السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بارك الله جهودكم وجعلها في ميزان حسناتكم إن شاء الله،
أنا فتاة جامعية، تنقلت بفضل الله من نجاح لنجاح، فأنهيت دراستي العليا في أمريكا، وأخذت منصباً مرموقاً في مؤسسة دولية بعمر أحسد عليه، ثم جاء النصيب، استخرت وتخيرت، وأقصى ما في وسعي قد عملت، وتم الزواج بحمد الله في عمر الثامنة والعشرين، بعد خطوبة عامين (كان الحصار سبباً في إطالتها، حيث أن خطيبي يقطن أوروبا ولم يستطع المجيء إلا حينما فتح الفلسطينيون الحدود بين مصر وغزة بالقوة لمدة ثلاثة أيام في بداية عام 2008).
لحقت بزوجي لأوربا لأضع طفلتي ورزقت بطفلة مثل القمر، لأن ظروف السفر ليست متاحة دائماً بين غزة وخارجها، فقد اخترت الاستقالة، حتى أبقى بجانب أسرتي، لأنني أعرف أن لو تركت الأمر للحدود والمعبر والأنفاق، فلن أراهم إلا مرة كل عام أو حتى أعوام.
مقدمة طويلة، أردت منها سيدتي أن تعرف جانباً من شخصيتي، وبعضاً من ظروفي لتساعدني في حل ما أمرّ به من مشكلة. لمشكلتي أكثر من جانب:
- الجانب الأول؛ أن زوجي لم يرَ من شخصيتي (بعد الزواج) إلا تلك الأم والزوجة وربة البيت، وهي أدوار لا أقلل من أهميتها، بل أعي جيداً مدى أهميتها، وأستمتع بكل ذرة في ممارستها، خاصة بعد رحلة طويلة من العمل والدراسة والتنقل، ولكن يعاملني كما لو أنني لا أفك الخط! فمثلاً لو أحضر ورقة تتطلب إمضائي، طلب مني إمضائي دون أن يفصّل لي ماهيتها، خاصة أنها بلغة أجنبية ثالثة ما زلت في طور تعلمها، وقوانين البلد ما زلت أيضاً في طور التعرف عليها، فإن سألته تارة يسخر وتارة يغضب، وتارة لا يجيب وأخرى يجيب مقتضباً، حتى اللحظة لا أستطيع أن أعمل تحويلة أو أسدد فاتورة، أو حتى أعلم بالضبط مبلغ إيجار بيتنا رغم أنه يعرف جيداً أني أستطيع كل هذا، فأنا عشت مغتربة مستقلة لفترة ليست بالقصيرة أثناء دراستي، أنا بالطبع لا أشك به مطلقاً من ناحية مالية، أو حصوله على إمضائي.. إلخ، لا وألف لا، لكني أستغرب هذه الطريقة في التعامل، لا أرغب أن يعاملني كما كنت مديرة إدارية ومالية لبرنامج مالي ضخم، لكن على الأقل كزوجة عادية، ثمة معلومات جميعهن يعرفنها بل مطلوب منهن معرفتها، فقد يأتي الوقت والحاجة ويتطلب ذلك مني أن أفعل ذلك.
الجانب الثاني؛ وهي مشكلة أكبر من الأولى، أنه بدأ ينسيني أنني أمراة، فلا تعليق على تسريحة شعري، ولا على أي شيء يتعلق بأنوثتي، بمكياجي، بحملي، بآلام حيضي...، بل أذكر يوماً أني سافرت لمدينة ثانية بعيدة فقط لأقص شعري، لأن الكوافيرة هناك محجبة ولها قسم للمحجبات، وجئت البيت، فلم يلحظ أصلاً أني قصصته أو صبغته، أو فعلت به شيئاً، إلا بعد تعليقات من المحيطين بي- أخي وزوجته، لا أنكر أن تفصيلة كهذه ومثيلاتها تصيبني بالإحباط، خاصة أني والحمد لله على قدر من الجمال والأنوثة.
لا أتذكر يوماً أن لمسني لو مصافحة خارج العلاقة الحميمية، التي هي فقط تذكرني أننا زوجان ولسنا رفيقا سكن أو أخوين مثلاً، أما كلمة أحبك، أو كلمة غزل أو مداعبة، فذاك حلم يبدو بعيد المنال، إنها حياة جافة فعلاً.
سلمت أمري لله، وقلت هي طبيعته، فهو قليل الكلام والتعبير، وثمة ظروف عائلية مرّ بها، ساهمت في هكذا شخصية، وأكد لي أخي -المغترب هو أيضاً، ورفيقه لوقت طويل- أنه كذلك، حتى وجدت صدفة في أوراقه وأنا أرتب صوراً مع صبايا، صوراً لا أقول بها كبائر، لكنها تدلل جيداً أنه يجيد التعامل مع المرأة، وأخذ الصور معها، أعرف بهذه الفترة أنا لا ألومه على ماضٍ قد سبق، لكني ألومه ما دام يقدر ويعرف حتى ولو ليس بخبرة فائقة ولكن بحد معقول، ألست أنا أولى بهذا؟.
وجدت أيضاً بعضا من مراسلات كانت بينه وبين فتاة قد تعرف بها على موقع زواج، وأراد أن ينزل البلد ليتزوجها، لكنه لم يتمكن لأنها من الضفة في فلسطين وليس مسموحاً لنا أهل غزة أن نذهب هناك، فانتهى نصيبه بها وجاء متوجاً لزواجي. هو أخبرني باختصار أنه جاء فلسطين لهذا، ولكن النصيب جاء به لغزة وليس للضفة، بل كثيراً ما مازحني أني مدينة لتلك الفتاة فلولا قراره بالنزول للزواج منها ما نزل غزة وتعارفنا وتزوجنا، ورغم معرفتي بعد ذلك أنه ظل متواصلاً معها حتى بعد الزواج، لكن الأمر قد انتهى بعد مشاجرة كبيرة قامت بين ثلاثتنا، أنا وهي وهو، انتهت بانتهاء القصة وقد عقد قرانها وستتزوج قريباً.
أقسم أني صفحت له خيانته، لكن ما لا أقدر على نسيانه هي كلماته وعباراته لها تلك التي قرأتها في بعض المراسلات، صحيح أنه لم يرها شخصياً لكن أين بعضاً من نوعية هذه الكلمات لي؟ ألا أستحق؟ ألست امرأة؟ بل ألست زوجته وحلاله؟ والأهم من هذا ما هو تقصيري ليقصر بي في مشاعري وأنوثتي كل هذا؟ فأنا باعترافه شخصياً لا أقصر بشيء، وأعمل كل ما في جهدي ليسعد ويرضى.
حسناً سيدي، ستقول لي انسي الماضي، وأنا أؤمن بهذا، وأؤمن أن اجترار الذكريات وفتح وقائعها الماضية ضرباً من الحمق والجنون، ولكن كيف؟ كيف أنسى تلك العبارات والغزل والحب وأنا محرومة منها؟ كيف أسمح لنفسي أن تتقبل جفافه وتسلم أنها طبيعة أمره وتنظر للجوانب الأخرى الطيبة في شخصيته؟ وكل لحظة برود تذكرني بتلك التفاصيل والصور؟.
لا أنكر أن به جوانب كثيرة جيدة، ولا أنكر أني لا أنكرها، بل أحاول دائماً استحضارها وتذكرها، وإقناع نفسي بها، لا أنكر أيضاً أنني أحبه وأحبه كثيراً ، لكن ما أصبحت مقتنعة به أنه لا يحبني، لا أقصد الكره بمعناه الحرفي أو القاسي، لكني أقصد أنه لا يكون تجاهي ذاك الحب الحميمي الذي يكنه محب لمحبوبه أو زوج لزوجته، أنا لا أريد عدلاً في التعامل هذا لو حصلت عليه، لكني أريد حباً وعاطفة، أريد دفئاً وحميمية، فعلت الكثير تلميحاً وتصريحاً ولا جدوى، لنت في الحديث وترققت في الحوار ولا جدوى، ثرت وغضبت، يلا جدوى! قد تبدو مشكلتي صغيرة أو حتى تافهة، لكن المحصلة أني غير سعيدة، غير سعيدة على الإطلاق، وهذا هو الأهم!.
سيدي ما الذي أفعله كي أستعيد سعادتي، وزوجي، وحبه؟ فأنا لا أنكر أني بدأت حديثاً أستمع لنداء الشيطان في إنهاء زواج بارد كهذا، فسنتان من الجفاف والبرود أفضل من إنفاق العمر كله فيه!.
11/02/2010
رد المستشار
حضرة الأخت "أم جنى" حفظك الله؛السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
لقد بدا من رسالتك الطويلة، بالإضافة إلى كونك جميلة وشابة ومتعلمة ومثقفة... بدا أنك تتزوجين للمرة الأولى في حياتك. فالزواج هو نوع آخر وتفصيل آخر من الحياة، لا يشبه العزوبية مطلقاً، بل يجسد حياة جديدة بعيدة عن التوترات الهورمونية، والوِحدة العاطفية ليدخلل الإنسان إلى مناخ مختلف لم يكن مستعداً له من قبل. فتظهر شخصية الزوج على صورة الأب، والزوجة على صورة الأم، وعندها لا يعد الزوج "الدونجوان" الذي يسعى ليله ونهاره لكي يصطاد أنوثة الفتيات من حوله، فتنفتح شاعريته وأريحيته، على الأفكار الغرامية ليستطيع أنن يجذب الأخرى فتلتقي الهورمونات بالهورمونات، ويكون ثمرة ذلك الطفل الذي يجدد الإنسانية. وعندها تتحول الأحاسيس من علاقات الصداقة والغرام إلى جدية الأبوة والأمومة، فيأخذ الطفل القسم الأكبر من حب وحنان الزوجين لكي لا يبقى لكل واحد منهما إلا القليل يجمعهما على وسادة الغرام ذات الوقت القصير من أيام العمر.تكبر الهموم ومسؤوليات الأمن المادي للعائلة على كاهل الزوج، فيهمل بعض الجوانب على حساب الجوانب الأخرى، وهكذا تشعر الزوجة، خاصة تلك التي تسكن المنزل بأنها أصبحت في الدرجة الثانية أو الثالثة من اهتمامات رب البيت. كيف لا وهي تنتظره طوال النهار لكي تتحدث معه في بلاد الاغتراب، وهو يأتي من العمل بعد أن شاقّه الحديث مع الناس والتواصل معهم ويريد أن يخلد للراحة بصمت ضمن جدران المنزل. الزوجة ملتهبة متشوقة للقائه، وهو تَعِبٌ قَرِفٌ من نهاره، وكل ما يتمناه هو السكون والهدوء. هنا في بلادنا تنصرف المرأة التي لا تعمل إلى تبادل الحنان والعواطف مع الجيران، فتكثر الصبحيات والعصرونيات، وتتشاطر المرأة الهموم والشجون مع جاراتها اللاتي تخففن عن بعضهن بعضاً آلام ومتاعب الحياة اليومية، وتتبادل النصائح فيعالج المجتمع نفسه، وتزكو مَن تزكو بالارتقاء الروحي، وتهبط مَن تبعد عن الصراط القويم في متاهات الغدر والخيانة، وتتكامل الأيام إلى أن تصل إلى الوقت الذي لا تُغَادَرُ فيه صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها... ياا أم جنى، زوجك قبل الزواج كان اسمه محمد أو حسن أو جميل أو كمال.... وبعد الزواج أصبح "أبو جنى" فمعه الحق أن يتغير.أما كيف تستطيعين أن تصنعي السعادة لكِ ولزوجك ولابنتك؟ فهذا سؤال آخر يستلزم شروحاً كثيرة تتعلق بكل زوجين على حدة، وقد تحتاج إلى معاينة طبيب نفسي، يأخذ بعين الاعتبار التفاصيل لكي يسدي النصائح بدقة للوصول إلى الحل الأمثل.فكرة الطلاق لا نحبذها أبداً، فهي أبغض الحلال، ولا تقدمي على ما يبغض الله، فـ لِـ جَنَى الحق في أن يكون عندها أم وأب صابرين محتسبين، يعملان على صناعة السعادة لهما ولها، فليس بإمكانها أن تعيش دون واحد منهما.
لم تقولي لنا يا "أم جنى" كيف علاقتك بالله، وهل أنك تؤمنين بسعادة الدار الآخرة وعذابها أم أنك من الملتزمات بسعادة الدنيا ونسيان الآخرة؟ فإذا ما كنتِ تؤمنين بالله فقد تكوني قد اطلعتِ على مسيرة حياة كل الأنبياء والأوصياء والأولياء، كيف أن كل همهم كان سعادةة الآخرة، فنسوا الدنيا وتفكروا بالعليا، وإذا بهم يسعدون في شقاء هذا العالم، ولم يشقوا في نعيم العالم الآخر.كم نتمنى أن تكوني واحدة منهم! وبشّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعونوالحمد لله رب العالمين.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.