السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحمد الله الذي لا إله غيره وأصلّي وأسلّم على المصطفى صلوات الله وسلامه عليه. أشكركم على المجهود الطيب الذي تقومون به في موقعكم، وأتمنى لكم دوام التوفيق والصحة والعافية.
اسمي علي، عمري 23 عاماً، حياتي مستقرة بفضل الله لكني أعاني حالة من الإحباط تمتد معي منذ أكثر من عامين وربما ثلاثة أعوام، وأنا الآن مشتت لا أعلم ماذا أريد وماذا ينبغي عليّ أن أعمل! أعاني برودة الوحدة، لي معارف كثر ولكني لا أملك الصديق الذي يملأ عليّ حياتي أشاركه همّي وشكواي.
في طفولتي كنت أعاني في التعامل مع أطفال الجيران خصوصاً وأني كنت ضعيف البنية جداً، كما أن حجم أذناي كان كبيراً نسبياً فكانوا يطلقون عليّ قرداً ونسناساً، أما في المدرسة فكان الوضع مختلفاً؛ كنت فأراً! سبحان الله، ومَن هذا يا هذا يَخلُقُ ذاته؟! أفتراني كنت أرضى بما نضح به فكري؟. في مرحلة الثانوية كانت لي مجموعة جيدة من الزملاء لكني لم أجد بينهم الدفء الذي كنت أبغيه، وتفرقنا في كليات مختلفة.
أعلم أني كنت أحتاج إلى من يشعرني بشيء ما لا أدركه، ربما مزيداً من الأهمية أو مزيداً من التقدير والاحترام، خصوصاً أنني كنت أنعت "بالأهبل" ،"المجنون" بشكل يومي في مرحلة الجامعة، أدركت إلى أي درجة وصل إليها جهلي واختلافي عن الناس الذين أعيش معهم، فازداد في تلك المرحلة يأسي من النجاح. ككثيرين غيري، أحلامي الكبيرة تضيع مع رياح الأيام وبدأت عجلة الانحدار، فرسبت في كليتي وانشغلت بالنكت وثقل الظل، لا أعلم ما هي الغاية التي كنت أسعى إليها؟! هناك صور أراها على مد البصر، والطريق إليها واضح سليم لا يحتاج إلا إلى الإخلاص والعمل والإصرار، فلماذا كنت أترك كل هذا الوضوح وأمضي مشتت التفكير؟.
توجهت إلى التدخين في مرحلة الثانوية، وفي هذه الفترة اختلطت مع مجموعة من أصدقاء السوء وعرف أهلي بأمر التدخين فجعلتني أمي أقسم على كتاب الله بألا أعود إليه مرة أخرى.. تركته فترة ثم عدت إليه في بداية مرحلة الجامعة وعرفت أمي وجعلتني أقسم مرة أخرى.. فتركته فترة وعدت، وأقسمت مرة ثالثة حتى انتهى بي الحال لأكون مدمن شيشة ومعسل!
لم أجرّب من المكيفات إلا البانجو، ولم تكن إلا مرة واحدة في مرحلة الثانوية وبدعوة من أحد الأصدقاء. لا أعلم لماذا أنا متعلّق جداً بالتدخين رغم أنه يزيدني وحدة على وحدتي!.
كنت أعتزل العالم كي أباشر هوايتي دون علم أحد، وأنا على وحدتي وضعفي وجهلي أمضي فيزداد عجزي عن التعامل مع الناس، ثم أمضي فتتذبذب ثقتي بنفسي بين الضعف والغرور، وكله من حصاد جهل السنين. أعود أحياناً إلى مجموعة من الأصدقاء فيعذبني التجاهل والاستهانة، فأرتد وحيداً مرة أخرى وليس لي قدرة على أن أشكو فما زالت عندي كرامة تأبى عليّ أن أشكو أو أسمع أقلّ كلمة من أي فرد لكن هذه الكرامة تهون عليّ كلما زاد عندي ألم الحاجة للكيف عند أي عجز مادي، فأقترض لأشبع رغبتي وأنسحب ألملم كرامتي الضائعة، لا أعلم إن كنت أعيش وهماً كبيراً اسمه (أنا إنسان ذا وجود، وهل أمثّل فارقاً يذكر لأي أحد؟) أحياناً أسأل نفسي ماذا أريد؟ وماذا حققت؟ إن كان ما أريده هو ما حققته، فأنا لم أرد شيئاً لأني لم أكن شيئاً ولم أحقق شيئاً، وإن كان ما حققته هو ما أريده فلا عزاء لي!.
19/07/2009
رد المستشار
أخي الحبيب أهلاً ومرحباً بك على الموقع،
تعالى نناقش مشكلتك على شقين: عرضياً وهي السنوات الثلاث السابقة، وطولياً وهي طبيعة شخصيتك.
فالشخصية السوية مواصفاتها كالتالي:
- لديها القدرة على التكيف مع المناخ المحيط به (المحيطين به).
- يؤدي وظائفه بطريقة منتظمة ومنتجة.
- يتفاعل مع الواقع والمناخ المحيط له.
- خطواته في الحياة ثابتة ومنتظمة وعلى قاعدة علمية.
- سلوكياته في الغالب تقارب سلوكيات المحيطين به.
وبالتالي يعتبر اضطراب الشخصية موجود إذا شذّ شخص عن المقومات الطبيعية للمحيطين به.
لقد عرفت منظمة الصحة العالمية اضطرابات الشخصية بالتالي:
«هو نمط من السلوك المتأصل السيئ التكيف، والذي ينتبه إليه عادة في مرحلة المراهقة أو قبلها. ويستمر هذا السلوك في معظم فترة حياة الرشد، وإن كان في الغالب يصبح أقل ظهوراً في مرحلة متوسط العمر، أو السن المتقدمة. وتكون الشخصية غير طبيعية إما في انسجام وتوازن مكوناتها الأساسية، أو في شدة بعض هذه المكونات، أو في اضطراب كامل عناصر الشخصية، ويعاني بسبب هذا الاضطراب إما صاحب هذه الشخصية أو الذين من حوله، ولذلك تكون هناك آثار سلبية لهذه الشخصية المضطربة على الفرد، أو على المجتمع من حولها».
وحتى يتم تشخيص اضطراب الشخصية لا بد من توافر شرطين وهما:
(1) أن يكون عمر الشخص المضطرب أكبر من 18 عاماً حيث تبدأ الأعراض قبل هذا العمر وتعرف بالسمات، وعندما تستمر هذه الأعراض مع الشخص حتى عمر 18 سنة تترسخ عنده ويصعب تغييرها ويطلق عليها عندئذ اضطراب لنمط الشخصية، ويستثنى من ذلك الشخصية المضادة للمجتمع إذ يكفي عمر 16 سنة لتشخيصها.
(2) ألا تعيق اضطرابات الشخصية صاحبها عن الاستمرار في حياته الاجتماعية والعملية، وإن كانت تحدث بعض الصعوبات لمن حوله أكثر مما هو له، فإن أقعدته عن عمله وسببت خللاً واضحاً في علاقته مع الآخرين أصبح ذلك مرضاً وليس اضطراب شخصية.
والعوامل المسببة لاضطرابات الشخصية:
1 – الاستعداد الوراثي.
2 – تجارب الطفولة المعززة للسلوك المنحرف عند الطفل ومن أسباب ذلك:
أ – مكافأة الطفل على سلوك خاطئ (نوبة غضب أو سلوك عدواني).
ب – طفل الطاعة العمياء.
جـ – نمط الأسرة السائد: "أبوان مستبدان، متسلطان، متسيبان".
د – التمثل في انحرافات الشخصية بالوالدين أو بآخرين لديهم انحرافات مشابهة مثل الممثلين واللاعبين... والسمات التي ذكرتها تشير بدرجة عالية إلى الشخصية التجنبية.
والشخصية التجنبية تتميز بالتالي:
* تتميز بالكف الاجتماعي والإحساس بضعف الكفاءة مع وجود حساسية زائدة لنقد الآخرين.
* يتجنب المهن التي تتضمن احتكاك اجتماعي لخوفهم من النقد والرفض وعدم الاستحسان.
* لا يميل لمخالطة الآخرين إن لم يتأكد أنهم يحبونه.
* يظهر إحجاماً عن العلاقات الحميمية لأنه يخشى أن يُجرح شعوره أو يُسخر منه.
* شعوره بعدم الكفاءة يعيقه في المواقف الإنسانية الجديدة عليه.
* يشعر أنه أقل من الآخرين، سخيف، غير لبق.
* يمتنع عن المواقف التي تتطلب بعض المغامرة، أو يمتنع عن الاشتراك في الأنشطة الجديدة لأنها قد تظهر ارتباكه.
ومن الشائع أن يعاني المصاب بهذا الاضطراب من الاكتئاب والقلق لإخفاقه في إقامة علاقات اجتماعية (وهو ما حدث معك في السنوات الثلاث الأخيرة)؛ حيث عانيت من الاكتئاب المزمن (أعاني حالة من الإحباط تمتد معي منذ أكثر من عامين وربما ثلاثة أعوام، وأنا الآن مشتت لا أعلم ماذا أريد وماذا ينبغي عليّ أن أعمل! أعاني برودة الوحدة، لي معارف كثر)، وبالتالي يتوجه العلاج نحو المشكلتين معاً (اضطراب الشخصية، الاكتئاب)، وهو ما يحتاج إلى متخصص.
العلاج يكون بصورة أساسية نفسي، وقد تحتاج إلى الأدوية المضادة للاكتئاب ويكون العلاج في صورة:
1. العلاج التحليلي: ويهتم برؤية المريض للأحداث من حوله باعتبار أنها ربما تشكلت من خلال علاقاته الإنسانية في حياته المبكرة. ومن خلال استبصار المريض بالعلاقة بين خبراته المبكرة وواقعه، يمكن أن يحدث التغيير نحو الأفضل (يهدف إلى الاستبصار وتلطيف حدة الخوف المرتبط بالصراعات اللاواعية).
2. العلاج المعرفي: ويهتم بتشوهات الإدراك التي تكونت نتيجة تبني أفكار غير عقلانية لمدة طويلة. وتهدف إلى مساعدة المريض في التعرف على هذه التشوهات والأفكار ومن ثم تعليمه الأسلوب الأمثل للتغيير (قد تفيد أساليب العلاج المعرفي في تقليص وإزالة التوقعات المرضية التي تقلل إلى حد كبير ثقة المريض بنفسه).
3. العلاج السلوكي: التدريب التعبيري والتدريب على المهارات الاجتماعية لزيادة ثقة المريض بنفسه باستخدام أساليب نزع الحساسية.
4 – العلاج الجمعي.
أما العلاج الدوائي فإن دوره في علاج اضطرابات الشخصية محدودٌ جداً، ولكنه قد يستهدف اضطراب الاكتئاب المزمن.
يحتاج العلاج إلى عدة سنوات لإحداث تغيير حقيقي فلا تيأس وتابعنا بأخبارك.
واقرأ على مجانين:
الشخصية التجنبية والحياة على الهامش
الشخصية التجنبية...في بحر الحياة