الدمية الشقية والانحياز للذكور م
السيدة الفاضلة أستاذة رفيف الصباغ،
تأخرت عليك في متابعتي هذه لأسباب عدة أهمها أني رغبت في التأكد من ثبات حالي، والسبب الثاني أني كلما تذكرت تلك الفترة انتابتني حالة من الاكتئاب وضيق الصدر، فسامحيني فقد قصرت في حقك وما قصرت في مساعدتي.
أما رسالتك الأخيرة والتي دعوتني فيها بـ"نسمات أمل" فقد حققت معجزة كنت فقدت كل أمل أن تحدث، خاصة في التوقيت الذي قرأتها فيه. قرأت رسالتك سيدتي وأنا أَكفَر قلباً ممن يعلنون كفرهم، ولمَ لا وقد جلست اليوم السابق لقراءتها (غرّة رمضان) أقرأ القرآن قراءة المترصد المستهزئ، حاولت الصلاة فأصابتني بالغثيان وامتلأت نفسي أكثر فأكثر بالكفر واليأس والحقد، فقررت ترك الصلاة نهائياً.
وفي فجر الثاني من رمضان فتحت صندوق رسائلي فإذا برسالتك، أصابتني رجفة شديدة وصارت يداي ترتعشان، دعوتني "نسمات أمل" فعدت لبداية الرسالة أتأكد من أنني المقصودة.
قرأت رسالتك عشرات المرات، خاصة حيث أكدت لي ما قد نسيته تماماً وهو أن الله حرّم الظلم وسيعاقب الظالمين، وقبل أن أصل إلى طلبك مني أن أصلّي كان قلبي قد رقّ ورغب في القرب من الله.
بكيت من كلماتك ورقة أسلوبك، فما ظننت أن هناك من يرى أني أستحق مثل هذا العطف. الله وحده يعلم كم هي مريرة الحياة وسط قلوب قاسية، لا تكتفي بعذابنا في الدنيا وإنما تستمطر علينا لعنات الله مؤكدة لنا أنه غاضب علينا وسيخزينا في الدنيا ويوم العرض عليه.
أنا الآن أصلي وأحسن الظن بالله وأدعوه كثيراً والحمد لله، لكن لا أخفيك أني في حالة الغضب الشديد تعاودني الأفكار التي سبق وعرضتها، أستعيذ بالله وأصرف فكري عنها، لكني أرغب في زوالها نهائياً.
وقرأت رد الدكتور محمد توفيق رمضان (وهنا أشكرك مرة أخرى لانشغالك الكبير برسالتي) وتعجبه من كلامي، والحقيقة أن من عاشر المصريين من جنوب مصر يعرف عاداتهم في التعامل مع البنات، وكيف تعيش البنت طوال عمرها في حرب لإثبات أنها إنسان، فما وصلت إليه من قنوط إنما هو نتاج جفاء الأب وقسوة قلبه، إن كلمات الدكتور البوطي عن ابنتيه وأحفاده عندما أقرؤها عادة اعتبرها كذباً ورياءً من بعض الآباء، أو حكايات ملفقة من مثيلاتي كحيلة دفاعية لتجنب الألم، لكن ليقيني أنه لا يكذب فقد تمزق قلبي لأشلاء وأنا أعيد قراءة سطوره متسائلة بأي ذنب وئدت نفسياً على مدار سنوات؟ والآن بعد أن ووريّ جسد أبي التراب لا أملك إلا مسامحته وطلب الرحمة له، الرحمة التي لم يظهرها لنا في حياته أبداً. أحاول أن أنسى ما فات فأبي قد مات، إلا أن أمي تأبى عليّ ذلك، وتصرّ أن تذكرني بأفعاله معها ومعنا وتوقظ كراهيتي له في كل فرصة سانحة.
ها أنا أبكي مرة أخرى وعاودني المزاج الكئيب، ويعاودني كلما تفكرت في حالي وحياتي وأجد نفسي مريضة نفسياً ومضطربة ولا أجد من ذلك فكاكاً. أعلم أن الله لم يرفع ما بي إلا بدعوات من قلوب طاهرة، ولأن من صفات ابن آدم الطمع، فإني أسألكم أن تدعوا الله أني يغفر لي ذنوبي السابقة في حق أبي، وذنوبي المتكررة في حق أمي، كما أسألكم الدعوة بزوج صالح كريم عاجلاً وليس آجلاً حتى أخرج من بيتنا الذي صار جحيماً لا يطاق.
أستاذة رفيف، سأظل أسيرة معروفك ما حييت، ولا أملك لك إلا دعوة بظهر الغيب، أسال الله أن يشملك بعفوه وعافيته وأن يرزقك الإخلاص في القول والعمل، ويرزقك إيماناً ويقيناً دائماً، أنت والدكتور وائل وكل ذي قلب رحيم من زوار الموقع.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
28/10/2009
رد المستشار
السلام عليكم،
الحمد لله، ثم الحمد لله، ثم الحمد لله.
أسأل الله تعالى أن يتم معروفه عليك، ويرقى بك من حسن إلى أحسن، ويغفر لك -ولنا معك- التقصير في حقه سبحانه، ويتحمل عنا تقصيرنا في حق عباده.
كما أسأله –وهو الكريم- أن يرزقك زوجاً صالحاً يسرك في الدارين.
حاولي التشاغل عن الماضي ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، لأن الذي ينظر إلى الوراء لا يستطيع السير إلى الأمام... واعذري أمك إذا ذكرت تقصير أبيك، فقد ضعفت عن حمل الأحزان في قلبها.
ولا تجعلي أملك بأحد سوى الله فهو الذي يستطيع أن يذيقك حلاوة الأنس وأنت في وسط كَمٍّ من المشكلات، ولا يحتاج في إسعادك إلى واسطة.
وغيري الزاوية التي تنظرين منها إلى الحياة، تجدي الاكتئاب ودّعك إلى غير رجعة... لا تنظري إلى الحنان والعطف الذي افتقدته، بل انظري إلى الجهد الطيب الذي بذلته لتنهضي، وإلى الصبر الذي صبرته واحتسبي أجره عند الله تعالى، وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب... وغداً يتمنى أناس كثيرون أن يذوقوا بعض ما ذقت لينالوا بعض الأجر الذي نلتِ... انظري إلى التجربة التي كسبتها والمعارف التي تفتحت لديك في هذه المحنة، وقد حرم منها المدللون.
فكري في أنك إذا ثابرت واستطعت الخروج من هذه المحنة، فستثبتين أنك من القطع النادر في هذه الحياة وفي هذا الزمن... وافخري بنفسك إذ ثبتت وإن رآها الناس ضعفت وقصَّرت... فالله سيحاسبها على هذا الثبات لا على ما يراه الناس.
أكثرت عليك الطلبات، لكنك إن نهضْتِ بها نهضَتْ بك بإذن الله تعالى، فاستعيني به وانطلقي.