السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيدي الفاضل،
أشكرك على مساحة الحرية التي فتحتها لنا لنعبر عن مشاكلنا وآرائنا.
دكتور وائل، لقد قرأت لحضرتك مقالات كثيرة عن الريجيم والحمية، سأحكي لك الآن ما حدث معي من البداية.
ولدت ووزني يقارب الخمس كيلوجرامات، بدأ وزني في زيادة سريعة لدرجة أني عندما وصلت شهري الثالث طلب طبيب الأطفال من أمي أن تخضعني لحمية! نعم، لك أن تتصور حمية لطفلة عمرها 3 شهور -وجدت هذا في مذكرات كانت أمي تكتبها عني وعن حالتي الصحية بما أني كنت الطفلة الأولى- على حد قولهم وصل وزنى إلى 20 كغ حين بلغت من العمر عامين، وتشهد صوري على ذلك كنت طفلة ممتلئة.
بدأ طولي يزداد تدريجياً فكان يعوض زيادة وزني فلم أكن سمينة حينما كنت في الابتدائية، كان قوامي معتدلاً إلى أن بلغت الحادية عشرة من عمري حينها بدأ وزني يزداد في الثالث الإعدادي. كان طولي تجاوز 169 سم بقليل ووزني أيضاً يتجاوز ال70 بقليل -لا أدري كم حينها- وبدأت جدتي وأمي بالضغط عليّ لأعمل ريجيم. أذكر هذه الأيام جيداً؛ اشترت لنا جدتي ميزان وكنا نقيس وزننا كل أسبوع عندها، نقص وزني وأصبح 69 كغ، وبعد أن سافرنا وتوقفت عن الحمية، حدث لي ما يحدث مع كل من يتبع حمية ويتركها زاد وزني ليصل بعد عام إلى 85 كغ.
عندما عدنا إلى بلدنا وبختني عائلتي كلها، أمي لا تحتمل التعليقات، وبالتالي اتبعت حمية مرة أخرى إلى أن وصل وزني 78 كغ، ونفس المشهد يتكرر: بعد فترة أتعب فأترك الحمية ليزداد وزني بشراسة! دخلت الثانوية العامة وكنت آكل كثيراً لأنفّس عن تعبي من المذاكرة، وصل وزني بعدها إلى مشارف ال90، طبعاً يجب الخضوع للحمية قبل العودة لمصر، هذه المرة نزلت حتى أصبح وزني 85 كغ- في هذه الفترة وزني بدأ يزداد بمعدل 10 كغ في السنة. في مصر بدأ يزداد وزني إلى أن وصلت في عامي الثاني إلى 100 كيلو، وتابعت مع طبيب مختص بالحميات إلى أن وصل وزني إلى 78 كغ على مشارف عامي الثالث بنظام حمية كيميائي، أصبت بعدها باكتئاب أعالج منه حتى الآن -عامي الثالث-، ولك أن تتخيل مع شراهتي في تناول السكريات عندما أكون حزينة أو متوترة مع أدوية الاكتئاب وتركي الحمية، وصل وزني إلى 115 كغ في غضون شهرين ونصف.
أصبحت أدور في حلقة مفرغة؛ أكتئب فآكل فيزيد وزني فأكتئب فآكل فيزيد وزني... وهكذا، وزني الآن يزيد بمعدل 12 كغ في الشهر. عندما أنظر إلى صورتي وأنا عمري 12 سنة أقول: ليتني ما سمعت كلامهم ولم أتبع حمية، ما كان وزني ليزداد من البداية.
بدأ الأمر ووزني 73 كغ تقريباً ووصل إلى 115 كغ وطولي 171 سم، ولم يعد عندي الإرادة لاتباع أي حمية أخرى، أصاب بنوبات شراهة غريبة لكل ما فيه سكريات، بدأت آخذ أدوية السكري أحاول التقيؤ بعد تناول الطعام، لكن حين ما أمتنع عن الأكل أحس أني متوترة جداً.
أريد نصيحة حضرتك، قلت مرة لطبيبي النفسي أني آكل الكثير من رقائق البطاطا والشيكولاتة -فهي كل ما آكله طوال اليوم- وطلب مني التوقف عن ذلك، لكني محرجة من مصارحته بأن الأمر قد خرج من يدي وأني آكل لاإرادياً ويزداد اكتئابي أكثر مع زيادة وزني وتعليقات من حولي. أجريت تحليلاً للغدة ودعوت الله أن تكون سبب المشكلة لأرتاح من كلامهم، ولأن طبيب الحميات قال أن زيادة وزني هذه غير طبيعية، لكن للأسف كانت غدتي سليمة.
كتبت هذه الرسالة من حوالي 4 شهور ولم أبعثها لحضرتك في تلك الفترة -في الإجازة- اتبعت الحمية ثانية فنزل وزني إلى 97 كغ، بعدها رجعت للجامعة وعاود وزني الصعود حتى وصل 105 كغ وطبعاً لأن أهلي مسافرون وأنا في مصر وحدي لم تعرف أمي ما حصل، ولا أدري إن هي عرفت ما الذي قد يحصل لها.
أنا تائهة صدقني لا أدري ماذا أفعل! أنا عاجزة عن اتباع حمية! فأنا فجأة آكل بشكل غريب كميات غريبة، عدا عن أني قد أقضي نهاراً كاملاً لا آكل شيئاً البتة!.
حالياً أنا أتناول الملينات laxatives كمحاولة لفعل أي شيء لـ Mechanical Gagging Reflex لدي منخفضاً، ولست قادرة على الوصول إلى emetic، أستطيع الحصول عليه من الصيدلية، أعرف أن هذا مضرّ لكن لم يعد يهمني إلا أن ينقص وزني لأرتاح من هذه الدوامة. فقدت ثقتي بنفسي تماماً بسبب كثرة التعليقات. طلب طبيب الحميات مني أن أعرض نفسي على طبيب نفسي ليصف لي دواءً يثبط الشهية، أنا أتناول مثبطات الشهية أصلاً ولا أشعر بالجوع مطلقاً، لكن المشكلة أني لا آكل لأني أجوع ولو حاولت مقاومة تناول الطعام أتوتر جداً وبعدها أصاب بالاكتئاب. أنا أتناول faverin 150 , buspar 20 يومياً للاكتئاب والوسواس القهري.
آسفة فقد أطلت على حضرتك، أريد نصيحتك، أنا حائرة لا أدري ماذا أفعل؟ وهل هناك من تدخل جراحي قد يكون ناجحاً هنا؟ كم يكلفني؟ شكراً على سعة صدر حضرتك. جزاك الله خيراً.
14/01/2010
رد المستشار
الابنة العزيزة "براءة"،
أهلاً وسهلاً بك على مجانين، وشكراً جزيلاً على ثقتك. أعتذر بداية لتأخري في الرد عليك، فأنا أحياناً واحد من أكسل المستشارين! ويبدو أن رئيس التحرير أ. نانسي نبيل لأنها تراني من قرب تشفق عليَّ فلا تذكرني بأني تأخرت على استشارات مجانين.
من الواضح أن الوعيَّ بالوزن Weight Consciousness وشكل الجسد قد نغص عليك حياتك وكذلك على أفراد أسرتك، فكونك كنت طفلة بدينة منذ ذاك السن المبكر تفاعل مع هوس ثقافة الوزن والشكل التي نعيشها جميعاً فانخرطت في حميات منحفة متكررة وعشت في تأرجح وزن Weight Cycling يكاد يكون دائماً ربما منذ أصبحت على أعتاب المراهقة يا "براءة".
بدأت رحلتك مع المرض النفسي والعقاقير منذ السنة الثالثة لك في مصر والحقيقة، أنني ألوم عليك عدم إخبارك لطبيبك النفساني بمشكلتك مع الأكل، وحقيقة ليس الشعور بالحرج عذراً مقبولاً لإخفاء ما قد يكون اضطراب نهامٍ عصبي Bulimia Nervosa عن الطبيب المعالج.
والنهام العصبي هو اضطراب في الأكل يتميزُ بحدوثِ نوبات من الإفراط في الأكل تسمى بنوبات الدقر ( الأكل الشره Binge Eating ) يشعرُ الشخصُ خلالها بعدم القدرة على التحكم في سلوك الأكل أو وقفه، إضافةً إلى اللجوء إلى أساليبَ مُعَدِّلةٍ Compensatory Behaviors لتلافي زيادةَ الوزن التي تنتجُ عن تلك النوبات، والأساليبُ المعدلةُ تندرجُ تحتَ نوعين أولهما هو:
السلوكيات التفريغية Purging Behaviors سواءً بالاستقاءة (تعمد التقيؤ) أو ابتلاع المسهلات (أو الشربة) أو مدرات البول، أو باللجوء إلى الحقن الشرجية من أجل إفراغ ما تمَّ التهامهُ أثناءَ النوبة سواءً من الفم أو من الشرج.
وأما النوع الثاني من الأساليب المعدلة فهوَ السلوكيات غير التفريغية Non-Purging Behaviors وتشملُ الصومَ المتواصلَ وتناول مثبطات الشهية، والتريضَ المفرط Excessive Exercising وتعدُّ الاستقاءةُ أكثرَ الأساليب المعدلة شيوعاً... ومريضةُ النهام مثلها مثل مريضة القهم تعاني من الانشغال الزائد بالأكل ووزن الجسد وصورته وترى نفسها بدينةً حتى وإن لم تكن كذلك ومعظمُ المريضات يعانين من الاكتئاب والقلق ولديهنَّ احتياجٌ شديدٌ للاستحسان من الآخرين.
ألا ترين أن معظم ما سبق ينطبق عليك يا "براءة" يا ابنتي؟ إذن نصيحتي وبسرعة أن هي أن تخبري طبيبك النفساني المعالج بحقيقة معاناتك مع الأكل وحاجتك إلى العلاج المعرفي السلوكي الذي قد يعطيك ما يغني عن استخدام العقاقير لفترات طويلة وينفع العلاج المعرفي السلوكي في علاج الاكتئاب وفي علاج الوسواس -وهما اضطرابان تنجح في علاجهما العقاقير ولو على المدى القصير- وينفع أيضاً في علاج النهام العصبي وهو ما تفشل في علاجه العقاقير... إذن غالباً ستتغير استراتيجية العلاج يا ابنتي إذا عرف معالجك كل شيء عنك. نفذي ما نصحتك به وانتظري النتائج الطيبة إن شاء الله وبها تابعينا.