خلطَبِيطة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أود أن أشكركم شكراً جزيلاً على هذا الموقع المتميز جداً. لقد ترددت كثيراً قبل أن أكتب إليكم، ولكن أحاول أن أستجمع قواي وأجرّب حظي.
وبداية أسألكم: هل الرهاب الاجتماعي في بعض المواقف يحتاج إلى علاج؟ أم طالما أني لا أتعرض للمواقف التي أشعر فيها بالرهاب فلا داعي للاهتمام؟ كنت أمارس إحدى الألعاب الرياضية الفردية، وكنت إذا ذهبت إلى التدريبات أتمرن بشكل جيد جداً، ولكن إذا لعبت مباراة وخاصة في مكان غير النادي الذي أتمرن فيه أشعر بتوتر شديد وخجل، حتى أنني في آخر مرة تمنيت أن تنشق الأرض وتبتلعني ولا أؤدي حتى ب 50% من أدائي الحقيقي حتى تركت هذه اللعبة نهائياً!.
وقد كانت تلك المباراة هامة جداً بالنسبة لي؛ حيث كان عليها درجات للثانوية العامة، وحيت هزمت من فتاة أقل مني بكثير شعرت بالحزن الشديد وقررت أن أعاقب نفسي فقصصت شعري بيدي، وكأنني أتحدى نفسي أنني أستطيع أن أفعل ما لا أقدر على فعله "تصرف عبيط". وحينما أكون مثلاً في درس فيه عدد كبير من الطلاب وأحاول الإجابة عن شيء أجد نفسي خجلة جداً وأشعر أن أذنيّ قد احمرتا وأتلعثم قليلاً في الكلام، وكأن الأفكار قد طارت من عقلي، ولكنني في غير ذلك أتمتع بشخصية قوية نسبياً!.
مشكلة أخرى وهي عدم التركيز؛ حيث أشعر أن تركيزي قد قل كثيراً، فقد كنت في العام الماضي أكثر قدرة على الاحتمال، ولكن هذا العام أحس نفسي غبية! فمثلاً: أخطئ في الامتحانات أخطاءً قد تكون في سهولتها كأنها "واحد + واحد" وقد تكرر هذا في كثير من الامتحانات حتى أتعب نفسيتي كثيراً، وأقول لنفسي في كل مرة هذا ما أستحقه فالله يعاقبني، فأنا أيام الامتحانات هذه لا أراجع جيداً واشعر بالحزن والكآبة وأكتفي بالبكاء حتى يضيع اليوم ويضيع تركيزي وأظل أفكر في كل ما يضايقني منذ يوم ولادتي!. أنا أرى أنني لا أستحق شيئاً في الحياة وأني عاجزة عن القيام بأي شيء مفيد، فالشيطان يلعب برأسي الكرة. منذ طفولتي وأنا لا أثق بنفسي، حتى أنني كثيراً ما كنت أسأل أمي هل أنا طبيعية؟ ولا أعرف لماذا كنت أشعر بذلك دائماً؟ وكنت أخجل كثيراً من شكلي ووجهي النحيف، وأشعر بالألم أن لأبي وأمي سمّياني اسماً قديماً.
لم أشعر في حياتي أن أبي وأمي يحبان بعضهما؛ أبي يحتقر أمي ويحقّر من شأنها ويعاملها كأنها غبية، كنت أرى على وجهه علامات الألم وكأنه نادم أنه تزوج بها، وكنت أرى في عينيها الحسرة، وهي دائماً عصبية ومخنوقة.
أشعر بالإهمال الشديد والبرود واللامبالاة، فإن كسر شيء مثلاً أو تعطل في المنزل فلن يصلحه أحد. بيتنا كئيب جداً وكل شيء فيه يوحي بالكآبة، ولا أحد يهتم به، ولا أحد يحترم أحد ولا يقدر مشاعر أحد، فنحن عائلة مفككة بكل المقاييس. أشعر أني نسخة طبق الأصل عن أمي، وأشعر أن حياتي ستكون سيئة ولن أحظى بأسرة سعيدة قط. أبي دائماً صامت ولا نعرف عنه شيئاً، فهو يتحدث مع أصدقائه وإخوته أكثر منا، ولا نخرج معاً بل كل واحد يخرج مع أصحابه! شيء آخر هو أنني كنت دائماً اشعر بتفضيل أبي لأخي أكثر مني أنا وأختي، وكان دائماً يقضي الوقت معه، ولم أشعر بوجوده كثيراً في حياتي على الرغم من أني متأكدة أنه يحبني كثييراً، وهو أيضاً لا يعامل أمي بلطفٍ وحب، فلم أره مثلاً يجلب لها هدية من قبل، بل هي تأتي بكل احتياجتها من راتبها وهذا يؤلمني كثيراً.
آخر نقطة -وآسفة لإطالتي في كلام قد يكون تافهاً- أني كنت أحب شخصاً تعرّفت عليه من الإنترنت وكنت أحبه جداً، المهم ابتعدت عنه وعانيت مدة، وقبل أن تنتهي معاناتي جاءني شخص -وهذا أعرفه في الواقع- وقال لي أنه يحبني جداً، رفضت في أول الأمر لكنه ألحّ أن أعطيه فرصة فهو يحبني منذ عامين ولن يتركني قط. وافقت أن نتعارف أكثر ولكن في حدود، ويا لي من شريرة؛ سنتان وأنا مع هذا الشاب، يزداد تعلقه بي يوماً بعد يوم وأنا أتحجج بالثانوية العامة والانشغال.. في الحقيقة أنا لم أحببه، ولكني لا أستطيع تركه! فهو شديد التعلّق بي. أنا أعلم أني حقيرة لكن والله أني أتعذب بسببه أكثر مما كنت أتعذب لفقدان حبيبي الأول. أشعر أني لم أعد أستطيع أن آخذ أي قرار في حياتي، فأنا دائماً مترددة إلى أبعد الحدود، ولم يعد لدي هدف في الحياة وكثيراً ما أتمنى الموت حتى أريح من حولي وأرتاح.
ربما لا توجد مشكلة قاتلة في حياتي، لكنني دائمة الشعور بالحزن وعدم الرغبة في أي شيء حتى تحولت من تلك الإنسانة المرحة التي تعرف كل من في المدرسة إلى هذه الكئيبة التي تجلس وحدها نائمة على "مقعدها"، وجربت الانتقال من المدرسة لعلي أجد أصدقاء جدد ولكنني اكتشفت أن العزلة تأتي من داخلي وليس ممن حولي فوجدتني أشعر بالغربة. لقد وهبني الله حب الناس؛ فأجد الناس يحبونني ولكن أشعر دائماً بحاجز بيني وبينهم حتى ييأسوا مني ويهملونني.
أشعر- أيضاً- أحياناً أنني لا أفهم الناس ولا أستطيع تحليل أفعالهم جيداً، وأني سهلة الانقياد لأي رأي، فأنا أصدق أي شيء يقال لي. وأخيراً هناك شيء كنت أستغربه في نفسي وأنا صغيرة؛ كنت إذا رأيت أمي تعامل أحد الرجال بلطف شككت بها وعاملتها بقسوة، وكنت أحياناً أتخيّل أنها تحب رجالاً آخرين.
أظنني أطلت عليكم، وسأكون شاكرة جداً إذا اهتم أحدهم، وطبعاً أقدّر انشغالكم.
وشكراً.
6/7/2009
رد المستشار
أهلاً ومرحباً بك،
أتعجبك ملحمة الإذلال والتهوين من شأنك هذه التي كتبتها؟ أعيدي قراءة رسالتك هذه سطراً سطراً وأحضري ورقة وقلماً وعدّي المرات التي تفوهت بها بأشياء سيئة عن نفسك وما أكثرها.
كيف تريدين أن يهتم بك الآخرون وأنت لا تهتمين بنفسك؟! إهمالهم لك جاء كنتيجة لإهمالك لنفسك، تنعتينها بصفات سيئة فماذا تنتظرين من الآخرين؟ إن أردت أن يحترمك الآخرون فابدئي باحترام نفسك أولاً، وأولى خطوات الاحترام هي تجنب الإهانه باللفظ أو الفعل.
منذ اليوم قولي لنفسك: "أنا إنسانه جيدة مليئة بالمميزات" وهذه حقيقة لا محاولة مني للعطف عليك؛ أنت لست ضحية يا عزيزتي بل عليك حقوق، أين حق نفسك عليك؟ أين حق والديك عليك؟ لا يعجبك البيت، وماذا تفعلين أنت لتجعلي منه بيتاً حلواً كما تتمنين؟ لا تعجبك أمك فأنت لا ترين فيها إلا العيوب، لا تلتمسين الأعذار لأحد ولا تضعين الأشياء في نطاقها الزماني والمكانين وتقفين عاجزة منتظرة أن يقودك الآخرون. خطأ يا عزيزتي، كل هذا خطأ؛ يجب أن يكون لك وقفة، فكل هذا الاكتئاب وعدم الثقة تجعلك تسيرين في دائرة مفرغة لا نهاية لها إلا إن أوقفت أنت العجلة.
أريد منك الآتي: أن تكتبي قائمة من جمل واضحة تصفين فيها نفسك؛ ضعي الإيجابيات أولاً ثم أتبعيها بالسلبياتن ثم بكلمات أخرى واضحة اكتبي ما تريدين من نفسك وما هي الأشياء التي تريدين أن تكون فيك.
تأملي قائمة الإيجابيات طويلاً واختاري إحداها ثم تمثّليها، فإن كتبت على سبيل المثال في قائمة الإيجابيات أنك تجيدين الطهي قومي واطهي أشهى ما تحبين.
نذهب الآن لقائمة العيوب والتي أراهن أنها ستكون عامرة، اختاري أسوء ما فيها، كأن تكتبي مثلاً "أنا عديمة الثقة وضعيفة"، ثم اسألي نفسك الأسئلة التالية: لماذا أعتقد هذا؟ ما الذي جعلني أشعر بهذا؟ ما معنى القوة من وجهة نظري؟ ثم اغمضي عينيك ومثّلي مشهداً سينمائياً لك بما تحبين وتتمنين أن تكوني عليه من قوة، كأن تختاري موقف ضعف لك وتعيدين تمثيله بما كان يتوجب عليك عمله.
وهكذا في عملية أشبه بالواجب المنزلي أحضري قائمة المميزات واختاري منها شيئاً وقومي به، وقائمة العيوب واسألي نفسك الأسئلة السابقة مع كل عيب ورد في قائمتك، ثم في نهاية الأمر أعيدي كتابة القائمتين مرة أخرى. وفي تلك الأثناء أتمنى لو خرجت من الجو الكئيب الذي تعيشين فيه؛ إن كان في بيتك شيء لا تحبينه غيّريه، كأن تغيّري نظام غرفتك أو غرفة الجلوس، وتخلّصي من الأشياء الزائدة ونظفي البيت، وأصلحي الأشياء العاطلة إن استطعت، واخرجي بصحبة صديقات معروف عنهن المرح والضحك.
وأخيراً، أقول لك أحبي نفسك أولاً فيحبك الآخرون، ومتى أحببت نفسك بكل ما فيها من مميزات وعيوب فستتغير الدنيا من حولك، وإن شاء الله ستجدينني معك متى احتجت.