رجاء من كفيف: "أنقذوا حياتي ومستقبلي"..!؟
أنا إنسان مكفوف البصر من مواليد 1980، درست في جمعية للمكفوفين إلى المرحلة الثانوية، ثم درست بالجامعة حتى تحصلت على درجة الماجستير، وكنت متفوقاً في دراستي بحمد الله..
بعد تخرجي من الجامعة عملت مدرساً بالجمعية ورئيساً لأحد الأقسام بها..
تعرّفت على إحدى الأخوات المتطوعات وعَملْنا معاً، أعجبت بنشاطها ونبلها وإنسانيتها، طلبت مني رقم هاتفي المحمول كما تطلبه من أي شخص لتبدأ بإرسال رسائلها النصية التي كانت صلة وصل بيننا، بدأ الانسجام بيني وبينها يزداد رويداً رويداً لكن لم أجد دليلاً على حبها لي لأصارحها برغبتي في الزواج بها كما أن عقدة النقص جراء فقد البصر منعتني من ذلك.
وفي يوم صرحت لي إحدى المتطوعات بالمؤسسة بإعجابها بي، فأرجأت البت في أمرها حتى أصرح للأولى بأمر رغبتي بالزواج منها، علماً بأني لم أرتح إلى كلام هذه الثانية التي عرفت فيما بعد أنها تعاني مشاكل اجتماعية ونفسية تريد التخلص منها بالزواج، وكلمت الأولى فما كان عجبي إلا أنها وافقت فقد كانت تبادلني المشاعر نفسها، ولم تسعني الفرحة ولم أستوعب ما حدث، قالت لي مرة: "إن موضوع الزواج كلما طرحه علي أحدهم أو تقدم إلي شخص -وهم كثر- تضايقت وحلمت أحلاماً مزعجة، وهذا ما لم يحدث معي حين كلمتني أنت" وقضيت معها أروع .
قلت لها يوماً: "هل كنت تعرفين رجلاً قبلي" فقالت: "أأقول ولا تغضب؟" قلت: "نعم" قالت: كان يريدني ابن عمي وكنت أريده ولكن لم يحصل نصيب لأنه تخلى عني لضغوط من أهله" سألتها: "هل حدث بينكما شيء" فحلفت بالله صادقة أنه لم يحدث شيء، تضايقت قليلاً ما لكن لم ألبث حتى سلمت بأنه شيء طبيعي يحدث لأية فتاة أن يقال فيها كلمة ثم لا يتم أمر زواجها.
وقفت معي وقفة رائعة وأقنعت أهلها بأن هذا قرارها ولا أحد يمكنه أن يمنعها عنه، وأكبرت ذلك فيها أيما إكبار.
كنت على ثقة كاملة بأخلاقها إلى درجة أنني لم أسأل عنها، لكن عندما قررت خطبتها أبى أهلي إلا السؤال عنها فجاءت الأخبار بالمدح والثناء عليها وعلى أهلها.
أرسلت أهلي لخطبتها، وفي ضمن حديثي مع أختي عن الزيارة قلت: "لقد تضايقت منكم فلانة -أي مخطوبتي- فقد قالت لي هاتفياً بأن خالتي قالت لأمها أن فلاناً -أي أنا- قال لنا اسألوا أهل هذه فإن لم يوافقوا فاذهبوا إلى الأخرى -وهي فتاة تعرف أختي أبدت موافقتها على الاقتران بي- "قالت لي أختي: "أأخبرك شيئاً ولا تزعل؟" قلت: "نعم" قالت: "أمها أيضاً قالت أن ابن عمها كان يريدها ثم تركها، فأصبحت من ذلك الموقف تصد عن الزواج".
تملكني غضب عظيم وضيق شديد من هول الصدمة وعبأت رصيداً وبدأت معها تحقيقاً فكانت متجاوبة إلى أبعد حد مع أنها كانت مرتبكة وخائفة من تأثير ذلك على ما نحن عازمون عليه، ومع ذلك أعطتني تفصيلات عن ذلك الأمر وأقسمت لي أنه لم يمد إليها يده يوماً وصدقتها لأن كلامها يوحي .
ومن ذلك الوقت 19 رمضان 1430 ووسواس يطأ رأسي، كان منصباً على أن يقول لي: "لعله مازحها، لعله أمسك يدها" حتى وصل بي إلى مسألة الشرف، كانت فكرة قبيحة وقاسية جداً تلح علي: لماذا لم تتزوج بعد أن تركها ثم رضيت بك؟ الوسواس لم يشكك في حبها لي ولكن كان يقول: هي تحبك ولذلك أخفت عنك، كنت أصرخ وحدي من شدة وطأته وأنا أمشي فوق سطح بيتنا.
كان يأتيني كل يوم وأنا مستيقظ للذهاب إلى العمل، كان يدخل علي الشكوك من كلمة أو عبارة تقولها في الهاتف أو حين ينتابها الصمت لحظات، كنت دائم التوتر والقلق وغير قادر على التركيز الكامل، بل قل تركيزي في أداء كل أعمالي اليومية، لم يعد لدي الطموح السابق فأهملت قرار الإيفاد الداخلي الذي تحصلت عليه لنيل الدكتوراه، غمرني الشعور بالخوف والضعف والوحدة والوحشة، قدرت فيها أنها كانت متعاونة معي إلى أبعد حد، فقد أخبرتها بمسألة التشكيك في الشرف فلم تستوعب ذلك في البداية كأي بنت شريفة وغضبت قائلة: "هذا أمر لا يمكن للمرأة إخفاؤه وستتأكد منه بنفسك فيما بعد" بل مرضت ونامت في الفراش من شدة الهبوط الذي أصابها، ثم تعاملت مع الأمر على أنه مرض قد انتابني وستساعدني على التغلب .
قرأتُ في الإنترنت عن الوسواس القهري وعلاجه، ثم ذهبتُ إلى طبيب نفسي فقابلني كأني أشكو زكاماً أو مرضاً عضوياً، وكان يدخن بقربي ويكلم زوجته بالهاتف ولم أجد عنده طمأنينة، وأعطاني دواءً تركته بعد أيام لعدم اقتناعي به وبدوائه لأني لم أشعر أنه تفاعل معي، ويكفي نقل عبارة قالها لتتأكدوا مما أقول فقد قال لي: "أنتم المكفوفون معروفون بأنكم شكاكون"، وكل من حدثته عن هذه المعضلة والمصيبة من أولئك المعدودين لم أجد عندهم لي حلاً.
وصل بي الأمر أن أقرأ في الأنترنت عن كيفية التعرف على عذرية المرأة من عدمها فاهتديت إلى أن هذا الأمر لا يمكن تحقيقه بدقة بخاصة إذا كان الشخص كفيفاً. أثر الوسواس على عقلي وتفكيري وحياتي بالكامل، فأنا الآن شبه محطم، أخشى أن أفقد كل شيء؛ وظيفتي، تعاوني مع الجامعة، تدريسي للطلبة أصبح مضطرباً، أصبح التوتر والفكرة القبيحة مسيطرين على حياتي وتعاملي مع الآخرين، أشعر بألم في أعصاب يدي وفي رأسي وتوتر شديد لا أعرف كيف أتخلص منه إلا بالبكاء أو أني أتصل بها وأبكي فتخفف عني، أصبحت أميل إلى النوم وأصبت باكتئاب شديد. العجيب أن صوتها يريحني مع العلم بأنه بمجرد خطبتي لها ألزمها أهلها بترك المؤسسة. سألتها: "لماذا أعرضت عن الزواج بعده" قالت: "لم تعد لي قابلية للرجال، لم أعد أثق بهم جراء ذلك الموقف المؤلم، وقد وجدت عندك الأمان وأحببتك ولذلك وافقت على الارتباط بك" وفعلاً مع الوقت وجدت لديها حساسية شديدة من علاقتي بأية امرأة، والغريب أن كلامها كله ينطوي على الصدق ولا أثر فيه للكذب لا سمح الله أو التناقض.
قلت في نفسي: لعل هذا سحر أو عين أو عقوبة من الله لأننا كنا نتهاتف وهذا لا يجوز، أو أن تلك وساوس الشيطان الذي لا يريد لأمر خير وطاعة أن يتم.
لعل ما حدث لي ويحدث بسبب عقد كف البصر، أو استغرابي لموافقتها عليّ وهي على قدر معقول من الجمال، أو بسبب استغراب الناس عندما ينقل إليهم الخبر وإعرابهم عن الدهشة وقول بعضهم: "بارك الله فيها"، وكثيراً ما قالت لي: "لماذا أنت تقلل من قيمة نفسك، أنا لم أنظر لعينيك المغمضتين حين اخترتك، اخترتك لجوهرك، لعلمك، لأنك أنت، لأنك أحببتني دون أن ترى شكلي، أنت أحببتني روحاً لا جسداً، أنت في نظري أفضل من غيرك من المبصرين"، أم ربما هو وهم المرض تحول إلى مرض.
والآن قبل أن أعقد على هذه الفتاة الطيبة التي أخلصت في حبها لي وأنا لا أريد أن أعذبها معي، أطلب إليكم مساعدتي بالتالي:
1. هل ما أعانيه مرض نفسي أم شك حقيقي؟
2. ما العلاج في كلتا الحالتين؟
3. هل تنصحونني بالزواج من هذه الأخت أو من غيرها أم أن ذلك جناية عليّ وعلى من أتزوج بها لاحتمالية استمرار هذا الشك؟
يا أخوتي: هذه المرأة هي جنتي في الدنيا؛ فيها أكثر مما كنت أطمح في زوجة المستقبل، لا أريد أن أفقدها، أريد التخلص من هذه الفكرة التي أشبهها بالسرطان أو الجرثومة، والمعقد في الأمر أنها تعلقت بي وأني أخبرت أهلها وجمعتني ببعضهم علاقة طيبة.
وأحدثكم عن شخصيتي شيئاً ما لعل في ذلك فائدة؛، أنا أكتب الشعر وحساس إلى أبعد حد، صدمة كفيلة أن تحطمني، لدي ميل إلى الحزن وتفخيم الأمور، إذا وقعت في مشكلة نفسية لم أخرج منها إلا بخسائر، كلما توهمت شيئاً سيطر الوهم على مخيلتي حتى يكون كأنه حقيقة، دائماً أخشى إذا اقترب مني أحد أن يشم في فمي رائحة كريهة! وفعلاً إذا اقترب مني أحد يحدث أن يجف حلقي خوفاً وتنبعث هذه الرائحة ويشعر بها، مرة تعلقت بطفلة كنت أدرسها لأني كنت أبحث عن الاهتمام فوجدتها تهتم بي جلباً لاهتمامي كما تفعل ذلك مع غيري فظننت أنها تحبني فعشقتها حتى انتشر الخبر في المؤسسة وكادوا يوقفونني عن التدريس.
وأخيراً أعلمكم بأن مخطوبتي هي التي دلتني إليكم لأعرض عليكم هذه الشكوى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
6/12/2009
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... أسعد الله أوقاتك يا أخي "عليّ"، وأهلاً بك صديقاً في مجانين..
قبل أن أجيبك على تساؤلاتك أود أولاً أن أهنئك على أن حظيت بهذه الخطيبة الرائعة وأنا متأكدة أن كثرة من المبصرين يحسدونك عليها الآن.
أخي العزيز،
أنصحك أن تتجه إلى طبيب نفساني آخر لأن مشكلتك على ما يبدو غير متعلقة بأمر هذه الفتاة فقط بل أنت تقول أنك تكبر الأوهام وتعيش فيها. اسأل عن طبيب نفساني قوي أمين أي معروف بالتقوى والعلم واتجه إليه واتبع إرشاداته وخطة العلاج التي يقترحها حتى تسمح لنفسك بالاستمتاع بهذه الهبة التي أنعم الله عليك بها ولا تفوت عليك أجمل أيام العمر التي تنتظرك مع هذه الزوجة.!
أما دوري الآن فهو أن أخبرك أنك قد تكون الآن أمام واحدة من أشرف الفتيات، ومع ذلك فأنت تتخيل أشياءً سيئة وتسمح لنفسك بأن تستغرق في التفكير فيها. قاوم هذه الأفكار واشغل نفسك بشيء آخر إلى أن تقابل الطبيب النفساني. ولا تستمر في إيذاء خطيبتك التي توقن بنفسك أنها صادقة معك. كما أنصحك ألا تتزوجها قبل أن تكمل علاجك فتورطها في علاقة غير سوية لأن الثقة بين الزوجين أهم زاد يمكن أن يساندهما في أوقات الشدة، ودون الثقة لا يمكن للحياة الزوجية أن تستمر.
ولا أجد بداً من أن أذكر لك أنك أخطأت بحق نفسك حينما سألتها عن الماضي، فقد امتحنتها وعلمت أنها على خلق وهذا ما يكفي للبدء بعلاقة ناجحة.
ومن ناحية أخرى من المهم أن تعرف أن هذه المشكلة التي تعاني منها أمر لا علاقة له بكونك كفيفاً وتستطيع أن تقرأ على موقعنا العديد من الاستشارات التي تتمحور حول نفس الموضوع من أشخاص مبصرين. وبرأيي ابتعد عن التفكير بأمر بصرك قدر الإمكان، فخطيبتك تعاملك على أنك إنسان لديه بصيرة ولا تلقي الكثير من الاهتمام إلى نظرك وعليك أنت أيضاً أن تتصرف على هذا النحو.
بانتظار أخبارك وأتركك في عون الله وأسأله لك الهداية وأن يبارك لك في خطيبتك ويرزقك معها السعادة...