السلام عليكم
أنا فتاة عمري 21 عاماً، جامعية أعيش وسط أسرة صغيرة أفرادها أمي وأبي وثلاثة أخوة أنا أوسطهم.
سأبدأ بالحديث عن لأمي لأنها الأقرب لي، ولأنني دوماً أشعر أنها هي سبب وساوسي ومشاكلي وخوفي الدائم من كل شيء، فأنا ببساطة أخاف منها كثيراً.
أمي إنسانة مثقفة جدً وملتزمة دينياً وحنونة معي، ولا تقصّر في واجبها تجاهنا أبداً، بل كرست كل حياتها من اجل سعادتنا وتربيتنا على أكمل وجه، وهي دوماً تراني خلوقة ومؤدبة لا أخطئ أبداً، وإن أخطأت فهي عصبية جداً وقاسية في بعض الأحيان لدرجة الضرب المبرح، وللأسف لا تنسى الأخطاء. ما يحزنني أنها ليست قريبة مني بالرغم من أنني أحبها جداً جداً، وإن سافرت يومين أشعر بفراغ كبير جداً ووحدة وكآبة وشعور يشبه الموت، فأنا متعلقة بها جداً لكنني أشعر بأن المسافة التي بيننا كبيرة برغم حبها لي وحبي لها، فهي لا تتحدث معي كثيراً، لا تحاورني في مشاكلي وهمومي ومشاعري بتاتاً، وقد لا تسأل عني نهائياً! فكل ما يهمها أنني أجلس بجانبها في البيت وأدرس وآكل جيداً وأهتم بصحتي ودراستي، أما مشاعري ومشاكلي والمواقف التي أمرّ بها لا تسأل عنها، وهذا ما يجعلني أشعر بوحدة كبيرة وخوف دائم من كل شيء؛ من الناس والمستقبل والموت والفضائح والمصائب وكل شيء، وخصوصاً منها. للأسف أنا أعيش في عائلة يحب أفرادها بعضهم بعضاً، وتحرص على النجاح وعمل الخير، لكنها غير متقاربة! فلا نجلس على وجبة واحدة خلال اليوم، وقد لا نرى بعضنا بالأيام برغم حبنا لبعض، وبرغم أننا في بيت واحد، إلا أن كلٌّ له عالمه الخاص وهمومه.
مشكلتي الآن أنني إنسانة موسوسة دائماً، وأعاني من رهاب الناس أي أخاف من ردّة فعلهم كثيراً، ومن غضبهم، والأماكن الواسعة المزدحمة. وأعاني أيضاً من وسواس أنني من شدة حبي لأمي أشعر أني سأقتلها! ومن شدة خوفي منها ومن أهلي أشعر أحياناً بأنني سأموت مقتولة، وللأسف على يد أحد منهم، ربما لأننا لا نتحاور فأجهل دوماً ردة فعلهم تجاه ما أفكر به وتجاه آرائي في الحياة.
مشكلتي أنني منذ سنة تقريباً تعرفت على عالم النت، ووجدت عالماً آخر غير عالمي الذي لا أحبه وأخافه، فهو عالم مفتوح أجد فيه كل ما أبحث عنه وأبني به شخصيتي التي أريدها، وأتحدث بحرية مطلقة دون قيود وأهرب من إحساسي الموحش بالوحدة والفراغ المميت والفشل في تحقيق أحلامي.
انغمست في هذا العالم وبدأت في الكتابة في المنتديات، وقد تعلقت بأحدها وبدأت أناقش مواضيع مختلفة وأتحدث بحرية وأشارك برأيي مع شباب دون علم أهلي، وهذا ما سبب لي نوعاً من الإرباك والقلق في البداية، والخوف لأن أهلي لم يعلموا بهذا الأمر وهم غير متفهمين ولن يتقبلوا فكرة أن أتحاور مع شباب أيّاً كانت الأسباب، خصوصاً أخي وأبي، ولن يعطوني الفرصة لأشرح وجهة نظري، هذا إن لم يصل الأمر للضرب وفقدان الثقة بي وحرماني من متعتي الوحيدة وهي الكمبيوتر.. لذا وبالرغم من أنني أصبحت مدمنة على هذا المنتدى والحوار مع أعضائه شباباً وبنات، إلا أني كنت دوماً في حيرة بين أن ما أفعله ليس معيباً خصوصاً وأن لا أحد يعرف شخصيتي الحقيقية، وبين غضب أهلي أو حرمة ما أقوم به. ولكنني لم أكن أريد أن أكذب أو أخفي شيئاً لأني أعلم أن ما نخفيه بالتأكيد أمر غير مقبول دينياً أو اجتماعياً، ولا أريد أن أكون إنسانة بشخصيتين؛ شخصية أمام أهلي وأخرى من خلفهم، فأنا لدي مبادئ أؤمن بها وأحترمها... فاهتديت بعد تفكير طويل ووجدت أن حديثي مع الشباب أمر غير مستحب وغير لائق ومحرّم، خصوصاً وأنني كنت قد أدمنت الدردشة مع أعضاء المنتدى، وكذلك أنا أعلم أن عقلية أهلي غير متفتحة ولن تقبل بهذا الأمر بغض النظر إن كان ما أفعله صحيحاً أم لا.
تبت إلى الله وندمت كثيراً على غشي لهم، فضميري أتعبني من اللوم والتأنيب، ووعدت الله بألا أحادث الشباب على النت بتاتاً رغبة في رضاه وستره وعفوه، خصوصاً وأن الله أكرمني ولم يفضحني خلال محادثاتي مع الشباب، ولكن بعد توبتي شعرت بخوف شديد مما فعلت رغم أنه لم يتعدَ الكلام البريء، لكني وجدت إنني تحدثت مع عدد كبير من الشباب وربما تجاوزت الحدود الشرعية في حديثي معهم. وخوفي الشديد والوسواس الذي أرّقني جعلني أشعر أن ما فعلته خطأ كبير ولن تسامحني أمي عليه لأنني لم أصن ثقتها بي، وأشعر أنني خائفة من ردة فعلهم إن علموا، وأحدّث نفسي فأقول: "وكيف سوف يعلمون وأنا لم ولن أخبرهم وسأكتم هذا السر بداخلي؟" ولكنني أوسوس كثيراً والشيطان يوسوس لي بأنني من الممكن أن أفضح ويعلم الجميع بهذا السر.
مشكلة الوسواس بدأت تحاصرني؛ فتارة أتخيّل أن أحداً من أهلي يقرأ محادثاتي القديمة رغم أنني بالأصل لم أكن أحتفظ بها لديّ في الجهاز، وتارة أشعر أن أحد الشباب الذين كنت أحادثهم سيفضحني أمام أهلي وينتقم مني (وأنا دوماً اشعر بأن كل من حولي لديه الرغبة في الانتقام مني ولن أستطيع الدفاع عن نفسي)، وعندما أسترجع ما كنت أكتبه في المنتدى من ضحكات وحوارات مع شباب أخاف أكثر وأتمنى أن تحذف هذه المشاركات ولا يقرأها أحد. ماذا أفعل أنا خائفة جداً من أن أفضح، أعلم أن الله يحبني وأنه ستّار ورحيم وتوّاب، ولكن مشكلتي مع الخوف والوسواس الذي أتعبني، أصبح هذا المنتدى والتفكير في مشاركاتي أمر يقتلني ويرعبني... أنا فعلاً خائفة وأتألم من خوفي.
فتخيّلوا معي إنسانة تشعر بالخوف طوال الوقت، أي طعم للحياة سأشعر به وأي سعادة سأحسها؟ أرجوكم ساعدوني كيف أتخلص من خوفي وكيف أطمئن أن لا أحد سيعلم بأمري، وبأن كل ما كنت أفعله سيمحى مع الأيام؟.
أشعر أني كرهت المنتدى وأكره مشاركاتي، ولا أحب النظر فيها ولا أحب تذكر حواراتي من الشباب عبر البريد الإلكتروني، وكلما تذكرت أشعر بالخوف وأبكي وأتمنى لو أني لم أفعل ذلك وأخون ربي وثقة أهلي بي.. والله العظيم أنا إنسانة أحب الله ونادمة أشد الندم، وأحب أهلي ولا أريد أن أخذلهم أو أن أفضح أمامهم، فلا أملك إلا سمعتي أمامهم وحبي لهم ولا أريد أن أخسر هذا الحب.
أرجوكم كيف أرتاح من قلقي ومخاوفي وتخيلاتي والوساوس التي تقتلني وتقتل إحساسي بطعم الحياة ورغبتي بالدراسة والاستمرار؟ كيف أسامح نفسي؟! ماذا أفعل لأنسى مشاركاتي التي تخللتها الضحكات مع شباب، وأنا التي لم أحادث شاباً أبداً بحياتي الواقعية ومحترمة جداً بشهادة كل من حولي، إنسانة صادقة أرفض الكذب.
أنا نادمة وحزينة لما فعلت، هل ممكن أن يعلم أحد من أهلي بأمر مشاركتي؟ أرجوكم أنا مشتتة كثيراً ولم أكتب لأحد من قبل فاعذروني إن صعب على حضراتكم فهم ما أعنيه.
شكراً جزيلاً لكم، وفقكم الله لما يحب ويرضى، وأرجوكم لا تهملوا رسالتي.
ملاحظة: ربما أنا بحاجة لطبيب وعلاج نفسي من هذا الخوف، ولكن فعلاً يصعب عليّ جداً القيام بهذه الخطوة في هذه الفترة، فأريد حلاً يريح قلبي وينسيني الماضي. أعاني من التأتاة أو صعوبة النطق منذ الصغر لسبب نفسي أجهله، وتأتيني نوبات هلع كثيرة بين حين وآخر.
شكراً جزيلاً لكم، وأرجو السرية التامة خصوصاً وأني من النوع القلق الموسوس، فلا أريد أن أوسوس بأني سأفضح عند نشر هذه المشكلة.
بارك الله فيكم.
19/07/2009
رد المستشار
أهلاً وسهلاً بالأخت الكريمة،
إن الحسنات يذهبن السيئات، والله تعالى أرحم من أن يفضح عبده وخاصة إن كان مثلك كما وصفت.
الأخت الفاضلة، من منا لا يذنب، وقد خلقنا الله لنذنب ويعفو عنا، فكلنا ذو خطأ، ولو لم نذنب لذهب بنا وأتى بقوم يذنبون ليغفر لهم، نعم كلنا ذو خطأ.
كوني متسامحة مع نفسك غير متشنجة.
نعم، طريقة تعامل أمك كما وصفت قد بنت لديك ضمير أو أنا عليا متشنج يعكّر عليك صفو حياتك ويقيّدك، فالأحرى ألا تقلّدي طريقة أمك معك في التعامل مع نفسك.
عزيزتي، أنت أخذت من طيف اضطرابات القلق من كلٍ منها عوداً ولوناً؛ فلديك شخصية وسواسية قلقة تتضح مما تعانين وكذلك من طريقة كتابتك للمشكلة وتكرارك وارتباكك. تركب على هذه الشخصية أنواع من القلق كالقلق أو الرهاب الاجتماعي، الوسواس القهري الفكري، ونوبات الذعر مع أعراض كآبة مرافقة.
تنفعك جداً الجلسات النفسية لإيقاف الصراع الداخلي لديك مع ذاتك ورغباتك، ولتدريبك على مهارة تكيّف والتعامل مع أسرتك، حتى تتحوّل أمك لخير صاحبة لك. ويمكن الاستعانة بدواء نفسي كالباروكستين لتهدئة أعراض القلق لديك وتحسين قدرتك على التكيّف وذلك بإشراف طبيب نفسي.
تفضلي بالاطلاع على الروابط المفيدة التالية:
أنا عندي أكثر من 30 حالة وسوسة
دافع الخطرة -الفكرة – النية مشاركة
كيف أتكيف مع أهلي؟؟
هو اضطراب الوسواس القهري بكل وضوح
قطعة ثلج في قبر بارد
تابعينا بأخبارك، أتركك في أمان الله وحفظه، وأتمنى لك كل الخير والعافية.