حياتي تتدمر
أنا شابة في السنة الرابعة في الجامعة، توفي والدي قبل 4 سنوات ونتيجة لذلك اضطر إخوتي للسفر وبقيت مع أمي، عندما كنت صغيرة كنت أحبها كثيراً وزاد تعلقي بها بعدما توفي والدي.
مؤخراً عرفت أنها تدخن الأمر الذي أثّر عليّ بشكل غير معقول، يئست من الحياة ويئست من كل شيء لم يتبق لدي ما أعيش لأجله، تحصيلي الدراسي تدهور مع أني كنت من أوائل القسم، ما عاد شيء يفرحني واسوّد الحياة في عيني، صرت دائمة الشجار معها، وكرهتني عائلتي، واهتزت ثقتي بنفسي ولا أدري ماذا أفعل؟
حاولت مصارحتها بالأمر لكنها غضبت وصرخت عليّ وأنبتني بل صارت تكرهني،
ماذا أفعل؟.
4/2/2010
رد المستشار
ابنتي،
لقد تعرضت لصدمة وفاة والدك في سن حرجة، ومن بعدها تطورت الأمور فأصبحت أنت ووالدتك كالغريقتين المتعلقتين بقطعة الخشب الوحيدة في المحيط، فلا تستطيعين الفكاك منها ولا هي تستطيع، ورغم الاعتراف بدرجة من القبول لهذا الالتصاق المنطقي في بداية تلك المحنة إلا أن طريقة تفكيرك الخاطئة هي التي تضخم ردة فعلك في معرفة قصة السجائر هذه، ولا أقصد بالطبع أن تدخين السجائر لا يستحق القلق أو الخوف أو الاستنكار. لكن ما زلت أقف أمام ضخامة ردة الفعل الذي كان من آثاره تدهور العلاقة بينك وبينها بل وتدهورك الدراسي وسوء العلاقة العامة مع العائلة! فهل اكتشافك لذلك يستحق كل ذلك؟ أم أن الأمر أبعد من ذلك وهناك مشكلة نفسية تقبع في العمق وظهرت وانفجرت حين حدث هذا الاكتشاف؟ فأتصور أن ملاصقتك لها صار غير طبيعي وهو كما ذكرت بالحرف "تعلّقاً"، فهي تمثل لك الوجود أو عدم الوجود، وطالما تعيشين معها والعلاقة على وئام وكلما صحوت صباحاً وجدتها كما تتمنين وتتصورين في خيالك كان معناه حياتك، وكلما حدث ما يهز تلك الصورة ضعت ولا معنى لوجودك دونها! فالتعلّق نقمة يا ابنتي حتى ولو كان بالأم! لأن التعلّق معناه التنازل عن الوجود والذوبان في شخص آخر والاستحواذ عليه بأنانية شديدة حتى في أنفاسه، وكأننا نخنق بيدينا من نحبهم.
هل فكرت أنها تعاني مثلك من فقد زوجها وفقد القرب من أولادها؟ هل فكرت في أنها تتصور مثل معظم المدخنين أن السجائر وسيلة للتنفيس عن القلق والخوف والانفعال المكتوم؟ هل فكرت ماذا تحتاج أمك كأنثى؟ فضغوطك يقابلها ضغوطاً لديها فصار كل منكما يتحدث بلغة لا يفهمها الآخر، وصار سوء العلاقة معها يؤثر على كل حياتك وكل أدوارك، فانتبهي يا ابنتي وكوني أكثر نضجاً وأحبي أمك حباً صحيحاً ناضجاً، وبدّلي معها الأدوار لتعطيها كما أخذت منها الكثير، ولا تنساقي وراء تعلقك الذي يجعلك تضخمين الأحداث حين يتغير الشكل المرسوم له، وأحبيها الحب الذي يجعلك تتفقدي احتياجاتها وتسعي لتحقيقها لها قدر إمكانك؛ فلتحدثيها عن أحلامها لتتعرفي عليها وتناقشيها في مخاوفها لتضعا معاً لها حلولاً تريحكما سوياً. لا تجعلي هذا الاكتشاف كالقشة التي قصمت ظهر البعير؛ لأنك تحملين منذ سنوات آثار صدمة والدك ولم تواجهيها وتفرغي شحنتها السلبية أو تتعاملي معها بشكل مناسب لتنفجر الآن، وحتى أكون أكثر وضوحاً أرجو أن تتذكري الآتي:
- الحب طاقة عطاء كما هي طاقة أخذ، والحب لا يعني الاستحواذ والتملك ولكن ببعض الحرية يتنفس الحب وينتعش
قد تكونين تحت تأثير آلية دفاع نفسية تحدث عند بعض الأشخاص حين يتعرضون لأزمة كبيرة ومفاجأة فيؤجلون دون وعي منهم -بعضهم يقوم بتلك الآلية لسنوات- مواجهة تلك الأزمة حتى يكون جهازهم النفسي والعصبي في حالة استعداد لمواجهتها وجاء وقت مواجهتها وكانت علاقتك بأمك هي الثمن.
- اغفري لها تلك الزلة التي يقع فيها الكثير ممن يعانون الإحباط والخوف وعدم القدرة على مواجهة مشكلاتهم ولا تتحدثي فيها مباشرة الآن، حتى تتمكنا معاً من الحديث الناضج الصريح الذي يظهر فيه بهدوء حقيقة المشكلات وقدرتنا على التعامل معها ووضع طرق لعلاجها.
- ابدئي بما قلناه واستجمعي إرادتك حتى لا تكوني صريعة الاكتئاب الذي بدأ يظهر بوضوح حيث قلت بأن حياتك ليس لها معنى أو عدم التركيز الذي يجعلك في تأخر دراسي.