هل أنا مصابة بالوسواس القهري أم بما يسمى وسواس الموت؟
السلام عليكم،
أنا فتاة أبلغ من العمر 16 عاماً. سأحكي لكم قصتي لتخبروني ماذا بي، وماذا يجب عليّ أن أفعل؟! فقد بت عاجزة عن التحمل. ولدت بفتحة في القلب التحمت مع الوقت، وتوفيت والدتي وأنا في عمر 5 سنوات بسبب السرطان. لي أختان وأخان من أمي -من طليقها- وهم مثل إخواني لا نختلف في شيء أبداً، وحتى أهل زوج أمي كانوا يتعاملون معنا بطيبة وحنية. كانوا يسكنون معنا. بعد 3 سنين قرر أبي أن يتزوج وكنت حينها على وشك الانتقال للصف الثاني الابتدائي وأختي للصف الرابع الابتدائي -أختي الشقيقة من أمي وأبي والوحيدة-، وتزوج من امرأة شريرة كانت دائماً تضربني وتعاملني بقسوة أنا وأختي.
ربما وضعي معها أهون من وضع شقيقتي؛ فامرأة أبي دائمة الشجار مع أختي وتقوم بضربها. وذات مرة كانت تريد قتلي فأمسكتني من عنقي وقامت بخنقي ولكننا مع ذلك لم نكون نخبر والدي. حملت تلك المرأة وأنجبت توأمين: صبياً وبنتاً، وبعد سنة أنجبت بنتاً أخرى... وبقينا معها أربع سنوات تقريباً وفي تلك الفترة شاء القدر أن يتوفى أخي، لكن أبي وزوجته لم يخبراننا كي لا تتشوش أفكارنا -على حد زعمهما- فقد كانت فترة امتحانات، لكن بعد فترة -لا أذكر طولها- عرفت، كنت دائماً أتذكر أمي وأخي وأبكي وأتمنى لو أستطيع لمهما مرة أخرى، لكن كنت أتذكر أمي أكثر... كنت دائماً أريد أن أعرف عنها أشياء، مثلاً: ما لونها المفضل؟ وماذا تحب أن تأكل؟... لكن دون جدوى!.
بعد سنين عدة كلمت صبياً، ولا أقول أنه أول صبي أكلمه، لكنه كان مختلفاً عنهم؛ أحببته حباً جمّاً وما زلت أحبه، لكني لا أستطيع السيطرة على نفسي، تأتيني تخيلات أنه سيموت، ولو مات كيف سأعيش دونه وتخيلت نفسي عند قبره في اليوم الذي سيدفن أبكي ويغمى عليّ وأصرخ وأقول كيف سأعيش دونك وأضمّه وأقبّله والرجال حولي مستغربين ويحاولون تهدأتي! لا أدري لماذا ولكن إن تضايقنا أو حاولت فراقه أرجع إليه وأعتذر لأني أخشى أن يموت في اللحظة التي تركته فيها، ودائماً وإن تضايقنا وكان هو المخطئ أعتذر له لئلا يتضايق لأني أتخيل أنه سيموت ولا أريد أن يموت وهو متضايق مني!.
لا أعرف ماذا أفعل؟ وها أنا الآن أبكي مثل كل مرة وأتخيل ماذا فعلت في حياتي من سيئات وحسنات، وفي الآونة الأخيرة تقرّبت من الله، فكنت دائماً أحدّث نفسي وأنا ذاهبة إلى المدرسة وأشكو له حالي وإن ساءت أحوالي دائماً أقول الحمدلله، ولي ثقه كبيرة بالله، لكن لا أدري لماذا إن كنت وحيدة وأمشي أحس أن أحداً يمشي خلفي ويلاحقني! وإن كنت في غرفتي أتخيّل أشياء مرعبة.
أنا وأختي نشترك في نفس الغرفة، ونحن نسكن في بيت جدتي الآن، لكن أحس دوماً أن أحداً ما يلاحقني أينما ذهبت، أو أتخيل أن فتاة صغيرة بيضاء شاحبة شعرها أسود طويل يغطي وجهها تخرج من تحت سريري! لا أعلم لماذا؟ يزورني الجاثوم ولا أعرف ما السبب مع أني أرقد وأنا طاهرة. وفي يوم من الأيام أتاني 3 مرات متتالية؛ نمت فأتاني واستغفرت ربي وعاودت النوم، وأتاني ثانية فقرأت المعوذات وقرأت سورة من القرآن ونمت، ثم أتاني مرة ثالثة ومن بعدها لم أتمكن من النوم من خوفي. لكن لا اعلم لماذا أتخيل أن حبيبي سيموت؟! ولا أخشى من مضايقته، وأبكي وأتخيله ميتاً وماذا سأفعل دونه؟ وكيف سأعيش؟ ودائماً أدعو ربي أن أموت قبله كي لا أحس بمرارة فقدانه لأنه إنسان صبور، كما أنه رجل وليس بحساسية النساء.
أرجو الرد عليّ بخصوص حالتي، فقدت سئمت التفكير بخسارة الأحباء ولا أستطيع التخلي عن تلك الفكرة رغم أني حاولت،
لكني لم أتمكن فقررت الآن اللجوء إلى الأطباء النفسيين.
20/12/2009
رد المستشار
صديقتي،
مما لا شك فيه أن كل إنسان يعي أنه سيموت وأن حياته على هذا الكوكب مؤقتة وإلى زوال مهما طال الأمد... وعليه، فمن الممكن أن يظل الإنسان في حالة خوف من تلك النهاية على نفسه أو على من يحبهم..
ومن الممكن أيضاً أن يعي الأمر بطريقة أخرى فلا يخافه على الإطلاق: القرآن الكريم يقول لنا أن الدار الآخرة هي الحياة الحقيقية الدائمة الخالدة.. هذا يعني أنه مهما أحسسنا أن حياتنا الدنيا حقيقية، فهناك ما هو أكثر حقيقية وواقعية كما يقول الخالق سبحانه وتعالى. من ناحية أخرى وعلمية بحتة، كل المادة عبارة عن طاقة والطاقة لا تفنى ولا تستحدث من عدم، وإنما تغير أشكالها.. الذرة هي الذرة ولكنها تتشكل بأشكال مختلفة لتعطينا المواد والتركيبات المختلفة التي نراها في حياتنا.. وبالتالي فإن من يموت قد غير شكل وجوده فحسب ولم ينته!.. القرآن أيضاً يشير لحياة البرزخ، أي أن هناك حياة ولكن لا نراها نحن من مكاننا هذا.
خوفك من موت الأحباب وخصوصاً هذا الشاب الذي تحبين هو بسبب عدم توفيرك لنفسك الإحساس بالأمان.. اعلمي أنه ليس هناك إنسان على الأرض يمكنه ضمان الإحساس بالأمان لك أو لأي شخص آخر.. أنت الشخص الوحيد الذي يمكنك ضمان وجوده في حياتك دائماً وأبداً. المشهد الذي تتخيلينه عن فقد هذا الحبيب والانهيار والإجهاش في البكاء قد يكون بسبب عدم الإحساس بالأمان وأيضاً بسبب أنك لا تسمحين لنفسك بأي أحاسيس أخرى عدا الحزن والفقد والافتقاد! فمثلاً لا تتخيلين حياة سعيدة مع هذا الشخص وإنما تتخيلين دفنه! لا تتخيلين أطفالاً وأسرة وبناء لحياة نافعة! وإنما تتخيلين تعبيرك عن الفاجعة لدرجة يتعجب لها الرجال! قد يكون هذا أيضاً بسبب غضبك تجاهه -وقبل أن تبدئي في الإنكار- الاعتذار له عندما يكون هو المخطئ هو ظلم لنفسك وإفساد له.. ألن يسبب هذا غضباً؟ حبيبك سيموت يوماً ما لكن هذا لا يبرر الظلم والإفساد.
الفتاة الشاحبة ذات الشعر الذي يغطي عينيها هي وصف طبق الأصل من فيلم رعب أسمه جرادج (Grudge) أو "الضغينة" و آخر إسمه ذارينج (The Ring) أو "الحلقة" وهي أيضاً تخرج من تحت الفراش.. قد تكون صورة من الفيلم عبرت أمام عينيك دون أن تعيها، وقد تكون أيضاً هي عدوانك وغضبك تجاه نفسك.
من ناحية الجاثوم، فهي حالة طبيعية تحدث من حين لآخر لكل البشر وتتكرر لدى القليل منهم. هذه الحالة لا علاقة لها بالإيمان أو النظافة أو الجان أو الملائكة، إنما لها علاقة بإفرازات المخ التي تساعد على بقاء الجسم ساكناً أثناء النوم، لكن إذا ما استيقظ العقل قبل الجسد فإن الإنسان يحس بالشلل وهو لا شك شيء مخيف إن لم يفهم الإنسان سببه العلمي.
عليك بممارسة الرياضة الخفيفة مثل المشي يومياً، عليك أيضاً بتخيل المستقبل بطريقة إيجابية حتى وإن صعب عليك التخلص من هذه المشاهد المأساوية الخيالية التي تعودتي عليها. كلنا سنموت إن عاجلاً أو آجلاً، ولك الخيار في أن تعيشي حياة سعيدة تصنعينها أنت أو أن تعيشي حياة بائسة كما يحدث الآن... ما الذي تريدينه أنت من حياتك بغض النظر عن وجود الحبيب أو الأسرة؟ ماذا تريدين لنفسك؟ ما الذي تأملين في تحقيقه بنفسك ولنفسك وللآخرين قبل مغادرة هذه الحياة؟ ما الذي يمنعك من الاستمتاع بحياتك؟ كل الناس لديها مشاكلها وصعوباتها، لكن هناك مع العسر يسرا كما هو في القرآن الكريم.. إذن ما هو ذاك اليسر داخل أو مع كل عسر؟ هذا هو ما علينا نحن البشر أن نفكر فيه ونكتشفه بأنفسنا.. هذه مهمتنا.
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب.