الاغتصاب بين الزوجين
الدكتور وائل أبو هندي السلام عليك ورحمة الله وبركاته؛
في الحقيقة هناك عدة أسئلة رغبت بطرحها على حضرتك وهي:
1- لماذا تحب بعض النساء أن يغتصبهن أزواجهن ويشعرن بلذة في ذلك؟
2- لماذا يحب بعض الرجال أن تتمنع عنهن زوجاتهن حتى يغتصبونهن؟
3- المرأة هنا تحب أن يقيدها زوجها ولا تستطيع أن تهرب منه, وهو يحب أن يفعل ذلك بها, وان لم يكن يحتاج إلى ذلك, أي وان كانت تسلم له نفسها بكل بساطة..
4- هل هناك خطأ ما في تركيبتهما النفسية..... لماذا يحب أن يغتصب ولماذا تحب أن تكون مغتصبة.....
ولك جزيل الشكر.
16/01/2004
رد المستشار
الأخت العزيزة: أهلا وسهلا بك على صفحتنا استشارات مجانين وشكرا على ثقتك المتجددة، أسئلتك هذه المرة تحتاج إلى تأمل وتدبر كبيرين، خاصةً وقد وصلتني في هذا الوقت الذي أجد نفسي فيه مطالبا بالرد على مشكلة ظهرت على الصفحة تحت عنوان: هل أنا طبيعية أم مازوخية ؟
وسأبدأ بمحاولة الإجابة على سؤالك الأول ولعلني أجد نفسي قد أجبت على كل أسئلتك وتعليقاتك بينما أنا أجيب على ذلك السؤال: لماذا تحب بعض النساء أن يغتصبهن أزواجهن ويشعرن بلذة في ذلك؟ وأجد نفسي هنا أسألك عن مصدر هذه المعلومة، وهل هو مجرد رأي سماعي أم أن لديك معلوماتٍ مستمدةً من دراسة ما؟
وعلى أي حال سأعتبر أن المصدر سماعي لأن هذا هو الأغلب على الأقل في مجتمعاتنا العربية فهذا أمرٌ لا يدرس علميا في بلادنا، وأقول لك (متحدثا عن "بعض" النساء، ولا أدري كم نسبة ذلك البعض الذي تتحدثين عنه)، ومصدري سماعي أيضًا عند الحديث عن مجتمعاتنا لأنني سمعتُ من تشكو من عنف زوجها معها، وسمعت من بعض المريضات شكاوى جعلتني أفترضُ السادية بدرجات متفاوتة الشدة في أزواجهن، والسادية تعني استعذاب إحداث الألم في الطرف الآخر خاصةً عند ربط ذلك بالمتعة الجنسية، وأنا هنا كما ترين أتحدثُ عن نساءٍ يرفضن ويشتكين ويضطربن نفسيا بسبب عنف أزواجهن معهن أي أنني أتحدثُ عن بعضٍ غير البعض الذي تسألين عنه من النساء!
وأنا أعرفُ أن بعض النساء يشعرنَ بلذةٍ في أن يُكْرَهْنَ على ممارسة الجنس، ويشعرن بلذةٍ في ذلك، ولكن هل يمثلُ ذلك مشكلةً كبيرةً بين زوجين مسلمين؟ أنا لا أظن ذلك في واقع الأمر إلا في حالات نادرة لأن المسألة ستكونُ سهلة فهي ستتمنع وهو سيستخدم حقه كزوج، وتصبحُ هي كانت متمنعةً ثم رغبت، أو ربما يكونُ الأدق هو التعبير العربي القديم عنها بأنها واحدة من اللواتي يتمنعن وهن راغبات!، وسنعتبرُ هنا أن الاغتصاب المقصود في كلماتك هو ما أعنيه أنا في هذا المثال بالضبط! لأن اختيارك للكلمة لم يكن موفقا، فالاغتصاب كلمةٌ تتعلق بالعدوانية أكثر مما تتعلق بالجنس، ولن تكونَ التي تشعرُ بلذةٍ في الاغتصاب مغتصبةً من زوجها وفي بيتها في الأحوال الطبيعية، أليس كذلك؟
معنى هذا أن الأمر لا يمثل مشكلةً في العادة، ولكنك تسألين عن تفسيره، وأنا سأحاول تقديم هذا التفسير، فقد يكونُ من الممكن افتراضُ أن العملية الجنسية الطبيعية فيها جانبٌ من السادية من قبل الذكر، وجانبٌ من المازوخية (وتعني استعذاب تلقي الألم من الطرف الآخر خاصةً عند ربط ذلك بالمتعة الجنسية) من قبل الأنثى، ولدي من خبرتي مع مرضاي من ذوي اضطرابات التفضيل الجنسي، بعضًا من الافتراضات والاستنتاجات ما تزال تلح عليَّ لأكتبها، وقد تكونُ استشارتك هذه هي الحافز لكتابتها فها هي:
-1- أفترضُ أن رابطًا (لا واعيا أو لا شعوريا) ما يوجدُ بين الجنس وبين الألم (المادي أو المعنوي) في الغيب النفسي للنفس البشرية (ذكرا كانت أو أنثى)، وأن ذلك الرابط كمنَ بشكل أو بآخر عند أغلبية بني البشر.
-2- من الممكن أن يجد ذلك الرابط طريقه إلى الظهور في تخيلات أو سلوكيات النفس الجنسية، وقد يحدثُ ذلك تحت ظروف نفسية معينة، أحيانا تتمثل في التعرض للخوف المبهم (أو التحذير دون تبرير مفهوم) فيما يتعلق بالأعضاء الجنسية (مثلما ترين في تاريخ صاحبة حالة هل أنا طبيعية أم مازوخية؟ عندما حذرتها أمها من لمس أعضائها التناسلية لأن فيها ضياع مستقبل البنت، وهي في سن لا تستطيع فيه أن تفهم لا معنى النهاية المعنوية ولا معنى المستقبل، فكانت النتيجة أنها راحت تفكر في هذه المنطقة المرتبطة بعدم الفهم المصحوب بالخوف وبالأفكار الجنسية المبهمة الطعم والمعنى أيضًا في ذلك السن، ثم ارتبط كل ذلك بمناظر التعذيب وصوره على وسائل الإعلام.
ومن الرجال من تتمثل تلك الظروف النفسية لديهم في الحرمان الشديد من الجنس -وفي ظل وجود رغبة عارمة في ممارسته-، بما يدفع النفس إلى اعتبار الأنثى كائنا فوقيا يستحق أن يذل الشخص نفسه للوصول إليه!، وهذا ما نسمعه من بعض الشباب الذكور الملتزمين والمحرومين من حقهم في الجنس الحلال، فبعضهم في لحظات انفعاله يشتكي من تخيلات جنسية مازوخية يكتشفُ فجأة أنها تثيره وبعضهم تمرُّ عليه مثل تلك التخيلات مرورًا عابرا وبعضهم لأسباب لا نعلمها يقعون في فخ المازوخية كاضطراب تفضيل جنسي (لكنني أستطيع تخمين وجود استعداد بنيوي للوسوسة Obsessiveness أو للاندفاعية Impulsiveness لدى معظمهم).
-3- نبدأ بعد ذلك في الحديث عن النفس الذكر، ماذا يكونُ يا ترى تأثير ارتباط الألم باللذة الجنسية؟ في ظروف المجتمع البشري الذي نعيش فيه والذي يسود الرجل فيه في علاقته بالمرأة على الأقل داخل الأسرة الطبيعية، ألا ترين أن وضع الذكر كمتلق للألم أثناء الجنس لا يبدو مستساغًا ولهذا السبب تصبح المازوخية كشكوى أكثر ظهورا في الرجال، بل إن ارتباط المازوخية بالسادية أوصل بعض المفكرين في الإمراضية النفسية Psychopathology،
إلى اعتبار الشخص السادي مازوخيا ينفي تهمة المازوخية عن نفسه (لا شعوريا) من خلال اتخاذ موقف السادي المتطرف في ساديته، وبنفس هذا الفهم أقول لك أنني لم أسمع من يشتكي من ساديته في الجنس من قبل، لكنني سمعت كثيرين من الذكور يشتكون ويتألمون من مازوخيهتم، وهذا واضح على صفحتنا استشارات مجانين، كما تجدين تحت العناوين التالية:
يدعي المازوخية ويحاول الإيقاع بمعبودته م1
عقدة الأقدام أم عشقها المازوخي م1
السادية والمازوخية وحكم الشرع
وفي المقابل تعتبر الحالة التي أحلتك إليها في بداية ردي عليك هل أنا طبيعية أم مازوخية؟، استثناء في الأساس، فمعظم من يشتكونَ من المازوخية ومن اضطرابات التفضيل الجنسي ذكور، فيما عدا اضطرابات المازوخية والسادية، والتي قد تشتكي منها بعض الإناث في الحالات المتطرفة، ولعل صاحبة الحالة تشتكي بدافعٍ من القلق، وربما لاعتقادها بأنها تعاني انحرافا ما في ميولها الجنسية، وهو لم نستطع التأكد منه لأننا ليست لدينا معلومات كافية عن شدة الحالة.
-4- فإذا وصلنا إلى النفس الأنثى ونحن نناقش ارتباط الجنس بالألم ماذا يا ترى سيكونُ موقفنا؟ هل سنعتبر بعض المازوخية من جانبها أمرًا طبيعيا؟ ألا نتأثرُ بما جاء في سفر التكوين في التوراة: "وقال للمرأة تكثيرا أكثر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولادا، وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك" الإصحاح الثالث 16، أليست الأنثى في العملية الجنسية مختلفةً عن الرجل؟ أليست طرفا متلقيا؟ هل تستطيعين اعتبار أن الذكر والأنثى طرفان متساويان أثناء الممارسة الجنسية؟ أليس هناك فرق؟!
لعل في ذكرناه ونحن نحاول بيان الفرق بين الإرجاز الاسترجازي والإرجاز الطبيعي في رد سابق لنا على صفحتنا استشارات مجانين بعنوان: الاسترجاز وأصل الشعور بالذنب بعده ! م، مل يبينُ لك كيف أن علاقة الأنثى بالعملية الجنسية، ومسؤوليتها الجسدية عن ممارسة الجنس تختلف عن الذكر، لأن هذه هي طبيعة الأشياء، هكذا فطرها الله إذن، فهل يمكن في هذا الإطار أن نستنجَ إجابة سؤالك الثاني: لماذا يحب بعض الرجال أن تتمنع عنهن زوجاتهن حتى يغتصبونهن؟، إضافةً طبعا إلى كل ما يمكنُ أن يقال عن الشوق وإثارة التخيلات بعد فترةٍ من البعد، وهل يمكن أن نكونَ قد بررنا تعليقك الأول: (المرأة هنا تحب أن يقيدها زوجها ولا تستطيع أن تهرب منه, وهو يحب أن يفعل ذلك بها, وان لم يكن يحتاج إلى ذلك, أي وإن كانت تسلم له نفسها بكل بساطة).
فهل ما زلت ترين تعليقك الثاني: (هناك خطأ ما في تركيبتهما النفسية..... لماذا يحب أن يغتصب ولماذا تحب أن تكون مغتصبة) مناسبا؟ هل ما زلت ترين أن خطأ ما يوجد في تركيبتهما النفسية؟!، وكي ألخص لك ما قلته إجمالا، فإنني سأقول أنه إذا صح افتراضنا الأول بوجود ارتباط غيبي ما بين المتعة الجنسية والألم، فإن الأنثى الطبيعية ستكونُ هي الطرف المتلقي لذلك الألم أو ستكونُ أكثر وعيا بعبئه على الأقل، بينما الذكر الطبيعي سيكون إما محدثا لذلك الألم بشكل أو بآخر أو غير واع بعبئه، بينما الذكر المضطرب قد يكون متلقيا للألم وطالبا له، أو منكرًا لمازوخيته باللجوء غير الواعي إلى السادية، ولكن ربط الألم النفسي أو الجسدي بالجنس لا يكونُ علامة على انحراف أو خطأ إلا في الحالات المتطرفة.
وفي النهاية أشكرك على أسئلتك الصعبة الدسمة، وأتمنى أن أكونَ قد وفقت في الإجابة عليك، وأهلا وسهلا بك دائما على صفحتنا استشارات مجانين. فتابعينا بالتطورات.