أحلام اليقظة....وبعد
إليكم التفاصيل،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة وبعد؛
أرجو من حضراتكم ألا تذكروا اسمي أو اسم بلدي عند نشر المشكلة، كما أرجو أن يبعث لي بالرد على البريد الإلكتروني، وأن يردّ د. أحمد عبد الله.
ولكم جزيل الشكر والعرفان.
0 بدأ الأمر منذ زمن؛ ففي أيام الطفولة كنت أستمتع بتخيلي لبعض الشخصيات من حولي، أحادثهم وأتكلم معهم، أحياناً أغضب منهم وأحياناً أضحك وهكذا، وبالطبع كانت مجرد لعبة.
0 كان أمراً يسليني إلى أن بدأ يتسبب لي في بعض المشاكل، وبدأ هذا بالضبط عندما كنت في الصف الثالث الإعدادي. في البداية كان هذا يحدث عندما أكون بمفردي، كنت أتحدث بصوت مرتفع، ثم بدأت أمارسه وأنا بين آخرين فأتحدث –لا إرادياً– بصوت منخفض.
0 تفاقم الموضوع الآن، فحتى عندما أكون في الشارع لا أستطيع أن أمنع نفسي فأجد يدي تتحركان وكأنني أتحدث لشخص ما، وأجد شفتاي تتحرك، حتى داخل الصلاة .
0 وبجانب أنه يسبب لي الكثير من الإحراج فإنه يجهدني ويستنفذ طاقتي، فلا أستطيع التركيز فيما أفعله في الوقت الحاضر لدرجة أن بعض من حولي ينعتوني (بالمعتوهة)، كما أنني لا أستطيع أن أنجز ما ورائي من أعمال خاصة التي تتطلب مجهود ذهني.
0 مثلاً، أنا في الثانوية العامة لم أستطع أن أدخل الامتحان منهية المناهج -التي درستها– حتى ولو مذاكرة لأول مرة وليس حفظاً ومراجعة، حيث أنني كنت كلما جلست لأذاكر تخيلت أناساً حولي وأخذت أتناقش معهم! ويضيع الوقت دون أن أذاكر شيئاً.
0 من مضاعفات هذا الأمر ما يحدث لي من تذكر مواقف سلبية حدثت لي منذ مدة قد تتجاوز السنين إلا أنني قد أرى أو أسمع رابطاً يذكرني بهذا الموقف -وقد أعرف الرابط وقد لا أعرفه– فأعيش هذا الموقف من جديد وأتخيل ذلك الشخص الذي وضعني فيه وأتجادل معه من جديد، وقد أغضب غضباً لم أغضبه في الموقف الحقيقي برغم أنني قد أكون في الموقف الحقيقي قد رددت وأخذت حقي! وقد يصاحب انفعالي حركات كرمي بعض الأشياء أو السب بصوت مرتفع أو البكاء أو الضغط على أسناني إلى الحد الذي يجعلها تؤلمني من كثرة الضغط عليها، وبالطبع مع كل هذا لا أستطيع أن أنجز ما أقوم به في وقته، ويتكرر هذا التصرف مع الموقف الواحد أكثر من مرة ولا أنساه على الرغم من مضي فترة طويلة على حدوثه! أما عن عدد مرات حدوث هذا الاجترار للماضي السيئ يومياً فليس هناك عدداً معيناً إلا أنه في المتوسط يكون حوالي خمس مرات يومياً.
0 كان لهذا الأمر أثره السلبي على علاقاتي الاجتماعية، فهذا يشعرني أني إنسانة سوداء القلب ولا أسامح أحداً، وبالتالي فأنا لا أستطيع أن أحب أحداً، ودائماً ما أشعر أن هناك ألماً في قلبي تجاه أي شخص لأن كون الناس يخطئون هو شيء وارد جداً، ولكن كوني أظل متذكرة الإساءة لسنوات شيء غير عادي!.
0 قد قرأت كثيراً في موضوع المسامحة وسلامة الصدر إلا أنها لم تؤثر معي كثيراً، أو بمعنى أصح كان تأثيرها معي مؤقتاً، وكنت دائماً أشعر أن عندي سؤالاً ملحاً لمن يدعو للمسامحة والعفو وهو: لو أن الموضوع سينتهي بالنسبة لي بمجرد انتهائه في الوقت الحالي فأنا أستطيع أن أكظم غيظي وأعفو عمن ظلمني، إلا أني ليس عندي أدنى استعداد للعفو لأن الموضوع لن ينتهي وسأتذكره في وقت ما بعد ذلك وأندم أشد الندم لأني لم ألحق الضرر بمن ضايقني!.
0 أشعر أن قلبي مثل كوب كثير الامتلاء ولكنه يفرغ ببطء، فأنا حتى الآن أتذكر مواقف حدثت لي في المدرسة الابتدائية ولا أستطيع نسيانها، ونادراً ما يحدث أن أتذكر الموقف ويمر على خاطري مرّ الكرام ولا أشعر أني متضايقة، ففي الغالب أشعر أني بالفعل غضبى جداً.
0 أما عن علاقتي مع أسرتي فقد تأثرت بالطبع؛ فقديماً قبل أن أتلقى أي علاج كانت سيئة جداً جداً، كنت كثيرة الشجار وشديدة الانفعال ولو كان الأمر لا يستحق، وكنت شديدة الحساسية لأي كلمة تصفني بالخطأ أو التقصير خاصة ما يتعلق بعدم تركيزي.
0 أما أثناء العلاج الأول كانت في منتهى البرود واللامبالاة يمكن وصفها بالبلادة. أما أثناء العلاج الثاني فكانت جيدة جداً؛ أصبحت أكثر اتزاناً وهدوءاً وإيجابية، وأتحمل من أمامي ولا أتعصب بسرعة، وأعتذر لمن أخطأت في حقه.
0 الآن بعد توقفي عن العلاج فإن العلاقة بدأت تتوتر من جديد لكن بشكل متدرج متجهة نحو الوضع الأول قبل العلاج الأول، فهي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، خاصة عندما يصادف احتكاكي بأحدهم أثناء تذكري أحد المواقف القديمة له فبالطبع أعامله بطريقة سيئة جداً.
0 من الجدير بالذكر أني أعاني من أرق ليلاً وأصعب ساعات اليوم تمر عليّ ليلاً عندما ينام جميع أفراد الأسرة وأظل أنا مستيقظة أجتر من الماضي الأليم، لدرجة أنني أجلس أبكي من كثرة غضبي واغتياظي.
0 هناك شيء آخر وهو أنني قبل تلقي أي علاج كان من حولي يلاحظون أني أحياناً أكون مبسوطة بشكل مبالغ فيه، وأثناء تلقي للعلاج الأول كنت بالطبع لا أعرف شيئاً عن السعادة فأعلى فرحة بالنسبة لي هي الابتسامة الباهتة. وأثناء تلقيّ للعلاج الثاني كنت متزنة جداً، إلا أنني في الوقت الحالي لا تأتيني نوبات الانبساط هذه، فأنا أعلى أحوالي المزاجية الآن أن أشعر أنني مرتاحة فقط وليس مثل النوبات التي كانت تأتيني قبل تلقي أي علاج.
0 كما أنني أمر بنوبات بكاء حادة، في المتوسط مرة كل شهر، قد تستمر أكثر من أربع ساعات بسبب هذه المواقف السلبية القديمة التي أتذكرها وتملكها لي بشكل يمنعني من ممارسة حياتي وحب أحد.
المحاولات العلاجية:
(1) عندما كنت في الصف الثالث الثانوي ذهبت لطبيب مخ وأعصاب وأمراض نفسية –حيث أن عندنا في الصعيد يجمعون بين التخصصين– وهو د. محمد عبد الله عباس وقال أنني أعاني من أحلام يقظة مرضية، وأعطاني علاجاً هو فيلوزاك 20ملجم بمقدار كبسولة كل صباح، وكانت مدة العلاج خمسة عشر يوماً، إلا أنه لم يكن له أي تأثير فقام الطبيب بإعطائي برشام أبيكسيدون 100ملجم وكانت مدة العلاج حوالي أربعين يوماً، وبالفعل وقف التفكير بصوت مرتفع ووقف انفعالي على المواقف القديمة، إلا أنه تسبب لي في حالة اكتئاب ولامبالاة وعدم الانفعال مطلقاً، اللهم إلا البكاء والشعور بملل وفتور شديدين، مما اضطرني إلى إيقاف العلاج.
(2) عندما كنت في الجامعة في السنة الأولى ذهبت لطبيب مخ وأعصاب آخر وهو د. طارق علي راجح، وفي درج كلامي معه عرف مني أنني عندما أكون في حالة التفكير بصوت مرتفع هذه فإنني في المرة الواحدة كنت أكرر الجملة أكثر من مرة قد يتعدى تكراري للجملة الإثنا عشرة مرة، وعندها قال لي أنني أعاني من الوسواس القهري وأعطاني علاج هو برشام "مودابكس"50 ملجم بمعدل قرص كل صباح و"زيسبيرون" 2 ملجم بمعدل 1/2 قرص كل مساء و"أنفرانيل" 75 ملجم بمعدل قرص يومياً، وقال لي إن علاجي لن يتعدى العام ونصف –بصراحة كان العلاج بالنسبة لي ولأسرتي عالي التكلفة-.
على الرغم من أن العلاج أعطاني نتيجة باهرة، ولأول مرة أشعر بالاتزان النفسي والسعادة، إلا أنه لم ينه عملية التفكير بصوت مرتفع تماماً، كما أنه كلما أنقص الطبيب من الجرعة كانت تعود الحالة إلى سابق عهدها، وأنا الآن في السنة الرابعة من العلاج ولا آخذ سوى "المودابكس" فقط، وفي كل زيارة للطبيب –وهي كل ثلاثة أشهر- يحدد جرعة مختلفة على حسب وصفي لتعبي، وكلما قلل الطبيب في الجرعة ازداد تعبي مما يجعله يضطر إلى رفع الجرعة ثانية وعندها أستريح بشكل أفضل، مما يجعله ينقص الجرعة فأتعب ثانية... وهكذا، مما جعلني أفقد الأمل في هذا العلاج وأوقف العلاج بنفسي، وبالطبع أنا الآن متعبة ولكنني لا أفكر أبداً في الرجوع للعلاج ولا أعرف ماذا أفعل!.
من الجدير بالذكر أن هناك عوامل خارجية ساعدت على علاجي في المرة الثانية وهي أنني التحقت بالجامعة وبالسكن الجامعي مما جعلني من كثرة الأفراد الذين حولي ومن هذه التعددية الضخمة في العلاقات– فبالطبع السكن الجامعي مكتظ بالطالبات– ليس عندي مجال للتفكير والاجترار من الماضي، وأؤكد على أن هذا مجرد عامل مساعد وليس أساسي.
وبناء على ما سبق فإن أسئلتي هي:
(1) ما هو التشخيص لحالتي وكيف أعالجها نهائياً؟.
(2) هل عملية الاجترار من الماضي السيء شيء طبيعي يمرّ به أي إنسان؟.
(3) لو تزوجت هل سأعيش حياة تعيسة ولن أحب زوجي وسأظل دائماً متذكرة أفعاله السيئة ولن أسامحه عليها أبداً؟.
(4) هل لو تزوجت سأكون زوجة نكدية صاحبة مزاج سيء وعصبي ولا أستطيع أن أهب السعادة لمن حولي؟.
(5) لو تزوجت وأنجبت، هل سيرث مني أبنائي هذه الحالة؟ خاصة أنني لاحظت وجوده في فرد من الجيل السابق لي في العائلة (أمي، إلا أنها لم تعد كذلك حالياً)، وفرد من الجيل التالي لي (ابنة أخي، وعمرها لم يتجاوز الست سنوات)؟.
(6) لو حضرتك احتجت أن تكتب لي على دواء فرجاء أن يكون غير باهظ التكاليف بحيث لا يتعدى 100 جنيه شهرياً لأن أسرتي لن تستطيع شراءه، مع العلم أن ضغطي منخفض.
(7) لو كنت مضطرة إلى أن آتي إلى حضرتك في العيادة لتلقي العلاج النفسي، فذلك سيكون كل كم أسبوع؟. فأنا لا أستطيع أن أسافر القاهرة ولا حتى مرة كل شهر.
وجزاكم الله ألف ألف خير.
19/07/2009
رد المستشار
أهلاً بك في جولة جديدة من جولات الاتصال بيننا، والتي بدأت بالاتصال الهاتفي على فترات متباعدة. وشكراً للاستجابة بكتابة تفاصيل الحالة وتاريخها كما فعلت، وبالتأكيد فإن هذا سيعين في وضوح الرؤية، ودقة الإرشاد بمشيئة الله.
كما سبق وقلت لك على الهاتف بأن أحلام اليقظة، والخيال بشكل عام، حين يستغرقنا فإنه أحياناً -بل غالباً- ما يكون نشاطاً بديلاً للمخ، وأحياناً مقاومة ضد الانشطار أو التشظي أو الانكسار في ظروف بائسة نعيشها، ولا أعتقد أن فتاة في مثل ظروفك -ومثلك ملايين- لديها في حياتها الحقيقية ما يكفي لاستثمار طاقة التفكير، وقدرة الدماغ، ومساحات الوقت والقدرات المتاحة بيولوجياً، والمعطلة واقعياً! كما في حالات كثيرة!.
يا فاضلة، دماغنا لا يستسلم للفراغ حين يكون مفروضاً علينا مثل حالتك! دماغنا ينفعل ويتشنج ويجتر ويكرر، دماغنا يعمل مريضاً في غياب الاستثمار السليم الصحي، وهو غائب غالباً في حالات بالملايين، ولذلك فإن الهدر في هلاوس مرضية مثل الهدر في هذا المسار أو ذاك، وهي ألوان من المعاناة يعيشها الناس في أوطاننا التعيسة حيث تحتاج حياتنا لكل ذرة طاقة ذهنية واجتماعية لإصلاح وتغيير وتعديل بؤسنا، بينما الهدر على أشده للوقت والجهد والدماغ. وهذا هو الجانب الاجتماعي لما تعانين منه، وتشتركين فيه مع الملايين من المحيط إلى الخليج!.
لكن الحالة عندك زائدة عن مجرد دماغ فارغ أو طاقة مهدرة، فالمسألة وصلت إلى أعراض نفسية مرضية تعيقك عن أداء وظائف حياتك وتواصلك مع من حولك، وهذه المعاناة المرضية يبدو فيها جانب وراثي له تأثير على ظهور الأعراض التي تصفينها، وإضافة إلى هذا الاستعداد الموروث فإن حياتك المحدودة -بحكم البيئة المحيطة، ووضع الفتاة العربية في محيط منغلق- هذه الحياة تبدو عاملاً مساعداً على ظهور الأعراض بالشكل الذي ظهرت به!.
وما تصفينه يبدو خليطاً من تشخيصين أحدهما يتحرك في طيف دوائر ما نسميه الأعراض الذهانية مثل شكل أحلام اليقظة كما في تجربتك وخبرتك طوال سنوات، والآخر يتحرك في طيف أعراض الوسواس القهري، وتبدو حالتك مزيجاً من هذه الأعراض وتلك، ولذلك فإنها استجابت للعلاج بمضادات الذهان، ومضادات الاكتئاب التي تعالج أعراض الوسواس، وهذا الخليط العلاجي هو ما تسمينه العلاج الثاني، وقد تحسنت عليه والحمد لله، وهذا التحسن دليل من ناحية على صحة التشخيص، ويبشر بالخير.
وأرجو أن تكوني الآن قد فهمت أن مشاعرك تجاه من حولك إنما تحصل بسبب مرضك لا بسبب سوء أخلاقك! وأن مجرد قراءتك حول سلامة الصدر أو التسامح لن تؤثر كثيراً كما تفضلت أنت في رسالتك!.
أما العلاج فأنا أوصيتك بمتابعة العلاج الثاني مع البقاء على الجرعة المناسبة، وهي التي تختفي معها الأعراض السلبية كلها لا بعضها، وكلياً لا جزئياً، ونبقى على هذه الجرعة فترة دون إنقاص، ومن ناحية السعر فإن استمرار توضيح هذه المسألة للطبيب المعالج كفيل باختيار أفضل المتاح من هذه الناحية، مع ملاحظة أن اضطراب ضغط الدم سيجعل الاختيارات محدودة، لأن الأدوية الأرخص لا تناسب غالباً أصحاب ضغط الدم المنخفض، لذلك فإن الانتظام في العلاج الثاني بجرعة مناسبة، وربما بتغييرات تراعي السعر ستكون أفضل الممكن بالنسبة لك، ويمكن التفاهم مع الطبيب المعالج لتنظيم الزيارات له على فترات متباعدة مراعاة لميزانيتك، وربما تختارين المتابعة مع نفس الطبيب أو غيره في مستشفى حكومي أو جامعي أو تعليمي قريب، لأنني أستبعد في مثل ظروفك أن تستطيعي تحمل نفقات ومشقات السفر إلى القاهرة، ولا يبدو هذا أساسياً في حالتك، أي المجيء إلى القاهرة، حالياً على الأقل.
يبقى أن العلاج بالعقاقير ليس كافياً وحده في حالتك كما في كل الحالات النفسية، وفي غياب استخدام أساليب العلاج الأخرى مثل جلسات العلاج الجمعي، وأنواع العلاج النفسي فإن محاولة تغيير لما يمكن تغييره من مساحات وملامح حياتك لتصبح أكثر فعالية وتواصلاً، ونشاطاً ونبضاً وعطاءً تبدو علاجاً أرجو أن تستطيعيه، وأهلاً بك دائماً.
* علقت المدققة اللغوية لمجانين على هذا النص بقولها: (أشكر الأخت السائلة على إتقانها للعربية واهتمامها بعلامات الترقيم، وقدرتها على التعبير عن نفسها بلغة ممتازة).
واقرئي على مجانين:
بين الوسواس والفصام: وساوس عاطفية! متابعة1
موسوس تائه: بين الوسواس والفصام
مرة أخرى بين الوسوسة والفصام متابعة3
أحلام اليقظة: بين الوسواس والفصام
بين الوسواس القهري والفصام