مش عارف اعمل أيه
لقد بعثت بهذه الرسالة إلى شيخ ولم أتلقَ ردّأً عليها، فقلت أجرب أن أبعثها لكم لعلّ وعسى.
أما أعاني من مرض نفسي كالوسواس القهري الديني، كنت مدمناً على المخدرات أيضاً، لكن لست مريضاً نفسياً. وقد أكون أتعاطى المخدرات حتى الآن، لكن بسبب الهم الذي أعيشه.
لن أطيل على حضراتكم، هذه هي الرسالة التي بعثتها للشيخ أبعثها لحضراتكم، فقد فاض بي ولم أعد أدري ماذا أفعل. إليكم مضمون الرسالة:
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته،
أمّا بعد،
يا فضيلة الشيخ،
أنا شاب في السادسة والعشرين من عمري، مسلم والحمد لله، كنت كسائر الشباب لا أعرف شيئاً عن الدين، بل كنت مسلماً بالاسم فقط، وشاء الله سبحانه وتعالى برحمته وبفضله أن يهديني منذ أربع سنوات وألتزم لمدة سنة بفضل الله، من سنة 2004 إلى سنة 2005، وفي خلال هذه السنة جاء رمضان واعتكفت وكانت أول مرة أعتكف فيها، والحمد لله اعتكفت العشرة الأواخر كاملة في المسجد، وكانت هذه أحلى عشرة أيام في حياتي كلها ولكن... أحسست أن هناك شيئاً غريباً يحدث لي وأنا بداخل المسجد، وكنت نائم وأحسست أن هناك شيئاً يسحب روحي من جسدي، قوة مهولة جداً تخنقني ولا أستطيع أن أحرك شيئاً من جسدي، فقلت في نفسي ساعتها أنه الموت، وإذ بي أرفع اصبع يدي اليمنى بالشهادة، وإذ بهذا الاختناق يزول عني، فسئأت فيها وبحثت بعد ذلك فعرفت أن هذا شيء يسمى بالجاثوم.
كنت قبلها أشك أن بي مسّ من الشيطان، وعندما حدث هذا لي في المسجد تأكدت أنه مسّ ولكني لم أعرف ماذا أفعل، وفي خلال الاعتكاف كان هناك أشياء غريبة تحدث ونحن نصلي، كنت أحس أني السبب فيها: أنوار المسجد تنطفئ وتنور، وأشياء غريبة تحدث كنت على يقين أنني السبب فيما يحدث ولكني محرج أن أقول شيئاً. وقبلها كنت على يقين أن بي شيء ولكن قلت: "أنا ذاهب للاعتكاف يعني في بيت الله، وأكيد لو بي شيء فسيصرفه الله عني".
الخلاصة يا فضيلة الشيخ بعدها مرّ عليّ وقت وأنا ملتزم ولكني انتكست في التزامي بالدين وتركت الصلاة ورجعت لارتكاب المعاصى ثانية أكثر من السابق، وجاء على رمضان هذا العام فقلت هذه فرصتي للرجوع إلى الله، ولكني واجهت صعوبة في الصلاة؛ فمثلاً عندما آتي لأصلي أجد وسوسة وسبّاً للدين، وربما والعياذ بالله سبّاً للدين ومعاذ الله سّباً لله أو للرسول في بعض الأحيان، أو سبّاً لي أنا شخصياً! وأجد وساوس تقول لي أنت وليّ للشيطان... وهكذا. وأحس أيضاً بنبض في جسدي وفي رجلي نبض غريب وسريع كأن هناك شيئاً يجري بداخل جسدي، بل وأحسست في بعض المرات وأنا نائم أني أجامع شيئاً لا أراه؛ كنت نائماً وأحسست أني أعاشر امرأة وتأتي لي في عدة أشكال مختلفة.
ذهبت لشيخ فيما سبق وحكيت له فقرأ عليّ لكن دون جدوى، ولكني ما زلت أعاني يا فضيلة الشيخ، لقد ضاع رمضان 2009 مني، لم أعمل طاعات مثل باقي الناس، كنت أصوم وأصلي الخمس فروض بالمنزل وليس في جماعة، وأنا وحدي، وجاهدت نفسي لكي أصلي الخمس فروض وأصوم رمضان فقط.. أنا معترف أني ما زلت مقيم على معاصيّ، وأحياناً أكون عصبي وأشتم وأسبّ وألعن، ولكني أرجع ثانية وأنا وحدي أبكي، لماذا كل هذا يحدث لي؟ أعلم أنني المخطئ ربما المعاصي التي فعلتها هي ما جلبت لي هذا من مسّ أو فقر أو فشل عام في حياتي.. فعلت كل المعاصي ولكني عندما تبت والتزمت كنت صادقاً، أي نعم هي سنة وأقل من سنة التي التزمت فيها بالدين ولكني كنت صادقاً، وما أفسد عليّ التزامي إلا الوسوسة هذه وجعلتني أترك الصلاة وأترك ديني وأنتكس، مع العلم أني كنت أقول أذكار وأسمع القرآن والرقية الشرعية ولكن دون جدوى.
الآن يا فضيلة الشيخ قد فاض بي، أريد أن أرتاح مما أنا فيه، أريد أن أحس أنني مسلم أستطيع أن أصلي، نعم ستأتيني وسوسة ولكن كأي شخص عادي وسوسة عادية تأتيه لتلهيه عن الصلاة، ولكن كيف أستطيع أن أصلّي وأنا أجد مثلاً من يسبّ لي الدين؟ أفسدت عليّ كل شيء الصلاة وقراءة القرآن والذكر، أصبحت أهرب من كل طاعة كي لا أجد هذه الوسوسة، أريد أن أعرف ما بي إن كان مسّاً أو سحراً أو أي شيء آخر، وكيف أتعامل معه؟. آسف للإطالة وأرجو الإفادة من فضيلتكم.
وجزاكم الله خيراً،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
30/9/2009
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا هاشم،
أسأل الله تعالى أن يغفر لي ببركة ندمك وشوقك للتوبة.
يا هاشم الطريق مفتوح فلا تقلق من ماضيك فهذا يصدك عن التوبة، ويسلط الشيطان عليك...، وإن كثرت عليك الهموم فسلم أمرك لله واعلم أنه لن يخيبك... الهموم والضيق لا يتركان أحداً ولكن هناك من يطرح همومه على بابه سبحانه ويتضرع إليه ويطفئ نار الهم في قلبه بمناجاة خالقه فيكسب الدنيا والآخرة... وهناك من يلتجئ إلى إلهاء نفسه بأنواع الملاهي والمعاصي أو بالمخدرات... الهروب من الواقع يا هاشم لا يغير منه شيئاً، وسيأتي عليك يوم وتصطدم بالحقيقة... واليأس من التغيير يعيدك إلى الوراء فعد وأقبل إلى الله تعالى بأمل ويقين بالمغفرة، لأن الحزن والهم يسلط عليك الشياطين...، ولا تقل إني فاشل في حياتي ولكن أقبل بهمة وعاهد الله بصدق واصبر على مشقة الطريق فلن تلقَ إلا الخير بإذن الله تعالى.
ولتضمن استمرارك على الاستقامة، ابعد عن رفاق السوء والأماكن التي كنت تقترف فيها المعاصي ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وابحث عن صحبة صالحة وتقرب من الصالحين في الحي أو من أقاربك والزمهم، واجتهد على الحفاظ على صلاة الجماعة في المسجد.
وأما ما تشعر به من وساوس سب عند الطاعة، فأقول لك: إجمالاً الشيطان يكثر من هجومه على الإنسان في أول توبته وعند إقباله إلى الطاعات ليصده عنها، ولكن لا تقلق من ذلك فكيد الشيطان ضعيف. ولكن وساوسك التي تشكو منها ليست وساوس الشيطان فقط، بل هي الوسواس القهري وهو مرض كسائر الأمراض، يزول بالعلاج، وقد عانى الصحابة من قبلك مما تعاني منه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. قَالَ: «وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟». قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: «ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ»))... فهذه الوسوسة لا تؤثر على توبتك، بل تدل على قوة إيمانك يا هاشم، فلولا صدقك وإيمانك ورغبتك في العودة إلى الله تعالى لما استعظمت ما يجري في ذهنك، فأنت ترى كثيراً من العاصين من حولك لا يبالون أن يقولوا ذلك بلسانهم فضلاً عن أن يستنكروا ذلك إن ورد على ذهنهم...
وخير دواء لهذه الوساوس ألا تخاف منها وأن ترميها خلف ظهرك وتقطعها وتشتغل بغيرها، وألا تترك الطاعات من أجلها، وهو ما يسمونه في المجال النفسي "بالتعرض للمثير مع منع الاستجابة". قد تتعب في أول الأمر لكن ما تلبث إلا وتتخلص منها. وأنت ترى أن هذه الوساوس لم تقدر على صد الصحابة عن دينهم، وهم بشر مثلك فاقتدِ بهم وثابر على التوبة والعلاج.
كذلك استمر على الرقى والأذكار، وهناك أذكار خاصة لطرد الوساوس تجدها في مقال: (منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري 11).
وأنصحك بالذهاب سريعاً إلى طبيب نفسي لأخذ العلاج الدوائي للوسواس، وليعينك كذلك على التخلص من الإدمان. وحبذا لو يكون ذلك الطبيب ماهراً بالعلاج المعرفي السلوكي.
عافاك الله وشفاك، وثبتك على دينه، ولا تنسنا من الدعاء.