إدمان..!؟
تخرجت من معهد فني في تونس منذ عدة سنوات ولدي الآن حالة من إدمان جمع اللوحات الفنية ناشئة ربما عن عدم الشعور بالأمان من والقلق من المستقبل حيث أني ابذل معظم دخلي ووقتي في البحث عن لوحات بعض الفنانين وجمعها وهذا يعيق حياتي بشكل كبير.
فأنا مصاب نتيجة ذلك بمرض التأجيل حيث لا أقوم برسم أي لوحة حالياً بانتظار أن أطور بلا نهاية تقنياتي الفينة وأذهب إلى أبعد مدى في ذلك علماً أن لدي موهبة واضحة ولدي معرفة فنية وتقنية ممتازة وكافية لإنتاج أعمال مميزة ولكن ليس هنالك حد كاف لما أطلبة ويرضيني.
إن افتتاني بالإبداع والتفوق يقيد حياتي ويمنعني من خوض التجارب فأكتفي بجمع اللوحات كي أسكن حالة القلق الناتجة عن عدم الفعل أو عن الخوف من المستقبل وعدم الثقة بالذات. لا بد أن أذكر هنا أني قد اقتبست من والدي بعض معالم وضعه النفسي مثل ضعف الثقة، الخوف الخفي، والتوتر، عدم الشعور بالأمان التي اكتسبها من ظروف طفولته القاسية.... ولقد كان تأثري به كبيراً خلال طفولتي عبر تمثل حالته ومن خلال شدته علي أحياناً علماً أني مستقل عنه الآن.
هذه الحالة من الإدمان والقلق تشل حياتي المهنية بالإضافة إلى الاجتماعية فأنا لا أستطيع أيضاً إقامة علاقات مع أي إنسان وكي أشعر بالأمان أضع مواصفات معقدة ونادرة للأشخاص الذين أريد أن أتعامل معهم وبهذا أصبح كمالياً في علاقاتي الاجتماعية أيضاً وهذا يعيق محاولاتي للزواج، بهذا يصبح إدماني ظاهرة عامة، بتصوري، لإسكات القلق تؤدي إلى نزعة كمالية ناشئة عن ضعف الثقة بالنفس والخوف من المستقبل والحذر وعدم الشعور بالأمان الموروث من والدي والمكتسب عبر خبرات عديدة.
أتحسن عندما أجبر نفسي على الإنتاج ولكن غالباً ما يحدث شيء يوقف العمل ويعيد مسلسل التأجيل ونزعة الإدمان التي لا تتلاشى نهائياً في أي وضع بل تبقى كامنة لتنقض علي، أسئلتي هي التالية: ما الحل؟ ما هو السبب الحقيقي لإدماني هذا و للكمالية... وكيف يمكن مقاومتهما؟ هل إدماني هذا مشابه لإدمان الميسر والكحول والمخدرات وإدمان جمع الطوابع والجشع والسعي نحو الثراء الفاحش أو إدمان الجنس والأمور الغريبة الأخرى؟ أياً كانت النتيجة ما هو الفرق بين هذا النوع من الإدمان وأنواع الإدمان الأخرى، ما هو موقف الإسلام من هذا وما هو العلاج لهذه المشكلة روحياً.
أرجوا إرشادي إلى بعض تقنيات مقاومة الإدمان والكمالية أو أية مقالات حول هذه الأمور في أي موقع ولكم الشكر.
17/01/2004
رد المستشار
الأخ السائل، يبدو أنك تعانى فعلا من مشكلة حقيقية، ولقد لمست ذلك حتى من خلال كتابتك وتعبيرك عن مشكلتك فقد أتى اختيارك للكلمات مقنَّنًا، فيبدو أن الكمالية التي تنشدها تظهر حتى في اختيارك للألفاظ والكلمات والأسلوب اللغوي الذي تعبر به، هذا بالإضافة إلى ما لاحظته في رسالتك من جمود فيبدو أن ذلك دليلا آخر يدل عليك ويقودنا للتعرف على شخصيتك.
بداية فأنت أيها الأخ السائل نموذج للشخصية القسرية Anancastic Personality (الوسواسية القهرية) والتي من أهم صفاتها الجمود وعدم المرونة والإسراف في النظام والدقة والميل إلى الروتين مع ملاحظة أن صاحب هذه الشخصية يتسم بيقظة الضمير والشعور الزائد بالذنب وهو يهتم بالتفاصيل أكثر من الأساسيات ويهتم بالنظافة والترتيب، ومن أهم مميزات مثل هذه الشخصية أن ينشدَ صاحبها الكمال في كل ما يفعله، وعدم قدرته على إتمام أي مشروع أو عمل يفعله بشكل مقنع بالنسبة له شخصيا لأنه يتطلب مستويات عالية ومرتفعة جدا قد تفوق قدرته! وهذا هو السبب في عدم إكمالك وإتمامك لأي عمل تقوم به!
ومعظم أبحاث علم النفس ترجع مثل هذه الشخصية لعدة أسباب منها التأثر بأحد الوالدين، فغالبا ما يكون أبناء الوسواسيين القهريين مثلهم وربما أنت لسبب أو لآخر تأثرت بوالدك باعتباره النموذج الذكري الذي يتأثر به الولد، وأيضا من ضمن الأسباب توترك وقلة ثقتك بنفسك وخوفك الخفي الذي أيضا تأثرت بوالدك فيه!
ويرى بعض علماء النفس أن الشخصية الوسواسية القهرية هي بيئة خصبة جدا لنمو مرض الوسواس القهري، وأنا لا أقصد بالشخصية الوسواسية القهرية أنك مصاب بمرض الوسواس القهري إلا إذا كانت هناك تفاصيل أخرى لم تطلعنا عليها فأنا أحكم من خلال ما أقرأ ومن خلال قراءتي لاحظت بعض النقاط مثل قولك بأنك مدمن جمع اللوحات الفنية فأنت ترى أنك مدمن من وجهة نظرك أما من وجهة نظرنا نحن فهو سلوك جبري يستحوذ عليك ويلازمك، ويفرض نفسه بقوة وإلحاح وأنت بالطبع لا تدرى أسباب ذلك ولكن هذا السلوك هو ما نعنيه من كلمة قهر وهذا السلوك الجبري أو القهري يهدف إلى دفع الأفكار المتسلطة التي تستحوذ عليك وعلى تفكيرك.
لذا فأنت لست مدمنا فالفرق كبير وشتان بين إدمان المواد المخدرة مثلا وما تفعله فالمدمن الذي يدمن الخمر أو العقاقير المخدرة ويفعل أي شيء في سبيل الحصول على هذا المخدر، ودائما ما يكون شخصية منحرفة ليس مجالٌ لنتحدث عنها الآن، أما أنت فلا عقاقير مخدرة أو أعراض انسحابية تصاب بها إذا ما قل مفعول المخدر وما إلى ذلك من أفعال المدمنين!
إذن فأنت تعتقد أنك مدمن مثلك مثل المدمنين الآخرين لمجرد أنك مثلهم تصر على الحصول على اللوحات كما يصر المدمن على الحصول على المادة المخدرة وكلاكما لا يستطيع المقاومة، ولكن الحقيقة أن الفرق بين شخصيتكما كبير. أما بالنسبة لسؤالك عن كيفيه إقامة علاقة اجتماعية فيجب أن تعلم أنه لا يوجد شخص كامل فالكمال لله وحده عز وجل وانظر إلى نفسك فهل أنت كامل الصفات؟؟؟
لا طبعا فلم يكتمل من البشر إلا محمد عليه الصلاة والسلام، فالمعايير التي تطلبها في البشر هي درب من الخيال والمستحيل وأنا أعرف أنك تدرك هذا وتعلمه تماما، ولكن هذا من طبيعة شخصيتك، وأنماط الشخصيات المختلفة التي نصنفها في علم النفس ومنها الشخصية القسرية وغيرها لا نعتبرها اضطرابا أو مرضا إلا إذا كانت بمثابة عائق في سبيل التكيف مع المحيط الخارجي ونرى أن شخصيتك تعوقك عن التكيف فهي إذن بمثابة حجر عثر أمامك لذا فمطالبتك بالعلاج الروحي قد تكون صعبة علينا فأنت بحاجه إلى طبيب نفسي يوضح لك ويفسر لك طبيعة هذه الأعراض وأسبابها وكيفية التخلص منها، وهذا لا يتم بسهولة من خلال بضعة أسطر نكتبها على موقعنا هذا الذي نتناول فيه (من بين ما نتناول) موضوع الوسواس القهري بالتفصيل ويمكنك مراجعة ما يظهر على موقعنا مجانين نقطة كوم في هذا المجال، فاقرأ مثلا ما تجده على صفحتنا استشارات مجانين تحت العناوين التالية:
الكمالية والإتقان بين السواء والمرض / الكمالية والإتقان بين السواء والمرض متابعة
وتذكر أنه كلما كانت الأعراض حديثة كلما كان العلاج أسهل وأسرع، ولا يبقى لدى غير نصيحة واحدة أخرى ربما تساعدك بعض الشيء فأنصحك بأن تترك ريشتك ولوحاتك وبيتك وتذهب بعيدا بعض الوقت فهذا نوع من العلاج البيئي يهدف للخروج من البيئة التي أنت بها والتي قد تكون سببا أساسيا وراء ما تعانى منه، وفقك الله وتابعنا وسوف تجد في موقعنا الكثير عن الوسواس القهري وعن أنماط الشخصيات المختلفة.
* ويضيف الدكتور وائل أبو هندي: الأخ العزيز السائل أهلا وسهلا بك على موقعنا مجانين نقطة كوم، الحقيقة أن الأخت الزميلة أ.إيناس مشعل، قد أفاضت في الرد عليك وستجد الإجابة عن موقف الإسلام من الكمالية في الرابطين اللذين أحالتك مجيبتك إليهما فقد كان صاحب المشكلة أيضًا يشكو من الكمالية المفرطة، وما لدي هو فقط أن أحيلك إلى إجابة ناقشنا فيها سلوك الجمع والتخزين أو التكديس القهري Compulsive Hoarding، وذلك على صفحة صفحة استشارات مجانين، تحت عنوان: التخزين المرضي وسواس أم فصام؟ كما أدعوك إلى أن ترسل لنا بعضا من إبداعاتك الفنية الجاهزة كملفات إليكترونية لنضعها على صفحتنا إبداعات مجانين، وقد يكونُ ذلك عاجلا وقد يكون بعد أن تترك ريشتك قليلا كما نصحتك مجيبتك الزميلة أ.إيناس نبيل، وأهلا وسهلا بك دائما فتابعنا بأخبارك.