السلام عليكم,
إخوتي وأساتذتي لا أعرف كيف أبدأ وصف معاناتي لكم فأنا كما أقول عن نفسي (في نفسي دائما) مستودع متنقل للأمراض النفسية بكل أسف وصراحة.. فقد ابتدأت حياتي ووعي بهذا العالم كفتاةٍ خجولة لا تتفاعل كثيراً مع من حولها اللهم بعض الصديقات اللاتي في نفس عمري.. نشأتُ في أسرة قاسية وصارمة جداً وبالذات أمي التي لم أرها يوماً تبتسم في وجهي أو حتى تحتضنني كأي أم أخرى.. بل كانت على العكس تماماً تحطمني وتكسر احترامي لنفسي منذ الصغر.
مررتُ بالعديد من التجارب القاسية.. ولأكون صريحة معكم: (أنا لا أحب التفكير النكدي ولا استرجاع الذكريات الأليمة لأنها ترفع ضغطي وضغط اللي يسمعني وتطفش كمان!) لأجل هذا سأكتفي فقط بسرد تاريخي المرضي والذي لم أكن أدرك أنه مرض إلا بعدما كَبُرتُ وتعلمت..
في بداية سنين عمري الأولى تقريباً في عمر العشر سنوات أو ثمان سنوات مررتُ بحالة من الوسوسة بأن لدي مرض معين أظنه السكري.. ثم انتقلت الوساوس للضغط ثم السرطان عافانا الله وإياكم ثم حتى الأيدز!! لا تحكموا علي فوقتها كنت لا أزال طفلة وليست لي مدارك في هذا العالم كنت أشك إذا رأيت شيء معين أو قرأت عن أعراض أحد هذه الأمراض ثم أدخل في فترة من الهم بأن هذا المرض لدي!! (صدق مرض وربي إني أضحك على الذكريات هذي الحين). لكنني وبفضل الله شفيت منها وذهبت تلقائياً.. بعدها في عمر 10 مررتُ بحالة نزع للشعر ونجوت منها بأعجوبة بعد أن استمرت ما يقارب الستة أشهر؟
في سن المراهقة رجعت لي الحالة ولكن تخلصت منها بصعوبة بسبب الحالة المزرية التي وصل لها شعري واقتراب زواج أختي الكبرى! لكن كل هذا لم يكن يؤثر على صداقاتي وعلاقاتي بالآخرين بالعكس فإنني كنت رغم خجلي أبني صداقات بكل سهولة مع البنات بالمدرسة (بالمدرسة فقط وليس بالعائلة حيث لم أكن أتحدث كثيراً مع قريباتي البعيدات اللاتي من جيلي).. المهم وصلت للمرحلة الثانوية وبدأتُ رحلة الانتفاضة ضد الخجل والسلبية! في الصف الأول ثانوي.. فعشتُ الحياة التي حلمتُ بها دوماً ودافعت عن نفسي وعن حقوقي بكل قوة حتى حصلت على كل ما أريد أو معظمه وكونت صداقات كثيرة وجميلة لا يزال بعضها قائماً إلى الآن.. وهذا بحد ذاته شيء جميل ورائع رغم كل شيء.
لكن عندما وصلتُ للصف الثانية ثانوي كانت لدي معلمة حطمتني كثيراً أمام صديقاتي (الأشخاص الوحيدون الذين لم يعرفوا عن ماضيّ الخجول) ففقدت صورتي أمام صديقاتي واهتزت ثقتي بنفسي وشخصيتي كثيراً أمام تحطيمها (الله لا يسامحها).. أو هكذا اعتقدت وسمحت لها بذلك والسبب هو أنني بالأساس ليست لدي خلفية تدعمني فأمي بالبيت وفي كثيرٍ من الجلسات العائلية والاجتماعية تهينني وتوبخني بشكل يجرح كرامتي كثيراً.. ولم أدافع عن نفسي (فهي أمي!!) __يعني خربت___ من الجهتين أمام جيراننا الذين يعلمون قَدْري عند أهلي وأمام صديقاتي بالمدرسة الذين واجهنني (لماذا لا تردين على أبلة فلانة)؟؟ وأنا أسكت ولا أرد. رغم أني أعلم قدراتي جيداً والكل يشهد لي بالذكاء حتى هي لما أصبحنا بالصف الثالث ثانوي أصبحت تمتدح "ذكائي" لأن جميع المسائل الخارجية أحلها أنا ويعجز من كانت تصفهم (بالمجتهدين والشطار) عن حلها!! لكن كل هذا لم يكن يؤثر كثيراً فقد كنت خفيفة الدم والخلوقة لدى جميع صديقاتي وكونت صداقات كثيرة جداً لدرجة أنني لم أعد أجد الوقت لكي (بالمناسبة هذا الشيء لا يؤثر علي كثيراً الآن وقد نسيته ولله الحمد ولكن أحببتُ ذكره لأني أراه شيء رئيسي في تكوين مشاكلي النفسية المتعددة لاحقاً)...
تخرجت من الثانوية بمجموع عالي والحمد لله وكنت الثالثة على دفعتي ودخلت جامعة عكس ما أريد وغير التي دخلتها صديقاتي لأن أهلي والمجتمع (وأنا حين استسلمت لكلامهم) يريدون ذلك.. وهنا ابتدأت جميع المشاكل!! أحسستُ نفسي تائهة في مجتمع كبير لم تتقبله شخصيتي الخجولة التي طفت على السطح مرة أخرى بعد انتفاضة الصف الأول ثانوي!! لا أستطيع الحديث مع أي بنت أو أستاذة حتى مشاركة لا أشارك وكأن الخجل والرهاب الاجتماعي كله نزل علي مرة وحدة؟؟ لم أعرف نفسي إطلاقاً!!..
أصبحت شخصية أخرى تماماً بعد أن كنت خفيفة الدم الإيجابية في الثانوي وكوميديانة الفصل.. أصبحت إنسانة أخرى جداً.. افتقدتُ صديقاتي كثيراً وأهملت دراستي كثيراً فلم أذاكر في اختباراتي.. حصلت لي مواقف في الجامعة بسبب خجلي ورهابي أحرجت فيها كثيراً حتى أصبحت أكره الجامعة باللي فيها وفقدتُ الإحساس بالفرح والمتعة في الحياة طبعاً لم أكن أذاكر أبداً في أي مادة والمعدل الذي أحرزته كان 1 من 4 تخيلوا من قمة الذكاء والاجتهاد إلى الحضيض!! ثقتي بنفسي كانت صفر!!! والقلق النفسي الذي يأتيني أيام الامتحانات كان غير طبيعي... لدرجة إني لا أستطيع أن أمسك بكتابي لأذاكر!!
انسحبت من جامعتي وحصلت لي مشاكل ليس لها أول لأنني لم أأخذ نسخة من ورقة سحب الملف التي بدونها لن أقبل في أي جامعة أخرى أو كلية (لأنه تم الختم على شهادتي من قبل الجامعة وبسبب نظام غبي يجب أن أحضر إثبات من جامعتي القديمة أنني سحبت وإلا لن تقبل بي أي جامعة!!) هذا الإثبات لم أأخذه من الجامعة القديمة وبسببه رفضتني الجامعة الأخرى! جلست في البيت لمدة سنة.... أفكر كثيراً في مستقبلي الذي ضاع وفي هذه الفترة لاحظتُ أنني لا أستطيع الكلام مع أي شخص إلا وأجعل من نفسي أضحوكة بسبب الردود الغير متوازنة التي أطلقها.. فثقتي بنفسي كانت في الحضيض وكنت حين أحادث أي شخص ألاحظ أنه ينظر لي باستغراب أو ضحكة مكتومة من غباء أو سذاجة أو بلاهة أو براءة (سمها ما شئت).
كلامي كنت أشعر بأنني بعيدة عن الآخرين وما أتكلم به ينقلب ضدي أو أفاجأ بأنه استخدم للسخرية مني! ولا أدري كيف أصف الأمر فالحال فعلاً غريب؟ لدرجة أنني سألت أخواتي كي أعرف هل هم يعرفون أن بي (أو بنفسيتي) خلل أو لاحظوا هذا الشيء؟ فوجئت بأنني أمري مكشوف وجاوبتني أختي الوسطى التي تكبرني بصراحة كما طلبت منها فقالت لي (أنتِ تتكلمين كلام لو كنت في محلك لا أقوله) وصديقتي قالت لي بأن هناك من يقول عني (نحسها صغيرة بالعمر.. طفلة من كلامها) وبالصدفة عرفت من الدكتور طارق الحبيب بأن هذه أعراض نقص تقدير الذات لأن الشخص الغير واثق من نفسه إذا تحدث يحسه الآخرين كأنه شخص صغير لأنه لا يجد فرصة يعبر فيها عن نفسه وإذا وجدها بالغ في تصرفاته وكلامه لأنه لا يجد هذه الفرصة دائماً وهذا نتيجة التحطيم من الأهل والبيئة. وهذا بالضبط ما كنت أعانيه بحثت كثيراً عن علاج ولكنني لم أقدر لأنني ليس لدي دخل مادي ولا أريد أن يعلم أحد عني.. والنتيجة...... انطويت على نفسي كي لا أجعل من نفسي أضحوكة (للي يسوى واللي ما يسوى!) زادت حالتي النفسية سوءاً وأنا أرى أخواتي,صديقاتي بالثانوي, وحتى بنات جيراننا الذين كنّ خجولات يتكلمن بثقة واتزان وانطلاق أكثر مني! كنت أمني نفسي بأنها شدة وستزول إذا يسر الله لي الدخول للجامعة مرة أخرى وفعلاً بعد هذه السنة دخلت الجامعة الأخرى وكلي أمل بأن أكون صداقات وأحطم كآبتي وعزلتي وقلقي لكن هيهات!! بقيت منعزلة عن الناس والمجتمع وأتصرف بخجل وعدم ثقة بالنفس!
تعرفت على بنات رائعات جداً لكن ما قدرت أقوي صداقتي بهم.. بل حدثت لي معهم مواقف جعلتهم ينفرون مني ومن شخصيتي الضعيفة الغير متزنة عديمة الثقة بالنفس! بحثت بالنت وقرأت عن سبل تقوية الثقة بالنفس واشتركت بخدمة بالجوال أفادتني كثيراً وتعلمت منها بعض الأساليب في التعامل مع الناس وقرأت كتاب (فجر طاقتك الكامنة بالأوقات الصعبة) فأفادني جداً جداً رغم أني لم أكمله حيث أنني قرأته بالنت ولم أرد إكماله إلا عن طريق شرائه لحفظ حق كاتبه وكي لا أكون سارقة أمام الله.
حادثت طبيباً نفسياً ولكنني لم أكمل معه لأنني لم أعطه كامل ماله إلى الآن لأني أردت إكمال حقوقه أولاً كي أكمل علاجي معه ولم أكملها إلى الآن حيث مرت 6 أشهر على هذا الأمر.. أنوي إكمالها لكن لا أعلم كيف.. ماله لدي لكنني لم أجد الفرصة لتحويله... العجز الشديد يتملكني عن إكمال أي شيء وأصبحت أفكر كثيراً بالانتحار.. وصف حالتي الدكتور بأنها اكتئاب لكنه لم يعطني أي دواء أخبرني بأن العلاج السلوكي يكفي. ربما هذا سبب آخر جعلني أتركه لأن العلاج المعرفي بطيء المفعول جداً جداً وأنا لم أعد أحتمل المواقف المحرجة والرهاب والقلق وضعف الشخصية الثقة بالنفس!!
هوس نتف الشعر رجع لي مرة أخرى ولكن ليس بالنتف بل بتقطيع الشعر وهذا منذ ثلاث سنوات أي منذ الصف الثالث ثانوي لدي شيء آخر يا دكتور ولعله آخر مرض أذكره لك هو أنني أحياناً أعاني من أحلام اليقظة وأتفاعل معها لدرجة أنني أحياناً أتكلم أو أحرك يدي أو أبتسم؟ الأمر تقريباً تحت السيطرة أمام الأغراب لكن إذا كنت لوحدي فهو يحدث كثيراً؟ لدي وساوس بالصلاة لكن لا أعيدها فقط لا أركز فيها لا أستطيع التركيز؟ لدي أحلام كبيرة ولكنني حين أتذكر ما أمر به أحزن وأيأس من (قدرتي أنا شخصياً) على تحقيقها؟ ما هو مرضي يا دكتور وهل هناك أمل في شفائي كي أرجع طبيعية مرة أخرى؟؟
آسفة جداً جداً على الإطالة واعذروني.. لأني انتظرت هذه الفرصة للاتصال بكم كثيراً وأردت وصف كل شيء يؤرقني أتمنى إبقاء رسالتي خاصة إن أمكن يا دكتور لأن بها كثير من الوصف الشخصي..
وجزاكم الله عني خيراً وبارك في جهودكم
18/08/2009
رد المستشار
الأخت السائلة وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛
تقولين: (في نفسي دائما مستودع متنقل للأمراض النفسية بكل أسف وصراحة)
من الذي بنى لك هذا المستودع ووضع فيه معاناتك؟!
والسؤال الأهم من يستطيع أن يحوّل هذا المستودع الخرب المظلم للأمراض النفسية إلى بيت راتب فيه أنوار الأنس والبهجة والطمأنينة النفسية؟!
الجواب هو أنت للسؤال الأخير وبكل تأكيد..
أنت تحتاجين للمساعدة النفسية المتخصصة، ولكن يبقى أنت القادرة على فعلها وستفعلينها... لأننا لا نستطيع أن نعود لطفولة والمراهقة ونصحح ما تم تخريبه، لا نستطيع أن نقول لأمك وهي في هذه المرحلة العمرية تغيري لتتغيري أنت، لأنها تغير مكانها في حياتك وهي الآن شيئا فشيئا ستحتاج لك أكثر بكثير من أن تحتاج لها. لا نستطيع أن نعود للمعلمة التي لا تزال ذكراها تؤرقك ونصحح لها سلوكها.. وهذا جواب السؤال الأول ضمن السطور السابقة والتالية..
والذي نستطيع أن نحاورك أنت أن تحولي هذا المستودع والذي ما هو إلا نفسك إلى حالة أعلى وأرقى، لترتقي لمستوى عقلك، لأنك ولا أعرفك قبلا تملكين من العقل والحكمة الشيء الكثير والعالي ولكن نفسك لم ترتقي لمستوى عقلك بسبب عبء ما تحمل هذه النفس من معاناة.
نعم ما لديك هو الكآبة كمرض وهنالك تفاعلات بيولوجية في دماغك تحتاج الدواء لتصحيحها لترتاحي.. وما لديك من أعباء الماضي واللوم والعتب على الآخر والذات يجب أن ترميه وراء ظهرك.. ويجب أن يكون نظرك دائما نحو المستقبل المشرق بإذن الله.. فأنت بحاجة يا عزيزتي لعلاج دوائي مع جلسات نفسية في نفس الوقت.. تابعينا بأخبارك...
واقرئي على مجانين:
قطعة ثلج في قبر بارد
قطعة ثلج في قبر بارد متابعة
من شدة حبي وخوفي أمي سأقتلها أو سأموت مقتولة
أحتاج لموقع خاص لأصف حالتي
هرباً من الفردية، اصنعي أنت عالمك
الوسواس وأخواته (نتف الشعر والاكتئاب)
بين الحياء والخجل: تمشي على استحياء
أشعر أن الموت سوف يأتي في أي لحظة
أنت بحاجة لأكثر من حبة سيرترالين
إشراقة معتمة.. بسمة ممزوجة بدموع قلب