شعور غريب ورهيب
أنا شاب في 23 من عمري، حاصل على الإجازة في القانون.. مشكلتي بدأت في الصيف المنصرم وتحديداً في أواخر شهر آب/أغسطس، بينما كنت جالساً في المقهى وأتكلم مع صديق لي، وفجأة انتابني شعور غريب ورهيب؛ إذ أحسست بدوران وحمى تصعد من رجلي، وضيق في التنفس وخفقان سريع للقلب لدرجة أنني سمعت دقات قلبي غير العادية، وجفّ فمي وتوقفت عن الكلام، ثم شعرت بفشل كلّي للجسم وهلعت للتو من شدة الخوف الذي أحسست به وقلت حينئذ أنها سكرات الموت، وبدأت في مسامحة صديقي والجالسون في المقهى.
نقلني صديقي إلى أقرب مصحة وهناك حقنوني بإبرة بعدها بدأت أسترجع قواي العقلية والجسدية، مع العلم أن هذه الحالة استمرت معي مدة 30 إلى40 دقيقة تقريباً. في اليوم التالي استدركت أنني شفيت من تلك الحالة لكن هول الصدمة كنت ما زلت أحس بها. مع مرور الأيام بدأت أحس أنني سأموت في كل ليلة، وأن ملك الموت ينتظرني.. وبدأت حياتي تتحول إلى الأسوء، وفقدت حلاوة الحياة والصورة المنحصرة في ذهني هي أنني سأموت في كل يوم، فصرت أترقب دقات قلبي يومياًً وأتذكر صديقاً لي توفي بسكتة قلبية، وآخر توفي في سني، وأقول في نفسي أن نفس الحال سيقع لي، فهذه الأوهام والمخاوف ظلت تراودني إلى حيننا هذا، قمت بفحوصات على مستوى القلب فأثبتت أنني سليم، وفحوصات على مستوى المعدة وكذلك تحاليل الدم وأيقنت أنني بصحة جيدة والحمد لله.
في شهر رمضان جاءتني نفس الحالة وتبعثرت أوراقي من جديد، وعندما تنتابني الحالة أخرج من ذلك المكان بسرعة وأكره أن أرجع إليه خوفاً من تكرار نفس الحالة. ولم أدرك ما سبب تلك النوبات، وبدأت أقرأ عن الطب النفسي واكتشفت بحسب الأعراض التي تنتابني أنني مصاب بمرض نوبات الهلع، وبصراحة لم أستطع الذهاب إلى طبيب نفسي خوفاً من الأدوية، وذهبت عند فقيه قصد المعالجة الروحانية مع ممارسة الرياضة لعل وعسى أن أشفى من هذا المرض، لكن ظلّت الأفكار والإحساس بالموت يعاتبني.
قررت الذهاب لطبيب نفساني فأعطاني دواء: ديروكسات كدواء أساسي، و"ألبراز" كدواء مكمل، فأنا أتناولهما منذ يومين.. أرجو منكم أن تطمئنوني أكثر وترشدوني، والله لا يضيع أجر المحسنين. هل هذه الأدوية مؤثرة على الجسم؟ وهل بإمكان هذا المرض أن يشفى دون أدوية أم أن العلاج الدوائي ضروري في هذه الحالة؟.
أضيف بعض المعلومات عني: أنا أعيش مع العائلة التي ربتني لأنني لا أعرف عائلتي، وأود الزواج لكن أتسارع مع نفسي وأقول أن عائلة الفتاة لن تقبل وضعيتي وأنني مرفوض في المجتمع إلى ما غير ذلك... حصلت معي تقريباً 8 نوبات كمعدل إجمالي حتى الآن. أدعو لي بالشفاء يا إخواني، جزاكم الله خيراً.
1/11/2009
رد المستشار
الأخ الفاضل، من تونس (أو تؤنس)،
من الطريف أن اسم بلدكم الحبيب يشتق من الأنس والونس، وهو ما تحتاج إليه على ما أعتقد، وربنا يرزقك ببنت الحلال التي تؤنس وحشَتك، وهذا قدر.
جميل أنك قرأت في الطب النفسي حتى توفر عليّ أن أسترسل في المعلومات النظرية، والتي هي متوفرة أيضاً على موقعنا لمن أحب، وبطريقة أكثر واقعية.
التشخيص:
كما قلت أنت وكما قال لك الطبيب المعالج... اضطراب نوبات الهلع، وطبعاً التشخيص ليس مبنياً على الأعراض فقط، ولكن على معاينة الطبيب، وعلى ما قد قمت به من فحوصات شاملة حتى نتأكد من عدم وجود أي أسباب عضوية لمثل هذه الأعراض، وهذا كان احتمالاً جائزاً قبل عمل الفحوصات.
العلاج الدوائي:
متوفر ومتعدد، وليس مقصوراً فقط على التركيبة التي وصفها لك طبيبك -الموفق بعون الله- فما يناسبك قد لا يتناسب مع غيرك ممن يعانون من نفس الأعراض، وأحسن الاختيارات دائماً ما يصفه الطبيب الذي عاين الحالة، والتوفيق من الله.
وإن كان العقار الذي وُصِف لك من المعروف فعاليته العالية في حالات نوبات الهلع (ديروكسات، الاسم العلمي باروكسيتين)، أما العقار الآخر فله دور مؤقت وسوف تستغني عنه يإذن الله بمجرد ما يبدأ السيروكسات في العمل المنتظم، وهذا قد يأخذ بعض الوقت كما هو الحال في كل الأدوية المعروفة لدينا، وقد يُعدِّل الطبيب الجرعة حسب ما يتراءى له.
أما من ناحية تأثير الأدوية على الجسم؛
فأنت تقصد التأثيرات غير المرغوب فيها طبعا، فهذا أمر طبيعي في كل الأدوية بما في ذلك الأعشاب الطبية، ومن قال غير ذلك فقد جانبه الصواب لكن الطبيب يعلم مقدار هذه التأثيرات، وإن كانت تتناسب مع حالتك الجسمانية أم لا، والمقياس هنا يكون أيهما الأكثر ضررا على المريض، التأثيرات غير المرغوب فيها أم تأثيرات المرض نفسه، وغالبا ما تفوق أضرار المرض وعواقبه بكثير عواقب الدواء (المناسب لكل حالة على حدة)، كما أن تلك التأثيرات من الدواء لا تشكل نفس خطورة المرض، وأيضا غالبا ما يتكيف معها الجسم، وتنتهي بانتهاء فترة العلاج بإذن الله.
ممارسة الرياضة مُهمة ومطلوبة؛
في حالتك تعتبر ممارسة الرياضة في منتهى الأهمية والفائدة، ولها تأثير مباشر في التخفيف من شدة الأعراض، وزيادة مقدرتك على تحملها.
أهمية الدواء:
بالنسبة لأهمية الدواء فهذه يحددها الطبيب المعاين للحالة، فبعض الحالات يمكن شفاؤها دون أدوية، ويعتمد هذا على عوامل كثيرة يدركها الطبيب بالتأكيد.
ومن الأمور التي تستدعي العلاج الدوائي شدة الأعراض، وتكرار حدوثها كما هو الحال عندك على ما يبدو لي، وطبيبك أقدر على ترجيح الدواء من عدمه.
وأخيرا، فالعلاجات الطبية النفسية الأخرى موجودة أيضا، وقد تفيد بمفردها أو مع الدواء، وهي مهمة كأهمية الدواء، مثل العلاج النفسي المعرفي والسلوكي.
أعتقد يا عزيزي أنني استفضت بعض الشيء وذلك للتوضيح وحتى تعم الفائدة ولكنني أحب أن أنقل لك، ولكل من لديه مثل تلك الأعراض (جزءا) من صورة حية لما يحدث لدي في عيادة الطب النفسي مع أحد المرضى ممن يعانون من حالات نوبات الهلع، والتي أجدها عظيمة الفائدة بعون الله وتوفيقه، وأرجو التركيز.
المريض:
- يا دكتور، كل مرة تجيلي الأعراض أحس بالموت، وحتى من غير الأعراض بقيت أحس الإحساس ده يوميا..
الطبيب: (بشكل يبدو عليه الجدية؟
- وياترى متُ (سبق لك الموت) كم مرة لحد دلوقتي؟
المريض: (متعجبا)
- هاها، مانا قدامك أهو يا دكتور!!
الطبيب: (مبتسما)
-يا راجل!! أنا بس حبيت أتأكد إنك لسه عايش، ومامُتِّش.. هاها
المريض:
- هه هه هه.. يا دكتوووور..
الطبيب: (بلهجة جدية)
-وتعتقد لماذا لم تمت في كل هذه المرات بالرغم من الإحساس اليقيني بأن الموت قادم؟.. أنا أحب أعرف وجهة نظرك بجد..
وهنا يحدث أحد الحوارات التالية:
1- المريض: الحمد لله، الأعمار بيد الله.
الطبيب: آيوه بالضبط، هو ده اللي أنا عاوز أسمعه منك، الله يفتح عليك.
2- المريض: أهو ربنا ستر والدكتور ضربني الحقنة، والحقيقة يا دكتور غالباً بحس بداية التحسن دلوقتي لما ألاقي نفسي وصلت المستشفى.
الطبيب: لأ طبعاً، أنت فعلاً لم تمت لأن الوقت ده ما كانش هو الأجل المكتوب لك تموت فيه، ولو كان هو الوقت كنت حاتموت حتى لو ما كانش فيه سبب.
ثم يسترسل الطبيب في الكلام، كما أن المريض يبدو عليه علامات الاهتمام والارتياح والموافقة.
الطبيب:
-طبعاً انت عارف الكلام ده ومتأكد منه، لكن أنا حبيت أفكَّرك، وكمان حبيت أؤكد لك إن اللي عندك من مش معروف عنه أنه يسبب الموت ولكنه يسبب فقط هذا الإحساس، وإلا ما كنتش أشوف كل الحالات اللي زيك يوميا.
المريض:
-يعني هوه فيه ناس كتير عندهم نفس الحالة؟
الطبيب:
- طبعا، وبقولوا نفس الكلام، وبيحسوا نفس الأحاسيس الصعبة.
المريض: (مقاطعا)
- وبيخِفـو يا دكتور؟؟؟
الطبيب:
- بعون الله بيخفو، وبيبقم زي الفل، ولما يفتكروا الحكاية بيضحكوا... بس العلاج ممكن يحتاج شوية وقت.
المريض:
- إيدي على إيدك يا دكتور، والله ريحت قلبي، يعني ممكن الإحساس ده يروح؟؟
الطبيب:
- الله المستعان، إن شاء الله، انتي بس تبتدي العلاج، وتنفذ كل اللي اتفقنا عليه، وتستمر في المتابعة.
المريض:
- أكيد، إيدي على إيدك.
وبعد استطراد الطبيب في التفاصيل، تنتهي الجلسة، ويأخذ المريض الوصفة والتعليمات، ويسلم على الطبيب بحرارة، ويودعه الطبيب قائلا (بنبرة مازحة مستبشرة)،
الطبيب:
- ها تمشي زي ماتفقنا، وحاشوفك إن شاء الله بعد أسبوعين، وماتخافش مش حاتموت من المرض ده، ولو حصل ومُت من المرض ده إبقى إرفع عليّ قضية!!
المريض: هاهاها،
وبعد إسبوعين، أو أكثر، أو أقل يأتي المريض للمراجعة، أو للاستفسار عن أمر الواء، ومخاوف الإدمان، والأعراض الجانبية ولكن في الغالب ما تبدو عليه بعض علامات التحسن.
المريض:
- إزاي حضرتك يا دكتور.
الطبيب:
- الحمد لله، أنا كويس خالص، المهم انت أخبارك إيه، متهيألي شكلك أحسن شوية؟
المريض:
- والله يا دكتور عملت كل اللي قلتلي عليه، ومش حاسس بفرق غير إني لما يتجيلى حكاية الخوف دي، والإحساس بالموت، بضحك لما افتكر كلامك...