قبل النشر والكي، السخرية والنضج
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أود أولا أن أعلق على ردك لرسالتي السابقة والتي بعنوان قبل النشر والكي: عصر الملابس والذي أحسست فيه بشيء من السخرية بل كثير من السخرية وأنا أرى أن الطبيب الناجح لا يسخر من أي مشكلة تعرض عليه مهما بلغت درجة تفاهتها ويجب أن يعلم أن المشكلة مهما صغرت فهي تشكل ضيقا على صاحبها ولثقتي في هذا الموقع ومدى الارتياح الذي أشعر به بعد الرد على أي رسالة أرسلها لهذا الموقع فأنا تقريبا أرسل كل المشاكل التي تواجهني كبيرة كانت أو صغيرة لأني أعلم أنك ستتقبلها بصدر رحب وسترد عليها الرد الأمثل الذي يريح النفس، ولكن إذا كان هذا سوف يسبب لك الضيق أو الملل فلا داعي منه وأنا أيضا قادرة على حل مشاكلي بنفسي دون أن ألجأ لأحد وحتى عندما أريد أن ألجأ لأحد فسوف أجد من ألجأ إليه الذي سيسمعني ولا يسخر من أي شيء أقوله.
ولأني أعرف أن فرق السن واختلاف التفكير والاهتمامات لهما دورا كبيرا في جعلك تقول مثل هذا الكلام، ولكنك لا تعرف مدى الضغط الذي كان على لأسباب أخرى لم أذكرها في رسالتي وإن كان المفترض فيك أنك قد أحسست مدى الضيق الذي كنت أشعر به من خلال السطور ومن خلال اختياري للألفاظ.
كما أني أريد أن أوضح شيئا من الممكن أن أكون أغفلت عن إرساله في الرسالة السابقة ولكنه إن كان موجودا فقد يكون الموقف أفضل وهو: أن ذكرى لهذه المشكلة -مشكلة الملابس- ما هو إلا مثال لما أتعرض له يوما ولكنها ليست هي المشكلة بعينها فهذا مجرد مثال لأدلل به على كلامي ولكن المشكلة التي هي محور الموضوع نفسه وهى إحساسي دائما بأني اقل من الناس ووووو... وليس موضوع الملابس فقط.
ولكنك يبدو أنك قد فهمتني خطأ وحتى لو كنت قد أرسلت هذه الملحوظة في رسالتي السابقة سوف تقول لي: نرجو قراءة إفاداتنا السابقة في المواضيع التالية: مجتمعاتٌ ضد توكيد الذات، أو كيف تنمي ثقتك بنفسك؟، وهكذا.. لأنك سوف تعتقد أن السبب في ذلك هو عدم ثقتي بنفسي ومن الممكن أن يكون هذا هو السبب فعلا ولكني كنت أعلم أنك ستفهمني خطأ برده!!
عموما أنا آسفة جدا على حدتي في الكلام وآسفة عن أي كلمة من الممكن أن أكون قد أخطأت فيها في لحظة انفعال وأرجو أن تقدر انفعالي، واعدك أني لن أرسل أي مشكلة مرة أخرى حتى لا أسبب لك الضيق والسأم، والسلام عليكم.
وفي نفس موضوع هذه المشكلة جاءتنا من المهندس المصري محمد كامل: المشاركة التالية، ورأينا دمجهما معا ليرد عليهما المستشار الدكتور أحمد عبد الله ردا واحدا، فكانت المشاركة كما يلي: قبل النشر والكي: عصر الملابس مشاركة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
خطرت لي فكرة وأنا أقرأ مشكلة الأخت الصغيرة هنونة (قبل النشر والكي: عصر الملابس) وأردت أن أشاركها معكم.. لقد فكرت: ما الذي يدفع الناس إلى السخرية من الآخرين واحتقار ملابسهن أو ما إلى ذلك...
وأظن أن السبب يكون غالباً إحساسهم هم أنفسهم بالنقص وعدم الثقة لذلك قد يلجئون لذلك من باب الهجوم خير وسيلة للدفاع... أو كما نقول في مصر: (خذوهم بالصوت لا يغلبوكم), وأيضاً هناك نقطة مشتركة في شخصية أغلب المراهقين وهي اختيار أحدهم لتكون –(الحفلة عليه)- أي ليكون الضحية التي تقع فريسة المجموعة ليتسلوا عليها ذلك اليوم...
تذكرت ذلك من أيام الدراسة, وتذكرت أيضاً أنني كنت في البداية الضحية المثالية وكنت أتعرض للضغط النفسي والاختناق والانعزال... إلى آخر تلك المشاعر, إلى أن قررت أن أقاوم... وكانت النتيجة التي وصلت إليها هي استخدام نفس أسلوبهم... واكتشفت أن مهاجمتهم من أسهل ما يمكن..
أولاً: أتقنت اصطياد عيوب أحدهم وتحويل (الحفلة عليه).. من نفس منطلق الهجوم للدفاع.
ثانياً: تعلمت كيف أواجه سخريتهم بالتظاهر بالثقة في النفس.. ووجدت أن ذلك يفقدهم المتعة.. ويهز ثقتهم في أنفسهم.. كما أنهم يكونون في هذه اللحظة من السهل السيطرة عليهم وتحويلهم إلى شخص آخر.
ثم اكتشفت أن اقتناع الشخص بما يفعل هو المفتاح لتقبل الآخرين لهذا الفعل أو حتى احترامهم له... فالشخص الذي يفعل الصواب وهو خجلان منه يكون سبباً في استخفاف الناس بهذا الأمر رغم أنه قد يكون فرضاً دينياً... وبالمثل فالذي يفعل أمراً تافهاً بثقة... فهو يجبر الكثيرين على احترام هذا الفعل حتى مع عدم اقتناعهم به...
لذلك أنصح أختي بأن تغير هذه الشلة كما نصحها د/ أحمد عبد الله... والى أن تجد الشلة البديلة فإن عليها أن تتميز عليهن بشيء ذو قيمة كالثقافة أو التفوق أو حفظ القران وعندما تشعر داخلياً أنها تفعل ما تفعل من منطلق قناعتها لا مجرد التقليد ستفاجأ بأن الآخرين هم الذين سيقلدونها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
6/1/2004
رد المستشار
بمناسبة ما تقولينه يا ابنتي العزيزة يجدر بي القول بأنني أكتشف نفسي بوضوح أكثر من خلال إجاباتي وردود أفعال الناس عليها، وأخيرا تأكد لي أن من أهم خصائص أسلوبي في الكتابة – بل والحياة كلها – هو استخدامي نوعا من التهكم والسخرية التي هي من الآليات الدفاعية المعروفة لتلافي الألم النفسي، وليس سرا أن آلامي النفسية موجعة ومبرحة مما أراه يحيق بأمتنا، ومن الفجوة التي أراها شاسعة أمامي بين أقوالنا وأفعالنا، بين الالتزام الذي نزعمه، والواقع الذي نعيشه... الخ.
وبالإضافة إلى اعتذاري مقدما ومؤخرا عن أي التباس أو سوء فهم من القارئ، وأي اندفاع في التعبير أو التقدير من جهتي أعود فأؤكد أن أية سخرية وأي تهكم إنما هو من حالنا وحالتنا، ولا يمكن أن أقصد به السائل أو السائلة – معاذ الله – فمن أنا، ومن أكون أو من يكون غيري حتى يسخر من أي أحد، فما بالك وأنا طبيب نفسي.
أقول هذا بمناسبة ما تقولينه، وهو ما تكررت أصداؤه في بضعة رسائل من بعض متابعيّ سواء على صفحة مشاكل وحلول للشباب أو على صفحتنا استشارات مجانين، بل ومن بعض الأصدقاء والمحيطين بي، وأحسب أن انقطاعا ثقافيا قد أصاب وعينا فالسخرية في الكتابة، والتهكم في التعبير الأدبي كان تقليدا مستقرا، وأسلوبا مشتهرا حتى وقت قريب، وقد كتب به فطاحل النثر والشعر، وأعمدة الفكر والثقافة مثل حافظ إبراهيم وأحمد شوقي في الشعراء المتأخرين، وكتب به النديم وبيرم التونسي وغيرهما، ولكن تلك قصة أخرى.
إذن عندك حق في أن كلامي يحمل الكثير من السخرية، ولكنها سخرية من منطق حياتنا وتفكيرنا، وليست أبدا سخرية بك أو منك، وقد لاحظت أن كاتب السؤال فقط هو الذي يستنكر هذه السخرية ويعتبرها شخصية، بينما غيره تصل إليه الرسالة بوصفها عامة تنتقد الأوضاع لا الأشخاص.
ملاحظة أخرى هي حديث عن شعوري بالملل من قضايا أو مشكلات بعينها، وهو أيضا تصور غير صحيح ولعله يبرز في إطار تفسير السخرية أو التهكم، وببساطة أقول أن من يمل من سؤال لا يجيب عليه بكل تلك الاستفاضة والتفاصيل، ورسالتك - على عكس ما تتصورين – لفتت نظري لأهميتها، واعتقد أن طول الإجابة وعمقها يحمل مقياسا للاهتمام أو عدمه ولكنني أيضا، وبمناسبة رسالتك هذه "المهمة أيضا"، أقول أنني لا أرى دوري أن أريح النفوس، هكذا بالمعنى القريب والبسيط للكلمة، ولكنني أبحث عن نوع أكثر نفعا وتركيبا من الراحة المبنية على الوحي والتفاعل لا مجرد الراحة المبنية على الطبطبة والتمرير، والراحة التي أطمح إليها تحتاج إلى مصارحات ومناقشات واحتكاكات، وأخذ رد، حتى تستقر المفاهيم، ونفهم على بعض، كما يقول إخواننا في لبنان والشام.
وسامحيني بنفس الصدق والأمانة أن أقول أن أكذب ظن يمكن أن يصل إليه إنسان هو أن يعتقد بأنه قادر على حل مشاكله بنفسه دون عون من أحد، فالوحيد المستغني عن البشر، القائم بذاته، والمستقل بتدبير شئونه هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يتخذ لا صاحبة ولا ولد.
أما البشر فالكل يحتاج إلى مساعدة حتى أحكم الناس وأقدرهم وأغناهم، وعندما كنت في مثل سنك كنت أعتقد مثلك أنني قادر على حل مشاكلي بنفسي دون أن ألجأ إلى أحد، ولكن ذلك كان ببساطة لجهلي وقلة خبرتي، ودرايتي بالحياة ومطالبها ومشاكلها، وبطبيعة الإنسان وقدراته واحتياجاته من ناحية أخرى .
وأحسب أنك لست في حاجة إلى الاعتذار عن نقص في كلماتك أو حدة في أسلوبك أو انفعالك، وأعدك أنني سأكون دائما في انتظار رسائلك بالأسلوب والكيفية التي تريدينها، والتلقائية هي الأفضل دائما، وأرجو أن تستفيدي من مشاركة الأخ الكريم التي أرسلها من واقع خبرته وتجربته، وهو في مثل سنك، وقد أعادتني سطوره لتك الأيام الخوالي من حياتي أنا، وعجبت للتشابه الكبير بين الخبرات، ويبدو أن نفس الأسلوب مازال متبعا في التعامل بين المراهقين.
وأتذكر أيضا – من المرحلة الإعدادية "المتوسطة" – أننا تعودنا أن نطلق على بعضنا البعض أسماءً أو ألقابا ساخرة أو استفزازية مثل أن تكون أوصافا مخزية أو نسائية... الخ، وكانت هذه التسميات محورا للعنف اللفظي والتراشق بالكلمات، وإطلاق النكات، وهذا كله من فراغ الوقت والذهن، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأرجو أن تكون الكلمات العامية التي جاءت في رسالة الأخ المشارك مفهومة للجميع من كل الأقطار، وخبرته غنية، وإن كنت أختلف معه، بعض الشيء، في ترتيب أولويات خطة الدفاع.
فأنا أرى حجر الزاوية يكمن في تغيير الشلة، وكذلك في تغيير نمط الحياة الفارغة هذه، فالوقت هو الحياة، وحرام أن نضيع وتضيع أوقاتنا في اللغو والهزل – ولو كان مباحا – فما بالنا، وهو غالبا مزاح ثقيل وسخيف، وأحاديث بلهاء فارغة من كل مضمون ينفع في الدنيا أو الآخرة؟
وأنا معه في أن التميز بالثقافة والتفوق الدراسي أو غير ذلك من حفظ للقرآن أو ترقية للسلوك أو متابعة لاهتمام جاد، أو الانخراط في نشاط ممتع ونافع، هذا التميز مطلوب، وستكون له آثاره النفسية التي تشبه السحر، ولا سبيل لمواجهة ما تتحدث عنه الابنة العزيزة من ضغوط سواء من الأسرة أو جماعة الأصدقاء أو غير ذلك إلا بتقوية وإنضاج التكوين الشخصي الذي يحتاج لبرنامج وخطة وأنشطة وبذل جهد، وليس مجرد الكلام الذي يريح النفس يا ابنتي.
وقد أحسنت يا أخي أيضا وأنت تتحدث عن سيكولوجية الثقة بالنفس، وفعل الصواب والإصرار عليه، وأن هذا هو الذي يجبر الآخرين على احترام الفاعل والفعل، ولو مع عدم اقتناعهم به، ولكن من يحترم نفسه ومعتقداته وممارساته يحترمه الآخرون، ولو بعد حين والمشكلة أننا نتربى على روح القطيع بالمعني السلبي من الانقياد للرأي السائد، ونفسية "الإمعة" الذي هو مع الناس أحسنوا أو أفسدوا، رغم أن الإسلام ما جاء إلا ثورة على مثل هذه المفاهيم والأساليب, وأحسنت أيضا وأنت تصف خبرتك في قلب المواقف والألاعيب الصبيانية، وإفساد متعة "الحفلة"، وان كنت لا أرى معك أن أساعدهم في تحويلها إلى شخص آخر – إلا من يبادر بالهجوم – ولا أن أبدد طاقتي وسط شلة تافهة لأصطاد ضحية أو قربانا أقدمه بدلا مني على مذبح اللغو والفراغ.
تكوين المجوعات الصغيرة القائمة على صيغة جديدة من علاقات نافعة وإيجابية ومنتجة وتكوين الشخصية وإنضاجها، والتواصل مع الخبرات الأكبر والأقدم التي مرت بتجارب تفيد في الإنضاج والتشبيك، ودعم إبداع أساليب جديدة في الترويح، وقضاء وقت الفراغ، يبدو أن تلك مهام عاجلة في انتظار من بها، فهل من مبادر؟
* ويضيف الدكتور وائل أبو هندي:الابنة العزيزة السائلة، والأخ العزيز أهلا وسهلا بكما وشكرا على ثقتكما بصفحتنا استشارات مجانين، أود فقط بعد الرد المستفيض لأخي وزميلي الدكتور أحمد عبد الله،أن أضيف إشارةً إلى خبرة شخصية مشابهةٍ لما يحكيه الأخ المشارك مررت بها عندما كنت في فترة المراهقة حيث انتقلت من مكان ما في نجد قضيت فيه مرحلة الدراسة المتوسطة (الإعدادية) ولم أكن أستطيع أن أجد صديقا بمعنى الكلمة لأنه لم يكن هناك مصريون وكنت بمنتهى الصدق قد تلقيت تحذيرات بعدد شعر الرأس من أسرتي من مصادقة الأولاد في المدرسة لأسباب أظنها مشتهرة وإن كان ذلك في فترة السبعينات من القرن الماضي.
المهم أنني انتقلت إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم لأبدأ المرحلة الثانوية من دراستي وهناك وجدت مجموعة كبيرةً من المصريين فكنت طائلا الفؤاد من الفرحة، أخيرا ستكونُ هناك الصداقة، إلا أنني اصطدمت بما يصفه الأخ المشارك في تلك الشلة من الأولاد المصريين حيث كانت القفشات والنكات (أو ما يسميه صاحب المشاركة بالحفلة) قد استهدفتني لمرتين متتاليتين مما أحزنني كثيرا،
لكنني سرعان ما ألهمني الله سبحانه بطريقة مثلى للخلاص من ذلك ولجأت عند ذلك لمهارة وجدتها في نفسي تمثلت في تحوير كلمات بعض الأغاني بحيث أرد بواحدة على من يبدأ إطلاق النكات الساخرة علي، وبسرعة أصبحت أكثر من يخاف أعضاء الشلة من إطلاق لقب عليه، بل أصبحت الألقاب التي أطلقها أنا على من يبدأ بالهجوم أكثر دواما والتصاقا بمن أطلقها عليه، ولم يكن ذلك يسعدني لكنه كان لازما للحماية من تفاهة الواقع وقسوته في نفس الوقت، وهذا جانبٌ من الخبرة الذاتية استدعته المتابعة والمشاركة.
وأما ما أود إضافته بعد ذلك فهو الإحالة إلى مقال على موقعنا مجانين لأخي وزميلي الدكتور أحمد عبد الله، تحت عنوان: إبحار الأجيال وتعاقب الأمواج البناءة، فهو أشار إليه في رده هذا لكنه لم يذكر اسمه، وفي النهاية أشكر كلا منكما على المتابعة والمشاركة وأهلا وسهلا بكما دائما.
ويتبع:>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> جلسة الشلة: قصة قصيرة جدا مشاركة1