، وإنما حكمه بحسب ما يتعلق به.
ولهذا عندما قلتِ: (وجاء الحب الذي كنت أتمناه) قرأت من عبارتك براءتك وحبك لمعنى الحب، وقرأت مع هذا أنك ضحية للمعنى المختزل للحب الذي تعودنا أن نسمعه ونراه!! أنت تشاهدين –كما أشاهد- وتسمعين- كما أسمع- أن كلمة الحب عندما تطلق فهي تعني: (حب أحد الجنسين للآخر من غير زواج)، وأن هذا الحب جميل جداً يشعر معه الإنسان بسعادة لا توصف! لهذا فالحق معك أن تقولي: (أتمناه)!.
الآن أسألك بعض الأسئلة: على أي أساس يمكن أن نحكم على الحب والمعايير والمقاييس تتغير من زمن إلى آخر؟ هل هناك قانون ثابت نحتكم له؟ وماذا يقول هذا القانون عن هذا النوع المنتشر من الحب حالياً؟. بما أنك مسلمة، وعاقلة مجتهدة، سيتبادر إلى ذهنك حتماً أن القانون الذي يجب أن نحتكم إليه دائماً وأبداً هو قانون رب العالمين وشريعته، وأن هذا القانون يحكم على إقامة علاقة عاطفية دون عقد مع أحد من الجنس الآخر بالحرمة، أي يحكم على الحب الناتج عن تلك العلاقة بالحرمة! والحرمة تعني المنع من الفعل والعقوبة عليه.
بمعنى أن هذا الحب –حسب هذا القانون الخالد الثابت- من فصيلة حب الرجل لزوجة صديقه، وحب الإنسان للسرقة! فكلها أمور محرمة معاقب عليها! حتى ولو صار الأمر في عرف الناس على خلاف ذلك، فرقبتنا غداً ليست في أيديهم، وحسابنا ليس عليهم.
الآن لو أحب شخص زوجة صديقه، واستمر على حبه لها، هل نقول: إنه مخلص؟ لا طبعاً بل هو خائن لصديقه! كذلك الحفاظ على علاقة عاطفية محرمة والتضحية لأجلها لا تسمى إخلاصاً بل خيانة للنفس وجرها إلى الهاوية، لأنها كما تبين محرمة من فصيلة حب الرجل لزوجة صديقه!. طيب! أنت تحبين أن تخلصي لهذا الشاب إخلاصاً محموداً راقياً سامياً، تشعر فيه نفسك بالتضحية الراقية، وبالفخر بتلك التضحية، كيف؟؟
إن هذا القانون الرباني، لم يحل لك هذه التضحية فحسب، بل أمرك بها لكن بشرط: وهو أن يتقدم الشاب إليك بخطبة جادة حتى ولو لم يتم إجراء العقد، فلا يحل لك حينها أن تقبلي خطبة رجل آخر، ولا يحل لأحد أن يتقدم لخطبتك أيضاً، فقد نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن أن يخطب الرجل على خطبة أخيه إلا أن يأذن الأول أو يترك.
ولا أدري ما المانع في هذه الحال أن تجري الخطبة وهي لا تتعدى وعد الشاب لأهلك بإجراء العقد عندما تتاح له الفرصة! هل هي الأعراف وقوانين أهله؟ لا أدري كيف أجاز الناس لأنفسهم أن يخرقوا قوانين الله عزّ وجلّ، ثم خافوا أن يخرقوا قوانين البشر في مكان ما؟! ما الذي يجري إذا قمت بإقناعه أن يطلبك بشكل صريح من أهلك؟؟ كل الذي يجري أنه سيصبح مقيداً وعليه وعد والتزام، (يعني الموضوع سيصبح جديّاً) وعندها يخاف الشاب وأهله وترتعد فرائصهم من التزامات الخطبة والزواج، مع أن الفتاة المسكينة كانت (تأخذ الموضوع بجدية) وتخلص وتنتظر وتضحي بالخطّاب من غير شروط ولا التزامات!!
أليست أمك على حق الآن؟! كيف تريدينها -وهي الأم التي تحب ابنتها وتحرص على مصلحتها- أن ترى ابنتها تضحي بمستقبلها لرجل يخاف أن يلزم نفسه بشيء تجاهها حتى ولو كانت كلمة؟! إن كان رجلاً يستحقك فعلاً فليتقدم لك وليكن عند كلمته... وليس خرق قوانين الأهل والمجتمع الفاسد الذي يريد أن يفرق بينكما ويمنعه من التقدم لك، أصعب من خرق قانون الله عزّ وجلّ الذي يريد أن يجمع بينكما عندما طلب من الشاب أن يخطبك أو يعقد عليك!.
الفتاة الذكية هي التي تقود عاطفتها بعقلها وتحاول أن تكسب الأمرين معاً، وليست هي التي تبيع عقلها ومستقبلها من أجل عاطفتها... وإن تعذر الجمع فما يملي به العقل أغلى مما يملي به الشعور ومقدم عليه، لأن القوانين العقلية لا تتخلف، بينما قوانين المشاعر دائمة التقلب.
فهل أقنعتك الآن؟ إن أردت براهين أكثر فيكفيك المشكلات الموجودة على مجانين عن اللواتي ذهبن ضحية الإخلاص الزائف... ففكري في الأمر يا شاطرة!.
ويتبع>>>>>>>>>>>>>>> سوء حظ أم سوء اختيار أم إهمال أم نصيب أم؟ مشاركة 1