السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بداية اعذرني على إرسالي الرسالة على بريدك الإلكتروني، حيث أني أرسلتها سلفاً لكن لم تصل إليكم، وكنت أنتظر طوال المدة السابقة باعتبار أنكم تجيبون عليها، لكنكم أخبرتموني أنها لم تصل، فأرجو الرد بأسرع وقت لأن صبري للانتظار أوشك على النفاد.
مررت في حياتي بعدة مواقف أثرت سلباً على تفكيري، وجعلتني أعاني من الوسواس القهري -إن شئت أن تقول- في كل شيء إلا اليسير.
أشعر بجوع للعاطفة ولا أعني بذلك حب البنات فقط، وإنما أعني بها كل من أتعامل معهم رجالاً ونساءً، أتذكر نفسي يوماً وأنا أهمس في أذن أمي قائلاً: "أتمنى أن يحضنني أبي".
في الثانية عشرة من عمري أحببت فتاة في مثل سني، وأحببتها حباً شديداً لدرجة لم أحبب أحداً مثلها حتى اليوم، وأخبرتني قريبة منها -من باب خوفها عليّ ومعرفتها بمقدار حبي لها- أنها -أي حبيبتي- تحب شخصاً آخر.. نزلت عليّ الكلمات وكادت أن تخرج روحي من المفاجأة. المهم حاولت التماسك وبالفعل تماسكت ظاهرياً وبعض الشيء داخلياً إلى أن جاءت صاعقة جديدة وباجتماعها مع سابقتها، هزت كياني لأول مرة فشعرت إنني دخلت دنيا واتجهت في وضع الفلسفة الشخصية عن الحياة والخيانة وكانت هذه الأفكار تساعدني علي التماسك لكن لم أكن أعلم أنها ستردي بي في الوادي السحيق.
بدأ عصر التفكير القهري، بل ووصل إلى حد موضوع معين؛ تارة أشعر أني ضعيف الشخصية، وكلما نعتني أحد بقوة الشخصية -وهم كثر- أشعر أنها ستزول وأشعر أنه بمجرد أن أنام وأستيقظ في الصباح ستكون قد اختفت، باختصار كنت أرى أنها -وما تزال- معرضة للانهيار في أي وقت ودون أي سبب.
اختفت هذه الفكرة بعض الوقت وجاءت أختها وهي الانطوائية والانبساطية، وأيهما أفضل؟ وأيهما يجب أن أكون؟ وكلما قرأت عن أيٍّ من صفات النوعين (الانطوائية والانبساطية) وأحببت الصفة (كالذكاء في الانطوائي، وتحمل المسؤولية أو القدرة على المصادقة والتحدث كالانبساطي) أقرر أن أكون بحسب نوعها! وكنت بارعاً جداً في تقمص الدور سواء كان انطوائياً أو انبساطياً. وذهبت الفكرة وجاءت الأخرى لتحدثني عن المثالية العمياء التي يجب أن أحظي بها في شخصيتي. وأخرى أني يجب أن أكون سريع الغضب، وذلك لأني حليم لا أغضب عادة، وكلما غضبت أسمع منادياً في داخلي يقول لي "اهدأ"، لكني لا أستطيع الدفاع عن حقي أو ضرب أحد، إلا إذا بلغ الغضب ذروته، ولذلك أحببت الغضب وأني يجب أن أكون سريع الغضب.
وملاك ذلك كله الطامة الكبرى وهي شعور مفاجئ -لكنه بالطبع ناتج عن فكرة من ألف واحدة في الدقيقة- وهو النقص في الثقة بالنفس، بل وأتصرف على هذا الأساس! ولا أعلم كيف أتخلص من هذا الشعور الغبي حتى مع محاولاتي الدائبة.
أحياناً أكون جريئاً جداً، وأحياناً أخرى لا أستطيع أن أشير لسيارة مزدحمة بالناس من شدة الخجل -مع ما يصاحبهما من أعراض الانطوائية والانبساطية- مما جعلني أنعت نفسي بمريض الاضطراب الوجداني ثنائي القطب "وكلا طرفي قصد الأمور ذميم".
ويزول كل ما ذكرت بمجرد فكرة لا أعرف ما هي! لأن الفكرة وأخواتها كثيرات، بل أحياناً لا أستطيع النوم ليلاً لكثرتها!.
وأذكر لك موقفاً حدث قريباً:
كنت أمشي في الشارع وسبني ولدان مسيحيان في مثل عمري، كنت أستطيع أن أواصل طريقي وألا ألقي لهما بالاً، لكني وقفت وقلت له: "لمن تتحدث أيها الصغير؟" فرد قائلاً وهو في طريقه إليّ: "أتحدث إليك..." اعلم أيها المعالج أني كنت أنتظره وأنوي التعارك معه لكن فجأة شعرت بالخوف، لكن ليس الخوف من شيء لأنه وفي هذا الوقت شعرت أن الخوف يخرج من داخلي، ليس دخيلاً عليّ لكني كنت منبعه وقتها. وبدأت رجلاي بالارتعاش الشديد ولم أستطع التحكم فيهما، لكن مع ذلك لم أنصرف وكان هذا في مقدوري، وبالفعل تعاركت مع أحدهما فيما الآخر كان جباناً وظل يحاول منعنا عن بعضنا.
في قرارة نفسي أعلم بل أوقن أني قادر على ضربهما معاً، لكن الخوف الذي شعرت به عرقلني بعض الشيء ولا أعرف ما سببه!. سأصدقك القول، عندما بدأ السب من جانبه جاء في رأسي ما يلي، وأعلم أنه سوء فهم مني:
عمر بن الخطاب، وبعض زملائي سريعي الغضب ممن أنعتهم بأصحاب عزة النفس، ولو كان واحداً منهم فكيف سيتصرف؟ لا يجوز أن أسكت اقتداء بهم، وبناء على ما ذكرت تشاجرت معه، لكني لا أعرف ما سبب الخوف؟! لعله بسبب أني شعرت أنه يتوجب عليّ أن أفعل هذا، وأنه يجب أن أضربهما... لكن أيضاً ما سبب الخوف في ذلك... لا أدري؟!.
لكن حدث هذا في وقت كنت دائماً منقبض القلب كمن يتوقع مشكلة، وكانت ضرباته سريعة توقظني أحياناً من النوم، فأنا خائف من لا شيء، وكنت أخاف من أناس هم أضعف مني بكثير، ويزيد همي عندما أحس بما أشعر به من خوف، وكان هذا الإحساس رفيقي لعدة أسابيع وذهب هو الآخر كما ذهب غيره.
ثم بين الفينة والأخرى تشتاق لي هذه الأحاسيس فتأتي لزيارة خفيفة أحياناً، والأخرى تكون ثقيلة عليّ بحسب مزاج المضيف -أعني أنا-.
أما عن إحساس التمزق الذي أشعر به فألخصه بشعوري أني يجب أن أكون قوي الشخصية واثقاً وشدياًد.. و.. و.. وفي الوقت ذاته يراودني شعور أني لن أكون بهذه الأوصاف وليس لي القدرة على ذلك -بالرغم من نعت الكثيرين لي بها-، لكن يجب أن أستمر في العمل (أو العذاب) ولا أكاد أفقد الأمل أبداً في أي شيء مما يغذي هذا التمزق المستمر.
أصاحب أشخاصاً يتركونني ولا أحد يعترف لي أني رجل بمعنى الكلمة -وطبعاً شعوري بالنقص يدفعني للتعويض والزيادة في إظهار الرجولة- لكني بطبعي مخلص جداً ولدرجه كبيرة. أرى غيري من الناس تافهون ولهم صداقات عديدة بخلافي أنا، فأنا لا أعرف كيف ألعب بينج بونج أو بلياردو أو تنس أو أمشي مع بنات... فلا تراني محل اهتمام أصدقائي، علماً أني مشهور من الناحية العلمية، وطبعاً هذا يزيد من الأعداء، لكني والله مخلص لمعارفي، حتى بيني وبين نفسي، فلا يوجد قريب مني أحكي له الهموم، وعندما وجد بضعة أيام، ساعدني كثيراً وآلمني أيضاً -نفسياً- لأنه من النوع سريع الغضب وأنت تعلم نظرتي لهم.
اعلم أيها المربي الفاضل، أن لي أباً كمثل قرار الهدم، كلما بنيت ثقتي بنفسي أطاح بها أرضاً، كثيراً ما أهانني أمام الناس، دائم الشكوى مني، لكن له شخصية غريبة فهو دائماً يظهر نفسه مظهر الضعيف قليل الحيلة، وهو ليس كذلك. أنا شخص مثقف ودائماً أعدل عليه في أسلوب تربيته لأخي الأصغر لأني لا أريد أن يكون مثلي، ودائماً أحتضنه وأطبق عليه ما أقرأه، فكيف أتغلب على كل ما ذكرت وعلى أي فكرة دخيلة عليّ؟.
كان هذا الجزء الأول، أما الجزء الثاني وهو الأخف وطأة من صديقه القادم، ألا وهو:
بعد حبيبتي الأولى شعرت بالخيانة لأول مرة، ووضعت النظريات عنها وعن أن النساء كلهن خائنات ولا يستحقين الحب، ولا يردن إلا التفاف الرجال حولهن، ويعزز هذا ما أراه وأسمعه عن النساء من هنا وهناك.
بدأت أشعر أن الرجل قد يموت لأجل قلب امرأة ولا يحصل عليه، فبدأت أمسك قلبي من الداخل عن الإعجاب بأي واحدة أبداً، وزاد كرهي لهن وأصلّته في قلبي تأصيلاً بديعاً، ودائماً أي واحدة تعجبني أتخيلها أثناء دخول الحمام وأثناء الدورة الشهرية فأشمئز منها ومن ذكرها... وهكذا.
كلما تعمقت في القراءة عنهن أتمعن في معرفة ما يغضبهن، وها أنذا الآن أتجاهل كل واحدة أعرفها ولا ألقي عليهن مجرد السلام، وإن تقابلت مع إحدى جاراتي صدفة على السلم لا ألقي أي تحية، ويغضبن لذلك وأفرح لغضبهن، النوع الوحيد الذي أفرح بذمه لي هو النساء، فهن يظنن أني ثقيل عليهن، لكن بدرجة كبيرة، والصحيح أني لا أحبهن أصلاً! وكلما عرفت أن فتاة على علاقة بشاب بادرت بالاتصال بولي أمرها لأخبره، وأحياناً يعرف المتصل به.
وضحاياي من النساء في جانب الاتصال بولي أمرهن كثيرات جداً، حتى أن معظم فتيات الشارع الذي أسكنه كرهنني، ومنهن من تحاول الوصول إلي! ودون جدوى، وإحداهن اتصلت بحبيبها حتى يمنعني من التحدث لأمها فامتنعت، لأنه الرجل فقط وتحدث إلي، لو ذمّني رجل أشعر بالغضب وأحاول أن أجمل نفسي أمامه، لكن لا أبالي بأمر النساء ذماً أم مدحاً. أكاد أموت همّا لو رأيت فتاة (وبخاصة من النوع الذي أعرف أني لا أستطيع الحصول عليه) تسير مع فتى في علاقة مشبوهة، فأنا بصراحة أحب أن أكون مكانه، لكن للعلم كلما جاءت فرصة أضعتها، ولا أخوض مثل هذه الأمور أبداً، لكن الغريب أني أندم بمجرد ضياعها فأنا الذي أضيعها وأنا الذي أندم بعد ضياعها!.
لكن مع كل ذلك لم أستغل حب فتاة لي أبداً، ولا أحب أن تعلق بي أي فتاة، ولم أفكر يوماً في الانتقام من أي واحدة مع مقدرتي على هذا، أخاف أن أحب امرأة ويذلني حبها لذلك فأنا مبتعد عنهن.
لماذا لا يمانع الرجل بأي علاقة مع أي امرأة ولا يحدث العكس؟ تغري المرأة الرجل بجسدها ونظراتها، وإن تحرك قدماً ناحيتها تصيح به يا قليل الأدب! أحياناً أعاكس الفتيات المشهورات بالجمال أو كل من تشعر بنفسها بقولي: "لست جميلة" هن يغريننا فبماذا يغري الرجل المرأة؟ بطبعه... هذا يعني أنها يجب أن تعاشره مدة حتى تعرفه بشكله... طيب ماذا نفعل نحن الرجال الذين ليسوا أشباه مهند؟ شعري ليس ناعماً ووجهي ليس فاتناً وعيوني غير ملونة، ولست صاحب مركز مرموق... لكني أوقن لي قلباً فيه من العاطفة لو خرج جزء يسير منها لامرأة لأشبع حاجتها من العاطفة.
عندما أريد أن أكره فتاة لا أفعل شيئاً، فقط أتخيل أنها تحبني! أسعى وراء إحداهن فإن تجاوبت وتخيلت أنها تحبني أشعر أني لا أريدها، بل وأشمئز منها!! أتخيلهن دائماً بمظاهر مقززة وأشمئز من بعض أشيائهن العادية كأحذيتهن أو جوربهن أو بعض أعضائهن، أو حتى بعض الحركات العادية لهن. أخاف يا سيدي أن أخطب واحدة وأتركها بسبب ما ذكرته لك، فأنا لا أحب أن أخدع فتاة. وبرغم كل ذلك أنا ضعيف أمام دموعهن.
أنا الآن في بداية حالة عاطفية بين الصعود والهبوط، وأخشى أن يحدث مع هذه الآسيوية الشكل التي أحبها -أحببتها لمجرد أنها آسيوية، ولشعوري أنهن ممتلئات بالحب والعاطفة- ما يحدث مع غيرها، علماً أنني لم أشعر معها بهذا، فهل أعلمها بحبي فقط أم لا؟ شيء آخر وهو أني أشعر بضعف الثقة بوجود النساء معي، وأشعر أنهن يخجلنني، وكذا بأي رجل سمين به بعض مظاهر الأنوثة لسمنته، وأشعر أني لا أستطيع حمايتهن، وإن تحرش بهن أحد لن أكون قادراً على ردعه، مع أني قوي البنية ومعروف جداً بغيرتي على أقاربي ولا أخاف، ولكن هذا خوف يفرضه عقلي عليّ، وهذا الإحساس عائد على الجزء الأول وارتباط التفكير والغضب.
الأمر الأخير الذي يغضب والدي هو أني لا أحب أن يراني أحد وأنا أذاكر، لا أعرف لماذا؟ ولا أحب أن يتأهب الجميع لمذاكرتي ومناداة أخواتي بخفض أصواتهن لأني أذاكر! ولا أستطيع أن أرى أمي وهي تدعو لي، ودائماً أقول لها ادعي لي في سرك، ولذلك لا أستطيع تقبيل يدها لأنها ستدعو لي وأنا لا أرتاح لهذا!.
بعد كل هذا أشعر بالقلق إن لم يكن كل شيء على الوجه الصحيح؛ فأنا قلق ألا تكون الاستشارة استوعبت كل ما أريده، وأشعر أني لم أنقل إحساسي الصحيح، وبناء عليه لن تستطيع وصف الدواء الصحيح لي لكذبي مع أني تحريت الدقة، وتستطيع استنتاج ذلك من كلامي، وأشعر أن كل ما ذكرته لك من آلام قد اختفى لمجرد حديثي عنه، وكلما حدثني واحد عن صفة بي أشعر أني أحافظ على هذه الصفة لأجله هو وأفكر: هل ما تزال عندي؟ هل اختفت؟ هل أفعلها لأجله؟ هل ستتغير؟ وهكذا... أشعر بالراحة الشديدة بعد الحديث إليك لأني أفتقد لمن أتحدث إليهم من قلبي، أشعر وأشعر وأشعر وليتني.... أرجو أن تكون قد أحطت بحالتي وأن تصف لي الدواء بدقة، فمريضك يتألم ويتأمل بشدة، ولا تعتمد رجاء على إحالتي إلى روابط لمجرد الإضافاتـ وأرجو نصيحة في التعامل مع النساء وطريقة التفكير.
نهاية، أختم بقول الشاعر:
رأيت الهم في الدنيا كثير وأكثر ما رأيت من النساء
فلا تأمنن لأنثى قط ولو هبطت عليك من السماء
عذراً للإطالة، ورجاء الرد بسرعة.
7/12/2009
رد المستشار
الأخ الكريم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يؤسفني أني تأخرت عليك كثيراً، لقد كنت في الحج.
المهم، أن في رسالتك تفاصيل كثيرة ومكررة، كما فيها بعض التناقض فيما طرحت ووصفت في أكثر من مكان، وأنك تعاني من عدم الثقة في النفس كما وصفتها.
وهنا أحب أن أقول لك شيئاً؛ إننا أبناء أفكارنا، أي كما نعتقد نكون، فإذا اعتقدت أني متردد سأتردد، وإذا اعتقدت أني شجاع أكون شجاعاً، وإذا اعتقدت أني محبوب سأحس أنني محبوباً... سيعمل الدماغ والجسم لتصديق ما اعتقدته.
ربما كان تعامل والدك الذي وصفته بأنه يهينك أمام الناس وينتقص منك سبباً في ذلك. تحتاج إلى أن تعيد تقييم ذاتك وتنظر إلى مواطن القوة فيك واستخدامها استخداماً إيجابياً ينمي من شخصيتك ويكاملها.
أما تفكيرك عن النساء والذي جاء بتعميمك ما جرى لك مع حبيبتك الأولى على كل امرأة، وتعاملك الفظ معهن وأن إغضابهن يرضي غرورك، فهو انتقام مبطن من حبيبتك بمثيلاتها وبنات جنسها، رغم أنك لا تخفي حاجتك إليهن وبناء علاقة مع واحدة منهن. والاتصال بأولياء أمور النساء اللواتي لهن علاقة مع شخص ما، فهو ناتج عن الغيرة والحسد، أنت لا تستطيع أن تفعل مثل هؤلاء الرجال فتحاول أن تنتقم من الحبيبة الأولى وتدمر حبها كما تدمر حبك. هذا السلوك الذي تنتهجه يدل على أنك تعاني من الشخصية السلبية العدوانية passive aggressive personality disorder.
في الحقيقة، أنت لا تحتاج إلى دواء وإنما تحتاج إلى تعديل سلوك وقبول الذات كما هي، وكذلك قبول الآخرين وعدم التعامل معهم على أنهم نسخ مما ترسمه أو تتصوره عنهم، وعدم تعميم تجربة حبك الفاشلة عليهم... لتجد اللذة في الحياة الجميلة.
ويتبع >>>>>>>: اضطراب الشخصية السلبية العدوانية م